في السنوات القليلة الماضية، شهدت المنطقة العربية ارتفاعًا كبيرًا في معدلات التضخم، ففي السودان وصل ذلك المعدل إلى 194.6%، ولم يكن لبنان أفضل حالاً بمعدل وصل إلى 84%، وهو ما أدى إلى ضعف القوة الشرائية لبعض العملات، وسبَّب ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الخوف من الاستثمارات لدى كثير من المواطنين، ومع انتشار الصراعات والحروب في الدول العربية بالإضافة إلى وباء كورونا وتأثيراته السلبية في الاقتصاد العربي والعالمي، أصبح الأمر أكثر تعقيدًا.
حسب تقرير «آفاق الاقتصاد الإقليمي»، والصادر عن صندوق النقد الدولي، فإن معدل التضخم في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد وصل إلى 12.9% بنهاية عام 2021، وهو من الأعلى حول العالم، ووسط هذه المعدلات التضخمية، تلح حاجة المواطنين إلى الاستثمارات وتأمين ثرواتهم ضد نزيف القيمة الذي يفرضه التضخم على العملات المختلفة، لكن الاستثمار في الأوقات التي تكون فيها معدلات التضخم عالية، قد يكون معقدًا أيضًا؛ إذ من الصعب التنبؤ بتلك المعدلات، والتي تحددها متغيرات كثيرة، مثل التركيبة السكانية والإنفاق الحكومي ومعدلات الفائدة وغيرها.
لذا، جمعنا لك في هذا التقرير أفضل النصائح الاستثمارية التي ستساعدك على معرفة الاستثمارات الآمنة في أوقات التضخم، وهو الأمر الذي يسعى وراءه أي مستثمر مبتدئ، لكن، قبل أن نفعل ذلك، دعنا أولًا نتعرف إلى التضخم أكثر؛ حتى تستطيع استيعاب أهمية تلك النصائح بشكل كافٍ.
يمكنه أن يكون حافزًا للاستثمار ولكن.. ما هو التضخم؟
التضخم ببساطة هو زيادة في أسعار السلع والخدمات، يقابلها نقص فيما يعرف بالقوة الشرائية للعملة؛ أي ما تستطيع تلك العملة شراءه من السلع والخدمات المعروضة؛ لذلك، فإن التضخم يقلل من قيمة نقودك بمرور الوقت، ويؤدي ذلك إلى زيادة تكاليف المعيشة على عامة الناس، ويسبب تراجعًا أو تباطؤًا في النمو الاقتصادي للدولة.
لكن هناك أيضًا جانبًا جيدًا من التضخم، وهو أنه يمكنه مساعدة الدولة على تشجيع النمو والاستثمار وتحقيق الازدهار الاقتصادي إذا كان مسيطَرًا عليه؛ إذ إنه يدفع المواطنين إلى الإنفاق مخافة أن تقل القوة الشرائية للعملة أكثر، كما يُمثل حافزًا لشراء الأصول مثل العقارات والأسهم التي يعول مالكوها على زيادة أسعارها في المستقبل، لذلك، فإن البنوك المركزية حول العالم تحاول إبقاء معدلات التضخم في المنطقة المقبولة التي تحقق لها ذلك النمو والازدهار.
لماذا ينصح خبراء الاقتصاد بالاستثمار في أوقات التضخم؟
يعد الهدف الأكبر من الاستثمار في أوقات التضخم هو احتفاظك بقيمة القوة الشرائية لثروتك دون أن ينتقص منها، وذلك باستثمار النقدية التي تمتلكها لشراء الأصول الثابتة، أو الأسهم، أو السندات، أو غيرها من الاستثمارات التي يمكن أن تزيد قيمتها بوجود التضخم، كما أنك ستستفيد من عدم وضع البيض كله في سلة واحدة، ما يمكنك من توزيع المخاطر على عدد أكبر من الأصول.
تقول باميلا تشين؛ المحللة المالية بشركة «ريفرش إنفستمنتس» الأمريكية، أنه «في أوقات التضخم، يصبح من الأكثر أهمية أن تستثمر نقودك؛ إذ كلما تزيد أسعار السلع بسبب التضخم، تقل قيمة القوة الشرائية للنقود، ويشتري الدولار أقل مما كان يستطيع شراءه من قبل؛ لذلك، فإنه ينبغي لك استثمار نقودك حتى تستطيع كسب عائد يمكنك من تقليل أثر التضخم فيك، أو حتى كسب عائد يجعلك تواكب أو تتجاوز معدل التضخم».
وفي أوقات التضخم: تجنب هذه الاستثمارات غير الآمنة
قبل أن ننتقل إلى الاستثمارات المناسبة لأوقات التضخم ربما علينا أولًا توضيح بعض الاستثمارات غير الآمنة، والتي ينبغي الحذر منها في تلك الأوقات بحسب الخبراء الماليين والاقتصاديين، مثل:
1- النقدية: الأموال تفقد قيمتها
تعد النقدية من الاستثمارات الأكثر مخاطرة في أوقات التضخم؛ إذ تتهاوى قيمتها بشكل سريع مع زيادة معدل التضخم، وتسبب فقدان جزء لا يستهان به من الثروة.
في مدونة له، يبين جيسون هول؛ مدير شركة كاردينال الاستشارية للاقتصاد والتمويل، سبب اعتبار النقدية استثمارًا سيئًا في أوقات التضخم بقوله: «إذا كنت تدخر النقدية، فلا بد من أنك تعتقد أنها شيء آمن جدًّا، على المدى القصير، يمكن لهذا الاعتقاد أن يكون صحيحًا بالنسبة للقوة الشرائية، لكن على المدى الطويل، فإن ذلك الاستثمار ليس آمنًا بسبب التضخم، والذي سيسبب تهاوي قوته الشرائية».
يقول ديف رامسي؛ رجل الأعمال الأمريكي الذي تقدر ثروته بمبلغ 200 مليون دولار: «إن خطتك المالية هي ذلك الطريق الجميل ذو الطوب الأصفر، لكنك نسيت أن تتحسب للقرود القافزة عليه». ونستنتج من ذلك أنه ينبغي لك الاحتفاظ بنسبة قليلة من ثروتك في صورة نقدية تحسبًا لأية قرود قافزة؛ أي احتياجات طارئة، وتتحدد تلك النسبة حسب تلك الاحتياجات.
2- السندات متوسطة وطويلة المدى: قيمة السندات تتغير بمرور الزمن
حسب موقع «سي إن إن»، فإن السندات متوسطة وطويلة المدى تحمل مخاطرة أكبر من نظيرتها قصيرة المدى؛ إذ إنك تبتاع تلك السندات بقيمة اليوم وتحصل على قيمتها بعد أكثر من أربع سنوات، وهي فترة كافية للتضخم ليأكل من قيمتها ويضعك في موضع مماثل للذي كنت فيه عندما ابتعت تلك السندات أو قريبًا منه.
3- شهادات الإيداع: لا تفرح بمعدلات الفائدة الثابتة فهي «فخ»
تعد شهادات الإيداع نوعًا خاصًّا من حسابات الادخار التي يمكنك فتحها في أغلب البنوك، لكنها بعكس حسابات الادخار الأخرى تطلب منك عدم السحب من الحساب لمدة معينة تدر عليك فيها عائدًا بمعدل فائدة معين، حتى تنتهي المدة ويمكنك سحب قيمتها كاملة.
يمكن لشهادات الإيداع أن تفقد من قيمتها أيضًا في أوقات التضخم، لكن ذلك ليس كل شيء، إذ إنها تعطيك معدلًا ثابتًا للفائدة، وهذه مشكلة لأنها تفعل ذلك حتى في أوقات التضخم التي تزداد فيها معدلات الفائدة لتبتلع آثار التضخم، لكنك لن تستطيع الحصول على معدل أعلى، ومن ثم لا مفر من فقدانها جزءًا من قيمتها.
ما هي الاستثمارات الآمنة في وقت التضخم؟
وبعد أن تعرفنا إلى أكثر الاستثمارات مخاطرة في أوقات التضخم، ننتقل الآن إلى الاستثمارات التي يمكنها أن تكون آمنة، مثل:
1- الأسهم: ضع أموالك في الصناعات الاستهلاكية
تميل الأسهم عادة إلى مواكبة التضخم والتأثر به بشكل أقل حدة، خاصة أسهم الشركات التي تعمل في الصناعات الاستهلاكية مثل الغذاء والطاقة؛ إذ تتميز منتجات تلك الصناعات بكونها غير مرنة، أي إن المستهلكين لا يقللون طلبهم عليها بزيادة أسعارها.
2- العقارات: الاستثمارات المفضلة للجميع
تعد العقارات الخيار المفضل لكثير من المستثمرين في أوقات التضخم، ليس فقط لإمكانية زيادة أسعارها في المستقبل ما يضمن ربحًا من بيعها، ولكن أيضًا لإمكانية استغلالها في الحصول على عوائد جارية مثل الإيجارات، والتي يمكن أن تزداد قيمتها بمرور الوقت، وهو ما يجعلها خيارًا مناسبًا للغاية في تلك الأوقات.
3- السلع الملموسة: اشتر الذهب أو المعادن النفيسة
يلجأ المستثمرون أيضًا إلى السلع الملموسة حين تتقلب أسعار العملات بسبب التضخم، ويعد الذهب من أبرز تلك السلع التي يعتمدون عليها، ما يزيد من أسعارها في الأسواق العالمية حين يضرب التضخم، بالإضافة إلى بقية المعادن النفيسة.
يمكنك الاستثمار في الذهب عن طريق شرائه مباشرة وتخزينه في بيتك أو في البنك، ويمكنك أيضًا الاستثمار في أسهم شركات تعدين الذهب، وتشمل السلع الملموسة أيضًا البترول؛ إذ إن أسعاره تزداد مع التضخم مثل الذهب.
4- السندات قصيرة المدى: لا تفقد قيمتها في أوقات التضخم
تخفف السندات قصيرة المدى، والتي تمتد من سنة إلى أربع سنوات، من حدة المشكلة التي تفرضها السندات طويلة المدى في أوقات التضخم، وهي فقدان القيمة؛ إذ تصل إلى تاريخ الاستحقاق مبكرًا بشكل يسمح لها بالاحتفاظ بأكبر قدر من القيمة، ما لم يكن التضخم خارجًا عن السيطرة.