بدت قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي وكأنها قصة بوليسية غامضة اختفى بطلها الوحيد في السطور الأولى بعدما ترك خطيبته على بُعد عدة أمتارٍ من مقر القنصلية السعودية، وعلى طريقة كاتبة الروايات البوليسية الأشهر أجاثا كريستي في روايتها «من قتل السيد روجر أكرويد»؛ يترك خاشقجي وصيته الأخيرة لآخر من كان معه: «إذا لاحظتِ حدوث شيء ما، اتصلي بمستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي ياسين أقطاي»، وبعد ثلاث ساعاتٍ من الانتظار انتهى الدوام الرسمي في القنصلية، وخرج الجميع من ذلك المبنى القابع بمدينة إسطنبول الذي تطوّقه الحواجز الحديدة وتعلو أسواره الأسلاك الشائكة، وبدا كل شيءٍ عاديًا عدا اختفاء خطيبته السيدة خديجة جنكيز، ليبدأ تصاعد الحبكة الدرامية للأحداث بالبحث عن مسرح الجريمة الدافئة والقاتل المجهول والبطل الذي فُقد أثره.

 

في الفصل الثاني من قصة «من قتل السيد جمال خاشقجي» يختفي عن الأنظار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هربًا من أسئلة الصحافيين التي سرّبها المحققون الأتراك؛ وفيما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستعد لدعم حليفته، باغتته صحيفة «واشنطن بوست» التي كشفت أن الاستخبارات الأمريكية لديها اعتقاد بأن الأمير محمد بن سلمان هو من أمر بتصفية الصُحافي السعودي، ضربة أخرى أتت من أوروبا التي تحصل على ملايين الدولارات من المملكة مقابل صفقات التسليح؛ فكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا طالبوا بتحقيق عادل في القضية، حتى إنّ باكستان التي كانت تسارع بتأييد الرياض التزمت هي الأخرى الصمت، وهو ما بدا أنّ أحدًا لن يوّرط نفسه في الدفاع عن الأمير.

 

لكنّ المفاجأة التي تزامنت مع قرب انتهاء التحقيقات، أن سبع دول عربية سارعت بتأييد الرواية الرسمية للمملكة؛ فالإمارات أعلنت تضامنها ورفضت ما وصفته بالمحاولات التي تسعى لإلحاق الضرر بالسعودية، بينما أعلن الرئيس اليمني المقيم في الرياض وقوف بلاده وتضامنه التام مع موقف المملكة، وبينما كانت آخر تغريدة لخاشقجي قبل اختفائه: «غادر لندن وفلسطين في البال»، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس انحيازه للرياض لأنها بحسبه: «وقفت دومًا إلى جانبنا».

 

وبحسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2018، وتضمن 180 دولة، تأتي المنطقة العربية ضمن ترتيب منخفض ضمن الدول التي تتصاعد فيها الكراهية ضدّ الصحافيين، واللافت أنّ كل الدول العربية التي أيدت المملكة – التي تأتي بدورها في المرتبة 169- مُتهمة أيضًا بالعداء العلني ضد وسائل الإعلام، وبسجن أصحاب الرأي. وفي الإنفوجرافيك التالي ترتيب هذه الدول في مؤشر حرية الصحافة.

 

(التصنيف أجرته منظمة مراسلون بلا حدود على 180 دولة، وكلما اقترب ترتيب الدولة من المركز الأول كانت انتهاكات حرية الصحافة فيها أقل، وكلما كان مركزها متأخرًا دل ذلك على سوء ترتيبها بين دول العالم في انتهاكات حرية الصحافة).

 

المصادر