ساهم حادث انفجار منجم سوما في تركيا في احتدام الصراع القائم بين الحكومة التركية والمعارضة، والذي قد بدأ في الهدوء تدريجيًا بعد نتيجة الانتخابات البلدية وفوز أردوغان فيها، الذي مثّل انتصارًا على المعارضة في جولة الانتخابات.

جاء الحادث مشعلًا لفتيل الصراع مرة أخرى، بما اسفر عن وجود احتجاجات واضطراب الحالة الأمنية، وتصاعد خطاب المعارضة المندد بحكومة أردوغان، مطالبًا باستقالتها مرة أخرى، بما جعل البعض يرى أن المعارضة قد قامت باستغلال الحادث، والتضخيم منه لتحقيق مصالحها الشخصية في الصراع مع أردوغان.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أغسطس المقبل، يواجه أردوغان وحزب العدالة التنمية بعض التحديات في الطريق أهمها معارضة لا تتوانى في المطالبة بإسقاط أردوغان وحكومته، وصراع يبدو أنه لن يشهد هدوءًا على الأقل حتى الانتخابات البرلمانية في العام المقبل.

فكيف تعاملت المعارضة مع الحادث ؟ وما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى احتدام الصراع بين الحكومة التركية والمعارضة؟

  1. الحادث نفسه

ترى المعارضة أن المسؤول الأول عن الحادث هو أردوغان وحكومته نظرًا لتقصيرها وإهمالها في أعمال مراقبة المنجم، وأدوار المفتشين والمراقبين الحكوميين للمنجم.
الحادث الذي أسفر عن مصرع حوالي 301 شخص، وإنقاذ 435 آخرين، استطاعت المعارضة أن تربط التقصير والإهمال فيه بفضيحة الفساد التي هزت رئيس الوزراء والمقربين منه في ديسمبر الماضي، مؤكدة أن أردوغان وحكومته لا يستطيعون إدارة البلاد.

وقام بعض أطراف المعارضة في البحث عن الخيط التجاري والسياسي الذي يربط أصحاب الشركة والسلطة السياسية.
ساهم في ذلك وجود بعض الأخطاء في فريق عمل أردوغان والذي يرى محللون أنه لم يكن ناجحًا في إدارة الأزمة.

  1. استخدام العنف ضد المتظاهرين

شهدت تركيا بعد الحادث تظاهرات وإضرابات من محتجين وأسر عمال مطالبين برحيلها وتحميلها مسؤولية ما حدث.
وقد دعت أحزاب المعارضة وممثلو النقابات في المدن التركية للتظاهرات ضد الحكومة التركية، ودخل بعض الطلاب في حالة “إضراب”، ووصف بعض المنتقدون الحادث بـ “المذبحة”، وهي الكلمة التي استخدمها للمرة الأولى اتحاد النقابات اليساري “ديسك”

وفي ليفينت، حي الأعمال بإسطنبول، احتج الطلبة وعدد من الأشخاص برفع الأعلام السوداء أمام ممثلي إدارة الشركة المشغلة، وكتبوا على جدرانها “قتلة”.

تم استخدام المصفحات ضد المتظاهرين، وبحسب المصادر الرسمية، فالشرطة قد واجهت التظاهرات بالمياه والغاز المسيل للدموع، إلا أن الاشتباكات قد أسفرت عن مقتل شخصين وجرح حوالي 10 آخرين، بما أشعل الاحتجاجات والتظاهرات ضد حكومة أردوغان والعنف المستخدم ضد المتظاهرين.

  1. حادث ضرب المواطن، وصورة صفع أردوغان لمتظاهر


انتشرت في الوسائل الإعلامية التركية والإعلامية صورة لأحد مستشاري رئيس الوزراء أردوغان وهو يركل مواطنًا من المتظاهرين عقب الحادث، وقد أثارت الصورة استنكارًا كبيرًا حتى في خارج أوساط المعارضة التركية.

فيما جاءت التصريحات الرسمية معتبرة الأمر كارثيًا، وقامت الحكومة التركية بإقالته، إلا أنها قد صرّحت بأن الإعلام قد ضخّم الأمر ولم يعتبر أن هذا الشاب قد بدأ في توجيه الشتائم والإهانات للمستشار، والذي بدوره قد قدم اعتذارًا للشعب التركي لعدم تمكنه من السيطرة على أعصابه.

وفي حادث آخر مشابه ظهرت صورة لأردوغان وهو يصفع مواطنًا من المتظاهرين أثناء تفقده لمكان الحادث، فيما قامت صفحات المعارضة بنشر الصورة تحت عنوان “رئيس الوزارء يصفع مواطنًا”.

وجاء في تصريح لـ آنغين آلطاي، نائب حزب الشعب الجمهوري عن مدينة سينوب، “إن ستالين وهتلر وموسوليني لم يعملوا بهذا الأسلوب ولا يمكن لبلد ديموقراطي كتركيا أن يقبل قيام رئيس الوزراء بصفع مواطن، وبالتالي من حقي الطبيعي، ألا أذكر عبارة رئيس الوزراء أردوغان في حال عدم تقديمه اعتذارًا لأهالي سوما”

إلا أن الحكومة التركية قد علّقت على صورة أردوغان وهو يصفع مواطنًا أنها غير صحيحة، وأنه كان يقوم بحماية المتظاهر من الشرطة لا صفعه.

  1. كلمة أردوغان

يرى محللون أن أردوغان وفريق عمله وبإجماع كثيرين أخطأوا في اختيار مضمون الكلمة التي وجهها من قضاء سوما خلال جولته التفقدية لأعمال الإنقاذ، وتحدث فيها عن أحداث مماثلة وقعت عام 1872 في إنجلترا وعام 1907 في أمريكا، وأعلن أنه من الطبيعي في مهن من هذا النوع أن تقع أحداث مشابهة ويكون هناك سقوط للضحايا.

وهو ما اعتُبر غير مناسب للحادث، ولا لتبعاته من احتجاجات ضد حكومته، واستنكار المواطنين لتقصير الحكومة باعتبارها المسؤول الأول عنه.

  1. المعارضة والبرلمان والوضع القانوني للعمل في المناجم:

يرى محللون أن المعارضة سيكون عندها كثير مما تقوله حول الحادثة وملابساتها والوضع القانوني والمهني لعمل المناجم في البلاد، فالمعارضة تملك اليوم كثيرًا من الأوراق السياسية التي ستلعب بها ضد الحكومة، وسيكون التركيز على تحميل الحكومة مسؤولية قطع الطريق أمام البرلمان أكثر من مرة ومنعه من طرح موضوع أوضاع المناجم في تركيا، وإقرار التشريعات اللازمة، والعقود الدولية الموقعة تحت سقف منظمة العمل الدولية التي لم توافق أنقرة عليها حتى الآن.

  1. أزمة المناجم في تركيا:

أسفرت الأزمة عن تحدٍ يواجه تركيا أمام المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي، فتركيا ليست حديثة عهد بحوادث المناجم فيها، فقد شهدت المنطقة ذاتها في عام 1983 حادثًا آخر أسفر عن مقتل 103 عامل، وفي عام 1992 قضى 263 عاملًا في انفجار للغاز داخل منجم زونغولداك الواقع على سواحل البحر الأسود.

وما زالت الحكومة تدفع الثمن الباهظ نتيجة الكوارث في قطاع المناجم، فكثير من العواصم الأوروبية نجحت في “تصفير” عدد ضاحاياها باستخدام التكنولوجيا المتطورة وتوفير الحماية اللازمة للعمال هناك، لكن تركيا تدفع الثمن من خلال سقوط أكثر من 3000 قتيل منذ مطلع الأربعينات وحتى اليوم.

كيف تعاملت الحكومة التركية مع الحادث؟

بالرغم مما ذكرناه من أخطاء قد وقعت فيها الحكومة التركية في التعامل مع الحادث، وقامت المعارضة باستغلالها -حسب أقوال البعض- أو تضخيمها، أو حتى نقلها كما هي للتنديد بسياسات أردوغان وحكومته، إلا أنه على الجانب الآخر قامت الحكومة التركية بالقيام ببعض الخطوات والإجراءات للتعامل مع الحادث، والتحقيق مع المسؤولين عنه.

فبعد أن أعلنت الحكومة التركية الحداد لثلاثة أيام وأرسلت وزير الطاقة إلى سوما من أجل تنسيق عمليات الإنقاذ، توجه أردوغان أيضًا، والذي بدوره قد أعطى تعليمات باعتبار ضحايا سوما “شهداء مدنيين”، وهو ما يطلق على الضحايا الأتراك الذين سقطوا خلال العمليات الإرهابية.

سارع نواب العدالة والتنمية في تقديم طلب فتح تحقيق برلماني بعد الحادث، كما سارع المدعي العام التركي في حملات التوقيف والاعتقالات سريعًا ضد عشرات المشتبه بهم، أفرجت عن بعضهم إلى أن وصل عدد المعتقلين المتهمين في الحادث إلى ثمانية أشخاص من بينهم المدير العام للشركة، رمضان دوغرو، والرئيس التنفيذي جان جوركان، وابن مالك الشركة، ألب جوركان.

وتم تشكيل لجنة تقصي حقائق بناءً على مناقشة البرلمان التركي للمقترحات والخطط المتعلقة حول الكارثة.

كما أعلنت وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية عن عمليات تأهيل اجتماعي تقدمها الوزارة لعائلات متضرري فاجعة منجم سوما قد تستمر لعام كامل .. وتم تشكيل طاقم يعمل على الدعم النفسي والمساعدات الاجتماعية العاملة على الأرض منذ وقوع الكارثة، مشيرة إلى أن جميع الأنشطة والفعاليات تم تنظيمها تحت مظلة إدارة الكوارث والطوارئ، كونها شريكًا رئيسيًا للوزارة.

يرى مسؤولون في حزب العدالة والتنمية أن المعارضة تقوم باستغلال الحادث لتصفية حسابات سياسية مع الحكومة، فيما قال المحلل السياسي سمير صالحة أن الأداء الإعلامي للمعارضة هو “جزء من مساعي البحث عن أزمة تؤثر على الجمهور، وتكون حالة شعبية تثير المواطن، وتساهم في إعادة رسم الخارطة السياسية في البلاد”، متوقعًا أن تشهد تركيا “إعادة اصطفاف جديدة بين أقطاب المعارضة المختلفة لاستثمار هذه القضية”

أصوات أخرى ترى أن تركيا ستشهد عاصفة جديدة من الصراع بين الحكومة التركية والمعارضة لا سيما بعد انتهاء مدة الحداد الوطني ودفن الضحايا.


المصادر

تحميل المزيد