تواجه فرنسا هذه الأيام، عاصفة أخلاقية كبرى، فجَّرتها شهادات متدفقة عن اعتداءات جنسية ارتكبها ذوو القربى بحق قُصَّر، على موقع «تويتر». فالأبراج العاجية التي يسكنها الكبار في فرنسا، على وشك التداعي، بعد آلاف من الشهادات التي كُتِبت تحت وسمي (#Metooinceste) و(#Noustoutes) وتحمل اتهامات لأعمام وجدود وأخوال وآباء، بممارسة الجنس مع قُصَّر، على غرار حركة (#Metoo) العالمية التي رصدت شهادات اعتداء وتحرش جنسي.
على جانب آخر، يُعد الحديث عن ممارسة الجنس مع القُصَّر – بما فيها سِفَاح القربى- موضوعًا محظورًا بشدة في المجتمع الفرنسي على الرغم من انتشاره، فبحسب «جمعية الناجين من سفاح القربى» الفرنسية، يتعرض شخص واحد من كل 10، لاعتداء جنسي من أحد أفراد عائلته، وقد انطلق سيل الشهادات على «تويتر» في أعقاب فضيحة تحيط بسياسي وإعلامي بارز؛ ليسحب البساط من أسفل أقدام النخبة السياسية والثقافية الفرنسية، ويعري القوانين الفرنسية المعيبة.
نقطة البداية.. مأساة أبناء وزير الخارجية الأسبق
كشفت كاميل كوشنير في كتابها «العائلة الكبيرة» عن أن شقيقها التوأم كان ضحية سفاح القربى وهو في الرابعة عشرة من عمره، من قبل زوج والدتها، أوليفييه دوهاميل، أستاذ العلوم السياسية البارز والمعلق التلفزيوني. فتروي كاميل كيف اعتدى دوهاميل على شقيقها كل ليلة لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام، ما أدى لفتح تحقيق قضائي في «اغتصاب واعتداء جنسي من قبل شخص له سلطة على قاصر يبلغ 15 عامًا»!
«دوهاميل وآخرون فضحوكم، لن تحصلوا على السلام أبدًا». مصدر الصورة مواقع التواصل الاجتماعي
كاميل كوشنير، 45 عامًا، وشقيقها التوأم هما ابنا برنارد كوشنير، وزير الخارجية الفرنسي السابق والمؤسس المشارك لجمعية «أطباء بلا حدود» الخيرية الطبية، من أمهما الأكاديمية الراحلة، إيفلين بيسييه.
نشرت كاميل كوشنير بداية العام الجاري كتابها في سلسلة مقالات بصحيفة «لو موند – Le Monde» قبل طباعته، وقالت إن الانتهاكات حدثت في نهاية الثمانينيات.
في المقتطفات المنشورة، تُسمِّي شقيقها فقط بـ«فيكتور» لحماية خصوصيته، والذي أكد للصحيفة – دون نشر اسمه – صحة الاتهامات، والتي أكدها أيضًا والده برنارد كوشنير، في بيان صادر عن محاميه، قائلًا: «إن سرًّا ثقيلًا ظل يثقل كاهلنا منذ فترة طويلة قد جرى رفعه أخيرًا. وأنا أحيي شجاعة ابنتي كاميل».
تسببت الاتهامات ضد دوهاميل في إثارة ضجة كبيرة داخل الأوساط الفرنسية؛ فهو رئيس المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية، ورئيس لمجلس الإدارة المشرف على معهد الدراسات السياسية بباريس، ورئيس «لو سيكل»، وهو نادٍ اجتماعي للنخبة في العاصمة باريس.
ومع تأكيد كاميل معرفة أصدقاء دوهاميل باعتداءاته على الأطفال، اضطر فريديريك ميون، مدير معهد الدراسات السياسية بباريس، للتنحي لضغوط من طلابه، كما استقالت إليزابيث جيجو، وزيرة العدل السابقة والصديقة المقربة لدوهاميل، من منصبها من رئاسة لجنة العنف الجنسي ضد الأطفال.
التحقيق مع «صائد الكتاكيت الصغيرة» لكن النخبة الأدبية تدعمه!
في فبراير (شباط) 2020، بدأ التحقيق مع الكاتب الفرنسي غابرييل ماتزنيف، والذي لقبه الإعلام الفرنسي في التسعينيات بـ«جامع الكتاكيت الصغيرة» لترويجه للاعتداء الجنسي على الأطفال علانية في مسيرته الأدبية التي امتدت نحو 50 عامًا، محميًّا من قبل أصحاب النفوذ في النشر والصحافة والسياسة والأعمال.
لعقودٍ من الزمان، جرى الاحتفاء بكتابته وتحدثه صراحةً عن مطاردة فتيات مراهقات خارج المدارس في باريس، وممارسة الجنس مع أولاد يبلغون من العمر ثماني سنوات في الفلبين، وكتب في رواياته ومذكراته عن الانخراط في أعمال واضحة من الاعتداء الجنسي على الأطفال، ومعظمها مع أولاد قبل سن البلوغ، مثل ما جاء في مذكراته: «في بعض الأحيان، يكون لدي ما يصل إلى أربعة أولاد – من سن ثمانية إلى 14 عامًا – في سريري بالوقت نفسه».
يتعرض ماتزنيف اليوم وداعموه، للمساءلة من قبل حركة لتحرير الأصوات النسائية التي قمعها الرجال الأقوياء لفترة طويلة، بعد نشر رواية «الموافقة» لفانيسا سبرينغورا العام الماضي، وهي أول شهادة من إحدى ضحايا الكاتب القُصَّر، والتي كشفت فيها عن تعرضها لإغراءات ماتزنيف عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، ومن ثم اعتداؤه عليها.
كتاب «العائلة الكبيرة» الذي نشرته كاميل كوشنير، ورواية «الموافقة» التي تحمل شهادة فانيسا سبرينغورا، جنبًا إلى جنب. مصدر الصورة موقع تويتر
لم يكن في رواية «الموافقة» شيء جديد غير المعروف به ماتزنيف؛ ففي عام 1986، استدعاه ضباط الشرطة الباريسية للاستجواب بعد تلقي رسائل مجهولة المصدر تفيد بأنه كان يقيم في شقته مع الفتاة سبرينغورا، التي كانت آنذاك 14 عامًا، بينما كان هو 50 عامًا، لكن عندما ذهب إلى الشرطة كان معه مقال من الرئيس فرانسوا ميتران يشيد بكتاباته، وفيه «لطالما أذهلني بذوقه شديد الصرامة وبعمق تفكيره»، ضمن إشادة وجهها الرئيس الأسبق لمجلة أدبية، من أجل تخصيص عدد كامل في يوليو (تموز) 1986 لماتزنيف.
تمتع ماتزنيف لعقود بمحاباة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، والذي دعاه مرات إلى قصر الإليزيه، للاجتماع بالسياسيين، كما استفاد من سخاء مصمم الأزياء، إيف سان لوران، وشريكه رجل الأعمال، بيير بيرجي، اللذين وفَّرا له أطفالًا خلال رحلاته السياحية معهما!
تلك الامتيازات التي اختفت بعد أسابيع من اتهامه الأخير، لم تمنع مخططًا لمنح ماتزنيف جائزة أدبية مرموقة، على يد لجنة تحكيم تضمنت الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 2008 جان ماري غوستاف لو كليزيو، وعضوًا في الأكاديمية الفرنسية وبعض الكُتَّاب الأكثر مبيعًا في فرنسا، في محاولة منهم لإعادة مؤلفاته لصدارة المبيعات، بعد أسبوع من الاتهام؛ ما يرسم – وسط التطورات الحالية – صورة أوسع لنخبة أدبية منعزلة، لا ترى عوارًا في ممارسة البيدوفيليا!
قانون «سفاح القربي» الفرنسي يُساعد في ارتكاب هذه الجرائم!
يعرف القانون الفرنسي سفاح القربى بأنه علاقة جنسية بين شخصين مرتبطين إلى درجة يحظر فيها الزواج، بما في ذلك الأشقاء أو الأطفال وآباؤهم وأبناء الزوج أو الزوجة، لكن القانون يُجرِّم فقط سفاح القربى في حالة الاعتداء الجنسي مثل الاغتصاب، لكن على الضحية إثبات تعرضها للعنف والتهديد. أما تهمة الاتصال الجنسي مع طفل أقل من 15 عامًا ليست نفسها تهمة الاغتصاب؛ بل جريمة أخف مع عقوبة أخف، لا ثبت أحيانًا.
يختلف القانون الفرنسي مع قوانين الدول الغربية التي تعد ممارسة الجنس مع قاصر اغتصابًا؛ لأنه يُعتقد أن القاصر أصغر من أن يوافق. وتسبب هذا الاختلاف في بيانات صادرة عن المكتب المركزي لقمع العنف ضد القاصرين بفرنسا، تؤكد أن القاصرين هم الضحايا الرئيسيون للجرائم الجنسية بنسبة 52.7% بين الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب بين الإناث، و75.5% بين الذكور، في إطار مسح أجراه المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية في عام 2015.
مظاهرات بالعاصمة الفرنسية في أعقاب نشر كتاب كوشنير، «العائلة الكبيرة» – مصدر الصورة موقع تويتر
في عام 2017، سجَّلت الشرطة 8788 شكوى وبلاغًا عن اغتصاب ضحايا قاصرين، أحال المحققون 6472 شكوى منها إلى النيابة، وكانت 4376 قضية منها غير قابلة للمقاضاة بسبب عدم قدرة الضحية على إثبات الجريمة؛ لأن 52% منهم كانت أعمارهم تتراوح بين 10 و14 سنة وقت وقوع الحادث، بينما أكثر من 87% من الحالات كان الضحية القاصر يعرف الجاني.
كما كشف استطلاع نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، من قبل «جمعية الناجين من سفاح القربى» الفرنسية أن واحدًا من كل 10 فرنسيين كان ضحية لسفاح القربى، وهي نسبة تزداد بمرور الوقت، فقد كانت النسبة في عام 2009 حوالي 3%، ثم ارتفعت لتصل إلى 6% في عام 2015، ثم وصلت إلى 10% في عام 2020 كما أسلفنا!
وجدير بالذكر، أن 1% فقط من تلك القضايا وصل إلى المحكمة؛ إذ تستغرق تهم الاغتصاب ما يصل إلى ثماني سنوات أو أكثر للمثول أمام المحكمة وينظر فيها المحلفون، الذين يميلون إلى الحكم على النساء والفتيات أصحاب الدعاوي، بشكل أكثر قسوة.
علق الخبراء القانونيون لصحيفة «نيويورك تايمز» على سبب تراجع تلك القضايا في ساحات المحكمة، بأنه من الشائع أن يحاكم القاضي الفتيات والنساء والأطفال على أفعال الرجال، والنتيجة هي أن محامي ضحايا الاغتصاب القاصرات غالبًا ما يقبلون تهمة أقل – مثل الاتصال الجنسي أو الاعتداء الجنسي الذي لا يشمل الاغتصاب – لتجنب تعرض المجني عليه لمزيد من الصدمة أثناء اضطراره إلى الإدلاء بشهادته أمام هيئة محلفين وربما رؤية من اعتدى عليه ومواجهته.
الحركة التنويرية وحرية ممارسة الجنس مع الأطفال!
من الواضح أن فكرة ممارسة الجنس بين البالغين والقصر لم تكن صادمة للجيل السابق – في الدوائر الثقافية والسياسية على الأقل – وكان يُنظر إليها على أنها «تحرُّر»، من أجل التخلص النهائي من «التعقيدات الجنسية» التي فرضها النظام القديم قبل عام 1968؛ ما يفسر الرؤية المختلفة لدى الأجيال الأكبر سنًّا في فرنسا حول النوع الاجتماعي والنسوية والقضايا الاجتماعية والسياسية الأخرى، التي تظاهر من أجلها شباب «حركة السترات الصفراء» عام 2019.
يأتي أحد التفسيرات للوضع الحالي من المواقف التي أعقبت عام 1968، أنه عندما أدت الاحتجاجات الطلابية ضد الرأسمالية والنزعة الاستهلاكية وغيرها من القيم والمؤسسات، إلى اضطرابات أهلية؛ مثلت الاحتجاجات ثورة ثقافية تركت بصمة دائمة على هوية فرنسا ذاتها، فأراد هذا الجيل حريته الجنسية غير المشروطة، واعتبروا الاعتداء الجنسي على الأطفال «توجهًا جنسيًّا».
كان تطبيع العلاقة الجنسية بين البالغين والأطفال إحدى طرق «معارضة النظام البرجوازي» بحسبهم، فقد أعقب الاحتجاجات جوٌ عام من الحرية الجنسية وتحرير لأنماط الحياة المختلفة، وهو مناخ عزَّز ظهور حركة لصالح الاعتداء الجنسي على الأطفال، فشكَّل نشطاء تلك الفترة جمعيات بأسماء مثل: «جبهة تحرير الأطفال»، و«جبهة العمل البحثي لطفولة متحررة»، و«المجموعة البحثية لطفولة مختلفة»، وبدأ عشاق الأطفال أيضًا في نشر مجلات خاصة بهم مع عناوين مثيرة تطالب بحماية حقوق الأطفال «الجنسية»، وتصف فكرة منعهم من «الاستمتاع بالأبوية».
فعلى سبيل المثال، وقَّع العديد من المفكرين والكتاب البارزين مثل جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، ورولان بارت، وجاك لانج، ولويس أراغون خطابًا نُشر في صحيفة «لو موند- Le Monde» عام 1977، يدافع عن ثلاثة رجال سُجنوا لمدة ثلاث سنوات بسبب إقامة علاقات جنسية مع قاصرين يبلغون من العمر 15 عامًا، وأعربوا عن أسفهم للثغرات بين «قانون عفا عليه الزمن والواقع اليومي لمجتمع بدأ يدرك وجود حياة جنسية للأطفال والمراهقين»، وأن ثلاث سنوات في السجن بسبب المداعبات والقبلات كافية.
كان الأديب الفرنسي غابرييل ماتزنيف أحد الموقِّعين على الرسالة، وهو اليوم متهم بانتمائه واتباعه أفكار ذاك العالم الفني والأدبي الباريسي العجيب، ما يضع فترة ما بعد عام 1968 بأكملها وكذلك البيئة الأدبية في باريس، موضع تساؤل كبير وشبهة!
«الشغف الفرنسي» بأجساد الأطفال والقوانين المعيبة
تُعرِّف منظمة الصحة العالمية الاعتداء الجنسي على الأطفال بأنه «تورط الطفل في نشاط جنسي لا يفهمه تمامًا، أو لا يستطيع إعطاء موافقة واعية عليه، أو يكون الطفل غير مكتمل النمو ولا يمكنه إعطاء الموافقة، أو أي فعل ينتهك القوانين أو المحرمات الاجتماعية للمجتمع… غالبًا ما يكون ظروف الاعتداء الجنسي على الطفل مختلفة عن تلك المتعلقة بالاعتداء الجنسي على البالغين، وبالتالي لا يمكن التعامل مع الإساءة من هذا النوع بالطريقة نفسها… ونادرًا ما يستخدم الجناة البالغون القوة الجسدية أو العنف ضد الأطفال، ويعتمدون بدلًا من ذلك على قدرتهم على التلاعب بثقة الطفل وإخفاء الإساءة».
بناءً على هذا التعريف، فإن افتقار فرنسا إلى سن محددة بوضوح للموافقة الجنسية يعد أمرًا غريبًا، فبموجب القانون الفرنسي، تتطلب تهمة الاغتصاب «العنف، أو الإكراه، أو التهديد، أو المفاجأة»، حتى لو كانت الضحية صغيرة السن، مثلما حدث في قضية «مونماجني» التي تعود أحداثها لعام 2018، والتي حُكم فيها ببراءة المتهم – الذي كان أبًا لطفلين ويبلغ من العمر 29 عامًا – في اتهامه بممارسة الجنس مع طفلة تبلغ 11 عامًا، لأنها لم تستطع إثبات تعرضها للعنف.
ورأى المحامون والقضاة وهيئة المحلفين أن الطفلة بالغة وقادرة على الرفض، واتهموها بـ«أنها كانت توافق على ما تفعله ومارست الجنس طواعية». ولم تفلح دفاعات محاميها إلى إثبات عدم إدراكها لما يحدث معها، حتى بعد إثباتهم مهاتفة الطفلة لوالدتها فور الاعتداء عليها، وأنها لم تكن تدرك ما حدث لها.
أثبتت هذه القضية «الشذوذ طويل الأمد» في القانون الفرنسي الذي لا يعترف حُماته بوجود سن قانونية للموافقة على ممارسة الجنس، على عكس قانون معظم البلدان الأوروبية الذي حدد سنًّا قانونية للموافقة يتراوح الحد الأدنى منها بين 14 و16 عامًا، ولا يمكن اعتبار الأطفال الذين تقل أعمارهم عن هذا العمر موافقين على ممارسة الجنس، بغض النظر عن الظروف؛ فإن شخصًا بالغًا في معظم الدول الأوروبية يمارس الجنس مع شخص دون هذا العمر سيُتَّهم بالاغتصاب، حتى لو لم يستخدم العنف.
لا يتضمن القانون الفرنسي سنًّا ثابتة للموافقة، رغم اعترافه بالقاصر جنسيًّا؛ ففي القرن التاسع عشر، كان سن القاصر جنسيًّا هو 11 عامًا؛ وفي وقت لاحق، رُفع إلى 13 عامًا، وفي عام 1945، كان القاصر عمره 15 عامًا، ورغم ذلك ألزمت أعلى محكمة فرنسية عام 2005 ثلاثة أطفال دون سن الخامسة بإثبات تعرضهم للعنف في قضية اعتداء جنسي، وهو ما لم يتمكن الأطفال – الذين أعمارهم دون الخامسة – من إثباته بالطبع!
وأصدرت المحكمة ذاتها ثانية في عام 2015 حكمًا بأنه لا يوجد سن محددة للموافقة عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الجنسية، وأصبح الأمر متروكًا للحكم الذاتي للقاضي، والذي يفترض أن الطفل الضحية لم يتضرر ما دام أبدى ثباتًا انفعاليًّا ولم يتأثر بالتجربة، رغم أن عدم فهم الطفل لطبيعة ما حدث، وعدم قدرته على قول «لا» هو بالضبط سبب ضرورة وجود قانون لحمايته، وفق جمعية «الذاكرة والصدمة» الفرنسية.
هل تستطيع فرنسا إصدار قانون يحمي القُصَّر؟
انهيارات مستمرة على مدار الساعة لرموز فرنسا تدخل أسبوعها الثالث، بداية باستقالة نائب رئيس بلدية باريس لاتهامه بالاعتداء على كاتب مثلي الجنس في طفولته خلال رحلة إلى تونس؛ وصدمة في إستديوهات السينما الفرنسية بعد اتهام النجمة آديل هاينيل مخرج فيلمها الأول، كريستوف روجيا، بإقامة علاقة جنسية معها وهي في الثانية عشرة من عمرها؛ مع حكم تاريخي على لوسكوارنيك أكبر جراحي فرنسا، والذي يبلغ 70 عامًا، بالسجن 15 عامًا، والمعروف بـ«أخطر البيدوفيليين» في فرنسا لاغتصابه واعتدائه على المئات من مرضاه الأطفال، وذلك على الرغم من تبرئته السابقة عام 2005.
وفيما يبدو وبسبب الحملة الفرنسية على موقع «تويتر»، فإن الاتهامات الموجهة لكبار الشخصيات لن يجري التعامل معها كما كان الوضع قبل أشهر، لكنها في انتظار تعديل قانوني وتدخل حكومي، خاصة مع استمرار محاكمة رجل الأعمال جيفري إبستين، رغم انتحاره أثناء التحقيق معه نهاية عام 2019، في وقائع اغتصاب ودعارة بالأطفال في منتجعات مملوكة للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ومطالبة إحدى ضحاياه باستدعاء نجل ملكة بريطانيا، الأمير أندرو، بالشهادة، لإجبار إبستين على ممارسة الجنس مع نجل الملكة، بينما كانت ما تزال قاصرًا.
لم يعد صمت الحكومة الفرنسية مقبولًا للنشطاء والمتظاهرين رغم ادعاءاتها حماية حقوق النساء والأطفال، فقد اقترحت حكومة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في عام 2018 قانونًا يمد فترة التقادم الخاصة بنقل تهم الاغتصاب من 20 عامًا إلى 30 عامًا، ورفع العقوبة إلى 10 سنوات سجن وغرامة قدرها 150 ألف يورو، لكن ما يزال يتعيَّن على الضحية إثبات أنها لم توافق وتعرضت للاستغلال، كما أنه لم يحدد سنًّا للقاصر الجنسي!
بداية من الأسبوع الثالث في شهر يناير (كانون الثاني) 2021، وبعد أسبوعين من الصدمة التي تسبب بها نشر كتاب كاميل كوشنير، يتردد صدى المناقشات البرلمانية في بعض الأحيان بشكل خاص بسبب الأحداث الجارية، مع تأكيد وفد حقوق المرأة في مجلس الشيوخ الفرنسي أن القانون الجنائي الحالي لا يحمي الأطفال بشكل كافٍ من المتحرشين والمعتدين الجنسيين، ودون تعديله سيكون هناك كل عام ما يقرب من 150 ألف حالة اغتصاب ومحاولة اغتصاب قاصر، أي من 300 إلى 400 حالة في اليوم.
لكن على جانب آخر، ما يزال تحديد سن الضحية مسألة حساسة تقسم أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي، ففي حين تؤيد العديد من جمعيات حماية الطفل رفعها إلى 15 عامًا لأن الطفل لا يمكنه الموافقة على فعل جنسي، يتمسك أعضاء مجلس الشيوخ بتعريف القاصر بأنه كل من دون الثالثة عشرة فقط، مدافعين عن موقفهم بأن 13 هي السن التي لا جدال فيها لكونه طفلًا لا تصح ممارسة الجنس معه.
جدير بالذكر، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أصدر مساء السبت 23 يناير 2021، بيانا مُصورًا، أثنى فيه على شجاعة أصحاب الشهادات الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي في طفولتهم، معلنًا إطلاق مبادرة لوقف العنف الجنسي المرتكب ضد الأطفال بالتعاون مع وزيرين وقاضٍ، علاوة على الجمعيات المتخصصة، وتنظيم حملات في المدارس الابتدائية والإعدادية للتعريف بالعنف الجنسي ضد الأطفال، مشيرًا إلى محاولات الحكومة تعديل القانون من أجل توفير حماية للأطفال ضحايا سفاح القربى والعنف الجنسي.