لعلّك تساءلت يومًا، ما الذي يجعل دولة ناشئة مثل إسرائيل قويّة اقتصاديًا وعسكريًا بهذا الشكل ولعلّك أسكتت فضولك بالإجابة التقليدية بأن الفضل كُل الفضل يعود لدعم أوروبا وأمريكا لها، ولكن هل هذا كُل شيء؟ لماذا لا نسأل أنفسنا كيف يستطيع اليهود تجنيد دولة مثل أمريكا في صفّهم ولدعم دولتهم؟ لا شك أن هناك إجابة أو حتى إجابات، الطريف أن أبرز الإجابات التي يذكرها اليهود كلما تحدثوا عن تفوّقهم هي: الوقاحة، نعم “الوقاحة الإسرائيلية” التي انتقلت معهم إلى أوروبا وأمريكا تحت اسم “خوتسباه” ولم يجدوا لها ترجمة في أي لغة أخرى.

أمة الشركات الناشئة

في كتاب “أمّة الشركات النائشة” والمعروف بـ Start-up Nation: The Story of Israel’s Economic Miracle حاول دان سينور وشاؤول زنجر أن يُجيبا على السؤال الذي يدور في ذهن الكثيرين ممن يراقبون الشركة الإسرائيلية الناشئة والمتفوّقة وهو كيف يُمكن لدولة نائشة لا يبلغ عدد سكانها إلا 7 ملايين شخص، “محاطة بالأعداء من كل جانب”، وتعيش في حالة حرب دائمة منذ قيامها أن يتم فيها تأسيس شركات ناشئة “ستارت أب” أكثر من دول ضخمة ومستقرة مثل اليابان، الهند، كوريا، كندا وبريطانيا؟

 

وقد عرج الكتاب على أسباب عدّة لهذا التفوق مثل دعم التعليم، حيث أن هناك ثلاث جامعات إسرائيلية فـي قائمة أفضل 100 جامعة فـي العالم وكذلك هجرة اليهود الأكاديميين من أنحاء العالم والاتحاد السوفييتي خاصّة إليها. كما أن الوضع السياسي جعل كثيرين يتحولون إلى التجارة والتكنولوجيا بدلًا من السياسة. بالإضافة إلى أن إسرائيل فتحت الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، كما تحتل إسرائيل المرتبة الأولى على مستوى العالم من حيث نسبة وفرة رأس المال بالإضافة إلى أن الحكومة توفر صناديق لدعم المشاريع الناشئة.

 

ولعل أطرف أسباب تفوّق إسرائيل كما جاء في الكتاب هو مقاطعة العالم العربي لها، حيث ركّزت على التجارة مع الدول البعيدة والمنتجات الرقمية التي يسهل تسويقها وشحنها. ثم الوقاحة، فالوقاحة “خوتسباه” كما ذكر المؤلف في بعض المواقع هي سبب من أسباب تفوّق أمّة الشركات الناشئة.

 

ما هي الوقاحة الإسرائيلية؟

كلمة خوتسباه لا يمكن ترجمتها ببساطة، وقد جاء في مقالة بعنوان “ما هي الخوتسباه؟” أن الكلمة ذكرت في حوالي 231 مرّة في الاستشارات القانونية في أمريكا وفي كل مرّة كانت تترجم بشكل مختلف.

 

نفس المقالة تؤكد بأن الوقاحة هي السلوك الذي يجعلك تفعل كل ما هو ممكن من أجل الوصول إلى ما تريده وبهذا فهي تعني الوقاحة غالبًا وتأتي في سياقات سلبية كثيرة إلا أن الإسرائيلي يمكن أن يذكرها في سياقات إيجابية عندما يُريد أن يصف إنسانًا مميزًا، ذا تفكير إبداعي خارج عن الصندوق. وهنا يُمكن للوقاحة أن تعني المُبادرة والإبداع والقدرة على الخروج عن المألوف والتفكير بشكل مختلف وأن تقول رأيك دون أن تُحاول أن تتلون وتبحث عن كلمة أكثر لطفًا للتعبير عنها.

 

وتقول الخبيرة النفسية الإسرائيلية حيلي باراك أن الإسرائيلي يفضل أن يكون وقحًا على أن يكون “مُربعًا” كالأمريكي وأن يمشي مع “القطيع”. وأحيانًا يُمكنك أن تجد أن الإسرائيلي غير مستعد للوقوف في الصف “كالأحمق” وقد يأخذ مكانك لأنه مستعجل دون اعتبار لمن قبله. كما يُمكنه أن يأتيك دون ترتيب مسبق. ويطلب بدلًا من أن يستأذن وقد يسألك مثلًا أن تبّدل معه مكانًا في الطائرة بدون أي سبب واضح.

 

في المدراش، وهو من كتب الشروحات لما جاء في التوراة، ذُكر بأنه ليس هناك أمّة “أوقح” من اليهود. ويُقال لدى بعض علماء اليهود: كي تكون يهوديًا عليك أن تجمع بين ضدّين، شيء من الحياء يمنعك من الوقاحة وشيء من الوقاحة يجعلك لا تخشى أن تفعل ما تعتقد بأنه صحيح.

 

2 مليون دولار .. مقابل «لا شيء»

 

جاء موقع صحيفة ذا ماركر الاقتصادية الإسرائيلية تحت عنوان “وقاحة إسرائيلية: مبادر جنّد 2 مليون دولار من خلال عرض عن “لا شيء”. وفي مقابلة مع هذا المبادر الإسرائيلي قال بأنه بدلًا من أن يقدّم العرض قام باستدعاء شخص متخصص في العروض الساخرة ليقدم عرضًا عن “لا شيء” مكوّن من اقتباسات ونكات واستطاع بذلك أن يقنع جمهور الممولين بأن لديه القدرة لفعل شيء مبهر. وقد ذكر ناصحًا: “اسمعوا لنصيحتي، إذا أردتم تجنيد الأموال لمشاريعكم، فكل ما عليكم فعله هو أن تقدّموا لهم عرضًا مُبهرًا، ادفعوا لشخص متخصص إن احتاج الأمر كما فعلت أنا”، وكانت كُل فكرة مشروعه الذي حظي بالتمويل أن يجمع مجموعة من المُبدعين من جيل 35 فما فوق كي يُبدع شيئًا “مبهرًا” ، لا يهم ما هو، المهم أنه سيكون مبهرًا.

 

تكريم الشجر وإهانة البشر!

 

اتهم المدون “اليساري” الإسرائيلي تومر لافي أن إقامة حديقة وطنية على منحدرات جبل المشارف في القدس بالقرب من العيسوية هو شكل من أشكال الوقاحة الإسرائيلية ويقول أنه ليس من حق إسرائيل إقامة حديقة وطنية على أراضٍ ليست لها، لأن تلك الأراضي تم إلحاقها بإسرائيل بعد حرب 67 وذلك خلافًا للقانون الدولي. كما أن إقامة حديقة وطنية بدلًا من إتاحة الفرصة لبلدة العيسوية بالتوسع حيث الكثافة السكانية مذهلة والبلد تُعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية عديدة. ويشير تومر أنه لا يوجد على منحدرات جبل المشارف أية معالم أثرية أو ملامح خاصّة تفرض وجود حديقة ولكن السبب الوحيد لإقامة الحديقة هو تغليف المخططات الإسرائيلية الساعية لإقامة كنتونات تعزل الفلسطينيين عن بعضهم البعض.

 

الوقاحة اليهودية الكلاسيكية

 

في موقع واللا الإسرائيلي وفي إحدى النقاشات التي تمحورت حول أحداث تاريخية يُمكن تصنيفها على أنها “وقاحة يهودية كلاسيكية” وكان من بين هذه الحوادث المذكورة أن إسرائيل كانت تزرع المتفجرات في الكنس اليهودية في العراق كي تدفع اليهود للهرب من هناك وقد ساهمت بإحداث ضغوط على الحكومة العراقية كي تدفع اليهود للخروج. ومن الأمثلة في هذا المضمار ما يذكر هنري مكوب وهو يهودي كندي تنصّر وكشف للعالم كيف كانت هناك عائلات يهودية صهيونية ساهمت في دعم صعود هتلر والحزب النازي كي يُلاحق اليهود ليضطرهم للخروج من ألمانيا والتوجه إلى إسرائيل لإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين.

 

 

عرض التعليقات
تحميل المزيد