تحول الطلاق في الجزائر إلى ما يمكن اعتباره ظاهرة مجتمعية، على خلفية الارتفاعات غير المسبوقة في معدلات الانفصال بين الأزواج؛ والتي تزامنت مع تراجع معدلات الزواج عما كانت عليه خلال السنوات السابقة، واتجاه أعداد كبيرة نحو الزواج من الوافدات الأجانب. تبحث السطور التالية في هذه الظاهرة وخلفياتها الاجتماعية والقانونية، وكيف أدت لتغير شكل المجتمع الجزائري، وماهية الأسباب الحقيقية وراءها.
الظروف الاقتصادية ترفع نسب الطلاق في الجزائر
تُظهر الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن الديوان الوطني للإحصاء في شهر يوليو (تموز) 2017، ارتفاع معدلات الطلاق خلال سنة 2016 بنسبة 4%، مقارنة بمعدلات الطلاق لسنة 2015، بزيادة وصلت إلى 62 ألف حكم طلاق، بينما وضع المركز العربي للتعبئة والإحصاء الجزائر في المرتبة الخامسة ضمن قائمة الدول العربية التي ترتفع فيها حالات الطلاق بمعدل ست حالات في كل ساعة.

صورة لإحدى المحاكم الجزائرية التي تنظر قضية انفصال زوجين مصدر الصورة (جريدة الشروق الجزائرية).
وتوازى ارتفاع نسب الطلاق مع انخفاض معدلات الزواج، إذ تراجع عدد الزيجات خلال العام 2016 عن مثيلاتها في 2015 من 9% إلى أقل من 8.73%، وهو الانخفاض الذي يُقدر بـ12ألف حالة زواج، بينما يُقدر عدد الأطفال الجزائريين الذين يقعون ضحايا للانفصال بـ100 ألف طفل جزائري.
لا تنفصل هذه النسب المذكورة عن توسع ظاهرة الزواج المختلط داخل المدن الجزائرية؛ إذ ارتفعت نسب زواج المواطنين الجزائريين أو الجزائريات من وافدين أجانب للتحرر من الالتزامات المادية التي تشترطها المرأة الجزائرية للزواج، وتوضح مصالح الحالة المدنية لبلدية وهران، أن هذه الحالات ترتفع بشكل سنوي، حيث بلغت سنة 2015 أكثر من 30 حالة، مقابل 36 حالة في عام 2016.
لكن الإحصائيات تُظهر أن أغلب حالات الزواج من الأجانب سواء للرجل أو المرأة في الجزائر تنتهي في أغلب الأحوال بالفشل والطلاق كذلك، لاعتبارات تتعلق باختلاف الثقافات، والتقاليد الاجتماعية.
ويحتل موضوع الطلاق في الجزائر مرتبة متقدمة ضمن قائمة الموضوعات التي يتباحث فيها مواطنو الجزائر على المنتديات الجزائرية، أو صفحات فيسبوك المُهتمة بأخبار البلد الأفريقي، إذ يرى كثيرون من مواطني الجزائر أن أسباب الطلاق ترتبط دومًا برفض الزوجة السكن العائلي، والمغالاة في متطلبات الزواج بعد ذلك في حياتهما المشتركة، فضلًا عن المشاكل الاقتصادية والبطالة في الجزائر التي تؤدي لحالات طلاق.
وسجلت معدلات البطالة في الجزائر نسبًا مرتفعة خلال العام الحالي، إذ ارتفعت نسبة البطالة إلى 10.5% في سبتمبر(أيلول) من العام الماضي، مقابل 9.9% في أبريل (نيسان) من نفس العام، وسجلت البطالة معدلات أعلى لدى النساء وحاملي الشهادات الجامعية.
ويوازي ارتفاع معدلات البطالة سوء في الظروف الاقتصادية المعيشية دللت عليه ارتفاع نسبة التضخم من 4.8% قبل عام إلى 7% لهذا العام، وذلك على خلفية الارتفاعات غير المسبوقة في المواد الغذائية.
ازدهار مراكز العلاقات الأسرية
رصد «ساسة بوست» خلال التصفح بأحد المنتديات الجزائرية، ومن متابعة بعض البرامج الجزائرية أن من بين الأسباب التي أدت لارتفاع حالات الطلاق هي المشاكل الجنسية، التي تتعلق بغياب مفهوم التربية والثقافة الجنسية لدى المتزوجين، فضلًا عن عدم استيفاء الشهادات الطبية التي تسلم لهم قبل الزواج دون القيام بفحص شامل ودقيق للصحة الجنسية والنفسية والجسدية. وتتجنب حالات طلاق كثيرة في الجزائر ترتبط بأسباب جنسية الإفصاح عن ذلك أمام القاضي الذي ينظر قضيتهما، إذ يسردان أسبابًا أخرى لحالة الطلاق خوفًا من نظرة المجتمع الجزائري للمُطلق أو المُطلقة اللذين يُشاع عنهما أنهما انفصلا لأسباب جنسية.
https://youtu.be/ac544ZnCFKQ
بينما تميل حالات أخرى تعيش توترًا في علاقاتها لعدم وصول الخلافات للمحاكم، حفاظًا على الأبناء، وخوفًا من عواقب الطلاق كالنفقة وتوفير السكن، وأيضًا خوف الزوجة من نظرة المجتمع لها بوصفها مُطلقة، وما يتبع ذلك من تهميش. وقد ساهم ارتفاع نسب الطلاق التي ارتبطت في أغلب حالاتها بمشاكل جنسية إلى ازدهار العيادات والمراكز المتخصصة التي تضم متخصصين في العلاقات الأسرية، لعلاج المشاكل الأسرية، والإعداد للزواج، وتُشير التقارير الصحافية الجزائرية إلى أن هذه المراكز تشهد نسبًا مرتفعة في أعداد المتزوجين الذين تستقبلهم، أو ممن لا يزالون في مرحلة الخطوبة في محاولة للتغلب على مشاكلهم.
السيد بوجناح، الحاصل على دراسات في العديد من التخصصات النفسية والوظيفية، هو الأول من ضمن مئات أسسوا مراكز لعلاج المشاكل الأسرية والإعداد للزواج بالجزائر، يقول بوجناح في مقابلة له مع صحيفة «الشروق» الجزائرية: «معظم الأزواج الذين قصدوه كانوا على حافة الطلاق بسبب خلافات بسيطة جلها يتمحور حول الجانب الجنسي الذي عادة ما يكون سببًا أساسيًا في زرع التوتر والتنافر بين الزوجين لدرجة طلب الخلع أو الطلاق، فغياب الثقافة الجنسية الشرعية أدت إلى اختلاف المفاهيم وعدم التوافق فيما يريح كلا الزوجين في إطار الحلال».
ويربط نقيب المحامين الجزائريين، الطاهر رقيق، بين مرونة إجراءات الخلع وارتفاع نسبة الطلاق، ويضيف لموقع «أصوات مغاربية» أن «قضايا الطلاق والخلع تكاد تكون يومية أمام المحاكم في الجزائر، والمشرّع الجزائري وضع إجراءات مرنة للخلع تمنح المرأة حق حضانة الأطفال، وحق السكن، والنفقة على الأطفال».
الدولة تُطارد المُطلق.. حقوق المطلقة كاملة ماليًا وأدبيًا
عززت السلطات الجزائرية من حقوق المرأة المطلقة، بسلسلة قوانين، صدرت في نهاية عام 2014، كفلت لها كافة حقوقها المادية والأدبية من الزوج، فضلًا عن التكفل بنفقتها في الفترة التي تنظر المحاكم فيها قضية النفقة. وأتاحت هذه القوانين الجديدة للمطلقة الحاضنة الحصول على سكن الزوجية بعد الطلاق، وهي المسألة التي وجدت احتفاءً من جانب جمعيات حقوق المرأة بالجزائر، واعتبرته انتصارًا للمرأة الجزائرية التي تعاني التعنيف من أزواجهن بشكل مستمر، وصلت تلك الحالات إلى 7 آلاف حالة سنويًا.

مجموعة من السيدات الجزائريات يجلسن على البحر. مصدر الصورة (موقع فرانس 24).
كما أتاحت القوانين وضع إجراءات مرنة للخلع تمنح المرأة حق حضانة الأطفال، وحق السكن، والنفقة على الأطفال، بينما لم تمنح هذه القوانين أي وضعية خاصة للرجال، أو تراعي ظروفهم الاقتصادية في ظل ارتفاع الأسعار ونسب البطالة. وشملت قائمة العقوبات التي وافق عليها البرلمان الجزائري، تشديد العقوبات على الرجل الذي يمارس العنف الجسدي والمعنوي ضدها، بعقوبة السجن من ستة أشهر إلى سنتين، إذ أورد التشريع هذا النص القانوني «كل من يمارس على زوجته أي شكل من أشكال الإكراه أو التخويف ليتصرف في ممتلكاتها أو مواردها المالية»، وبالسجن حتى 20 عامًا لكل من يحدث عمدًا جرحًا أو ضربًا بزوجته، والسجن المؤبد في حالة وفاتها.
وقد أظهرت إحصائيات نشرتها عدد من المنظمات الحقوقية النسوية وفاة بين 100 إلى 200 امرأة سنويًا بالجزائر جراء العنف الأسري. واعترضت عدد من الحركات الإسلامية على نصوص هذه القوانين التي اعتبرتها «تدخلًا في العلاقات الزوجية» والآخر«مستورد ومستنسخ من قوانين الدول الغربية»، بينما نظم مجموعات من الجزائريين وقفات احتجاجية حيال هذه النصوص التشريعية التي تنتهك حقوق الرجل، وتغفل مساوئ المرأة، واعتبر البعض أن هذه القوانين ستساهم في انتشار العلاقات خارج الزواج، والتحرر من العلاقات الأسرية.