«سأغادر أوزبكستان بحلول نهاية العام.. لا يوجد شيء يمكن القيام به هنا. علي أن أغادر من أجل ابنتي»، لم يكن هذا القرار الذي اتخذته راميلا إباتوفا، وهي أوزبكية-روسية، في عام 2005، تغريدًا خارج السرب، بل خيارًا لجأ إليه كثيرون هروبًا من تردي الأوضاع في أوزباكستان.
حين قالت يلينا، وهي ممرضة روسية من طشقند، آنذاك: «أعتقد أن الوقت قد حان للاستعداد للمغادرة.. سياسات الدولة تجعلنا أكثر فقرًا عامًا بعد عام، ونحن قلقون بشأن مستقبل أطفالنا»، كانت تحاول الهروب من وطأة الواقع ولو إلى المجهول.
هكذا تفقد الأوطان عقولها
بحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة في يناير (كانون الثاني) 2000، يبلغ عدد سكان أوزبكستان 24 مليون نسمة، 71% منهم أوزبكيون، و 8.3% روس، و5% طاجيك، و4% كازاخيون، وحوالي 6% من التتار والكاراكالباكستانيون، وتشكل الأقليات الأخرى 7%. بين عامي 1991 و1998، هاجر حوالي 600 ألف شخص، نصفهم تقريبًا من الروس. توجه 80% إلى بلدان أخرى داخل رابطة الكومنولث وجمهوريات البلطيق وإسرائيل والولايات المتحدة.
في إثر الآلاف الذين غادروا، ومعهم مهارات وخبرات حيوية، لم تصدر الحكومة كلمة واحدة تشيع بها الراحلين ولو بالأسى. وهكذا بدأ يتضح أن البلد يفقد رصيدًا حيويًا لصالح دول أخرى بسبب لا شيء، على حد قول شوكت عليموف في «معهد صحافة الحرب والسلام IWPR».
ونظرة واحدة على المصانع الفارغة، والمستشفيات التي تكافح للتغلب على قلة عدد الأطباء، والمدارس والجامعات المحرومة من المعلمين الأكفاء؛ تنبئك بالخبر اليقين عما آلت إليه الأوضاع في أوزباكستان، التي غادرها ما لا يقل عن عُشر سكانها للعثور على عمل في أرض الله الواسعة. حيث يبحث الشباب الموهوبون عن حياة أفضل خارج أوطانهم؛ فإنهم لا يصطحبون معهم فقط أرقامًا صمَّاء في سجلات المقيمين، بل يحدثون نزيفًا في جسد الأمم التي تفقد عقولها حرفيًا.
تظهر دراسة أجراها «البنك الدولي» في عام 2014 أن مليونَيْ مواطن أوزبكي يعيشون خارج البلاد اعتبارًا من عام 2010، وهو ما يصل بمعدل الهجرة إلى حوالي 7% من السكان. هذا المعدل أكثر من ضعف المتوسط العالمي (3.2%) ومعدلات البلدان الأخرى متوسطة الدخل (2.7٪)، وإن كان أقل من مثيله في أوروبا وآسيا الوسطى إجمالًا (10.7%).
الدول الرئيسية التي يقصدها المهاجرون الأوزبك هي: روسيا وكازاخستان، تليهما أوكرانيا ودول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية. ووفقًا لـ«وكالة الهجرة الفيدرالية الروسية»، بحلول 20 يناير (كانون الثاني) 2015، كان 2.2 مليون مواطن أوزبكي يقيمون في روسيا، 81% منهم في سن العمل.
انخفض عدد المواطنين الأوزبكيين المقيمين في روسيا مؤخرًا بعد أن وصل إلى 2.7 مليون في أغسطس (آب) 2014. وتشير بيانات مسح «البنك الدولي/ GIZ» لعام 2013 إلى أن الاتحاد الروسي يستضيف حوالي 86%، وكازاخستان 12%، من المهاجرين الأوزبك.
تغيُّر خريطة العمال الأوزبك المهاجرين
على مر السنوات، تغيرت خريطة العمال الأوزبك المهاجرين بشكل كبير، حسبما يرصد زيودولو باربييف في موقع «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»: في أوائل التسعينات، هيمنت الهجرة الدائمة للأقليات العرقية – معظمهم من الروس والأوكرانيين واليهود – على مشهد الهجرة. فوفقًا لبيانات اللجنة الحكومية للإحصاء في أوزبكستان، هاجر 1.5 مليون شخص بشكل دائم بين عامي 1991 و 2013 إلى بلدان أخرى. وكانت موجة الهجرة الدائمة عالية بشكل خاص في النصف الأول من التسعينات، لكنها تراجعت واستقرت منذ منتصف التسعينات. وفي عام 2000، حلت هجرة اليد العاملة محل الهجرة الدائمة كشكل مهيمن من الهجرة.
خلال الفترة ما بين 2000-2014، ارتفع عدد العمال المهاجرين بسرعة. وتشير تقديرات عام 2006 إلى أن العدد الإجمالي للمهاجرين الأوزبك في أوائل العقد الأول من القرن العشرين كان يتراوح بين 600 ألف و 700 ألف، منهم 550 ألف-600 ألف هاجروا إلى روسيا. منذ عام 2006 وما بعده، كان هناك نمو هائل في هجرة اليد العاملة في منطقة دول الكومنولث بسبب إلغاء التأشيرات ونمو الدخل السريع في البلدان المصدرة للنفط.
ظل العدد الضئيل من المهاجرين الأوزبك الذين حصلوا على تصاريح عمل قانونية في روسيا منخفضًا حتى عام 2006. لكن عدد تصاريح العمل ارتفع سريعًا بين عامي 2006 و2008، ومرة أخرى منذ عام 2010. وازداد عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات وحصلوا على تصاريح عمل بشكل كبير منذ منتصف العقد الأول من عام 2000، ووصل عددهم إلى 1.3 مليون بحلول عام 2013. كما زادت نسبة المهاجرين الأوزبكيين الذين يعملون بشكل قانوني، لكن لا يزال هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يعملون دون عقود رسمية وبالتالي لا تشملهم مظلة الحماية الاجتماعية.
في بداية العقد الأول من القرن العشرين، كان الرجال يشكلون الغالبية المطلقة للعمال المهاجرين. وكان المهاجر الأوزبكي التقليدي في ذلك الوقت يعمل موسميًا، حيث يسافر إلى روسيا وكازاخستان في الربيع ويعود إلى أوزبكستان في أواخر الخريف أو أوائل الشتاء.
لكن في منتصف الألفية الثانية كانت هناك بالفعل مؤشرات على تأنيث الهجرة: زاد عدد المهاجرات بشكل أسرع، ونتيجة لذلك زادت حصة المهاجرات في الهجرة الكلية. كانت المهاجرات في منتصف عام 2000 يبلغ متوسط أعمارهن 42 عامًا ويحملن شهادة التعليم الثانوي المتخصص. وتشير إحصائيات عام 2010 إلى أن نسبة النساء المهاجرات وصلت إلى 15%.
كما أصبح المهاجرون أصغر سنا: بين عامي 2000 و2010 زادت نسبة المهاجرين الشباب (أقل من 29 سنة) من حوالي 25% إلى 40%. كما زاد عدد المهاجرين العاملين الذين يصطحبون معهم عائلاتهم: حوالي الثلث يجلبون زوجاتهم وحوالي 10-15% يجلبون أطفالهم.
على مر السنين، تقلص الطابع الموسمي لهجرة اليد العاملة وأصبحت الهجرة مسعى طويل الأجل. فوفقًا لـ«وكالة الإحصاء الروسية»، في عام 2010 كان 22.5% فقط من المهاجرين يعملون في روسيا لمدة تقل عن ستة أشهر، و17% من ستة إلى تسعة أشهر، وأكثر من 60% يعملون لمدة تسعة إلى 12 شهرًا وأكثر؛ ما يدل على أن غالبية المهاجرين يتبعون بشكل متزايد استراتيجية طويلة الأجل.
وتكشف إحصائيات عام 2014 أن البالغين في سن العمل الذين يخططون للهجرة عادة ما يتمتعون بأعلى المهارات المعرفية وغير المعرفية، مقارنةً بالبالغين الذين ليست لديهم خطط للهجرة. علاوة على ذلك، فإن المهاجرين العائدين لديهم أيضًا مهارات معرفية وغير معرفية أعلى بكثير من غير المهاجرين. وتخلص الدراسات إلى أن المهاجرين العائدين عادة ما يعززون مهاراتهم أثناء تواجدهم في البلدان الأجنبية.
إصلاحات طموحة لا تجد كفاءات لتنفيذها
تشير هذه النتائج إلى حقيقة أنه عندما يغادر المهاجرون البلاد؛ سينخفض المستوى العام للمهارات، وعندما يعود المهاجرون؛ يرتفع مستوى المهارات. بمعنى آخر: عندما تكون الهجرة الصافية سالبة (يتجاوز عدد المهاجرين الخارجين عدد المهاجرين العائدين)، فإن البلد يعاني من هجرة الأدمغة، وعندما تكون الهجرة الصافية إيجابية، يكون لدى البلد مكاسب من العقول.
في المجمل، أصبح المهاجر الأوزبكي على مر السنين أصغر سنًا وأكثر حماسًا للنجاح في البلدان الأجنبية. كما زاد متوسط مدة الإقامة في روسيا، وهي الوجهة الأكثر استقطابًا للمهاجرين، وأصبحت الهجرة أقل موسمية. وبصرف النظر عن هذه الاتجاهات، هناك أدلة على أن تأنيث الهجرة والهجرة الأسرية أصبح اتجاها ناشئا ملحوظا.
يبدو أن التغييرات في خصائص العامل المهاجر الأوزبكي النموذجي على مر السنين تتماشى مع توقعات نظرية الشبكة، التي تنص على أن شبكات الهجرة الحالية تقلل من التكاليف والمخاطر بالنسبة للمهاجرين الجدد بمجرد أن يتجاوز عدد المهاجرين من بلد معين العتبة الحرجة. ليس هناك شك في أن شبكات المهاجرين قد ساعدت في تعزيز الهجرة على مستوى العمق (إطالة مدة الإقامة) والعرض (دمج النساء والأطفال والمسنين في عملية الهجرة). وبالنظر إلى تجربة العديد من البلدان الأخرى، كان واضحًا أن المهاجرين الأوزبك سيختارون بشكل متزايد البقاء في البلدان الأجنبية بشكل دائم وتشكيل مجتمعات في دول الشتات.
إذا كانت غالبية المهاجرين ينتمون إلى الطبقات المثقفة، ومن الحاصلين على تدريب مهني، وحملة المؤهلات العالية؛ من المتوقع ألا يتمكن الوافدون الجدد إلى البلد الذي هجره أبناؤه من تعويض نزيف الأدمغة الذي أحدثته الهجرة إلى الخارج.
ظهر ذلك جليًا حين أطلقت حكومة أوزباكستان الجديدة إصلاحات اقتصادية كبيرة في عام 2016، وسرعان ما وجدت نفسها في مواجهة حقيقة افتقار البلاد إلى ما يكفي من المتخصصين المهرة لتنفيذ التغييرات المطروحة. لذلك فكرت في استقطاب ملايين الأوزبك ذوي المهارات العالية المنتشرين في جميع أنحاء العالم. لكن كيف يحدث ذلك بعد كل هذه السنوات؟ ومع اشتداد سباق المواهب بين البلدان المتقدمة، كيف يمكن للبلدان النامية، مثل أوزبكستان، وقف نزيف الأدمغة: نزوح أفضل الأبناء وألمعهم إلى أسواق أفضل؟
هكذا استقطبت أوزباكستان طيورها المهاجرة
عندما التقى الرئيس شوكت ميرضيايف مجموعة من الأوزبك في مدينة نيويورك في سبتمبر (أيلول) 2017، ودعاهم للعمل في أوزبكستان، أعلنت الحكومة أنها ستشجع مواطنيها المدربين في الخارج على العودة ومشاركة خبراتهم الدولية.
لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة حول عدد الأشخاص الذين ولدوا في أوزبكستان ويعيشون الآن في الخارج، لكن يعتقد العديد من المراقبين أن العدد بالملايين. في عام 2017، ذكر أكثر من 1.8 مليون مواطن أوزبكي أن العمل هو الغرض من زيارتهم روسيا. كما يوجد عدد كبير من المهاجرين الأوزبك في كازاخستان وكوريا الجنوبية وتركيا والولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج.
على الرغم من أن غالبية هؤلاء العمال المهاجرين يعملون في وظائف منخفضة المهارات، لا يزال هناك الآلاف من الأوزبك العاملين في الخارج الذين حصلوا على درجات علمية مرتفعة ويعملون في وظائف عالية المهارة. وتأمل الحكومة الأوزبكية الجديدة في أن يعود على الأقل بعض هؤلاء الأوزبك ذوي المهارات العالية للمساعدة في إصلاح البلاد.
كانت إحدى الخطوات الملموسة في هذا الصدد: إنشاء مجلس خبراء في مايو (أيار) 2018، ليكون منبرًا لمناقشة استراتيجيات التنمية لأوزبكستان. يضم المجلس حوالي 300 عضو ا من أصول أوزبكية يعيشون في معظم البلدان المتقدمة ويعملون في مجموعة واسعة من المجالات مثل القانون والمالية والطب والأوساط الأكاديمية. والهدف الرئيس للمجلس هو: المساعدة في تطوير برامج الإصلاح في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أوزبكستان، بما في ذلك إنشاء نموذج تنمية شامل يمتد حتى عام 2035.
رئيس وزراء باكستان عبد الله عارفوف
كما أنشأت أوزبكستان مؤسسة «El-Yurt Umidi» لتدريب المتخصصين في الخارج، وإجراء حوار مع المغتربين الأوزبك. في الوقت ذاته، اعتمدت الحكومة ورقة مفاهيم من بين أهدافها: «جذب المتخصصين المؤهلين تأهيلا عاليا للعمل في المنظمات الحكومية».
في العام الماضي بدأت هذه السياسة تؤتي ثمارها، حيث عاد بالفعل العديد من الأوزبك البارزين إلى أوزبكستان لشغل مناصب متوسطة إلى عالية المستوى. من بين هؤلاء أتابك نظيروف، وهو مصرفي سابق في بنك «جولدمان ساكس»، عاد إلى وطنه بعد ثماني سنوات في «البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD)»، ليرأس «وكالة أسواق رأس المال» المنشأة حديثًا.
وأوديلبيك إزاكوف، مستشار وزير المالية الذي لعبت خبرته دورًا كبيرًا عندما أصدرت أوزبكستان سندات اليورو في وقت سابق من هذا العام. وتشمل هذه القائمة أيضًا رئيس المنطقة الاقتصادية الحرة في ولاية نافوي، ونواب رؤساء العديد من البنوك التي تديرها الدولة، وغيرهم. عاد معظم هؤلاء الأشخاص إلى أوزبكستان من خلال المجلس الاستشاري المذكور أعلاه.
كسب العقول.. معركة النفس الطويل والتفكير خارج الصندوق
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن إحراز نصر في معركة «كسب العقول»، فعلى الرغم من الدعوات المستمرة والحوافز المعلنة، فإن العديد من الأوزبك ليسوا في عجلة للعودة إلى أوطانهم. وبعد إجراء مقابلات مع عشرات المهاجرين الأوزبك ذوي المهارات العالية، الذين عاد بعضهم بالفعل إلى أوزباكستان، خلُصَ الباحث شيرزود إرالييف في موقع «ذا دبلومات» إلى أن هناك مجموعة متنوعة من المواقف بشأن قرار العودة إلى البلاد:
- العائدون: بالنسبة للأشخاص الذين عادوا، كانت الوطنية والشعور بالانتماء والبراجماتية والفرصة المتاحة عوامل حاسمة.
- المترددون: في الوقت ذاته، كانت البيروقراطية واسعة الانتشار والفساد والافتقار إلى الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الحقيقية (بما في ذلك عدم وجود إصلاحات في الإدارة العامة) وتدني مستويات المعيشة هي العوامل الرئيسة التي أشار إليها أولئك الذين يترددون في العودة. وقد أعرب هؤلاء الأشخاص عن أملهم في أن تسرع الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية الحقيقية وأن يتراجع مستوى البيروقراطية قريبًا.
إحدى الطرق التي يقترحها إرالييف على أوزبكستان كي تشجع مواطنيها على العودة، هي: اعتماد قانون للخدمات العامة والإسراع بإصلاحات الإدارة العامة التي تركز على تقليص البيروقراطية المتضخمة في البلاد وتعزيز الجدارة ومكافحة الفساد. ويرى الباحث أن هذه الإصلاحات إذا نفذت بنجاح، يمكن أن تساعد أيضًا في خلق فرص متساوية، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى وقف نزيف الأدمغة.
لكن المقترح الآخر الذي قدمه إرالييف بعدم التركيز على استدعاء الأوزبك الذين يعيشون في الخارج، بل الاستثمار أيضًا في دعوة العمال المهرة من أي جنسية إلى البلاد، قد يكون بحاجة إلى تدقيق. هو يرى أن الطريقة الأسرع من تطوير مهارات المواطنين من خلال الاستثمار في التعليم، هي: توظيفهم من الخارج، لكن هذا الحل قصير النظر بشكل خطير.
من الجيد أن ترفع أوزبكستان الحواجز وتقدم الحوافز لتوظيف المهنيين الأجانب. لكن باستثناء العديد من المستشارين لمختلف الوزراء (الرعاية الصحية، الابتكار، السياحة، الضرائب) والشركات التي تسيطر عليها الدولة (مثل الخطوط الجوية الأوزبكية)، فإن هذا لم يحدث بطريقة منهجية، والاعتماد عليه بشكل مفرط يترك هذا الاستثمار في غير أبناء الوطن على المحك.
صحيحٌ أن العديد من الأوزبك اتخذوا قرارات بمغادرة وطنهم إلى الأبد، واستثمروا وقتهم ورأس مالهم في التكيف وبناء حياة في بلدان أخرىن لكن لا يزال بإمكان أوزبكستان الاستفادة من هذه العمالة ذات المهارات العالية حتى لو بقي أبناؤها في الخارج.
ومن المقترحات المنشورة في موقع «ذا دبلومات»: إنشاء شبكات تجارية، وتدشين برامج للتبادل الأكاديمي، وتعظيم الاستفادة من التحويلات النقدية، والعلاقات الاجتماعية، وتوظيف المهاجرين لتعزيز الصورة الإيجابية لأوزبكستان حول العالم، ومد جسر ثقافي بين الوطن ودول الشتات. كما يمكن أن تكون سفارات أوزبكستان أكثر نشاطًا في العمل مع المهاجرين، بالتواصل ليس فقط مع المواطنين الأوزبكيين، بل السكان المنحدرين من أصل أوزبكي لكنهم أصبحوا الآن مواطنين في بلدان أخرى.
البحث عما هو أغلى من لقمة العيش
برغم خصوصية التجربة الأوزربكية، فإن هجرة الأدمغة مشكلة تواجهها الدول النامية حول العالم. على سبيل المثال، ماذا يحدث لقارة كأفريقيا حين يهجرها 23 ألف متخصص في الرعاية الصحية كل سنة، حسب تقديرات «منظمة الصحة العالمية»؟ قطعًا تزداد وهنًا على وهن. أو بلغة الأرقام: تبلغ قيمة الاستثمارات الضائعة نتيجة هجرة الأطباء إلى أستراليا وكندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة 2.2 مليار دولار سنويا، حسب دراسة نشرتها «المجلة الطبية البريطانية» عام 2011.
وإذا كانت الهجرة قد ارتبطت عبر التاريخ بالبحث عن لُقمة العيش، فإنها اليوم أصبحت مرتبطةً لدى الشباب المتعلّم والحامل للشهادات العليا، بـدوافعَ أخرى من قبيل: التوق إلى الحرّية، والرغبة في توفير بيئةٍ فُضلى للأبناء، والتطلّع إلى العيش في بلدان تتوفّر فيها قيمُ المساواة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. ومهما اختلفت الأسباب التي تجعل هؤلاء الشباب يهاجرون خارج بلدانهم، تظلّ النتيجة واحدة: تستفيدُ البلدان المستقبِلة من كفاءاتهم، وتخسر الأوطان الكثير.