نبذة عن مركز موشيه دايان

مركز موشيه دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا هو مركز البحوث المتعددة التخصصات المكرسة لدراسة التاريخ الحديث والشؤون المعاصرة في الشرق الأوسط وأفريقيا. المركز لا يتخذ مواقف أو يوصي بسياسات. ولكن من خلال البحوث والمنشورات والمؤتمرات والمجموعات الوثائقية والخدمة العامة، فإنه يسعى إلى تنوير المجتمع المدني وتعزيز الحوار حول تعقيدات الشرق الأوسط المتغيرة باستمرار. وفي سبيل القيام بذلك، يعمل المركز على دفع عملية السلام من خلال التفاهم.

العراق، الدولة التي أنشأها البريطانيون في عشرينات القرن الماضي، تتفكك الآن. إذا استمرت هذه العملية، فإن الأكراد والسنة والشيعة سوف يكون لكل منهم مناطق منفصلة خاصة به، يمكن أن تصبح دولاً جديدة. فالأكراد في شمال شرق البلاد بلغوا تقريبًا مرحلة الاستقلال، ولكن لم يعلنوا ذلك. وحتى لو كانت المجموعات الثلاثة قادرة على العيش جنبًا إلى جنب، فهناك تساؤلات جدية بشأن الاستقرار، وحتى تجانس المجتمعات السنية والشيعية. المشكلة الرئيسة الأخرى هي النفط: ماذا سيكون تأثير الحدود الجديدة على بقاء المجتمعات/ البلدان الثلاثة، وماذا سيكون تأثير ذلك على سوق النفط الدولي والاقتصاد العالمي؟

تقدر وكالة الاستخبارات المركزية أن 99% من سكان العراق من المسلمين: حيث يشكل الشيعة بين 60-65%. بينما يشكل السنة 32- 37%. والباقي للأقليات المسيحية وغيرها. كما قدرت الوكالة أن التكوين العرقي يبلغ بين 75-80% للعرب؛ وبين 15-20% للأكراد. والبقية للتركمان والآشوريين وغيرهم. في يناير 2013 سجل حوالي 1131810 نازح داخليًّا في العراق، وبحلول يونيو 2014 قدرت الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 200000 لاجئ سوري مسجل في العراق. ومنذ عام 2003، فر مئات الآلاف من العراقيين إلى سوريا والأردن في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، نزح ما يقدر بنحو مليون شخص بسبب القتال الأخير الذي أدى إلى احتلال مناطق واسعة من وسط البلاد (وكذلك أجزاء من سوريا) عبر تنظيم داعش “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.

في عام 2012، بلغ حجم الدخل القومي العراقي حوالي 216 مليار دولار، وبلغ عدد السكان 32.6 مليون نسمة، وبلغ دخل الفرد الواحد حوالي 6626 دولار. ويعيش نحو 20% من السكان تحت خط الفقر حسب الإحصاءات الرسمية. وقد تسببت ثلاث حروب – مع إيران بين عامي 1980- 1988 ومع قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في عام 1991 و2003، إلى جانب العقوبات الدولية وعدم الاستقرار الداخلي في انخفاض كبير في مستوى رفاهية الشعب العراقي. وتراجعت مستويات المعيشة بشكل حاد.

كما تواجه البلاد مشاكل بيئية حادة، حيث أشار تقرير مشترك للأمم المتحدة وحكومة العراق أنه في حين أن 31% من بيئة العراق هي صحراء، فإن نسبة 39٪ إضافية من مساحة البلاد تتأثر بظاهرة التصحر. ونتيجة لانخفاض رطوبة التربة وقلة الغطاء النباتي، كانت هناك زيادة في وتيرة العواصف الترابية والرملية، وغالبًا ما يكون منشأها في الأجزاء الغربية من العراق. كما زاد النمو السكاني، الذي يقرب من 2.5- 2.8% سنويًّا، من الضغوط على موارد الغذاء والمياه والطاقة.

يمتلك العراق خامس أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم. في نهاية عام 2013، بلغ حجم الاحتياطيات حوالي 150 مليار برميل، وهو ما يقرب 9% من إجمالي الاحتياطي العالمي. كما كان العراق أيضًا ثامن أكبر منتج للنفط في العالم. وتنقسم موارد النفط والغاز في البلاد بشكل غير متساوٍ عبر الخطوط الطائفية والديموغرافية. حيث تتركز معظم الموارد المعروفة في المناطق الشيعية في الجنوب والمنطقة الكردية في الشمال، مع قلة منها في المناطق الخاضعة لسيطرة الأقلية السنية في وسط العراق.

إن الغالبية العظمى من الاحتياطيات المعروفة للنفط والغاز في العراق تشكل الحزام الذي يمتد على طول الحافة الشرقية من البلاد. ويمتلك العراق خمسة حقول عملاقة (تبلغ طاقتها أكثر من 5 مليار برميل) في الجنوب، والتي تمثل نسبة 60% من احتياطيات النفط المؤكدة في البلاد. ويقع نحو 17% من احتياطيات النفط في شمال العراق، بالقرب من كركوك والموصل وخانقين. وتمثل السيطرة على تلك الاحتياطيات مصدر خلاف بين الأكراد وجماعات أخرى في المنطقة. تقدر وكالة الطاقة الدولية أن منطقة إقليم كردستان تضم 4 مليارات برميل من الاحتياطيات المؤكدة. ومع ذلك، يجري الآن استكشاف هذه المنطقة، وصرحت حكومة إقليم كردستان أن المنطقة ربما تمتلك 45 مليار برميل من الموارد النفطية غير المؤكدة.

ونتيجة لهذه الثروة النفطية الهائلة، فإن لدى العراق إمكانيات اقتصادية هائلة. فوفقًا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية حول الحالة الاقتصادية للعراق (2012)، فإن إنتاج النفط يمكن أن يتضاعف لأكثر من 6 ملايين برميل يوميًّا بحلول عام 2020، ويصل إلى 8.3 مليون برميل يوميًّا بحلول 2035. وتأتي الزيادة الأكبر من حقول جنوب النفط في جنوب شرق البلاد الواقعة حول ميناء البصرة. ومن شأن تسوية الخلافات حول إدارة قطاع النفط والغاز أن يسمح بالنمو في شمال العراق حيث العقود التي تمنحها حكومة إقليم كردستان – المتنازع عليها مع الحكومة المركزية- جعلت منها أحد أكثر المناطق التي يجري فيها استكشاف الهيدروكربون في العالم.

يمكن للعراق أن يجني ما يقرب من 5 تريليون دولار من الإيرادات الناجمة عن تصدير النفط بحلول عام 2035، بمتوسط ​​سنوي قدره 200 مليار دولار. وسوف يتطلب تحقيق هذا تقدمًا سريعًا على طول سلسلة إمدادات الطاقة.

ارتفع إنتاج النفط العراقي من 1.9 برميل يوميًّا في عام 2005 إلى 3.1 برميل يوميًّا في عام 2013، وقد عوضت هذه الزيادة انخفاض الإنتاج في إيران وليبيا، وبالتالي ساهمت في استقرار أسواق النفط العالمية. رغم أن مستوى الإنتاج يتعرض للتهديد بسبب النزاع الحالي.

بين عامي 2010 و2013، بلغ مجموع الدخل النفطي في العراق حوالي 330 مليار دولار. ونتيجة للصراع السياسي والفساد، كانت الحكومة غير قادرة على استخدام العديد من الأموال التي تتلقاها بشكل فعال. حل الشيعة محل السنة كحكام للعراق وأقصوا الآخرين عن المنفعة. وهذا أحد الأسباب الرئيسة حول جنوح الأكراد نحو إنشاء دولة خاصة بهم، ولماذا نجحت داعش في الاستيلاء على جزء كبير من المناطق السنية في البلاد.

إن ظهور داعش جاء نتيجة لانهيار سلطة الحكومة المركزية في وسط الغالبية السنية في البلاد. وتزعم الحكومة أن المتمردين فرضوا ضريبة على المسيحيين في الموصل لتجنب التعرض للصلب.

وقعت معارك للسيطرة على أكبر مصفاة للنفط في العراق في بيجي بطاقة إنتاجية تصل إلى 310000 برميل يوميًّا. حيث تزود بيجي العراق بثلث احتياجاته من الوقود محليًّا، وتوفر محطة توليد الكهرباء حوالي 600 ميجاوات من الكهرباء.

بدأت داعش جمع الأموال في سوريا في عام 2013، بعد أن سيطرت على حقول النفط السورية الشرقية، قرب الرقة. وهي تشغل المصافي الواقعة هناك لصالح مقاتليها، ولكن أيضًا تبيع الكثير من النفط الخام إلى عدوها “الحكومة السورية في منبج”، كما تدير مصنع محلي للأسمنت، ويسدد التجار في الرقة رسوم جمع قمامة للمسلحين.

على الرغم من أن أيديولوجيتهم تدعو لقتل جميع المسلمين من غير السنة، فقد اختفى بعض العمال الأتراك والهنود، فضلاً عن مسؤول صيني، وأفرج عنهم لاحقًا دون أن يمسهم سوء مقابل الحصول على المال.

أصبحت السيطرة على الأنهار والقنوات والسدود، ومحطات الصرف الصحي والتحلية سلاحًا رئيسًا لداعش. فقد غدت هذه أهدافًا عسكرية في بلد يواجه نقصًا في المياه بانتظام. وتسيطر داعش حاليًا على معظم الروافد العليا الرئيسة لنهري دجلة والفرات.

وقد أرسلت القوات العراقية للدفاع عن سد حديثة الواقع على نهر الفرات لحمايته من الوقوع في أيدي داعش. وفي حال سيطرت داعش على السد، فإن المتمردين سيشددون الخناق على بغداد. كما حرم الملايين من الناس في مدن كربلاء والنجف وبابل والناصرية من المياه بعد سيطرة التنظيم على سد النعيمية في الفلوجة.

يستند نجاح داعش على سيطرتها على الموارد الاقتصادية: الطرق، والأنهار، والسدود، والمصافي، والأموال. وعلى الرغم من كونها منظمة سنية، فإن قدرتها على الاحتفاظ بتأييد السكان السنة في العراق وسوريا على أساس عقيدتهم ما تزال غير واضحة.

تمثل المناطق السنية والكردية في العراق أمثلة متضادة على التنمية. فالأولى تعتمد على الإرهاب والسطو، بينما تستند الأخيرة على محاولات تطوير الاقتصاد. تسيطر حكومة إقليم كردستان على المنطقة التي كان يبلغ عدد سكانها 5.3 مليون نسمة، والناتج المحلي الإجمالي لها 24 مليار دولار في عام 2011. كما سيطر الأكراد على كركوك الغنية بالنفط. وقد انتهجت حكومة إقليم كردستان سياسة مستقلة تقوم على استغلال مواردها النفطية، في حين هددت الحكومة المركزية بمقاضاة أي شخص متورط فيما يتعلق بتلك الصادرات غير القانونية. كانت حكومة إقليم كردستان قد أبرمت عقود تطوير حقول النفط مع بعض الشركات الأجنبية من أجل زيادة إنتاج النفط الخام إلى مليون برميل يوميًّا بحلول عام 2015، وإلى مليونين بحلول عام 2019. وقد استفاد الاقتصاد من الاستثمار الأجنبي في العديد من القطاعات، وخاصة الشركات التركية.

وفي الوقت نفسه فإن الحكومة المركزية في بغداد عاجزة بسبب النزاع السياسي ومغادرة رأس المال البلاد. فقد توقفت معظم المحافظات عن دفع الرواتب، في حين أن بعضها قد أعلن تخفيضات تصل إلى 90% لتمويل القطاع الخاص. كما استنفدت الموارد اللازمة لشراء الوقود ودفع أموال الصيانة في بعض القطاعات الصناعية والزراعية. وأعلنت وزارة التخطيط أيضًا أن 96% من المشاريع المدرجة في ميزانية 2013 لم تكتمل. وقد بلغ معدل البطالة 24% بما يهدد معيشة الملايين في القطاع العام والخاص، بسبب فشل الحكومة في تخصيص الأموال. كل هذا في العراق الغني بالنفط!

إن تطوير إمكانات العراق النفطية يتطلب وضع حد للصراع الداخلي الذي اشتد في الأشهر الأخيرة. إذا توقفت صادرات العراق النفطية، أو خفضت بشكل كبير، سترتفع الأسعار العالمية، وهو الأمر الذي سيفيد المنتجين الآخرين، ولكن سيفاقم من أزمة الاقتصاد العالمي الهش بالفعل.

علامات

العراق, داعش
عرض التعليقات
تحميل المزيد