في الوقت الذي دعت فيه إيران إلى «تطهير» محافظة إدلب في شمال غرب سوريا من «المتشددين» من فلول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وجبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام، وفلول فصائل المعارضة السورية المسلحة، ما زالت الأراضي الإيرانية هي ملجأ عدد من قيادات تنظيم القاعدة الدولي، والذي ما زال يحكم ويخطط ويسيطر من داخل إيران على أنحاء مختلفة في العالم، حتى في سوريا نفسها.
ليس هذا فقط، فإيران ظلت لسنوات طويلة ملجأً لأعضاء تنظيم القاعدة، بل إنه في غالبية المرات كانت بوادر الترحيب تأتي من الجانب الإيراني نفسه، يوضح هذا أن إيران تعلن الحرب فقط على تنظيم القاعدة والمنشقين عنه، في الداخل السوري فقط، بينما يظلوا حلفاء ضد الولايات المتحدة الأمريكية عندما يتعلق الأمر بوجود أعضاء تنظيم القاعدة داخل إيران.
لسان حال إيران: سنقضي على المدينة ذات الـ3 ملايين شخص لأن بها 10 آلاف متطرف!
فشل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الحصول على دعم من نظرائه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، من أجل وقف إطلاق النار في إدلب، والتي تعتبر الملجأ الأخير للمعارضة السورية وللأفراد والجماعات المسلحة في الداخل السوري، وسط مخاوف دولية متعددة من إمكانية تدهور الوضع الإنساني في المدينة في حال لم يتم وقف إطلاق النار، وفي حال استمرت إيران وروسيا في الإصرار على تطهير إدلب من المتشددين والمسلحين بحسب ما تقول.

(الوضع المتدهور في إدلب)
الجدير بالذكر أن قوات النظام السوري تخطط لهجوم مرحلي في إدلب والمناطق المحيطة بها الخاضعة لسيطرة معارضي الأسد، المدعوم من قبل القوات الروسية والإيرانية.
وتُقدِّر الأمم المتحدة عدد الأشخاص المتواجدين في مدينة إدلب في الوقت الحالي بحوالي 3 ملايين مدني، حوالي نصفهم نازحون من أماكن أخرى في الداخل السوري إلى إدلب، مما يُصعِّب إمكانية نزوحهم مرة أخرى في حال اشتدت المعركة في إدلب؛ إذ تظن الأمم المتحدة أن هناك 900 ألف مدني سيتأثرون بالهجوم الذي ينوي النظام السوري القيام به، مدعومًا من إيران وروسيا، وهو ما رفضه المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا؛ إذ أكد أنه لا يمكن لمجلس الأمن أن يقبل أن يحدث كل هذا للمدنيين في إدلب.
من جانبه، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إنه في حال أصرت إيران على شن الحرب في إدلب، فإنها ستكون مذبحة ستغضب العالم كله، والولايات المتحدة أيضًا. من جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن واشنطن تعتبر هجوم القوات الحكومية على إدلب تصعيدًا للحرب في سوريا، محذرًا من أن واشنطن سترد على أي هجوم كيماوي يشنه نظام دمشق.
وكانت وكالة فارس الرسمية الإيرانية قد نقلت عن محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، قوله إنه «يجب تطهير الأجزاء المتبقية في إدلب من الإرهابيين الباقين ويجب أن تعود المنطقة تحت سيطرة الشعب السوري».

(اجتماع رؤساء تركيا، وإيران، وروسيا)
الجدير بالذكر أن عدد الأفراد المسلحين داخل مدينة إدلب قُدرت أعدادهم بحوالي 10 آلاف مقاتل من جبهة النصرة، التي انشقت عن تنظيم القاعدة في وقتٍ سابق، فضلًا عن وجود العشرات من الجماعات المسلحة الأخرى، في الوقت الذي يوجد فيه 14 ألف مقاتل من تنظيم الدولة في أنحاء مختلفة من سوريا، ولكن غير معلوم عددهم تحديدًا في إدلب، أي أن المدينة التي يسعى النظام وحلفاؤه لتدميرها، يسكنها 3 ملايين مدني، وعلى أقصى تقدير فإن أعداد من تسميهم إيران بالمتشددين داخل إدلب لا يتجاوز 15 ألف شخص.
تمكين القاعدة مقابل مصالح طهران: التاريخ السري غير المُعلن
يبدو أن المسؤولين الإيرانيين لم يكن في حسبانهم أنه بعد سنوات من العلاقات الوطيدة، والتعاون المشترك مع تنظيم القاعدة، ستحصل الولايات المتحدة الأمريكية على الوثائق التي تثبت ذلك؛ إذ كشفت الدراسة المُطوَّلة التي نشرها مركز «نيو أميركا» للأبحاث عن تاريخ التعاون والمساعدات التي تبادلها الطرفين؛ تنظيم القاعدة، وإيران، وذلك عملًا باستراتيجية «تمكين تنظيم القاعدة في مقابل خدمة مصالح طهران».
وتناولت الدراسة بحث وتحليل ما يقارب 300 وثيقة رفعت عنها السرية، من ضمن الوثائق التي حصلت عليها القوات الخاصة الأمريكية في مايو (أيار) 2011، خلال الغارة التي شنوها على المجمَّع الذي تواجد فيه زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، في أبوت أباد في باكستان.
الجدير بالذكر أن الوثائق التي نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، احتوت على وثيقتين أساسيتين متعلقتين بصلة إيران بتنظيم القاعدة؛ الوثيقة الأولى المكونة من 19 صفحة، وكُتبت عن طريق أحد الإداريين، بينما جاءت الوثيقة الثانية في أكثر من 220 صفحة، ويُعتقد أنها مكتوبة بخط يد أسامة بن لادن نفسه.
وقد ذكرت الوثائق أن تنظيم القاعدة قد تمتع ببراجماتية صرفة؛ خاصةً فيما يتعلَّق بجهود التنظيم لتأمين ملجأ لقادته وأعضائه، ولأسرهم وعائلاتهم، فضلًا عن إيجاد طرق من أجل تمويل مشروعاته؛ ففي سبيل هذه الأهداف، كانت القاعدة على استعداد للتعامل مع الأطراف المختلفة، حتى لو كانت إيران الشيعية من ضمن هذه الأطراف.
وقد ذكرت الوثائق التي حصلت عليها المخابرات الأمريكية نصًا أن إيران مستعدة لتقديم الدعم والمساعدة المالية، والأسلحة، وكل ما هو مطلوب لأي شخص في الحلف المضاد لمهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بشرط عدم توريط الإيرانيين بشكلٍ مباشرٍ وصريح.
يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه إحدى الوثائق على الاعتراف من جانب النظام الإيراني بأن هذا العرض المُقدَّم لتنظيم القاعدة جاء تجسيدًا للبراجماتية السياسية التي ترتكز على مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»، وذلك للتأكيد على إمكانية التقارب رغم الاختلافات الأيديولوجية بينهما، بسبب العدو المشترك في هذه الحالة، وهو الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ أن الظروف في هذا الوقت تطلبت هذا التقارب.
صداقة إيران مع «بن لادن» لحماية الشيعة في العراق!
شملت الوثائق الإيرانية التي حصلت عليها المخابرات الأمريكية في مقر إقامة بن لادن عرضًا من النظام الإيراني لتنظيم القاعدة مفاده أن إيران مستعدة لتدريب عدد من «الجهاديين الجدد» كما ذُكر في الوثيقة، أن المنخرطين من تنظيم القاعدة سيحصلون على جميع التدريبات والدعم العسكري واللوجستي اللازم في معسكرات تدريب حزب الله اللبناني في إيران، ليكونوا جاهزين في النهاية لضرب أهداف أمريكية في المملكة العربية السعودية والخليج العربي.
ليس هذا فقط، بل وُجدت رسالة مكتوبة بخط اليد، ومكونة من صفحتين فقط، تشير إلى أن إيران تمكنت من التواصل مع أسامة بن لادن نفسه عام 2004، وذلك من أجل إمكانية التقارب بين إيران وتنظيم القاعدة، وعلى أمل أن يتمكَّن «بن لادن» من التأثير على أبو مصعب الزرقاوي، أمير تنظيم القاعدة في العراق حينها، لوقف هجمات التنظيم ضد الشيعة وأماكنهم المقدسة في العراق.
ووفقًا للوثائق، يعتقد أعضاء تنظيم القاعدة أن علاقاتهم مع إيران، برغم الاختلافات الأيديولوجية الواضحة، ظلت جيدة منذ بداية تشكيل التنظيم عام 1988، وهو ما كان سببًا رئيسيًا لعدم تردد «بن لادن» وأعضاء التنظيم وعائلاتهم، في البحث عن ملجأ لهم في إيران بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من شمول الوثائق على ترحيب ومبادرات إيرانية للتقارب مع تنظيم القاعدة، إلا أن هناك وثائق خاصة بالقاعدة أشارت إلى أن التنظيم كان لا يثق كليًا في إيران، معتبرًا أن التعاون المستمر بينهم هو مجرد شيء مؤقت، وأن إيران تعتبر كيانًا معاديا للتنظيم، ولكنها ذكرت تحديدًا أن «الولايات المتحدة الأمريكية هي العدو الحالي، بينما تعتبر إيران هي عدو المستقبل».
الجدير بالذكر أن إيران كانت هي الوسيط الأهم لتنظيم القاعدة من أجل تهريب وتداول الأموال من وإلى قادة التنظيم في الدول المختلفة، من الشرق الأوسط وحتى إيران.
إيران.. مأوى قادة القاعدة حتى اللحظة
يبدو أن التقارب بين إيران وتنظيم القاعدة لم يكن في السابق فقط، وإنما مستمر حتى هذه اللحظة؛ إذ ذكر أحد عملاء تنظيم القاعدة في سوريا إن كلًا من عبدالله أحمد عبدالله المعروف إعلاميًا باسم أبو محمد المصري، وسيف العدل المصري، المعروفان بأنهما من زعماء تنظيم القاعدة في العالم، وهم من أعضاء التنظيم المعروفين دوليًا وعلى المستوى العالمي، يعملان حاليًا داخل إيران منذ العام الماضي؛ إذ أنهما يعملان نوابًا أوائل لزعيم تنظيم القاعدة الحالي «أيمن الظواهري»، فضلًا عن استقرارهم داخل الأراضي الإيرانية، للعب أدوار رئيسية مختلفة في شبكة تنظيم القاعدة العالمية من الداخل الإيراني، بل إنهما أيضًا مختصان بالتحكيم في الخلافات بين أعضاء التنظيم.
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أعلنت خلال شهر يوليو (تمّوز) 2018 الماضي أن نائبي زعيم تنظيم القاعدة، عبد الله أحمد عبد الله، وسيف العدل المصري، المتمركزين والمقيمين في إيران، كانا قادرين على التأثير والسيطرة والتحكم في مسار النزاعات بين المقاتلين في مدينة إدلب في سوريا.

(إعلان الخارجية الأمريكية برفع قيمة مكافأة من يدلي عن معلومات عن نائبي الظواهري)
الجدير بالذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في وقت لاحق من تقرير الأمم المتحدة، وتحديدًا في الثامن من أغسطس (آب) 2018 الماضي، رفع مكافأة الحصول على معلومات تتعلَّق بمكان وجود نائبي زعيم تنظيم القاعدة في إيران، ليتم مضاعفتها من 5 ملايين دولار، إلى 10 ملايين دولار، على حسب نوع وجودة وصدق المعلومات المتحصل عليها، ومدى قدرتها على تحديد موقعيهما، أو تؤدي إلى اعتقالهما، أو إدانتهما.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وجَّهت اتهامها الأول لنائبي زعيم تنظيم القاعدة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1998، وذلك بعد ثبوت تورطهما في تفجيرات السفارة الأمريكية في كينيا، وتنزانيا، قبل ذلك التاريخ بعدة أشهر، وهي الأحداث التي تعتبر الأكثر دموية في تاريخ تنظيم القاعدة قبل أحداث 11 سبتمبر في عام 2001، وقد أدت أحداث تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتنزانيا إلى مقتل 224 مدنيًا، وجرح الآلاف.
الجدير بالذكر أنه منذ عام 1998، لم يُعلم مكان عبد الله أحمد عبد الله، وسيف العدل المصري، إلا بعد أحداث 11 سبتمبر؛ حيث استطاعت الولايات المتحدة الحصول على معلومات بفرارهما إلى إيران، غير أن وضعهما ظل غامضًا لسنوات بلا معلومات، قبل شهادة عميل التنظيم في سوريا وتقرير الأمم المتحدة الأخيرين، والذين أفادا بوجودهم في إيران، وتحكمهما في مسار الأحداث في سوريا في الفترة الراهنة.
هكذا عادت العلاقات بين إيران والقاعدة إلى المنطقة الدافئة
بالعودة قليلًا إلى الوراء، ظلت لسنوات العلاقات القائمة بين تنظيم القاعدة وإيران ترتكز على قاعدة رئيسية بشرطٍ واحدٍ رئيسي، وهي أن إيران مستعدة لتقديم الدعم والمساعدة المالية، والأسلحة، وكل ما هو مطلوب لأي شخص يريد مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بشرط عدم توريط الإيرانيين بشكلٍ مباشرٍ وصريح.
غير أن عددًا من الأسباب أدت إلى عدم بقاء هذا الشرط ساريًا لفترة أطول؛ إذ جاء السبب الأول المتمثل في التفجيرات التي تبناها تنظيم القاعدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر في مناطق متفرقة؛ وهي ما عرفت إعلاميًا باسم «تفجيرات الرياض» في مايو (أيار) 2003، والتي استهدفت بشكلٍ رئيسي أماكن تجمع ومساكن الأمريكيين في المملكة العربية السعودية؛ فسرعان ما سعت الولايات المتحدة لمعرفة الشخصيات الواقفة وراء هذه الأحداث.

(هجمات 11 سبتمبر)
لم تنجح الاستخبارات الأمريكية حينها من تحديد هويتهم، ولكنها نجحت في تحديد أي البلاد يسكنون، وهو ما ساعدهم على تحديد هوياتهم بسهولة، الإجابة كانت: إيران؛ إذ نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية حينها خبر اعتراض المخابرات الأمريكية لبعض الاتصالات الدولية، والتي أدت في الأخير إلى التأكد من وجود خلية تضم عددًا من أعضاء تنظيم القاعة في إيران هي المسؤولة عن التخطيط لتفجيرات الرياض.
من هنا راجعت المخابرات الأمريكية سجل المطلوبين لديها، ومنهم كلًا من عبد الله أحمد عبد الله، وسيف العدل المصري، فهما العقلان المدبران الرئيسيان لهذه التفجيرات، بالإضافة إلى حمزة بن لادن، ابن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وهو في الوقت نفسه زوج ابنة عبد الله أحمد عبد الله.
ومن هنا، وبإعلان «نيويورك تايمز» الخبر، بدأ النظام الإيراني في استشعار بعض الحرج بسبب الحديث عن تورطه في هذه التفجيرات أيضًا، وهو ما أدى إلى وضع بعض القيود على إقامة أعضاء تنظيم القاعدة وأسرهم في إيران، مما أدى في الأخير إلى وضعهم فيما يشبه الاحتجاز أو الإقامة الجبرية.

(صور من زواج حمزة بن لادن بابنة عبد الله أحمد)
بعد ذلك بفترة، بدأ تنظيم القاعدة في خطف عدد من الإيرانيين في أماكن مختلفة، وذلك من أجل الضغط على النظام الإيراني للإفراج عن قادة التنظيم، ومقايضتهم بالإيرانيين، حتى تمت عملية تبادل الرهائن عام 2015، ليتم الإفراج التام عن حمزة بن لادن، وعبد الله أحمد عبدالله، وسيف العدل المصري، بالإضافة إلى عضوين آخرين من التنظيم، في مقابل الإفراج عن دبلوماسي إيراني تم اختطافه في اليمن، وهو ما أكده أبو القسام، نائب أبو مصعب الزرقاوي، أمير إمارة العراق، في شهادته في وقتٍ لاحق؛ إذ ذكر أنه تم الإفراج عن جميع أعضاء تنظيم القاعدة في إيران، وأنهم يمارسون حياتهم بشكلٍ طبيعي باستثناء السفر خارج إيران، لتعود العلاقات بين النظام الإيراني وأعضاء التنظيم إلى ما كانت عليه من قبل.