«إيران الآن ستعود إلى الدور الذي كان الشاه يضطلع به، وستصبح شرطيّ الخليج من جديد«. * روبرت فيسك
مساء الثلاثاء الماضي، نزل الإيرانيون إلى الشوارع ضاربين أبواق سياراتهم، وملوِّحين بعلم إيران، في أجواءٍ احتفاليَّة ربما لا نشاهدها إلا عند فوز منتخب دولةٍ ما بكأسِ العالم. الاحتفالات هذه المرَّة كانت بسبب توصُّل دول «5+1» لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي الذي ملأ العالم ضجيجًا طوال سنوات مديدة، وأنذر بحرب إقليمية شاملة. الرَّئيس الأمريكي في ردِّه على منتقديه بأنّ العالم كان يُخاطر بحربٍ في الشَّرق الأوسط إذا لم يقم بالاتفاق مع إيران. في هذا التقرير محاولة لقراءة خريطة الشَّرق الأوسط بعد الاتفاق، وكيف ستكون التحالفات فيه، وأبرز الرَّابحين والخاسرين من الاتفاق. الشرق الأوسط قبل الاتفاق، غير قبله، هذا ما اتفق عليه عدد من المحللين والكُتَّاب والسياسيين.
فإلى التَّفاصيل.
1- الاتفاق
«إن الاتفاق هو لحظة تاريخية وصفحة أمل جديدة،الاتفاق ليس مثاليًّا لكنه الأفضل لجميع الأطراف.» * وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف
في عدَّة نقاط، معلومات عن الاتفاق، وبعض تفاصيله الهامَّة:
- تمّ الاتفاق في فيينا، بعد مفاوضات استمرَّت مدَّة 21 شهرًا، الاتفاق الأخير جرى بعد مفاوضات وصفت بـ «الماراثونيَّة».
- وفقًا لمصادر لموقع الجزيرة نت المشاركة في المفاوضات النووية، هذه أبرز بنود الاتفاق:
- إلغاء العقوبات الاقتصادية والنفطية والعقوبات المفروضة على الطيران المدني الإيراني.
- رفع الحجز عن عشرات المليارات من الأرصدة الإيرانية في البنوك الأجنبية.
- السَّماح لإيران بتصدير منتجات نوويَّة كاليورانيوم المُخصَّب والماء الثَّقيل.
- الاعتراف بسلمية البرنامج النووي الإيراني. (وفقًا لوكالة أنباء الجمهوريَّة الإسلاميَّة)
-
إعادة فرض العقوبات خلال خمسة وستين يوما إذا انتهكت إيران البُنُود.
- يُرجَّح أن يبقى الحظر الدولي على مبيعات السِّلاح لإيران، حتَّى خمس سنوات من الآن. ما لم تشهد الوكالة الدوليَّة للطاقة الذريَّة لصالح إيران.
- يسمح الاتفاق، لمفتِّشي الأُمَم المتَّحِدة بدخول المواقع الإيرانيَّة المشبُوهة كافة بما فيها العسكريَّة.
-
دبلوماسيون يؤكدون لموقع الجزيرة نت أنَّ مجلس الأمن الدّولي سيصوِّت الأسبوع المقبل – على الأرجح – على قرارٍ بالتصديق على الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات المفروضة على إيران، مع إبقاء حظر الأسلحة وحظر تكنولوجيا الصواريخ الباليستية.
2- مؤشِّرات وخطوطٌ رئيسيَّة
الاتفاق؛ جاء لا شكَّ بعد أن أتعبت طهران معها واشنطن والعواصم الأوروبيَّة، بطبيعة الأحوال، جميع الرؤساء للدول الستّ أشادوا بالاتفاق، وهذه بعضّ الردود العالميَّة والإقليميَّة، والتي تخُصُّ المنطقة العربية قبل الدُّخول في تأثير الاتفاق للتسهيل على القارئ:
دول الاتفاق وإيران
«إن الاتفاق النووي مع القوى العالمية سيفتح فصلًا جديدًا من التعاون مع العالم الخارجي بعد سنوات من العقوبات. النتيجة المرضية للجميع ستحُدُّ تدريجيًّا من انعدام الثقة المتبادل.» * الرئيس الإيراني حسن روحاني
وزير الخارجيَّة الفرنسي لوران فابيوس اعتبر الاتفاق قويًا بما فيه الكفاية للعشر سنوات الأولى على الأقلّ. بعض الصحف الإعلامية تنبَّأت بأنّ فابيوس سيزور طهران. وزير الخارجية الروسي أكَّدَ أنَّ الاتفاق سيُسهِّل تشكيل تحالف واسع ضدَّ «داعش». بينما أشار الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بأنَّه ينبغي دفع إيران لإيجادّ حلّ للأزمة السورية. بينما عارض الاتفاق وندَّدَ به رئيس مجلس النُّواب الأمريكي الجُمهُوري جون بينر. وأكد بينر أنَّهُ سيسعى مع أعضاء آخرين في الكونغرس بكلّ الوسائل لعرقلة الاتفاق.
دول المنطقة والاتفاق «اللاذع»؟
الردّ التركي الأوَّل كان على لسان وزير الطاقة التُّركي؛ بأنَّ الاتفاق النَّووي مع إيران تطوُّر إيجابي للغاية. بينما تباينت ردود فعل الدُّول العربيَّة، كلٌّ حسب مصالحه. بينما تحفَّظت السعودية (منافس إيران الإقليمي الأقوى) على الاتفاق، أشادت ببند عدم رفع العقوبات المتعلِّقة بتسلُّح طهران لمدَّة 5 سنوات. وفي تصعيد منها اتَّهمت إيران بإثارة الاضطرابات والقلاقل في المنطقة. ووفقًا لموقع شبكة CNN فقد قال لها مصدر سعودي أنَّ إدارة الرَّئيس أوباما ارتكبت خطأً تاريخيًّا، وقال أنَّ السعودية ستردّ ردًّا قويًّا على المدى المتوسِّط.
تبنَّت الإمارات موقفًا إيجابيًا تجاه الاتفاق، فقد بعث الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد برقيَّة للرئيس روحاني، يهنئه فيها بالاتفاق النووي «التَّاريخي». وكذلك بعث كلٌّ من نائب رئيس الدولة وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد برقيَّة للرئيس روحاني يهنِّئانه بالاتفاق.
«نعتقد أنَّ خطورة الاتفاق أنه سيمنح إيران مليارات الدولارات تمكنها من تمويل ماكينة الإرهاب والتمدد في الشرق الأوسط والعالم.» * رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
3- بين «حسين» أوباما و«حسن» روحاني؛ وأوروبَّا وروسيا
«والواضح حتى الآن أن الاتفاق النووي يعني، من الناحية السياسية، اعترافًا مباشرًا من قبل الولايات المتحدة بإيران كقوة إقليمية كبرى، ينبغي التنسيق معها في كل ما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط، وهو ما يمنح، بطبيعة الحال، هامش مناورة سياسيّ واسع للجمهورية الإسلامية في مقاربة الكثير من الملفات الملتهبة.» * الكاتب وسام متَّى
بالجملة هؤلاء أبرز المستفيدين من الاتفاق.
-
إيران: الرَّابح الأكبر
أولًا: لم يعد خافيًا الصِّراع الذي يقوده «الشَّيخ الدِّيبلوماسي: حسن روحاني» إلى جانب مجموعته التي يعتبر وزير خارجيته محمد جواد ظريف أحد أركانها، لم يعد خافيًا الصِّراع الذي يقودانه معًا ضدَّ التيَّار الأصولي داخل إيران. منذ سنتين أعطى المرشد الأعلى ضوءًا أخضر لروحاني في المفاوضات النووية. نَجَاح المفَاوضات في الوصول لاتفاق يعطي فوزًا لروحاني في مقابله خسارة الأصوليين الذين يقفون موقفًا شديد الحساسية من أيَّة مفاوضات مع الغرب وأمريكا، التي تُعرف في الأدبيات وخطب الجمعة في إيران باسم: الشَّيطَان الأكبر.
“محمد جواد ظريف”
ثانيًا: بالنسبة لروحاني، فالرَّئيس يعوِّل كثيرًا على رفع العُقُوبات عن بلاده. وفقًا لبعض التخمينات فإنَّ ما بين 30- 50 مليار دولارًا من عائدات إيران النفطيَّة المجمَّدة ستتحرر فور التوقيع على الاتفاق. بالجُملة؛ لإيران ما يصل لـ 100 – 140 مليار دولار من عائدات النِّفط مُجمَّدة في المصارف الأجنبيَّة. لكنَّ رهان روحاني على رفع العقوبات ربما يكون رهانًا غير مجدٍ حسب اقتصاديين. فالعقُوبَات مسؤولة فقط عن 20% من مشكلات الاقتصاد الإيراني. الاقتصاديون يؤكِّدون أنَّ النتائج الاقتصادية الإيجابية للاتفاق النووي لن تكون سريعة. بعد إزالة العقوبات يُتوقَّع أن تحقق إيران نموًّا اقتصاديًّا يتراوح بين 3-7%. هذه النسبة لن تكون كافية لحل مشكلة كمشلكة البطالة التي وصلت نسبتها في إيران إلى 14%. المعلومات السَّابقة وفقًا لدراسة منشورة بمركز الجزيرة للأبحاث والدراسات.
ورغم ذلك يتوقَّع اقتصاديُّون آخرون أن يُشكِّل رفع العقوبات فارقًا في الاقتصاد الإيراني، بشكلٍ مُبَاشِر وإن كان غير سريع. ناهيك عن بند رفع العُقُوبات فإن انفتاح إيران على الدول المجاورة والعالم، سيفتح لها مجالات اقتصادية كبيرة، خصوصًا فيما يتعلَّق بالنفط والغاز والصناعات العسكريَّة.
-
ستنتعش تجارة النفط والغاز، خصوصًا في أوروبا التي تُعتَبَر روسيا مصدرها الوحيد للغاز، وهو ما سيكون مَحكًّا جَديدًا للعلاقات بين إيران وروسيا، بعد توجُّه أوروبا المتوقَّع للنِّفط والغاز الإيراني.
-
ستنتعش كذلك التجارة العسكريَّة خصوصًا مع روسيا؛ فقد وصل حجم المشتريات الإيرانيَّة من السِّلاح الروسي في الفترة من بداية التسعينات وحتى الآن حوالي 304 مليارات دولار. وفقًا لورقة مركز الجزيرة فالتصريحات بين الجانبين تشي بنيَّتهما رفع حجم التبادل التجاري من 5 مليارات إلى 70 مليار دولار سنويًا. وفي العام 2014 وقَّعت روسيا وإيران اتفاقا لبناء مرحلة جديدة في مفاعل بوشهر، وسيستمر التعاون في مجال التقنية النووية بين إيران وروسيا بشكلٍ عام.
ثالثًا: وفقًا للكثير من التحليلات والتوقُّعُات، ستبدأ إيران في لعب دورها كشرطيّ المنطقة، كما كان الشَّاه سابقًا لأمريكا. بالطَّبع النظام الحالي لإيران ليس تابعًا كما كان الشَّاه. فالعلاقات الإيرانية – الأمريكية لن تكون متوطدة وقويَّة كما يتوقَّع البعض، وإنما ستكون أقرب فقط لعلاقات منافع متبادلة في إطار ضيِّق، فمن ناحية لا يريد النِّظام الإيراني أبدًا أن تدخل علاقاته بأمريكا مرحلة التطبيع بينما هو يُصدِّرها منذ قيام الثورة باعتبارها شيطانًا أكبر، هنا ستبدو هناك مشكلة في بنية النِّظام نفسه. ومن ناحية أخرى لن تستطيع أمريكا أن تُطَبِّع علاقاتها مع إيران بسبب غضب حلفائها الرئيسيين في المنطقة: إسرائيل والسُّعوديَّة.
-
أمريكا: أوباما مصرّ على الاتفاق قبل أن يرحل
بعدما خرج أوباما من العراق وأفغانستان، في محاولاته لسحب يد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، ومتابعتها الأمور عبر حلفائها الإقليميين. يبدو اتفاق إيران سيسهِّل على الولايات المتحدة عدَّة ملفَّات: العراق وسوريا أولًا، بعض التأثيرات في لبنان وفلسطين كذلك، اليمن بشكلٍ أساسيّ. ما يبدو هو أنّ الولايات المتحدة لم تعد ترى في السعودية حليفها الأهمّ، فقد تصرفت بما يخالف أمانيها، ويبدو أنها ستترك لإيران العنان للتحرك في المنطقة كيفما تشاء طالما تحافظ على مصالح أمريكا. الجدير بالذكر أن طهران وواشنطن اشتركتا في التَّحالف الدولي على «داعش» ما يعني أنَّ تعاونًا بينهما – عندما تجمعها المصلحة – سيكون مقدَّمًا على دولة كالسعودية، تورطت في عدة ملفات ولم تستطع حلَّها كملفّ سوريا الذي بدا أن إيران تبلي فيه بلاءً حسنًا.
-
أوروبا
ستخرج العديد من الدُّول الأوروبيَّة بمنافع اقتصادية في المقام الاوَّل، فُسوق السيَّارات مثلًا بين فرنسا وإيران سيشهد نقلة كُبرى بعد رفع العقوبات، خصوصًا أنَّ ثَمَّة علاقات اقتصاديَّة بين البلدين منذُ سَنَوات تُقيِّدها فقط العقوبات التي كانت مفروضة. بالمُجمل تظلّ الاستفادة الكُبرى التي ستستفيدها أوروبا من وراء الاتفاق النووي هو النِّفط والغاز الإيراني. والغاز على التحديد.
على مرور السنوات السابقة كان الغاز الروسي الورقة الرَّابحة لروسيا التي تُلوِّحُ بها دومًا، وتدخل بها في منافسة واسعة مع أوروبا. الآن ستجد أوروبا في إيران بديلًا قويًّا ويمتلك ثاني أكبر احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي (تمتلك روسيا الاحتياطيّ الأوَّل). عدم احتكار روسيا تصدير الغاز لأوروبا سيمنح أوروبا مساحات أخرى في مواقفها مع روسيا. وهنا ستصبح طهران فائزًا أكبر هي الأخرى باعتبار أنّ كلا الطرفين سيخطب ودها، أو سيتعامل معها على الأقلّ من موقف النِّدّ.
-
روسيا: كيف تستفيد من الصديق ومن العدوّ معًا
حسب الكاتب المتخصص في الشؤون الإيرانية، مصطفى اللَّباد، فإنَّ روسيا تتمثل مصلحتها في الحفاظ على إيران في صلح مع الولايات المتحدة والغرب، ولكن عَبرها، ومن خلالها، وستحاول روسيا كبح جماح إيران في عدَّة ملفَّات لعدَّة أسباب. فما فعلته روسيا هو تجنُّب وقوع أية حروب مع إيران، وكذلك تجنُّب أن تُطَبِّع إيران علاقاتها مع الولايات المتحدة. فتبقى روسيا هي الحصان الأسود للرهان في العلاقات الإيرانية الأمريكية. روسيا هي المورِّد الأساسي للسلاح إلى إيران، وهي التي بنت مفاعلات إيران النووية كذلك، ناهيك عن كمّ التبادل التجارب بين البلدين.
إذا لم يدخل الغرب في مشاريع اقتصادية عملاقة مع إيران، سيُفتح المجال لروسيا لتدخل السوق الإيراني بشكلٍ واسع وبلا مُنازع تقريبًا. خصوصًا ما يتعلق بأمور التسليح وتكنولوجيا التطوير العسكري. بدأت ملامح هذه الشراكة بقرار روسيا تسليم إيران المنطومة الدفاعية (إس 300) التي كانت تمنعها العقوبات من تسليمها لإيران. بعيدًا عن كُلّ ما سبق ستسعى روسيا لتحجيم دور إيران خصوصًا فيما يتعلق بتوريدها الغاز لأوروبا كما أسلفنا. وكذلك ما يتعلَّق بتحركاتها الإقليميَّة والدولية.
4- دول الخليج: الاختلاف في وجهات النظر، والسعودية تخسر خسارة كبيرة!
أصبحت الإمارات عام 2010 ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، كما تتشارك قطر مع إيران حقلًا للغاز يُصنَّف كثالث أكبر احتياطي في العالم بنحو 1300 تريليون قدم مكعَّب. لقطر منه 800 تريليون، ولإيران 500 تريليون.
كما أوردنا في أبرز التصريحات أنَّ الإمارات كانت من أول المهنئين، ووصل لروحاني من ناحية حكام الإمارات ثلاث برقيَّات تهنئة حتَّى الآن. العلاقات السياسية بين البلدين سيِّئة للغاية، بينما علاقاتهما الاقتصادية على أفضل حال. 8000 شركة إيرانية تنشط تُجاريًا في الإمارات حسب الإحصائيات. وَوَصَلَ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2009 إلى 16%، بما قيمته 7 بلايين دولار.
الإمارات كانت كطوق نجاة لإيران أثناء العقوبات المفروضة عليها، استطاعت الإمارات خلال عشرين عامًا فقط اجتذاب ما مقداره 300 بليون دولار من رؤوس الأموال الإيرانية. ويُشكِّل الإيرانيون ما نسبته 17.4% من سُكَّان دبي. وما نسبته 15% من العقارات في دبي يملكها إيرانيون بنحو 300 مليار دولار. الاتفاق النووي سيعطي للإمارات فُرَصًا أكبر في في التَّعاوُن الاقتصادي، ولكنَّ هذا الفرح الإماراتي قد يقابلهُ أيضًا فتور من الناحية الإيرانية خصوصًا أنَّ إيران لن تكون مضطرة اضطرارًا للتعامل الاقتصادي مع الإمارات كما السابق، في ظل انفتاحها الطبيعي على العالم بعد توقيع الاتفاق. خصوصًا أنَّ إيران والإمارات بينهما خلاف حدودي كبير على ثلاث جُزُر، كلتا الدولتين تدعيان أنهم يتبعون لها، والثلات جزر الآن تحت سيطرة إيران منذ عهد الشاه.
للاطلاع أكثر حول هذا الملفّ، يمكنك مطالعة: 6 ملفات تخبرك عن الخلاف المُستتر وراء التحالف السعودي الإماراتي.
على الجانب الآخر، تتشارك قطر كما ألمحنا خلال التقرير حقلًا للغاز يقبع فيه ثالث احتياطي في العالم من الغاز، ولقطر الحِصَّة الأكبر منه. بدأت قطر التَّعامُل مع الحقل منذ التسعينات بينما بدأت إيران ذلك عام 2003 فقط. ستبدأ إيران لا شكّ استخراج الغاز من هذا الحقل، وهو ما قد يلقي بظلال شبه وخيمة على العلاقات بين البلدين. بالنِّسبة للكُوَيت فقد هنَّأت كذلك جارتها إيران بالاتفاق، بينما تقبع سلطنة عمان في حديقة إيران الخلفية، وعلاقاتها السياسية معها قوية للغاية. وتتبقى الدولة الأكبر، والأشرس: السعودية.
5- السُّعودية وإسرائيل: هل تشهدان تحالفًا علنيًّا؟!
الدَّولتان الوحيدتان المعترضتان على الاتفاق هما السعودية وإسرائيل. بدأت العلاقات بين البلدين تتوسَّع بشكلٍ أكبر في العام 2005، في عهد الملك الراحل عبد الله، باعتبار أنَّ «الظُّروف» وضعتهما في مأزقٍ واحد مع إيران. بعد المشكلات التي واجهتها الدولتان تجاه الاتفاق، بدا لبعض المحلِّلين أنَّ الدولتين ستتخذان أفقًا جديدًا في علاقتهما، ربما لن تكون العلاقة علنيَّة ولكنَّها ستكون وطيدة وقوية لمواجهة النفوذ والتَّمدُّد الإيراني.
تبدو السعودية متعثرة في: 1- اليمن: التي ما إن تم توقيع الاتفاق حتى شهدت أمس زحفًا من قبل المقاتلين الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي، مدعومين بغطاءٍ جويّ من قوَّات التَّحالف بقيادة السعودية وسيطروا على مناطق في مدينة عدن جنوبي اليمن، ودفعوا المسلحين الحوثيين وحلفاءهم للخروج منها. 2- سوريا: التي لم تستطع السُّعودية أن تكسب فيها قيد أنملة في مواجهة النظام المدعوم بشكل كامل من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس. 3- العراق: والتي يمكن بسهولة أن نقول أن إيران تسيطر علها، وأنها تحدّ من تحركات السعودية داخل العراق، إضافةً إلى قبضتها القويَّة في لبنان. كلّ هذه الملفَّات التي تعثرت فيها السعودية، ثمَّ انتهاءً باتفاق جعل السعودية تُشكِّك في مدى التزام حليفها الأوَّل (الولايات المتحدة) تجاهها كما في السَّابق، جعلها تتخذ موقفًا مناهضًا للاتفاق ووصفته بالخطأ التاريخي. إذ يبدو أنَّ التاريخ بالفعل يسير عكس عقارب ساعة السعودية، متجهًا نحو عقارب إيران بشكلٍ متزايد خلال السنوات الأخيرة من حكم الملك الراحل عبد الله.
الفرس الآخر الذي ربما ستراهن عليه السعودية وفق محللين هو إسرائيل. ورغم اختلاف المنطلقات لدى البلدين في عدائهما لإيران، إلا أنهما الآن متفقتين في النتيجة وهي الرفض للاتفاق. ترفض إسرائيل الاتفاق النووي لأنَّ هذا سيتيح لها نجاحًا اقتصاديًا إضافةً إلى رفع العقوبات، والتي ستمكنها من تمويل الجماعات «الإرهابية» وستتمدد في الشرق الأوسط والعالم. هذا كان اعتراض نتنياهو على الاتفاق. من ناحية أخرى تسعى إسرائيل إلى أن تكون الحليف الرئيسي لأمريكا، ووجود إيران بعلاقات طيبة مع أمريكا والغرب سيخلق منافسًا من نوع جديد لم يكن يتعامل معه سابقًا إلا باعتباره عدوًّا، والآن عليه أن يعتبرهُ منافسًا.
محللون آخرون يعتقدونَ أنَّ رفض إسرائيل للاتفاق، والبروباجندا التي تقودها الآن ما هي إلا غطاء لمحاولات إسرائيل التعامل مع الأمر بالضغط على أمريكا لإعطائها سلاحًا أكثر تقدمًا مما تملكه الآن، في إطار سباق التسلُّح في الشرق الأوسط، والذي سينتعش بعد الاتفاق النووي من جديد. وستدخل أموال هائلة في الحسابات المصرفية لشركات السلاح، سواء الأمريكية والأوروبية أوالروسية.
وهكذا أصبحت الدولة العربيَّة السُّنيَّة، التي يشار إلييها باعتبارها الدولة الأكبر، والمنافِس الإقليميّ الأشرس، في صفّ أكبر عدوّ إقليمي للدول العربية، وهو إسرائيل. فهل ستشهد الأيام بينهما شراكة؟ خصوصًا أنًّ تحليلات تذهب إلى أن السعودية ستعتمد طريقة الحرب بالوكالة في مواجهة إيران؟!
هذه إذن هي خريطة التحالفات في الشَّرق الأوسط «الجديد»؛ ما بعد الاتفاق النووي الإيراني،
علامات
editorial, إيران, الاتفاق النووي, البرنامج النووي, السعودية, الشرق الأوسط, العراق, الملف النووي, النووي الإيراني, باراك أوباما, حسن روحاني, دول الخليج, دولي, روسيا, سوريا, عربي, لبنان