واحدة من أكثر القضايا التي ما زالت عالقة وشائكة ومرتبطة بحادث منى الأخير بين البلدين الخصمين السعودية وإيران، هي مصير السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن آبادي.
فبعد الإعلان عن فقدانه وسط الضحايا الإيرانيين، دفع عدم تسليم جثمانه أو عينة حمضه النووي من قبل السعودية لإيران بسيناريوهات عدة حول مصيره الآن، إذ تتخوف إيران من أن يكون مصير ركن آبادي مثل الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة، الذين سلمهم حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1982 خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أو مصير القائد الشيعي اللبناني موسى الصّدر، الذي اختفى منذ عام 1978 خلال زيارته لمعمر القذافي في ليبيا.
من هو الإيراني غضنفر ركن آبادي؟
ولد غضنفر ركن آبادي عام 1966 في مدينة قم الإيرانية، وعندما انتهى من تعليمه الجامعي الأساسي التحق بجامعة الإمام الصادق في إيران للحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية والمعارف الإسلامية، ثم استكملت دراسته العليا في جامعة بيروت- فرع العلوم السياسية وحصل على درجة الدكتوراه.
شغل آبادي منصب مدير دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الإيرانية عام 2008، ثم كانت المحطة الأهم في حياته العملية عندما أصبح سفير إيران في لبنان، كان ذلك بين عام 2010 و2014، ونجا ركن آبادي عام 2013 من تفجير مزدوج طال سفارة إيران ببيروت، ثم انتقل قبيل فقدانه للعمل كأكاديمي في جامعة الإمام الصّادق.
يصفه الكاتب الإيراني محمد مهدي رحيمي بأنه “دبلوماسي ثوري”، وقال إن مهمة قراءة البيان الختامي لما يعرف بـ”مراسم البراءة من المشركين” عند الشيعة أوكلت إليه، خلال موسم الحج الذي قتل أو اختفى فيه.
ما هي السيناريوهات حول مصير ركن آبادي؟
سيناريوهات ثلاثة، حول مصير ركن آبادي بعد حادثة منى الأخير، وهي:
الموت مع ضحايا حادثة منى:
مباشرة بعد الإعلان عن فقدان 464 إيرانيًّا -على الأقل- وسط حادثة منى، أعلنت السلطات الإيرانية أن آبادي وسط الضحايا، بينما أعلنت السعودية أن آبادي لم يكن وسط الحجيج الإيرانيين كاسم وشخصية إيرانية، وافترضت السعودية حينها أن يكون قد دخل بجواز سفر مزيف وبصفة غير صفته، واكتفت حينها إيران بالقول إن آبادي دخل بجواز سفر عادي، وليس بجوازه الدبلوماسي دون الإشارة إلى الاسم الذي دخل به، ثم أخذت إيران تثبت بالأدلة أنه دخل لأداء مناسك الحج ونشرت صورة جواز سفر باسمه.

صورة لجواز سفر آبادي نشرتها الحكومة الإيرانية
ويبرر المحللون الإيرانيون عدم أهمية الإعلان عن مقتل آبادي بأنه جاء عبر الصحف الإيرانية وليس من قبل وزارة الخارجية الإيرانية أو بعثة الحج والزيارة الإيرانية, وعندما بدأت السعودية بإرسال جثث الضحايا الإيرانيين، بقي 15 إيرانيًّا لم تصل جثثهم إلى إيران من بينهم ركن آبادي.
خطفه من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي
قبل ورود السيناريو الأخير بأن ركن آبادي تم إخفاؤه من قبل السعودية، أشاع الإيرانيون سيناريو آخر، ناجمًا عن تجربة سابقة لهم مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي اختطفت عام 1982 أربعة إيرانيين من لبنان، أي احتمال أن ركن آبادي خُطف من قبل أجهزة مخابرات إسرائيلية سهلت مهمتها تلك الاستخبارات السعودية.
إذ نقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية معلومات تفيد بأن: “دبلوماسيين أوروبيين يتناقلون معلومات استخباراتية أولية تتحدث عن احتمال إعداد المخابرات الإسرائيلية (الموساد) والمخابرات السعودية لعملية استخباراتية متقنة، تم خلالها تنفيذ عمليات خطف لمسؤولين إيرانيين، بينهم مسؤولون في الحرس الثوري وسفراء وموظفون يعملون في مكتب قائد الثورة علي خامنئي”. وأضافت الوكالة التي استندت إلى جهاز مخابرات تابع لدولة أوروبية لها مصالح في الشرق الأوسط: “من المستحيل أن يقوم عملاء للموساد بمثل هذه العملية دون التنسيق مع المخابرات السعودية، وربما بمشاركة مخابرات دولة غربية أو أكثر”، على حد قولها.
أحد أهم الشخصيات الإيرانية التي تحدثت عن هذا السيناريو، كان مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية حسن قشقاوي، إذ قال قشقاوي إن: “الاحتمالات التي طرحت حول مصير ركن أبادي، ومنها اختطافه في السعودية ونقله إلى إسرائيل تأتي ضمن تكهنات لا يمكن تأييدها أو رفضها بشكل كامل”.
واستشهدت وسائل إعلام إيران، بخبر إسرائيلي نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” جاء فيه أن دولة الاحتلال تمتلك “كنزًا إيرانيًّا ثمينًا في قبضة الإسرائيليين”، وحسب محللين تحدثت إليهم قناة “العالم” الإيرانية فهذا الخبر: “يفسّر اختطاف السفير ركن آبادي وربما الكنز هو آبادي”.
السفير حي في السعودية؟
الحكومة الإيرانية أخذت قبل الأيام ترفض فرضية مقتل ركن آبادي، بسبب عدم وصول جثته مع الضحايا، وبسبب عدم تمكن السعودية من إرسال نتيجة فحص الحمض النووي لبعض الضحايا الذين دفنوا بمكة دون معرفة هوياتهم.
لذلك أخذت شخصيات ووسائل إعلام إيرانية تتحدث بقوة عن احتمال تعرض ركن أبادي للخطف بعد التدافع في منى، ونقلت شهادات عن شهود عيان أنه كان حيًّا وإصابته خفيفة ونقل بسيارة إسعاف إلى إحدى المستشفيات السعودية.

صورة لآبادي نشرت على شبكات التواصل
يقول نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: “تشير معلوماتنا إلى أن ركن أبادي ما زال على قيد الحياة ونطالب السعودية بإعادته حيًّا”. أما رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى علاء الدين بروجردي فقال: “لو لم تتمكن الحكومة السعودية من إثبات فرضية استشهاد آبادي فإن فرضية اختطافه باعتبارها فرضية أمنية أمر قابل للمتابعة”.
أما عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني محمد رضا محسني ثاني فقال بشكل واضح: “لدینا أدلة تثبت أن غضنفر رکن آبادي ما يزال علی قید الحیاة”، وتابع محسني ثاني القول: “نقل في یوم الكارثة حيًّا إلى المستشفى”، مضيفًا: “لدینا أدلة تثبت أنه نقل حیًّا بسیارة إسعاف إلی المستشفى، وینبغي علی الحكومة السعودية تحمل المسؤولية تجاه مصیره”.
أما مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون القنصلية حسن قشقاوي، فقال إنه: “من تبقى من المفقودين الإيرانيين من القتلى أو الجرحى المتواجدين في المستشفيات السعودية، احتمال اعتقالهم من قبل السلطات السعودية قائم كذلك”.
ولا يعرف على وجه التحديد إذا ما كانت إيران تمتلك معلومات حقيقية حول مصير سفيرها المختفي، أم أنها تواصل استغلال الحادث ضمن إطار الاشتباك الممتد بينها وبين المملكة العربية السعودية، ومن أجل فرض المزيد من الضغوط الإعلامية والسياسية على المملكة.
لماذا يعتقد الإيرانيون أن ركن آبادي شخصية إيرانية مهمة للسعودية أو لدولة الاحتلال الإسرائيلي؟
لا تستعبد إيران أن يكون مصير غضنفر مثل مصير القائد الشّيعي اللبناني الإمام موسى الصدر، الذي فقد في عام 1978 بعد زيارته لرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، أو كمصير الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة، الذين خطفهم حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع وسلمهم دولة الاحتلال عام 1982.
فركن آبادي، هو أحد المقربين من المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي”، وهو مطلع بشكل جيد على ما يدور خلف كواليس السياسة الإيرانية في المنطقة، وله علاقاته القوية مع الحركات التي تدعمها إيران، وأبرزها “حزب الله اللبناني”، إذ قال ركن آبادي عن حزب الله إنه: “حالة لبنانية تمكنت من تحطيم الاحتلال وأن حضوره في سوريا فرضته مصلحة لبنان وسوريا معًا”.
وتعتقد الجهات الإيرانية أن غضنفر مستهدف من قبل السعودية منذ وقوع حادث تفجير السفارة الإيرانية في لبنان (نوفمبر 2013)، فهذا التفجير الذي أدى إلى مقتل 23 شخصًا بينهم الملحق الثقافي الإيراني في لبنان وخمسة من عناصر الأمن الإيرانيين، كان يستهدف ركن آبادي –حسب المصادر الإيرانية- الذي كان من المفترض أن يغادر السفارة لحضور اجتماع مع مسؤولين لبنانيين، وتقول إيران إن كتائب عبد الله عزام التي تبنت الهجوم، وأميرها آنذاك السعودي ماجد بن محمد الماجد “تدعمها بشكل خاصّ أموال الحكومة السعوديّة ومخابراتها”، وذلك رغم أن هذه المجموعة والسعودي الماجد كانا مطلوبين من السلطات السعودية أيضًا.
يقول الكاتب الإيراني محمد مهدي رحيمي: “بعد مرور زهاء أسبوعين على تسجيل اسمه ضمن مفقودي كارثة منى، لم يتم العثور على أي مؤشر حول مصير سفير إيران السابق، الإيرانيون لديهم ذكريات مريرة عن مواطنين كانوا يسعون من أجل إعلاء المقاومة الإسلامية واستيفاء حقوق الشيعة في منطقة جبل عامل، وأصبح مصيرهم مجهولًا منذ سنوات عديدة حيث ابتدأت هذه السلسلة بالسيد موسى الصدر وتبعه الحاج أحمد متوسليان وأصحابه، واليوم أيضًا الدكتور غضنفر ركن آبادي”.