منذ بضع سنوات، تتسارع التحليلات والآراء، حول مصير ملفات إيران المختلفة داخليًّا وخارجيًّا، عقب تواتر الأنباء عن تدهور صحة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، ومن سيخلفه، خاصة في الأيام القليلة الماضية.
كثرة السيناريوهات المرتقبة للحياة السياسية الإيرانية جاءت حينما تداولت العديد من وسائل الإعلام العربية والغربية صورة المرشد الخامنئي وهو على فراش المرض مؤخرًا، بعدما أجريت له عملية جراحية بسبب إصابته بمرض سرطان “البروستاتا”.
لذلك، فإن ملف إيران النووي، والصراع الدائر في سوريا واليمن، ومكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، إلى جانب التنافس مع السعودية في ظل تولي الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، والعداء نحو “إسرائيل”، تعتمد بشكل كبير على المرشد الأعلى.
في التقرير التالي، تستقرأ “ساسة بوست” طبيعة الخلافات الجارية في الداخل الإيراني، حول خليفة خامنئي المقبل، وكيفية التعامل مع الأزمات المحيطة بالبلاد، إلى جانب رسم المشهد السياسي الإيراني لاحقًا.
1-من هو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي؟

المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي
من مواليد مدينة مشهد الإيرانية عام 1937م، انخرط في التنظيمات المناوئة للنظام، مما اضطرت الحكومة الإيرانية إلى اعتقاله ست مرات خلال الفترة 1962-1975 بسبب نشاطاته ضدها.
وأدت نشاطاته العلمية وحلقات الدرس إلى اعتقاله من قبل جهاز “السافاك” في نظام الشاه عام 1970م، حيث تم التركيز عليه، وتضييق الخناق، ومن ثم اعتقاله للمرة الخامسة عام 1971م.
وهو من يحكم منذ 25 عامًا إيران، حيث يعتبر المرشد الأعلى الأول والوحيد الذي تم تعيينه بعد وفاة روح الله الخميني، الذي كان هو من عين خامنئي كخير خلف له آنذاك.
ويشار إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تأسست بعد إسقاط نظام الشاه عام 1979، من خلال الثورة الإسلامية التي كان الخميني قائدها الأول، فاختاره المجلس التأسيسي لخبراء القيادة في الأيام الأولى لانتصار الثورة مرشدًا عامًا ووليًا للأمر.
2- ماذا يعني منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية؟

الرئيس الإيراني حسن روحاني
يعد منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أعلى المناصب في الدولة، ويمتلك صلاحيات أشبه بالصلاحيات المطلقة بشؤون البلاد الداخلية والخارجية، إذ إن الدستور الإيراني ينص على أن المرشد الأعلى مسؤول عن تعيين السياسات الأعلى للجمهورية، والإشراف على أدائها، وحل مشاكل النظام.
والرئيس الإيراني المنتخب مسؤول أمام المرشد الأعلى، فهو المعني بالإمضاء على حكمه أو عزله، كما أن صلاحية المرشحين لمنصب الرئيس ترجع بعد موافقة مجلس صيانة الدستور إلى المرشد الأعلى.
وبالتالي، يرجع اختيار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية إلى ما يسمى “مجلس خبراء القيادة” وفقًا للدستور الإيراني، كما أن مجلس الخبراء هو الهيئة الدستورية الوحيدة التي تملك الصلاحيات لعزل المرشد، دون أن يستخدم هذا الحق منذ تشكيله عام 1979.
ومجلس الخبراء أيضًا هو الهيئة السياسية في النظام السياسي الإيراني، ويضم الآن 86 عضوًا، يتم اختيارهم بالاستفتاء الشعبي المباشر لدورة واحدة كل ثماني سنوات، وعادة ما يكونون من الخبراء.
ويتبع للمرشد الأعلى “مكتب القيادة”، الذي ينسق نشاط الولي الفقيه ومواعيد لقاءاته وخطاباته وزياراته الداخلية أو الخارجية، حيث إن لقائد الثورة في إيران أكثر من 2000 ممثل ينتشرون في كل الوزارات ومؤسسات الدولة، وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها، وفي محافظات إيران الثماني والعشرين.
3-كيف ينطلق سباق الخلافة حال وفاة المرشد خامنئي؟
ثمة من يرى أن معركة الوصول للمنصب الأكثر تأثيرًا في الجمهورية الإيرانية بدأت مبكرًا، بعد رواج معلومات متواترة مصدرها أجهزة استخبارات غربية حول إصابة علي خامنئي بسرطان البروستاتا في مرحلته الرابعة، وهي الأخطر.
ما يعني أن المرض انتقل لأعضاء أخرى في الجسم، وبلغ مرحلة خطيرة، وسط تقدير الأطباء أنه لم يعد أمامه للعيش سوى عامين، في ظل التعتيم الكبير حول الحالة الحقيقية له، والتي لا يعلمها غير قلة من المقربين منه، من بينهم ابنه الأربعيني “مجتبى”، والذي يتمتع بنفوذ كبير في الأوساط الدينية.
لذلك، تدور في المرحلة الحالية حرب باردة في إيران بسبب الانقسامات حول المفاوضات النووية مع الغرب، بين المساندين لها مثل حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني من جهة، ومعسكر المحافظين المعارض للمفاوضات.
حتى إن رئيس الجمهورية الإيرانية الإسلامية حسن روحاني، قد لوح مؤخرًا بإجراء استفتاء لأخذ رأي الشعب في الاتفاق الذي يمكن أن تسفر عنه المحادثات النووية، لذلك فهو من يخوض حربًا مع المحافظين حول ذلك.
لكن، هناك من يرى غيابًا لمناقشة حقيقة مفتوحة حول خلافة خامنئي، حيث إن أسماء المرشحين لتسلم عمامته لا يجري تداولها إلا وراء أبواب مغلقة وفي مجالس خاصة، خاصة أنه في كل مرة كان يختفي فيها خامنئي لمرضه، ثم يظهر لدحض الشائعات حول صحّته المتدهورة.
وبدأ يتضح الصراع جليًّا بين المحافظين والإصلاحيين، وتظهر المخاوف من تدهور يطال الدولة الإيرانية؛ لأن هذه هي المرة الأولى التي سيتم فيها اختيار مرشد أعلى، ليس من قبل الأب المؤسس “الخميني”، ولكن من قبل المتصارعين أنفسهم.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيراه الإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون
وهذه المرة وفي ظل التقارير عن وفاته الوشيكة؛ لأن حالته الصحية باتت صعبة، ودخوله هذه المرة إلى المستشفى من جديد، مرتبط بالحديث عن وصول سرطان البروستاتا إلى الدرجة الرابعة والأخيرة الأخطر التي ترتبط غالبًا بالوفاة، تبدو المشكلة أكبر.
فهناك من جهة صراع حالي داخلي بين خلفاء خامنئي المحتملين، وهناك من جهة ثانية، صراعات متورطة فيها إيران خارجية في ظل سعيها لاستعادة مجد الإمبراطورية الإيرانية الفارسية القديمة مصبوغة بمسحة طائفية، ما جعلها متورطة عسكريًّا في اليمن والعراق وسوريا.
إضافة إلى اشتباكها في مفاوضات ساخنة مع الدول الغربية في مفاوضات حول النووي الإيراني، وكلها قضايا تحتاج قيادة قوية من “الولي الفقيه” أو المرشد الأعلى الذي يقود البلاد، ويجمع بين الخبرة الدينية والسياسية بحسب شروط الدستور.
ورغم أن الدستور يحدد الإجراء الرسمي لانتخاب مرشد جديد للثورة، حيث يتم انتخاب المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء “المنتخب من قبل الشعب”، إلا أن المراقبين يخشون أن تؤثر الصراعات الحالية على تعيين وريث لخامنئي، بحيث يكون اختياره تغلب عليه علاقاته السياسية، أكثر من سموه الديني.
فهناك من يدعمون مرشحًا إصلاحيًّا مثل رفسنجاني، ولكن هناك بالمقابل من يؤكدون أن من ترشح لهذا المنصب الرفيع، يجب أن يكون قريبًا من الحرس الثوري الذي يكون له دور كبير في اختيار المرشد الجديد.
4- من هم المرشحون لخلافته؟

هاشمي شاهرودي أبرز المرشحين لخلافة المشد الأعلى للثورة الإيرانية
أولًا: هاشمي شاهرودي
وهو أبرز المرشحين، حيث يتولى منصب رئيس مؤقت لمجلس خبراء القيادة ومن المحتمل انتخابه كرئيس دائم، من مواليد العراق، ودرس في المدينة الشيعية المقدسة النجف، وبرز في السياسة الإيرانية عندما تم تعيينه رئيسًا للقضاء.
ويعتبر في رأي كثيرين “وسطيًّا محافظًا”، ولكنه ليس متطرفًا، بيد أن البعض يعتبر اختياره كمرشد أعلى احتمالًا ضعيفًا؛ بسبب جنسيته العراقية وأنه من مواليد النجف؛ لذلك توجد أصوات كثيرة تخالف توليه المنصب.
ثانيًا: هاشمي رفسنجاني
هو مرشح لمنصب رئيس مجلس خبراء القيادة أو منصب المرشد الأعلى، ويؤهله أنه تولى سابقًا منصب الرئيس الإيراني ورئيس مجلس خبراء القيادة، كما أنه يترأس اليوم “لجنة دراسة مصالح البلاد”.
ويميل رفسنجاني، والذي تولى كرئيس لفترتين، للتيار الإصلاحي، وسبق له أن انتقد خامنئي علنًا، كما شبه جناح المحافظين الذي يعرقل التوصل لتسوية حول ملف إيران النووي، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد أثارت هذه التصريحات ضجة واسعة في البرلمان الإيراني.
ويعتقد المحافظون داخل أروقة النظام الإيراني، أن تقارب الرئيس حسن روحاني مع الغرب يحمل في طياته تحييدًا لدورهم في أزمة الملف النووي، وهو ما يعني أنه لو فاز إصلاحي فسوف يتم تمرير الاتفاق، وسيحدث العكس لو فاز محافظ بمنصب المرشد الأعلى.
ثالثًا: صادق لاريجاني
شاب فقيه يترأس القضاء في إيران، إلا أنه أقل خبرة من رفسنجاني ومن شاهرودي، وهو أحد المحافظين المتطرفين في الحكومة الإيرانية، وممن تمسك بمواقف خامنئي في كل ما يتعلق بالحفاظ الصارم على كل قيم الثورة التقليدية.
رابعًا: صباح اليزدي
محسوب على التيار المحافظ اليميني الذي يرهب في كثير من الأحيان ليس فقط الإصلاحيين وإنما أيضًا التيارات المحافظة وسط الخارطة السياسية.
خامسًا: مجتبى خامنئي
وهو الابن الثاني للمرشد الحالي علي خامنئي، ولكن هناك شكًا أن يحظى بالتأييد لكونه صغيرًا جدًا “45” عامًا، وبسبب عدم اكتمال تعليمه الديني، فرغم أن خامنئي الابن يدرس أصول الدين؛ إلا أن قوته تنبع من العلاقات الوثيقة التي تربطه بالحرس الثوري، وبسيطرته على قوات “الباسيج”، وهي قوات المتطوعين في الحرس الثوري.
ولكن، البعض يعتبر أنه في الحقيقة هو صانع القرار في مكتب والده المرشد، ولكنه يوصف أيضًا في بعض الدوائر الإيرانية باعتباره “رئيس المافيا”، ومرتبط بالكثير من الصفقات الاقتصادية التي يقوم بها الحرس الثوري.
5- أهم السيناريوهات المرتقبة حال وفاته؟

قوات من الحرس الثوري الإيراني
جملة من السيناريوهات رسمها السياسيون والخبراء، لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية لدى إيران، في حال وفاة المرشد الأعلى للثورة، واختيار خليفة له، أبرزها حدوث اضطرابات للسلطة وقت عدم تدخل رجال الدين والحرس الثوري والاتفاق على من سيخلفه سريعًا، كون اختيار خليفة في إيران يعد قضية أمن قومي.
بيد أن آخرين، رأوا أن الاحتمال القائم الآن هو الاختفاء الوشيك لخامنئي الذي يفتح احتمالية نشوب حرب خلافة من بعده على تولي المنصب، لا سيما مع ضيق دائرة المرشحين المحتملين لاختيار بديل للمرشد.
لذلك، فأغلب الفقهاء لا يملكون المهارات السياسية اللازمة لتولي منصب الخلافة، في حين أن من يمتلكون الدهاء السياسي يفتقدون التكوين الديني المطلوب، ولعل المشكلة هنا تظهر بوضوح لكل من يتابع الشأن الإيراني.
وفي ضوء هذه الاعتبارات يمكن أن يشكل موت المرشد الأعلى فرصة فريدة من نوعها بالنسبة لواشنطن؛ لكي تشجع حدوث تغييرات في السياسة الخارجية العدائية للنظام. وحتى لو لم تستطع إقناع طهران بعده بالانفتاح نحوها.
وذلك لضمان ألا تؤدي طموحات “فيلق الحرس الثوري” إلى تعريض مصالح الدول الأخرى في المنطقة إلى الخطر، ولأجل هذه الغاية فمن الأهمية بمكان أن تبدأ الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون بإنشاء خطوط اتصال مع العديد من فصائل “فيلق الحرس الثوري” بشكل عاجل.
وبالتالي، سيلقي حدث وفاة المرشد بظلاله على المفاوضات مع الغرب حول النووي الإيراني، وعلى المحادثات بين طهران ومجموعة “5+1″، حيث كان من المقرر أن يتم استئنافها بداية الشهر الحالي في جنيف، بهدف التوصل إلى حل قبل نهاية الشهر الجاري.
وسيكون أول تحدٍّ للنظام فيما بعد فترة خامنئي هو خلق صوت موحد في “فيلق الحرس الثوري”، سواء أكان كل عضو من أعضائه مواليًا لخامنئي ومبادئ الجمهورية الإسلامية أم لا، فإنهم يعتقدون عمومًا بأنهم ينبغي أن يكونوا هم المنتفعون الرئيسيون من النظام.
وأما عن السياسة الخارجية في فترة ما بعد خامنئي فإن بعض قادة “فيلق الحرس الثوري” – سواء أكان ذلك تعبيرًا عن إيمان حقيقي أم لتناحرهم الداخلي- سوف يسعون على الأرجح إلى عكس موقف إيران المناهض للغرب، والبحث عن فرص لتغيير المسار الحالي للحكومة.