هل يعاني طفلك من فرط القراءة؟ وهل عليك أن تخاف من امتلاكه هذه المهارة؟ وكيف تساعد طفلك المصاب بها؟
يسعى الكثير من الآباء والأمهات إلى تعليم أبنائهم القراءة في مرحلة الطفولة المبكرة الفترة من عمر سنتين إلى خمس سنوات، فيشترون لهم القصص الملونة، وبطاقات الحروف، ويرددون معهم الحروف والكلمات البسيطة لمساعدتهم على التعلم والقراءة.
تبدأ عملية تعلم القراءة بقدرة الطفل على الوعي الصوتي بالأصوات والكلمات المختلفة التي يلتقطها من محيطه حتى يصل إلى مرحلة إدراك العلاقة بين الحرف وصوته، الأمر الذي يُمكنه بعد ذلك من فهم معاني الكلمات وإدراك السياق الذي تقال فيه. باكتساب المهارات السابقة يتكون لدى الطفل مهارة «الفهم القرائي» أو فهم معنى النص الذي يقرأه لينتهي به الأمر إلى إتقان القراءة بصوتٍ عالٍ وفهمٍ دقيق. لكن ماذا إذا تجاوز طفلك كل هذه المراحل وقرأ في عمر السنتين بدون تعليم أو تدريب؟
هايبرلكسيا.. ما معنى فرط القراءة؟
تُعرف قدرة الطفل على إتقان مهارات القراءة بدون تعلم في سن مبكرة مع تدني مهارات الكلام والتواصل وتطوير اللغة باسم «فرط القراءة –Hyperlexia»، وهو مصطلح يشمل ترديد الطفل العبارات والجمل التي يلتقطها من المحيطين به بسهولة ووضوح من غير إدراك معناها.
قد يعتقد البعض أن امتلاك الطفل لمهارة القراءة المبكرة علامة على الموهبة والذكاء، إلا أنها تُعد علامة على وجود بعض الإعاقات التنموية مثل التوحد أو متلازمة شبيهة للتوحد.
إذن.. كيف يتصرف الطفل المُصاب بفرط القراءة؟
1- يتطور بشكل طبيعي ولكن
تتطور مهارات الطفل النمائية بشكل طبيعي فيصبح قادرًا على التواصل ويكتسب مهارات اللغة والكلام، لكن عندما يصل إلى عمر 18 إلى 24 شهرًا يحدث تراجع في مهارات الطفل اللغوية والاجتماعية وتراجع في مهارات التواصل والكلام، وتظهر قدراته الفائقة على القراءة.
2- تأخر لغوي وذاكرة سمعية وبصرية جيدة
يتمتع أطفال فرط القراءة بذاكرة سمعية وبصرية جيدة فهم قادرون على القراءة وترديد الكلام والجمل دون بذل مجهود، إلا أن هذه الذاكرة الاستثنائية لا تساعدهم على فهم وتطوير مهارات اللغة والكلام. سبب ذلك أنهم لا يتعلمون الكلام بالطريقة نفسها التي يتعلم بها معظم الأطفال. إذ يميل الأطفال الذين يتطورون عادةً إلى البدء في تعلم اللغة عن طريق الفهم الأول للكلمات الفردية واستخدامها، ثم يجمعونها معًا تدريجيًّا لتكوين عبارات وجمل واستخدامها في سياق مناسب للحديث.
يتكلم الأطفال المصابون بفرط القراءة بطريقة عكسية، فهم قادرون على ترديد جمل وعبارات كاملة من برامج التلفزيون وأفلام الكارتون، أو حتى من النصوص المكتوبة، سواء بشكل فوري فيما يعرف باسم «الإيكولاليا» أو المصاداة الفورية عند سماع الكلمات أو قراءتها، ومن ثم ترديدها بشكل متأخر فى وقتٍ لاحق – ما يعرف بالمصاداة المتأخرة- فيكون من الصعب فهم ما يُريد الطفل قوله لأنه يكرر جمل خارج سياق الحديث، كأن يردد الطفل أغنيه أو جمل لشخصية كارتونية عندما تسأله عن اسمه.
3- عزلة اجتماعية عن المحيطين
قد يجد الأطفال المصابون بفرط القراءة صعوبة في بدء حوار والتفاعل مع الأشخاص المحيطين بهم لعدم قدرتهم على التعبير عما يدور في أذهانهم بسبب صعوبة إدراكهم ومعالجتهم للغة الاستقبالية، وهي اللغة التي يتلقاها الطفل من المحيطين به واللغة التعبيرية التي يعبر بها الطفل عن مشاعره وأفكاره.
لكن لماذا يُعاني بعض الأطفال من فرط القراءة؟
لا يوجد تفسير علمي واضح لماذا يُصاب الأطفال بفرط القراءة، إلا أنه من الممكن أن يكون نتيجة لاضطراب تنموي آخر مثل اضطراب المعالجة الحسية واضطراب التوحد؛ ما أدى إلى خلل في التنظيم العصبي في الدماغ.
فمثلًا يفسر بعض الباحثين فرط القراءة على إنه نتيجة لخلل في المعالجة الحسية للمعلومات الحسية التي يتلقاها الطفل من البيئة المحيطة به من خلال حواسه المختلفة، فيعجز الدماغ عن تفسير هذه المعلومات بالشكل الصحيح فيُصدر الطفل استجابات غير مناسبة.
فمثلًا عندما يردد الطفل جملًا وعبارات كاملة فهو يرسل رسائل للمخ عن طريق حاسة السمع، فيعالج المخ هذه المعلومات التي تخرج على شكل كلام منطوق، إلا أن الطفل لا يستطيع أن يدرك معناه.
فرط القراءة.. موهبة أم توحد وإعاقة نمو؟
تُعد القدرات اللغوية الفائقة إحدى السمات المميزة للأطفال الموهوبين. فالطفل الموهوب قادر على تطوير مهارات مثل الكلام والتواصل واللغة والقراءة في عمر سنتين وبدون تلقي مساعدة. مع ذلك يميل بعض الباحثين إلى تصنيف معظم الأطفال المصابين بفرط القراءة على أنهم مصابون باضطراب طيف التوحد، فهل كل طفل فرط قراءة هو طفل توحد؟
تظهر على أطفال فرط القراءة – على الرغم من قدرتهم الجيدة على القراءة – أعراض مثل عدم قدرتهم على تنمية مهارات اللغة والكلام والتواصل وتكرار الكلام، ما يتشابه مع بعض أعراض الاضطرابات التنموية الأخرى مثل اضطراب التوحد، هذا يفسر السبب في تشخيص أطفال فرط القراءة في أغلب الأحيان على أنهم أطفال توحديين.
وقد صنف دكتور دارولد أ.تريفيرت، طبيب نفسي ومتخصص في اضطرابات طيف التوحد، أطفال فرط القراءة إلى ثلاثة تصنيفات تساعد فى التشخيص الصحيح:
فرط القراءة (1): أطفال متطورون قادرون على إتقان مهارات القراءة بشكل فائق فنجد طفلًا في مرحلة رياض الأطفال قادرًا على القراءة بمهارات تعادل طفلًا في الصف السابع، مع القدرة على تطوير مهارات تنموية أخرى مثل مهارات اللغة والكلام والتواصل.
فرط القراءة (2): عادةً ما يكون فرط القراءة هنا علامة على إصابة الطفل باضطراب التوحد، فالطفل يعاني من حركات نمطية وتكرارية مثل «الدوران حول نفسه»، ولا يستطيع التواصل بالعين ولا يمتلك مهارات الكلام واللغة والتواصل الاجتماعي ويعانى من الانسحاب والعزلة الاجتماعية.
فرط القراءة (3): تجمع هذه الفئة بين خصائص وصفات الفئة (1) والفئة (2) فالطفل لديه قدرة فائقة على القراءة مع سلوكيات تشبه التوحد لكنها تختفى مع الوقت والتدريب، كما أنه يطور مهارات الكلام واللغة ولكن ببطء.
كيف تساعد طفلك على تنمية مهارات التواصل لديه واستثمار فرط القراءة؟
الطفولة المبكرة هي مرحلة شديدة الخصوصية في حياة الطفل، فهي تمهيد لما سيكون عليه شكل حياته المستقبلية. تحتاج هذه المرحلة انتباهًا خاصًا من الأبوين لمعرفة نقاط القوة والضعف لدى أبنائهم، فإذا كنت أحد الآباء لطفل مصاب بفرط القراءة فاتبع التعليمات التالية:
1- انتبه.. في بيتك طفل موهوب
إذا كان طفلك قادرًا على تطوير مهارات القراءة المبكرة مع تطوير مهارات اللغة والتواصل فأنت أمام طفل موهوب وهو غالبًا من فئة فرط القراءة (1). ساعد طفلك على تطوير موهبته، شجعه على جعل القراءة جزءًا من روتينه اليومي، ووفر له القصص والكتب المتنوعة، اقرأ معه، وناقشه فيما يقرأ، وساعده على نقد وتحليل ما يقرأ.
2- التشخيص نصف العلاج
لا يُعد فرط القراءة تشخيصًا قائمًا بذاته، إلا أنه عرض لمجموعة من الاضطرابات الأخرى مثل اضطراب التوحد، واضطراب اللغة، وصعوبات التعلم، واضطراب المعالجة الحسية. يساعد التشخيص الدقيق في اختيار الآليات المناسبة التي تساعد الطفل على تنمية المهارات التي تعاني من القصور و التأخر.
3- قسِّم المهارات الصعبة
يُساعد تقسيم المهارات المعقدة إلى مجموعة من المهارات البسيطة، الطفل على تعلمها واكتسابها بسهولة، تعرف هذه الطريقة باسم «تحليل السلوك التطبيقى»، وتستخدم عادةً لمساعدة أطفال فرط القراءة من الفئة (2) و(3).
طفل داخل جلسة تحليل السلوك التطبيقي
4- القراءة مفتاح اللغز
الأطفال عمومًا مزيج من نقاط القوة والضعف، وعلى الآباء استغلال هذا المزيج لصالح تنمية مهارات أطفالهم. وتعد قدرة الطفل الفائقة على القراءة هي نقطة القوة التى يُعتمد عليها فى تصميم البرامج العلاجية والتعليمية عند تعليم الطفل اللغة.
تعتمد البرامج العلاجية في تكوين بناء لغوي للطفل على الدمج بين البطاقات المكتوبة والبطاقات المصورة لمساعدة الطفل على الربط بين الكلمة والصورة، كأن ندرب الطفل على تعلم قول كلمة تفاحة مثلًا فنقدم له البطاقات المصورة التي تحتوي على صورة التفاحة والبطاقة المدون عليها كلمة تفاحة فيستطيع الطفل الربط بين صورة التفاحة وبين كلمة تفاحة المقروءة.
5- شجع طفلك على أن يعبر عن احتياجاته
قد تساعدك قدرة طفلك على ترديد وتكرار الكلام والعبارات على إكسابه روتينًا يوميًّا يساعده في أن يعبر عن احتياجاته اليومية، كأن تقول أمامه عبارات مثل «أنا أريد أن آكل» عند رؤية الطعام فيردد الطفل الكلام، هذا التكرار يساعد الطفل على سهولة تذكر واسترجاع جملة أنا أريد أن آكل كلما رأى الطعام.
6- وأخيرًا.. اطلب المساعدة
يتداخل فرط القراءة مع عدد من الاضطرابات المختلفة لذلك يحتاج طفلك إلى مساعدة متخصصة من قبل مهنيين وأخصائيين من مجالات مختلفة، مثل أخصائي علاج وظيفي، وأخصائي توحد، وأخصائي تخاطب، وأخصائي تعديل سلوك.
علامات
اضطرابات تنموية, الطفل, اللغة, تربية, توحد, عزلة اجتماعية, فرط القراءة, مهارات تنموية, هيبرلكسيا