أعلنت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، في ديسمبر (كانون الأول) 2019، موافقة أغلبية أعضاء المجلس على قرار عزل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من منصبه، وذلك بعد أن وجهت له تهم إساءة استخدام السلطة وعرقلة العدالة، على خلفية تسريب مكالمة له مع الرئيس الأوكراني يهدده فيها ترامب بتعطيل المساعدات العسكرية لأوكرانيا إن لم يتابع التحقيق في تهم الفساد الموجهة لأحد الشركات التي يُعد هانتر بايدن – نجل الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن – عضوًا في مجلس إدارتها.
وفي المناظرات الرئاسية التي سبقت الانتخابات التي جرت هذا العام، لم يترك دونالد ترامب فرصة إلا وهاجم فيها هانتر بايدن، فضلًا عن اتهام بايدن نفسه بالتورط معه في جرائم فساد وغسيل أموال ارتكبها هانتر من خلال شركته في أوكرانيا.
وبخلاف ما يثار حول سجله في قطاع الأعمال والسياسة؛ ففي الواقع يمتلك هانتر بايدن تاريخًا شخصيًّا أيضًا مثيرًا للجدل. فعندما كان في الجامعة كان مدمنًا للكوكايين، وفي مطلع الألفينيات مكث هانتر قرابة شهر في إحدى مراكز معالجة الإدمان للتخلص من إدمان الكحوليات.
أما عن علاقته العاطفية؛ ففي عام 2017 تطلق من زوجته بعد أن أصبح في علاقة غرامية مع أرملة أخيه الأكبر الذي توفي في عام 2015 من جراء الإصابة بمرض سرطان الدماغ، والعام الماضي تزوج من إحدى عارضات الأزياء بعد 10 أيام فقط من لقائهما الأول!
صفقات سرية مع شركات صينية.. هل تورط «الرجل الكبير»؟
خرج هانتر بايدن منذ أيام قليلة للإعلام قائلًا: «علمت منذ أيام قليلة أن مكتب المدعي العام في ولاية ديلاوير يحقق في الملف الضريبي الخاص بي». وتنظر جهات التحقيق الأمريكية إلى بعض العمليات التجارية التي نفذها هانتر بايدن مع شركات صينية في الفترة بين عامي 2013 و2019، أي أثناء وجود والده في البيت الأبيض نائبًا للرئيس أوباما، وبعد ما شغل مكانه مايك بنس نائب الرئيس ترامب، لكن هذه قضية مختلفة عن قضية شركة الطاقة الأوكرانية التي أثيرت في العامين الماضيين.
في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، نشرت صحيفة «نيويورك بوست» الأمريكية مجموعة من الإيميلات أو المحادثات الإلكترونية المسربة من البريد الإلكتروني الشخصي لهانتر بايدن، وكانت إحدى الرسائل بعنوان «توقعات» من شركة طاقة صينية شهيرة اسمها « شركة الصين للطاقة (CEFC China Energy Co)».
احتوت الرسالة على خطة مالية لمستحقات مالية لستة أشخاص من بينهم هانتر بايدن، الذي أُشير إليه بأنه «نائب رئيس الشركة»، وخصصت الخطة المالية نسبة 10% من العوائد المالية للشركة لصالح شخص يدعى «جيم»، والنسبة نفسها لشخص لم يُذكر اسمه، ولكن أشير إليه بـ«الرجل الكبير»!
في وقت لاحق استضافت شبكة «فوكس نيوز» – المعروفة باتجاهها الجمهوري الذي ينتمي له ترامب – شخص يدعى توني بوبولينسكي، عرف بأنه مساعد سابق لهانتر بايدن، وأكد أن «الرجل الكبير» الذي أشير له في الرسالة هو الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن نفسه.
أشارت صحيفة «بي بي سي» البريطانية؛ إلى أنه في عام 2013، استقل هانتر الطائرة الرئاسية المتوجهة إلى الصين في زيارة رئاسية رسمية يقودها جو بايدن، الذي كان نائب الرئيس آنذاك، والتقى هانتر هناك بشخص يعمل في القطاع المصرفي الاستثماري في الصين، يدعى جوناثان لي.
وعندما أثيرت المسألة في الإعلام الأمريكي، صرح هانتر لصحيفة «نيويوركر» الأمريكية بأن زيارة السيد جونثان لي كانت ودية فقط. لكن بعد 12 يومًا فقط؛ خصصت شركة «BHR» للاستثمارات 10% من أسهمها لصالح هانتر بايدن، والجدير بالذكر أن شركة «BHR» يديرها جوناثان لي الذي ادعى هانتر أنه قابله بشكل ودي فقط.
في وقت لاحق، صرح محامي هانتر بايدن بأن موكله لم يحصد أرباحه المالية من الشركة إلا في عام 2017 بعد أن انتهت مهمة والده في البيت الأبيض الأمريكي، ثم استقال من عضوية مجلس إدارة الشركة في أبريل (نيسان) 2019؛ لكنه احتفظ بنسبته في أسهم الشركة وأرباحها.
وقضية أوكرانيا أيضًا تعود من جديد!
منذ يومين؛ أصدرت المحكمة الفيدرالية في ولاية ديلاوير الأمريكية استدعاء لهانتر بايدن تطالبه فيه بتقديم فيه وثائق المعاملات المالية التي انخرط فيها، والتي تتضمن التقرير الضريبي خلال فترة وجوده في مجلس إدارة شركة «بوريزما (Burisma)» الأوكرانية، التي ارتبط اسمها بقضية عزل دونالد ترامب في ديسمبر الماضي.
ففي خلال الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي، وبعد أن ظهرت بعض الشواهد التي تفيد باحتمالية فوز جو بايدن بتذكرة الحزب، شرع دونالد ترامب ومعه الحزب الجمهوري كاملًا، باتهام جو بايدن بأنه ضغط على الحكومة الأوكرانية عام 2014 كي تعزل النائب العام لأوكرانيا لأنه كان يعمل على تحقيق بتهم فساد متورط فيها نجله مع شركة «بوريزما».
كان جو بايدن يقابل تلك الاتهامات بالنفي القاطع طوال حملته الانتخابية، وحتى عندما واجهه بها دونالد ترامب في المناظرة الرئاسية الأولى والثانية هذا العام، كان يرد بأنها اتهامات ليس عليها دلائل وعارية تمامًا من الصحة؛ موضحًا أنه – جو بايدن – لم يكن منخرطًا في يوم من الأيام، في أي نوع من البزنس أو الأعمال التي تخص أبنائه أو أقاربه؛ لكن صحيفة «نيويورك بوست» لها هنا أيضًا رأي آخر.
فقد نشرت صحيفة «نيويورك بوست» الأمريكية مقالًا آخر في شهر أكتوبر الماضي يحتوي على مجموعة من الرسائل المسربة من البريد الإلكتروني الخاص بهانتر بايدن. أحد الرسائل استقبلها ابن الرئيس الأمريكي المنتخب، كانت من شخص يدعى فاديم بوزارسكي، ويعمل مستشارًا لمجلس إدارة الشركة الأوكرانية.
كانت الرسالة عبارة عن توجيه الشكر لهانتر على اصطحابه إلى البيت الأبيض الأمريكي، وتنظيم مقابلة له مع جو بايدن في 17 أبريل عام 2015 عندما كان بايدن الأب هو نائب رئيس الولايات المتحدة! وعندما تواصلت الصحيفة الأمريكية مع فريق عمل بايدن؛ أنكر تلك الزيارة وقال إنها لم تكن مدرجة في جدول أعماله وزياراته الرسمية في ذلك اليوم.
لكن بعد ثمانية أشهر فقط من اللقاء المزعوم؛ سافر جو بايدن إلى أوكرانيا واجتمع مع رئيس وزراء أوكرانيا وطلب منه إقالة النائب العام الأوكراني، وتقول «نيويورك بوست» إن بايدن هددهم بإلغاء قرض قيمته مليار دولار كان من المفترض أن تحصل عليه الحكومة الأوكرانية كي تساعدها في المرحلة الانتقالية التي تلت أحداث الثورة الأوكرانية في عام 2014.
لكن بايدن دافع عن ذلك بأنه أراد إقالة النائب العام الأوكراني لأسباب أخرى تتعلق بارتباطاته بتهم فساد، وأن الإدارة الأمريكية وقتها لم تثق في شفافيته في التعامل مع جرائم الفساد التي وجهت للنظام الذي أطاحته الثورة.
جدير بالذكر أن بايدن الابن كان قد انضم لشركة «بوريزما» في مطلع شهر أبريل عام 2014، وتشير الرسائل المسربة إلى أنه بعد شهر واحد فقط، وتحديدًا يوم 12 مايو (أيار) 2014، أرسل فاديم بوزارسكي، مستشار مجلس إدارة الشركة، رسالة لهانتر بايدن بعنوان «مسألة عاجلة»، وطرح بوزارسكي على هانتر عدة تساؤلات، من بينها كيف يمكن أن تستفيد الشركة الأوكرانية من نفوذه السياسي في تسهيل التعامل مع الحكومة الأوكرانية الجديدة التي اتت بعد الثورة، وتميل إلى استخدام سياسات صارمة مع الشركات والكيانات الاقتصادية الكبرى، مثل شركة «بوريزما»، إحدى أكبر شركات الطاقة في أوكرانيا وأوروبا!
لكن.. هل كل الاتهامات الموجهة لهانتر بايدن صحيحة؟
الإجابة المثلى عن هذا السؤال هي: «لا نعرف!»، فحتى هذه اللحظة كل ما يثار في أروقة الإعلام الأمريكي وقاعات القرار السياسي والقضائي في الولايات المتحدة، هي أخبار عن مباشرة التحقيقات بشكل موسع في ملف الضرائب والتعاملات المالية التي تخص هانتر بايدن مع الشركات الصينية ومع الشركة الأوكرانية.
حتى الرسائل الإلكترونية التي نشرتها صحيفة «نيويورك بوست» لا أحد يمكن أن يتأكد من صحتها غير الجهات المعنية التي لم تعلن تأكيد محتواها حتى هذه اللحظة التي نشر فيها هذا التقرير.
في الحقيقة أن «نيويورك بوست» اتُهِمت بنشر بيانات وملفات مفبركة، وتقول «إن بي سي نيوز» إن هذه الرسائل جرى تسريبها من الحاسوب الشخصي لهانتر بايدن، عندما قام شخص مجهول الهوية بتسليم حاسوب مُخرب إلى إحدى مراكز الصيانة في ولاية ديلاوير الأمريكية – مسقط رأس هانتر بايدن ووالده – وتطلب من القائم على المركز بإصلاحه، ثم اختفى ولم يعد مرة أخرى.
وأنه بعد مدة قرر ذلك الشخص تصفح الجهاز ووجد عليه – بحسب ما قالت «نيويورك بوست» – مجموعة من الصور الجنسية لهانتر بايدن، بالإضافة إلى فيديو مدته 12 دقيقة يدخن فيه هانتر مخدر الكراك بينما يمارس الجنس مع امرأة مجهولة الهوية. وأنه بعد تصفحه للبريد الإلكتروني وجد الرسائل – التي نشرتها «نيويورك بوست» – وقرر تسليم الجهاز للمباحث الفيدرالية التي لم تصدر أي تقرير يقدم نتائج نهائية عن الفحص حتى الآن!