تشهد بعض الدول العربية ارتفاعًا مهولًا في حالات الطلاق، التي وصلت نسبتها في الكويت على سبيل المثال إلى 62.7% من إجمالي حالات الزواج. وفي مصر تشير الإحصاءات إلى أنه تقع حالة طلاق كل أربع دقائق، وتنتهي 40% من حالات الزواج في غضون خمس سنوات. ولا يبدو الحال أفضل كثيرًا في باقي البلدان العربية.
وكما أن الطلاق ليس سهلًا على الزوجين، فإنه بالتأكيد لا يقل صعوبة على الأطفال أيضًا. وفي كل عام يواجه الآلاف من الأطفال كمًا مفجعًا من الضغوط الناجمة عن الطلاق الذي تختلف ردة فعلهم تجاهه وفقًا لعمرهم، وشخصيتهم، وظروف عملية الانفصال أو الطلاق. وفي كثير من الأحيان تكون ردة الفعل الأولي: الصدمة، أو الحزن، أو الإحباط، أو الغضب، أو القلق.
إذًا كيف يمكن تقليل آثار هذا القرار على الأطفال، ومساعدتهم على التكيف مع الوضع الجديد، والحد من الأضرار النفسية التي قد تقع عليهم؟ في السطور التالية، نتناول ست طرق قد تساعد في ذلك.
1- اشرح لأبنائك الوضع الجديد بطريقة مبسطة مباشرة
بعد أن تتخذ قرارًا أكيدًا بشأن الانفصال تحدث إلى أطفالك حول هذا القرار. ومع أنه قد يصعب إيجاد طريقة سهلة للتحدث حول هذا الأمر، إلا أنه لا بد لكل من الوالدين الاتفاق حول طريقة شرح الموقف، والمشاركة في النقاش مع الأبناء سويًا.
ومن المهم أيضًا خلال الحديث مع الأبناء، محاولة تجنب مشاعر الغضب، أو الذنب، أو إلقاء اللوم على الطرف الآخر، وغيرها من المشاعر السلبية. كذلك، يجب أن تتناسب المناقشة مع عمر الطفل، ونضجه، وحالته المزاجية، وأن تمنح الأطفال معلومات كافية تُعدهم للتغيرات القادمة في حياتهم.
بالنسبة للأطفال الصغار، من الأفضل أن تكون محادثتك بسيطة، كأن تقول شيئًا مثل: «سيعيش والدك ووالدتك في منازل مختلفة حتى لا يتشاجران كثيرًا، لكن كلينا يحبك كثيرًا».
أما عن الأطفال الأكبر سنًا والمراهقين، فقد يكونون أكثر دراية بما يمر به الآباء، وقد يكون لديهم المزيد من الأسئلة بناءً على ما سمعوه من الخلافات والمجادلات. لذلك حاول الإجابة عن أسئلتهم بصدق قدر الإمكان، وتذكر أن الأطفال لا يحتاجون إلى معرفة جميع الأسباب الكامنة وراء الطلاق، خاصة إذا كان ذلك ينطوي على إلقاء اللوم على الوالد الآخر. يكفيهم أن يفهموا ما الذي سيتغير في روتينهم اليومي، وما الذي لن يتغير.
2- لا تشرك أطفالك في همومك
لا تبث همومك إلى أطفالك، وتجعلهم يقلقون بشأن أمور البالغين مثل الخلافات مع شريكك، أو مشكلاتك المالية وغيرها. ومن الأفضل أن تبحث عن صديق، أو معالج تثق فيه، تشكو إليه وتطلب منه النصح. كذلك، لا تتحدث مع أطفالك بسوء عن شريكك السابق، وإذا كان لديك نزاع معه؛ فلا تُعرض أطفالك لصِراعاتك، وإحباطك.
أيضًا لا تسأل طفلك في كل مرة يعود فيها من لقاء شريكك السابق، عن أحواله أو ما يجري في منزله. ومن الأفضل طرح أسئلة عامة حول كيف كان وقت طفلك الذي قضاه هناك، ولكن لا تتطفل. فضلًا عن ذلك حاول عدم إحداث تغيرات كبيرة في حياته، وحاول الالتزام بروتين عائلتك المعتاد، وعلاقات أبنائك بمن حولهم، قدر المستطاع.
3- ساعد أطفالك في التعبير عن مشاعرهم
عندما تمر الأسرة بالطلاق، يمكن أن يظهر على الأطفال أعراض الانسحاب أو التراجع. بالإضافة إلى ذلك، قد يبلل الطفل سريره، أو يرفض الاستماع إليك. تحدث مع أطفالك عن المشاعر التي يشعر بها الأطفال بشكل طبيعي في ظل هذه الظروف؛ حيث يصعب على الطفل أن يتعامل مع هذه المشاعر وحده. أخبر أطفالك بأنه وضع محزن، وأنه من المحتمل أن يُعاني من مشاعر مؤلمة كبيرة، ووضح لهم أنه من الطبيعي أن يشعروا بالحزن والغضب من الطلاق.
اسمح لطفلك بالبكاء، أو الغضب، وأية ردود فعل طبيعية أخرى. وأعلم أطفالك أن مشاعرهم تلك طبيعية، مثل أن تقول: «أعلم أنك تشعر بالحزن الآن» أو «أعلم أنك قد تشعر بالوحدة بدون والدك»؛ يُتيح هذا للأطفال معرفة أن مشاعرهم صحيحة.
سوف يحتاج طفلك إلى بعض الوقت لتقبل الوضع، إلى جانب دعمك وتواصلك المفتوح. وبمرور الوقت، سوف تتبدد هذه الأعراض، ويتكيف أطفالك مع التغيرات الجديدة. ومن الأمور التي قد تساعد في تعجيل ذلك، التخطيط لبعض الأنشطة العائلية المفضلة؛ وهو الأمر الذي يُعطي الأطفال شعورًا بأن الحياة تستمر كالمعتاد.
أيضًا شجع أطفالك على إجراء حوار مستمر معك، وإظهار تقبلك لأي شعور لديهم؛ لأنه أحيانًا يحتفظ الأطفال بمشاعرهم داخلهم؛ لأنهم لا يريدون أن يزعجوك. لذلك شجعهم على اللجوء إليك عندما تتملكهم تلك المشاعر، وكن داعمًا لهم.
وفي الوقت نفسه دع الأطفال يعرفون أنك تشعر بالحزن، وكن مستمعًا جيدًا لهم، حتى لو كان من الصعب عليك سماع ما يقولون، وطمئنهم أنك وشريكك السابق تُحبونهم وسوف تُبقونهم آمنين، سواء كنتما زوجين أم لا.
4- لا تُلقِ باللوم على الطرف الآخر في الطلاق
يحب الأطفال كلًا من والديهم، ويحتاجون إليهما معًا. لذلك تجنب إلقاء اللوم على الطرف الآخر، أو التحدث بشكل سيئ عنه أمام أطفالك، حتى لو كنت غاضبًا منه؛ حيث يُعرضهم ذلك إلى الدخول في صراع الولاء، والشعور بالضيق؛ وسيؤدي إلى وأد إمكانية إجراء أي حوار مفتوح معهم.
شجع الأطفال على الاتصال بالطرف الآخر عندما يكون لديهم أخبار يودون اطلاعه عليها، أو لمجرد الدردشة معه. وأبقِ شريكك السابق على اطلاع بالفعاليات المدرسية، والأنشطة الأخرى التي تخص الأطفال.
يحتاج الأطفال إلى الشعور بأن كلا الوالدين له قيمة؛ لأن كل طفل في النهاية هو خليط من والديه. لذلك اسع جاهدًا لأن يكون سلوكك متحضرًا، وأن تحافظ على علاقة ودية مع شريكك السابق قدر الإمكان. ويمكن أن يستثنى من ذلك، إذا كان الشريك السابق مسيئًا أو مهملًا للطفل. وفي هذه الحالة يحتاج الطفل إلى معرفة أن ذلك السلوك ليس مقبولًا.
5- أكد لأطفالك أنه لا ذنب لهم بقرار الانفصال
في مقال على موقع «سايكولوجي توداي»، تقول الخبيرة التربوية ميري والاس، أن الأطفال يميلون لأن يكونوا متمركزين حول ذواتهم، ويعتقدون أن سلوكهم أو أفكارهم تُسبب أحداثًا سيئة. لذلك يجب طمأنة أطفالك أن قرار الطلاق ليس ذنبهم، وإعلامهم أن والديهم اتخذوا هذا القرار بناءً على علاقتهم ببعضهم، وليس له علاقة بهم.
ومن الضروري أن تتضمن رسالتك إليهم دائمًا أن ما حدث قد حدث بين الأب والأم، وليس للطفل ذنب في ذلك؛ حيث يشعر معظم الأطفال بأنهم يتحملون المسؤولية، حتى بعد أن يوضح لهم الآباء أنهم ليسوا سببًا في الانفصال. لذلك ينبغي على الوالدين الاستمرار في طمأنة أبنائهم حول هذا الأمر.
6- وفر لهم ولك شبكة دعم متماسكة
شجع طفلك على البحث عن مصادر الدعم الخاصة به؛ إذ إنه من المهم بالنسبة لهم أن يكون لديه صديق يثق به، يمكنه التواصل معه، خاصةً إذا كان قد مر بتجربة مماثلة. وتوفر بعض المدارس، والمؤسسات الدينية، والمنظمات المجتمعية مجموعات دعم لأطفال الآباء المطلقين، التي يمكنك إلحاق طفلك بها.
ويمكن للشبكات الاجتماعية الخاصة بالزوجين أن تتقلص بعد الطلاق؛ لأن الأزواج قد يكون بينهم أصدقاء مشتركون، يفضلون البقاء بعيدًا خارج النزاع بدلًا من التحيز لأحد الطرفين. وبصفتك أحد الوالدين المطلقين، يجب أن يكون لديك أصدقاء، أو أفراد من العائلة، يمكنك مشاركة مشاعرك معهم بدلًا عن تحويل طفلك إلى صديقك المقرب، وإثقال كاهله بما لا يطيق.
لا تُصعب على نفسك الأمور، واعلم أنه لا بأس أن تكون ضعيفًا في بعض الأحيان. يحتاج الأطفال إلى معرفة أن آبائهم بشر أيضًا، يصيبون ويخطئون. وإذا واجهتك صعوبة في التعامل مع أي من الأمور، لا تتردد في طلب المساعدة من معالج مختص. وفي النهاية، الأهم بالنسبة لأطفالك هو أن يعرفوا أنهم محبوبون منك، وأنك ستكون دائمًا معهم.