الرضاعة الطبيعية رحلة طويلة وشائقة، مليئة بالتفاصيل والمتغيرات، لكنها كأي رحلة لا بد لها من نهاية تُسلِّم الأم وطفلها لمرحلة جديدة بتحدياتها المختلفة. والمراحل الانتقالية بطبيعتها أمر بالغ الأهمية في نفسيات الأطفال، سواء كانت النقلات صغيرة أم كبيرة لكنها دومًا فارقة، وانتهاء الرضاعة الطبيعية نقلة فارقة في عمر الطفل والأم، والتعامل معها بهدوء وحكمة يضمن سلام الجسد والروح لكليهما. لكن كيف نحقق المعادلة الصعبة؟ الإجابة في هذا التقرير.
الفطام.. خطوة تطور تلقائية
الفطام هو بداية إدخال الطعام للطفل بجانب رضاعته من ثدي الأم على أن يزداد الطعام تدريجيًّا وتقل الرضاعة تدريجيًّا حتى تنتهي ويحل محلها الطعام إحلالًا كاملًا، وهذه هي نهاية الفطام، لكن جرت العادة على استعمال كلمة الفطام تعبيرًا عن نهاية الرضاعة الطبيعية.
وتوصي كلٌّ من منظمات اليونيسيف والصحة العالمية باستمرار الرضاعة الحصرية لمدة ستة أشهر كاملة بدون أية أطعمة أو مشروبات إضافية، على أن تستمر الرضاعة عامين أو أكثر بجانب الطعام الصحي المعتاد، أي أن يبدأ الفطام من عمر الستة أشهر وينتهي مع العامين أو بعدها. ومن وجهة نظر أنثروبولوجية فمتوسط عمر الفطام الطبيعي في البشر يحدث ما بين العامين والأربعة أعوام، وقد يصل في بعض المجتمعات إلى ست سنوات!
لكن تظهر في مجتماعاتنا العربية تحديدًا ممارسات شائعة عن الفطام من حيث طريقته وموعده، لكن ما الطريقة الصحيحة الآمنة نفسيًّا وصحيًّا للأم والطفل؟
القواعد العشر للفطام التدريجي
1 – ابدئي بملاحظة نمط تغذية طفلك، ربما تكون كتابة يوميات الطعام فكرة جيدة توجهك لمواعيد جوعه وشبعه المعتادة، وكذلك الأوقات التي تعني له الرضاعة فيها الكثير، والأوقات الأخرى الأقل أهمية.
2 – اهتمي بوجود ثلاث وجبات أساسية يوميًّا في مواعيد شبه مستقرة، إفطار وغداء وعشاء، على أن تتخللهم وجبتان خفيفتان من فاكهة أو حلوى صحية منزلية الصنع. استثمري في تخطيط الوجبات الصحية الخفيفة فسوف تساعدك هذه الفترة.
3 – ادفعي بمواعيد الرضعات بعيدًا عن مواعيد الوجبات قدر الإمكان، للطفل أن يرضع أي وقت على مدار اليوم، لكن حاولي ألا تكون هذه الرضعات في موعد وجبة أساسية. لاحظي أننا لا نحرم الطفل من الرضعة حتى يتضور جوعًا فنرغمه على الطعام، لكننا نترك مساحة لفسيولوجيا جسده أن تظهر، ونسمح لهرمونات الجوع والشبع أن تعمل.
4 – اختاري رضعة من الرضعات غير المهمة لطفلك، واحذفيها، لا تعرضي الرضاعة وإذا طلبها طفلك في هذا الموعد، اعرضي وجبة خفيفة أو كوبًا من الماء، وإذا رفض اشغليه بألعاب أو أنشطة مسلية. لكن لا تجعلى الأمر عنادًا بينكما ولا حكمًا نهائيًّا بضرورة حذف هذه الرضعة في هذا التوقيت، ولكن كوني مرنة وإذا لاحظت إصرارًا منه، كرري المحاولة لاحقًا أو حتى اتركي هذه الرضعة، وجربي حذف رضعة أخرى.
5 – اهتمي بشرب طفلك للماء كلما أمكن، فكثير من طلب طفلك للرضعات يكون بسبب العطش.
6 – اشركي آخرين من أسرتك وأصدقائك في هذه المرحلة، سيكون لهم دورهم المهم في إلهاء طفلك باللعب والأنشطة أو حتى في النوم دون الحاجة للرضاعة.
7 – ارتدي ملابس مختلفة عن ملابس الرضاعة التي تذكِّر طفلك بطلبها، اجعلي ملابسك ساترة ومحكمة الغلق.
8 – أكثري من إظهار الحب والحنان والدفء والأحضان حتى يعرف طفلك أن توقف الرضاعة لا يعني توقف وجودك، وأن حضنك – وإن ارتبط بالرضاعة – فهو ليس محصورًا لها، وأكثري من التعليق أنه يصير أكبر يومًا بعد يوم، وأصبح له أطعمة مختلفة يحبها وأنشطة كثيرة يمارسها.
9- لا تتلاعبي بنفسية الطفل أو إشعاره بالذنب تجاه الأم، فلا يجوز أن نخبره أنه السبب في إصابة الأم أو تعبها أو جرحها، أو أنه فعل كذا فسنحرمه من الرضاعة عقابًا له.
10 – ممنوع تمامًا استخدام أي مواد على الثدي بهدف تنفير الطفل من الرضاعة، سواء كانت باللون أو الطعم أو الرائحة. تخيلي أن أرغمك أحد على تغيير وجبتك المفضلة بأن أسكب بها بعضًا من المُرّ.
لهذه الأسباب لا يجب أن تلجئي إلى الفطام المفاجئ
التوقف المفاجئ عن الرضاعة له الكثير من الآثار الجانبية على الأم والطفل، فمثلًا:
1- عندما تتوقفين عن الرضاعة لا يتوقف ثديك فجأة عن إنتاج اللبن، فلا بد من مرحلة انتقالية يقل فيها سحب اللبن من الثدي تدريجيًّا حتى ينخفض إنتاجه تدريجيًّا. فقد يدخلك التوقف المفاجئ عن الرضاعة في دوامة احتقان الثدي والتهابات قد تصل إلى الخراج الذي يحتاج إلى تدخل جراحي.
2 – تكوين اللبن من ثدييك عملية بنائية تحرق من 300 إلى 500 سعر حراري يوميًّا حسب عمر طفلك وكمية اللبن التي يحتاجها، التوقف المفاجئ لهذا الحرق دون تغير في طعامك ونشاطك يعني أن هذه السعرات ستتحول إلى مخزون جسمك من الدهون، وقد يتسبب ذلك في زيادة مفاجئة في الوزن. يكون الأمر أكثر وضوحًا للأمهات المصابات بمرض السكري، فعند الفطام المفاجئ يجدن أن مستويات سكر الدم لديهن قد ازدادت وصرن بحاجة لزيادة جرعات الأدوية أو الإنسولين.
3 – السحب المفاجئ للرضاعة هو سحب مفاجئ لمصدر تغذية وارتواء وإشباع عاطفي لطفلك، وتوقف هذه التغذية المفاجئ قبل أن تستقر تغذيته تمامًا من مصدر آخر قد تدفع بطفلك إلى مرحلة من بطء النمو وانخفاض الوزن، ناهيك عن التوتر النفسي الناتج منه.
كيف تحمي نفسك من أي مضاعفات محتملة؟
اتباعك لخطوات الفطام التدريجي كفيلة بإبعادك عن أي مضاعفات محتملة، لكن إذا لزم الأمر وشعرت ببعض الاحتقان في الثدي يمكنك عمل الآتي:
1 – راجعي قرارك وعمر طفلك، فربما قمت بخطوات سريعة للفطام تحتاج لبعض الإبطاء، وقتها أعيدي طفلك إلى ثديك وسيقل الاحتقان.
2 – استخدمي كمادات باردة لتقلل من أعراض الالتهاب، على عكس الشائع فاستخدام الكمادات الدافئة هدفه إدرار اللبن وتسهيل نزوله ليس تقليل الاحتقان، فلا تستخدمي كمادات دافئة أثناء الفطام، كذلك تجنبي الحمامات الدافئة والساونا وغيرها مؤقتًا.
3 – إذا شعرتِ ببعض التكتلات يمكنك تدليك ثدييك برفق، حد الشعور بالارتياح، لكن لا تفرطي في ذلك ولا تفرغي ثديك لأن هذا سيزيد من إنتاج اللبن.
4 – إذا شعرت بأعراض تشبه نزلات البرد مثل سخونة وإرهاق شديد ورعشة بجسمك، فتناولي أدوية مضادة للالتهاب وراجعي طبيبك فورًا؛ فربما تكونين بحاجة لأدوية أخرى أو تدخلات جراحية.
5 – لا ينصح باستخدام أدوية هرمونية لإيقاف اللبن، لأن دورها محدود وتستخدم في الأصل لأورام الغدة النخامية، كما أن آثارها الجانبية سيئة للغاية وأنت في غنى عنها.
أسباب لا تستدعي إنهاء الرضاعة الطبيعية!
قبل أن تتخذي قرارك بإنهاء الرضاعة الطبيعية تأكدي من مراجعة استشاري رضاعة طبيعية، ليس فقط ليوجهك للطريقة المثلى للفطام ويتابع خطواته التدريجية ويصمم برنامج تغذية مناسبًا لطفلك، لكن أيضًا ليراجع أسبابك.
كثيرًا ما تظن الأمهات أن لديها أسبابًا صحية تضطرها لإنهاء الرضاعة، وقد يخبرك بهذا المقربون أو حتى الأطباء من التخصصات المختلفة، لكن الحقيقة أن الأسباب الطبية لإنهاء الرضاعة قليلة جدًّا وتكاد تكون نادرة.
أشهر الأسباب المزعومة هي الأدوية الموصوفة للأم، والحقيقة أن هناك أدوية قليلة جدًّا تتعارض مع الرضاعة الطبيعية، حتى الأدوية التي لا نرغب في وصولها للبن فيمكن وضع خطة لإعادة جدولة الجرعات ومواعيد الرضعات بشكل يمكِّنك من تناول أدويتك والحفاظ على الرضاعة في آن واحد.
كذلك إذا كنت تخططين للعودة إلى العمل، أو عند وجود حمل جديد، أو آلام في الثدي والحلمات، فكل هذه الحالات ليست سببًا للفطام، وكلها لها حلول تضمن استمرار الرضاعة واستقرارها لأطول فترة ممكنة.
من الأخطاء الشائعة أيضًا استخدام الفطام وسيلة لإجبار الطفل على تناول طعام الأسرة المعتاد؛ ظنًّا منها أن تعلقه بالرضاعة يعوقه عن التغذية الجيدة، والحقيقة أن أفضل الطعام للطفل هو لبن أمه المصمم خصيصًا من أجله، والحفاظ عليه لأطول فترة ممكنة مكسب لصحة الطفل الجسدية، والنفسية، والمناعية.