نحن الآن في أحد الأيام المشهودة في جامع الكوفة الكبيرة، في منتصف القرن الأول الهجري، في أحد أيام الجمعة إبّان ولاية زياد بن أبيه – الابن غير الشرعي لأبي سفيان بن حرب- على العراق. لم تكن صلة الدم المذكورة آنفًا هي السبب الوحيد الذي دعا الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، إلى إسناد أخطر ولايات دولته، والمعقل الأول لمعارضيه إلى هذا الرجل، والذي كان منذ أعوامٍ قليلة أحد رجال دولة الإمام علي بن أبي طالب، إذ كان واليه على فارس عند اغتياله عام 40 هـ.
كان زياد يتصف بقدرٍ استثنائيٍ من الدهاء السياسي، ولعلَّ هذا الدهاء هو ما مكَّنه من أن يغير دفة سفينته 180 درجة، إلى حيث اتجاه ريح الأمويين الرابحة، وقد كافأه معاوية بأن اعترف بأخوَّته له، في سابقةٍ لم تحدث من قبل في تاريخ الإسلام، وأسماه زياد بن أبي سفيان، ثم جعله معاوية واليًا على العراقيْن. كان زياد رجل حزم وتدبير، لا يتردد في البطش بالخصوم، فاشتدَّ بإيعاز من معاوية في التضييق على العراقيين، لضمان خضوعهم، واستكانتهم.
في اليوم المذكور من عام 51 هـ، خطب زياد في المصلين – وكان خطيبًا مفوَّهًا- فأرغى وأزبد، وهدَّد العراقيين بالعسف والخسف. كان سبب غضبة زياد، أن واحدًا من وجهاء الكوفة، ومن سادة شيعة الإمام علي، وهو حُجر بن عدي، قد اختصم مع نائب زياد على الكوفة عمرو بن حُريْث، أثناء غيبة زياد في البصرة، وحصَّبه بالحصى وهو فوق المنبر، عندما بدأ على عادة ولاة الأمويين في الانتقاص من الإمام علي، والمبالغة في مدح معاوية بن أبي سفيان.
درهم فضة، صُك في عهد زياد بن أبي سفيان
ضغط زياد على كبار القبائل في الكوفة لتصرف أبناءها عن الالتفاف حول حُجر بن عدي وأصحابه، الذين لا يكفون عن الجهر بمعارضة معاوية والأمويين، وبالدفاع عن الإمام علي، وبالفعل نجحت ضغوط زياد في صرف الكثير من أنصار حُجر رهبًا ورغبًا عنه، حتى تمكَّنت شرطته من القبض عليه مع خاصة أصحابه.
كان زياد قد أرسل إلى معاوية بن أبي سفيان، يشكو إليه من تكرار تعرُّض حجر بن عدي له ولعماله، ومجاهرته بالعداء للخلافة، وأنه قد يخرج بالسيف ثائرًا في العراق. أرسل معاوية يطلب من زياد أن يرسل إليه حُجر بن عدي، وباقي المعتقَلين من أنصاره، ليقضيَ ما يراه في شأنهم، وقد كان.
صُدِم الرأي العام في كافة أرجاء الدولة الإسلامية، للأنباء التي ذاعت من الشام بعد ذلك. فقبل أن تصل القافلة إلى دمشق، أصدر معاوية أمره إلى رجاله بقتل حُجرِ بن عدي، وستة من أنصاره، في حين عفا عن ستة آخرين بعد شفاعاتٍ ووساطاتٍ. نُفذ حُكم الإعدام في ضاحية مرج عذراء القريبة من دمشق، والتي كان حُجر للمفارقة قائد سرية الفاتحين لها قبل عشرات السنين، فما أوسع الفارق بين اليوم والبارحة.
«من سنَّ في الإسلامِ سنةً حسنةً، كان له أجرُها، وأجرُ من عَمِل بها من بعده، لا ينقص ذلك من أجورِهِم شيئًا، ومن سنَّ في الإسلامِ سنةً سيِّئة، كان عليهِ وزرُها، ووِزْرُ من عمِلَ بها من بعده، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا». حديث نبوي
كانت تلك المرة الأولى في تاريخ الإسلام، التي يأمر فيها حاكم مسلم بقتل معارضين سياسيين بعد القبض عليهم، وليسوا في ساحة قتال، وبأيديهم السيوف. ومما عزَّز من صدمة الكثير من المسلمين من تلك السابقة الدموية، أن ذاكرة الناس لم تنسَ بعد مواقف الخلفاء الراشدين، ومنها موقف الخليفة عثمان بن عفان، عندما رفض بتاتًا أثناء حصار الثائرين عليه في المدينة، أن يواجههم بالقوة، ويسفك الدماء، وآثر أن يكون هو الضحية الأولى. وكذلك موقف الإمام علي من الخوارج، إذ أرسل يحاورهم، وأمر بالكف عنهم، ما لم يسفكوا دمًا حرامًا، فلما تجاوزوا هذا الخط الأحمر، حاربهم، وسحقهم في موقعة النهروان عام 37 هـ.
والآن نعود إلى جذور واقعة قتل حُجر بن عدي.
حُجر بن عدي.. روحٌ لا تنطفئ ثورتها
«كان شريفًا، أميرًا مُطاعًا، أمَّارًا بالمعروف، مُقْدِمًا على الإنكار، من شيعة علي، شهد صفين أميرًا، وكان ذا صلاح وتعبد». *الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء متحدثًا عن حُجر بن عدي
اختلف المؤرخون في كون حُجر بن عدي الكِندي من الصحابة، أم من التابعين، لكن لم يختلفوا في ذكر مناقبه الشخصية، والإشادة بسمو صفاته، وكان يلقَّب بحُجر الخير. شارك حُجر بن عدي في جيوش الفتوحات الإسلامية، فحارب في القادسية مع سعد بن أبي وقاص، وأسهم في بعض فتوح الشام، فكان قائد السرية التي فتحت منطقة مرج عذراء قرب دمشق، كما ذكرنا آنفًا.
برز حُجر إلى الواجهة أيام الفتنة الكبرى، إذ كان من أشد مناصري علي بن أبي طالب، فحارب معه في موقعة الجمل، ضد جيش أم المؤمنين عائشة، وطلحة، والزبير، ثم كان من أمراء جيشه في موقعة صفِّين ضد معاوية وجيش الشام، وكذلك كان من مُقدَّمي جيش الإمام علي في موقعة النهروان ضد الخوارج.
كان حُجر قوى الشكيمة، شديد الأنفة، ولذا فقد قبِل على مَضَض الصلح الذي حدث عام 41 هـ. وكان مما يثير غضبه في سنوات الصلح، اجتراء ولاة الأمويين على الطعن في علي بن أبي طالب، وشيعته، فكان لهم دائمًا بالمرصاد.
رسم مُتخيل للإمام علي والإمام الحسين
العراق .. غليانٌ تحت السطح
رغم مرور أعوامٍ على الصلح الشهير بين الحسن بن علي، ومعاوية، وتنازل الأول للأخير عن خلافة المسلمين، في مقابل حقن الدماء، بعد سنواتٍ من الحرب بين على – وكان جُلّ جيشه من العراقيين- ومعاوية، والي الشام الذي رفض طاعة أمير المؤمنين علي، بحجة أنه لم يقتصّ بعد من قتلة عثمان بن عفان.
ظلَّت نفوس أكثرية العراقيين محتقنة ضد معاوية والأمويين، خاصة مع ميل هؤلاء إلى الشدة مع العراقيين، وإذلالهم بسب الإمام علي، وشيعته على المنابر. كانت البداية مع المغيرة بن شعبة، الذي كان من دهاة العرب، وعقلائهم، فعيَّنهُ معاوية أول ولاتِهِ على العراق بعد الصلح عام 41 هـ. رغم حسن سياسة المغيرة مع العراقيين في العموم، فإنه وعلى مدار سنين ولايته السبعة، كان دائم المبالغة في امتداح عثمان بن عفان، ومعاوية بن أبي سفيان، في مقابل الانتقاص من علي وشيعته.
«إِنِّي قَدْ قَرُبَ أَجَلِي، وَلَا أُحِبُّ أَنَّ أَقْتُلَ خِيَارَ أَهْلِ هَذَا الْمِصْرِ فَيَسْعَدُوا وَأَشْقَى، وَيَعِزَّ فِي الدُّنْيَا مُعَاوِيَةُ، وَيَشْقَى فِي الْآخِرَةِ الْمُغِيرَةُ!». *المغيرة بن شعبة، والي العراق السابق لزياد، في معرض ردِّه على طلب المقربين منه أن يقتل حُجر بن عدي، بعد أن أهانه الأخير لانتقاصه من الإمام علي
كان حُجر وأصحابه دائمًا بالمرصاد للمغيرة، يذُبُّون عن علي بن أبي طالب، وكثيرًا ما أغلظوا للمغيرة القول، وانتهروه، فكان يتهدَّدهم ببطش السلطان، وأنه ما منعه من أن يشكوهم إلى دمشق إلا حِلمه، وحرصه على أن يحفظ دماءهم. وبرغم تهديدات المغيرة الناعمة، والخشنة، استمرَّ حُجر وأصحابه على ما هم فيه، وفي إحدى المرات، علا صياحهم في المسجد، وطالبوا المغيرة بن شعبة بأن يوزع عليهم أعطياتهم من بيت المال دون أن يبخس منها شيئًا. أغضبت تلك الواقعة أقرباء المغيرة، وحرّضوه على قتل حُجر وأصحابه، فرفض.
مسجد الحسين بن علي في كربلاء بالعراق
ولما خلفَ زيادُ المغيرةَ، واشتدَّ على العراقيين أكثر، خاصة شيعة علي، وكان يعرفهم جيدًا إذ كان منهم يومًا ما، زاد حنق حُجر ومجموعته، وفعلوا معه، ومع عماله مثلما كان يفعلون مع المغيرة وأكثر. بيدَ أن زياد قد اشتدَّ على العراقيين إلى الحد الذي ذاعت معه شهرته والٍ متعسّف في كافة أرجاء الدولة. إذ تذكر الروايات أن عبد الله بن عمر لمَّا بلغه أن زيادًا أرسل إلى معاوية يقول قد ضبطت العراقَ بيميني، وما تزال شمالي فارغة – يكنِّي عن رغبته في حكم الحجاز مع العراق- فإن ابن عمر انزعج كثيرًا، ودعا عليه ألا يتمكن من ذلك، وبالفعل تُوفي زياد قبل أن يتحقق له هذا الغرض.
لم تُجدِ محاولات زياد لاحتواء حُجر، إذ اجتمع به ذات مرة، وخاطبه بكلمات لا يُعرَف وعدُها من وعيدها، عن أنه يعترف بفضله، وسابقته، ويضن به على عاقبة التمرد، ويحذره من أن يغرُّه؛ وتختلف الروايات في تفاصيل تطور الأمور بين حُجر وأصحابه، وزياد. تحدث البعض عن أن حُجر ومن معه جهروا بخلع زياد، وعدم الاعتراف بطاعته واليًا على العراق، في حين لم يخلعوا طاعة معاوية، بينما ذكرت بعض المصادر أنهم انخلعوا من طاعة معاوية أيضًا، والأرجح أنهم ظلُّوا على الطاعة، ولكنهم أغضبتهم مظالم ولاة بني أمية، وإهانتهم للإمام علي.
«إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقول: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ)، وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل، وأن من تزكون وتطرون أولى بالذم». *حُجر بن عدي في ردِّه على أحد عمال الأمويين الذي كان يسبُّ الإمام علي، على منبر الكوفة
أرسل زياد إلى معاوية يشكو إليه حُجر بن عدي، ويهوِّل له الأمر، وينذره أن فتنة كبرى تلوح في الأفق، فطلب منه معاوية أن يرسلهم إليه في دمشق. هدَّد زياد قبائل الكوفة التي ينتسب لها حُجر وأصحابه إن حاولوا منعهم منه، ووصل به الأمر أن ألقى القبض على الصحابي عدي بن حاتم الطائي؛ لأنه رفض تسليم أحد أبناء عمومته. انصرفت معظم قبائل الكوفة عن نصرة الرجل ومن معه، حتى تمكنت شرطة زياد من القبض عليه وعلى 12 من خاصة أصحابه بعد مساجلاتٍ ومناوشات، وألقاهم في السجن برهة، ثم أرسلهم إلى الشام مكبَّلين في الأصفاد كما أمر معاوية، بعد أن أخذ العديد من الشهادات من رجاله، ومن خصوم حُجر بن عدي، على أن حُجرًا خلع الطاعة، وكان يحشد للوثوب بالسيف ضد الخلافة.
المشهد الأخير وألم الرمزية
«الحمد لله، أما والله إني لأولُ مسلمٍ نبحتْهُ كلابُها في سبيل الله، ثُمَّ أتي بي اليوم إليها مصفودا». *حُجر بن عدي معبرًا عن صدمته، لما علم أن حكم الإعدام سينفذ بحقه، في ضاحية مرج غدراء التي دخلها فاتحًا قبل بضعة عقود.
قبل أن تصل القافلة التي تحمل حُجر بن عدي ومن معه إلى دمشق، قابلتها رسل معاوية بأمره النهائي الذي توصَّل له بعد تفكير في الأمر، وبعد استشارة المقربين منه. كان الأمر هو أن تُضرب عنق حُجر، وستة من أصحابه.
تألَّم حُجر لما علم أن البقعة التي اختارها الجلادون لضرب عنقه، هي مرج عذراء التي دخلها فاتحًا قبل أكثر من 30 عامًا. طلب منهم أن يصلي ركعتيْن قبل تنفيذ الإعدام، ولم يُطِلْ فيهما لئلا يظنون به خوفًا، ثم أوصى بأن يدفن بدمائه، وبالحديد الذي كُبِّل فيه، لأنه يريد أن يقابل الله، ويختصم إليه من معاوية وهو على تلك الهيئة التي غادر الدنيا بها ظُلمًا بأمر معاوية، وكان من ضمن من قُتلوا مع عدي أحد أبنائه.
تذكر الروايات أن آخر دعاء حُجر بن عدي قبل قتله كان: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعْدِيكَ عَلَى أُمَّتِنَا! فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَهِدُوا عَلَيْنَا، وَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَقْتُلُونَنَا». وهناك رواية تاريخية أخرى تذكر أن حُجر بن عدي وصل إلى دمشق، وأُدخِل على معاوية، فعنَّفَه الأخير، ولم يقبلْ منه تأكيدَه أنه ما يزال على الطاعة، ثم أمر بضرب عنقه.
«عَلَى أَهْلِ عَذْرَاءَ السَّلَامُ مُضَاعَفًا ** مِنَ اللَّهِ وَلْيَسْقِ الْغَمَامَ الْكَنَهْوَرَا
وَلَاقَى بِهَا حُجْرٌ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةً ** فَقَدْ كَانَ أَرْضَى اللَّهَ حُجْرٌ وَأَعْذَرَا»
*عبد الله بن خليفة الطائي يرثي حُجرًا وأصحابه
لما وصلت أنباء مقتل حجر بن عدي إلى عبد الله بن عمر، اغرورقت عيناه بالدموع، وترك مكانه في السوق وقد غلبه النحيب.
غضبة عائشة لقتل حُجر بن عدي
«والله لا تعُدُّ لك العربُ حِلمًا بعدها ولا رأيًا.. قتَلْتَ قومًا بُعِثَ بهم أُسارى من المسلمين؟!». *عبد الرحمن بن الحارث، مبعوث عائشة للوساطة في أمر حُجر وأصحابه، معاتبًا معاوية بن أبي سفيان بعد أن بلغه خبر تنفيذ الإعدام بحقهم.
عندما بلغ أم المؤمنين عائشة أمر حُجر بن عدي وأصحابه، حاولت التوسط للصلح بينهم وبين معاوية، لكن رسولها وصل إلى دمشق بعد أن كان حكم الإعدام قد نُفِّذ بالفعل. لما وصلت تلك الأنباء إليها في الحجاز، غضبت السيدة عائشة غضبًا شديدًا، وخاصمت معاوية دهرًا.
لاحقًا، وفي زيارةٍ لمعاوية إلى المدينة المنورة، حَرِصَ على أن يزور السيدة عائشة، فلم تأذن له إلا بعد إلحاحٍ شديد من خادمها ذكوان، فأخذ معاوية يتلطَّف لها في الحديث، وأن يحاول تبرير موقفه لها، خصوصًا وقد ذاع واشتهر أمر مخاصمتها له غضبًا لحُجر وأصحابه، مما سبَب له حرجًا أخلاقيًّا وسياسيًّا كبيرًا.
أغلظت السيدة عائشة القولَ لمعاوية، إلى حد أنها قالت له: «يا معاوية، قتلتَ حُجْرًا وأصحابَه، وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبىء لك رجلاً فيقتلك؟!»، ثم ذكرته بفضائل حُجر، وبأنه إن كان رأى منه سوءًا، فكان بإمكانه أن يكتفيَ بسجنه دون قتله. حاول معاوية تبرير فعلته بخوفه من الفتنة، وسفك الدماء، وأنه آثر أن يقتل البعض، ليحقن دماء الأمة كلها، ولما طال الجدال بينهما، طلب منها أن تترك الحُكم الفصلَ بينه وبين حُجر بن عدي للآخرة بين يديْ الله، كما تقول الروايات التاريخية.
حجر بن عدي.. جدل شيعي سني لا ينتهي
على مدار 14 قرنًا، ظلت واقعة قتل حجر بن عدي بأمر معاوية بن أبي سفيان، أرضًا خصبة للتراشق الطائفي بين الشيعة والسنة، ومجالًا مفتوحًا للمزايدات. ركَّزت المصادر الشيعية على تلك الواقعة، وخصَّصت لها صفحاتٍ طوالٍ، حتى ليشعر المطلع على كل هذا الكم، أنه لم يُقتَل ظلمًا في تاريخ الإسلام سوى حُجر بن عدي.
كذلك لم تكتفِ المصادر الشيعية برفع حجر بن عدي إلى أعلى مراتب «الاستشهاد والصلاح»، بل طعنت في دين معاوية بقسوة لأمره بارتكاب تلك الجريمة، ولعبت على وتر وجود رمزية كُفرية مقصودة من معاوية، في أمره بقتل الرجل بمنطقة عذراء التي كان من بين فاتحيها.
في المقابل، ورغم اعتراف الغالبية العظمى من علماء أهل السنة على مدار السنين بفضل الرجل، وبمآثره، فإنهم لم يكفوا عن محاولات تبرير الجريمة بمختلف الحجج غير المنطقية، والتي لا يمكن أن تُقنِع منصفًا، والغرض من هذا هو تبرئة ساحة معاوية من تهمة القتل العمد على الشبهة، وذلك بادعاء أن حُجر لم يكتفِ بالمعارضة السلمية، ومواجهة الأمويين وواليهم باللسان، بل إنه كان على وشك الخروج المسلح، وخرق اتفاق صلح عام الجماعة 41 هـ بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان. في حين يلقون بالجانب الأكبر من المسئولية على شيعة العراق؛ لأنهم ألقوا بحُجر إلى التهلكة، عندما شجعوه في مناوشاته مع ولاة الأمويين على العراق.
«أَرْبَعُ خِصَالٍ كُنَّ فِي مُعَاوِيَةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ إِلَّا وَاحِدَةٌ لَكَانَتْ مُوبِقَةً: انْتِزَاؤُهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى أَخَذَ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ، وَفِيهِمْ بَقَايَا الصَّحَابَةِ وَذَوُو الْفَضِيلَةِ، وَاسْتِخْلَافُهُ بَعْدَهُ ابْنَهُ سِكِّيرًا خِمِّيرًا، يَلْبَسُ الْحَرِيرَ وَيَضْرِبُ بِالطَّنَابِيرِ، وَادِّعَاؤُهُ زِيَادًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، وَقَتْلُهُ حُجْرًا وَأَصْحَابَ حُجْرٍ، فَيَا وَيْلًا لَهُ مِنْ حُجْرٍ! وَيَا وَيْلًا لَهُ مِنْ حُجْرٍ وَأَصْحَابِ حُجْرٍ!». *الحسن البصري نقلًا عن كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير
بل وصلت حمى التبرير إلى حد اعتبار الفقيه الأندلسي أبي بكر بن العربي، صاحب كتاب العواصم من القواصم، في سياق تبريره لهذه الجريمة، أن الأصل في قتل الإمام لأي شخص أنه الحق، ومن يراه ظلمًا فعليه الدليل. وكأنه ليس من أصول الإسلام البدهية حرمة الدماء جميعًا إلا بدم، أو فساد في الأرض، إلا لو كانوا يرون أن كلمة الحق بوجه الولاة الظالمين، والحكام الجائرين، تندرج تحت بند الإفساد في الأرض.
كذلك، لم يسلمْ من هذا التراشق السني الشيعي حول حُجر بن عدي، ضريحُه الكائن قرب دمشق، إذ تعرَّض للنبش في مايو (أيار) 2013، واتهم الشيعة حينها متطرفين سنة بارتكاب تلك الفعلة.
علامات
آل البيت, التابعين, الحجاج الثقفي, الحسين بن علي, الدولة الأموية, الشام, الشيعة, الصحابة, الفتنة, الفتوحات الإسلامية, تاريخ, تاريخ إسلامي, دمشق, معاوية