في عالم أصبح ينتشر فيه الهوس بالوصول إلى المظهر الخارجي المثالي، بات كثير من الناس يبحثون عن أفضل وأحدث الحيل والصيحات في عالم التغذية، من أجل الوصول للشكل المثالي دون عناء كبير؛ اليوم، يسمع الكثير منا عن نظام الصيام المتقطع الغذائي، والذي يلجأ له البعض لفقدان الوزن واكتساب جسم صحي؛ فما طبيعة هذا النظام؟ وما فوائده؟ والأهم من ذلك: ما الطريقة الصحيحة لاتباعه؟
1- ما هو الصيام المتقطع؟
عند الحديث عن الصيام، يتبادر إلى ذهننا على الفور ما يقوم به الناس من التوقف عن تناول الطعام و/أو الشراب لفترة معينة من اليوم أو الأيام؛ هذا يعني أن أي نظام غذائي يطلق عليه صيام، يتعلق بالتوقف عن تناول الطعام لفترة من الزمن؛ من هنا، فإن الصيام المتقطع هو نوع من الأنظمة الغذائية المقيدة بالوقت؛ إذ يترك الأشخاص الذين يتبعون هذا النظام فجوة طويلة بين الوجبة الأخيرة لهم في اليوم وبين أول وجبة يتناولونها في اليوم التالي.
هذا يعني أن الصائمين في هذا النظام عليهم ضغط وجباتهم في فترة أقصر خلال اليوم، وعادة، ما تصل الفجوة إلى 16 ساعة دون طعام، والتركيز في تناول الطعام على الفترة الباقية من اليوم ومقدارها ثماني ساعات.
2- ما الفرق بين الأنظمة الغذائية المقيدة بالوقت والمقيدة بالسعرات؟
قبل أن نستكمل حديثنا عن الصيام المتقطع، علينا أن نوضح ذلك المصطلح الذي ذكرناه في تعريف الصيام المتقطع، وهو الأنظمة الغذائية المقيدة بالوقت، فالصيام المتقطع ليس النوع الوحيد من الأنظمة الغذائية المقيدة بالوقت؛ على سبيل المثال، هناك النظام الغذائي 5:2، إذ يأكل متبعو هذا النظام كمية طبيعية من الطعام لمدة خمسة أيام، ثم يتبعون ذلك بيومين يتناولون خلالهما 25% فقط من السعرات الحرارية الموجودة في كمية الطعام الطبيعية التي اعتادوا تناولها، وفي هذا النظام المرتبط بالوقت، يكون التركيز أكثر على كمية الطعام المستهلكة، بدلًا من الوقت بين الوجبات.
حظيت الأنظمة الغذائية المقيدة بالوقت باهتمام كبير من الباحثين في السنوات الأخيرة، ففي هذا النظام عادةً ما يأكل الناس طعامهم الطبيعي، لكن فقط خلال فترة زمنية محددة كل يوم أو كل عدة أيام، وأظهر العلماء فوائد الطعام المقيد بالوقت بشكل رئيس في دراسات على الحيوانات، علاوةً على عدد متزايد من الدراسات التجريبية التي شملت مشاركين من البشر والتي أظهرت نتائج واعدة.
في المقابل، تظهر لنا نوعية ثانية من الأنظمة التي تسمى الأنظمة الغذائية المقيدة للسعرات الحرارية، وفي هذه الأنظمة يحدث تقليل لكمية السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص، ويمكن أن تتفاوت هذه الأنظمة بين التوقف الكامل عن تناول النشويات مثلًا، وبين تقليل كمية أنواع معينة من الأطعمة.
3- ما هو «الالتهام الذاتي» وما علاقته بالصيام المتقطع؟
يرتبط الصيام المتقطع بعملية تسمى الالتهام الذاتي، والتي تجذب الكثير من الاهتمام لفوائدها الصحية المحتملة؛ الالتهام الذاتي هو العملية التي يبدأ بها الجسم في إعادة تدوير الهياكل والجسيمات داخل خلاياه، بما في ذلك النواة (حيث يوجد الحمض النووي)، والميتوكوندريا (التي تصنع المادة الكيميائية التي تستخدمها خلايانا لإنتاج الطاقة)، والليزوزومات (التي تزيل النفايات من خلايا الجسم).
عند حدوث ذلك، يمكن للخلية إزالة الهياكل والجسيمات البائدة والتالفة، وتحرير المواد الخام الجديدة التي يمكن من خلالها بناء هياكل خلوية جديدة؛ يمكن استخدام بعض المواد الخام الجديدة لصنع بروتينات واقية للخلايا، تعمل على إطالة عمر الخلايا. هذه الجزئية تثير الآن اهتمام العلماء وسط تساؤلات ما إذا كان الالتهام الذاتي يمكن أن يزيد من عمر الكائنات الحية بأكملها أيضًا؛ فالنتائج كانت مبشرة فيما يتعلق ببعض الكائنات، مثل الديدان الخيطية والفئران، لكن الأمر لم يتأكد في البشر حتى اللحظة.
وحتى تظهر لنا دراسات طويلة وكبيرة عن الصيام المتقطع في البشر، فمن السابق لأوانه القول إن الصيام المتقطع سيطيل عمر الإنسان، لكن الفرضية موجودة، فالدراسات التي أجريت على الحيوانات ربطت عملية الالتهام الذاتي بتحسينات في ذاكرة الجهاز المناعي، كما ربط العلماء بين ضرورة عملية الالتهام الذاتي للحفاظ على صحة الخلية مع إمكانية قمع السرطان والوقاية منه.
حسنًا، لكن ما علاقة الصيام المتقطع بالالتهام الذاتي؟ بالنسبة لمعظمنا، تحدث عملية الالتهام الذاتي أثناء نومنا، كما تحدث أيضًا بسبب التمارين الرياضية وبسبب الجوع؛ ولأن الغرض من الصيام المتقطع هو زيادة مقدار الوقت بين الوجبة الأخيرة في اليوم وأول وجبة في اليوم التالي، قد يساعد هذا في تعزيز الالتهام الذاتي.
4- ما الذي يحدث خلال الجوع؟
لنفترض أنك ستتوقف عن تناول الطعام عند الساعة السابعة مساءً، هذا يعني أنك ستظل في «حالة التغذية» حتى الساعة العاشرة ليلًا، لأنك ستستمر في هضم العناصر الغذائية التي تناولتها بالفعل، والتي ستوفر لك إمدادًا جيدًا من الجلوكوز (المصدر الأساسي للطاقة)، لبضع ساعات تالية بعد انتهائك من تناول آخر وجبة طعام.
«حالة التغذية» تعني استخدام جسمك الجلوكوز الموجود في دمك مصدرًا للطاقة، وبمجرد انتهاء استخدام مصدر الطاقة هذا، يتحول الجسم بعدها إلى حالة تقويضية، يطلق عليها مرحلة الهدم أو الأيض الهدمي، والتي تبدأ عادةً بعد نحو ثلاث ساعات من تناول الطعام، يقصد بالهدم سلسلة التفاعلات المتتالية التي تحدث بمساعدة الإنزيمات لتحويل الجزيئات الغذائية الكبيرة في الخلايا إلى جلوكوز من أجل حرقه وإنتاج الطاقة.
في هذه المرحلة، يتحلل الجليكوجين المخزن في الكبد والعضلات إلى جلوكوز، وعندما نستنفد مخزون الجليكوجين، يتحول الجسم إلى الاعتماد على الكيتونات بدلًا من الجلوكوز في إنتاج الطاقة، هذه الكيتونات تنتج في الكبد عبر عملية هدم الأحماض الدهنية، وتسمى هذه المرحلة «الكيتوزية»، وهي التي يعمل فيها الالتهام الذاتي.
المشكلة هنا أننا لا نستطيع تحديد متى بالضبط يبدأ الجسم في المرحلة الكيتوزية، فهذا الأمر يختلف من إنسان لآخر حسب كمية الجليكوجين المتاحة، والتي تعتمد بدورها على جينات الشخص، ونمط حياته، ونمط التغذية، ومقدار الطاقة التي يحرقها؛ وبالتالي، قد لا ينتقل الشخص الذي يتبع نظامًا غذائيًّا عالي الكربوهيدرات أبدًا إلى ما هو أبعد من الحالة التقويضية؛ إذ سيكون لديه دائمًا مخزون احتياطي من الجليكوجين.
بينما الشخص الذي يتبع نظامًا غذائيًّا منخفض الكربوهيدرات مثلما في (حمية الكيتو) ويمارس الرياضة بانتظام، فقد يتحرك بسرعة إلى المرحلة الكيتوزية.
5- كيف تصوم؟
لكي تتبع نظام الصيام، عليك أن تقلل من الشعور بالجوع؛ نحن نشعر بالجوع عندما يؤدي هرمون الجريلين، وهو هرمون يفرز من معدتنا، إلى إنتاج هرمونين آخرين، يسميان «NPY» و«AgRP»، في منطقة ما تحت المهاد في المخ، وتولد هذه الهرمونات الثلاثة الشعور بالجوع.
في المقابل، هناك هرمونات أخرى تقمع هذه الهرمونات الثلاثة، والتي يطلق عليها «هرمونات الشبع»، مثل هرمون اللبتين الذي يفرز من الخلايا الدهنية لقمع إنتاج هرمون الجريلين، قائلًا للجسم إن هناك دهونًا يمكنك حرقها، ومن ثم لا داعي لتناول مزيد من الطعام.
يسمى جريلين أحيانًا هرمون الاستجابة للجوع قصير المدى؛ لأنه يفرز بمجرد أن تكون المعدة فارغة، ويمكن تجاوز هذا الهرمون إلى حدٍّ ما عن طريق شرب الماء، وفي غضون ذلك، يبدأ هرمون اللبتين في العمل على المدى الطويل، مما يقلل من شعورك بالجوع، سيكون الأسبوعان الأولان صعبين، لكنك ستعتاد ذلك.
بالنسبة لمعظم الناس، تحدث الحالة الكيتونية بعد 12-24 ساعة من تناول الطعام، لذلك إذا تناولت وجبتك المسائية بين الساعة السادسة والثامنة، فستنتهي حالة التغذية بين الساعة التاسعة والساعة الحادية عشر، وقد تحدث الحالة الكيتونية (مرحلة الكيتوزية) والالتهام الذاتي بحلول الساعة السادسة إلى الثامنة صباح اليوم التالي.
لذلك، عليك الابتعاد تمامًا عن تناول أي شيء بعد العشاء؛ عليك نسيان – بشكلٍ قاطعٍ – أي وجبات خفيفة أو مشروبات سكرية، لأنك لو انتهيت من تناول الوجبات الخفيفة في الساعة العاشرة مثلًا، فستنتهي حالة التغذية عند الساعة الثالثة صباحًا، وهو ما يعني عدم حدوث الحالة الكيتونية أبدًا قبل تناول الوجبة التالية في اليوم التالي.
6- ما فوائد الصيام المتقطع؟
يمكن إبراز أهم فوائد الصيام المتقطع في النقاط التالية:
1- انخفاض مستويات الإنسولين مما يسهل حرق الدهون.
2- تقليل مقاومة الإنسولين، فقد ثبت أن للصيام المتقطع فوائد كبيرة لمقاومة الأنسولين ويؤدي إلى انخفاض مذهل في مستويات السكر في الدم، وهو ما يعني تقليل خطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري.
3- زيادة هرمون النمو مما يسمح ببناء العضلات.
4- إزالة النفايات من الخلايا.
5- تقليل الوزن لكن بشروط الحفاظ على كمية الطعام ونوعيته المناسبة.
6- تقليل الالتهابات في الجسم.
7- يقلل خطر الإصابة بأمراض القلب.
8- الوقاية من السرطان.
7- هل هناك تحذيرات حول الصيام المتقطع؟
رغم هذا الدعم الملاحظ للصيام المتقطع، فقد لا يكون هو أفضل نهج لفقدان الوزن، رغم أن التغذية المقيدة بالوقت تستخدم أداة لفقدان الوزن، ولكنها لا تعد الأسلوب الأفضل من وجهة نظر بعض المتخصصين؛ عبر اتباع هذا النظام، أنت تقلل السعرات الحرارية، ولكنك لا تتعلم تغيير السلوك الأساسي حول ما تضعه في جسمك من طعام.
لأنه بدون معرفة شكل النظام الغذائي الصحي، يكتسب الناس الوزن مرة أخرى عندما يتوقفون عن الصيام المتقطع؛ فإذا كان الصيام المتقطع يعني لك الجوع الشديد، فقد تفرط في تناول الطعام في اليوم التالي؛ لذلك، قد لا يكون الصيام المتقطع هو النهج الصحيح للأشخاص الذين يسعون لفقدان الوزن، وقد تكون هناك أسباب أخرى لتغيير أنماط الأكل الخاصة بك.
8- وأخيرًا.. ما الفرق بين الصيام المتقطع والصيام الإسلامي؟
مما سبق يتضح لنا بعض الفوارق بين الصيام المتقطع والصيام الذي يمارسه المسلمون؛ بدايةً، يتشابه كلا النوعين في عدد ساعات التوقف عن الطعام الطويلة، والتي قد تصل إلى 16 ساعة أحيانًا؛ أما عن الفوارق، فأبرزها يتمثل في الماء؛ فصيام المسلمين يسمى الصيام الجاف، وهو ما يعني منع شرب الماء أيضًا، بينما الصيام المتقطع يتناول فيه الصائم الماء والذي بدوره يقلل من الإحساس بالجوع، لذلك يسمى بالصيام الرطب.
عند اتباع الصيام المتقطع، فإن هناك اهتمامًا بنوعية الطعام التي يمكن تناولها بعده، فيجب أن يكون الطعام صحيًّا مليئًا بالبروتينات والألياف مع عدم الإكثار من الكربوهيدرات حتى يمكن إنقاص الوزن؛ بينما نلاحظ أن كثيرًا من الصائمين المسلمين يتناولون كميات كبيرة من السكريات في وجبتي الإفطار والسحور في محاولة لتعويض ما فقدوه خلال الصيام؛ لذلك، نجد أن الصيام العادي لا يؤدي لفقدان الوزن بسبب العادات غير الصحية في وقت ما بعد الإفطار.