«شقلوجة» هو الاسم الجديد الذي بدأ يُطلق على المدينة السياحية «شقلاوة»، الواقعة في إقليم كردستان العراق؛ جاءت هذه التسمية الجديدة نتيجة لكثرة النازحين من مدينة الفلوجة، للإقامة في الإقليم، الذي تحولت مدنه في غضون بضعة سنين إلى ملاذ آمن للعراقيين والسوريين وغيرهم.
ووفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، أصبح الإقليم يستوعب أكثر من ثلاثة ملايين نازح، من مختلف مناطق العراق، وهو ما يعني أن وضع الإقليم المعيشي والاقتصادي والأمني يزداد صعوبة، في ظل تخاذل المجتمع الدولي والحكومة العراقية عن تقديم يد العون للاجئين على أراضي الإقليم؛ ما أدى إلى خلق تحديات خطيرة أمام حكومة الإقليم تتعلق بالخدمات العامة الأساسية.
النزوح واللجوء إلى إقليم كردستان العراق
نزح عمر (47 عامًا) من الفلوجة قبل عام ونصف، إلى إقليم كردستان العراق، وهُناك يعيش الرجل – وهو أب لأربعة أبناء- في وضع صعب، بلا عمل يُؤمن له دفع إيجار المنزل، أو الإيفاء بمستلزمات الحياة.
ما يُثير قلق عمر الآن، هو خبر سمعه عن أن الإقليم سيُجبر النازحين على العودة إلى حيث ما أتوا نهاية العام الجاري، وعن هذا يقول عمر لـ«ساسة بوست» «الآن يوجد في الفلوجة ميلشيات الحشد الشعبي، وهو أمر مرعب بالنسبة لي، خاصة أن اسمي عمر، ومن السهل جدًا أن أكون أول من أذبح لو عدت».
وبينما يحاول البحث عن مكان آخر للهجرة من كردستان العراق، تُجهّز الفلسطينية أم أحمد (55 عامًا) نفسها للهجرة إلى الإقليم، من بغداد، وهي تبحث عن منزل لها هُناك لتستأجره.
تقول أم أحمد، وهي سيّدة أرملة «فقدنا الأمن كليًا هنا، والله أخاف أن أحكي أني فلسطينية في الشارع»، وتضيف لـ«ساسة بوست» «الأكراد سيرحبون بنا، ويمنحونا إقامة سنوية».
ونزح إلى إقليم كردستان العراق، بحكم الجغرافيا، مئات الآلاف من العراقيين من سكان محافظات الفلوجة، ونينوى، وديالي، وصلاح الدين، والموصل، والأنبار، بل إن عدد المسيحيين وحدهم الذين نزحوا إلى الإقليم من نينوى وبغداد، قُدروا بما يفوق 100 ألف؛ لذلك كانت أكبر موجات النزوح في أواخر عامي 2013 و 2014 عقب فرار العراقيين إلى الإقليم هربًا من الصراعات المسلحة التي اندلعت في محافظات، مثل الأنبار، ونينوى، بين الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، وبين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لم يقتصر الأمر على العراقيين فقط: فقد لجأ للإقليم أيضًا اللاجئون من كردستان إيران وكردستان تركيا، بالإضافة إلى لاجئي سوريا.
وتظهر إحصاءات وزارة الداخلية في إقليم كردستان، أن هناك حوالي مليون لاجئ ونازح يقيمون في مدن الإقليم، معظمهم يعيشون في مخيمات خاصة بهم، كما تُظهر الإحصاءات أن اللاجئين والنازحين في إقليم كردستان قبل نزوح أهالي الموصل، يتوزعون بواقع حوالي 266 ألف لاجئ سوري، و30 ألف لاجئ من أكراد إيران الذي فروا لمعارضتهم النظام الإيراني، و12 ألف لاجئ من أكراد تركيا المعارضين أيضًا. يُضاف إلى هؤلاء حوالي 400 ألف نازح من محافظة الأنبار، ومناطق أخرى، ككركوك وغيرها من المدن العراقية.
تعني هذه الأرقام، أن كل خمسة أشخاص في إقليم كردستان (يبلغ عدد سكان الإقليم خمسة ملايين شخص) يقابلهم لاجئ أو نازح؛ لذلك يواجه اللاجئون والنازحون وضع صعبًا، فهم يقيمون في مبان غير مكتملة وملاجئ مؤقتة، وفي المساجد، وآخرون غير قادرين على إيجاد عمل منتظم، ويكافحون لدفع الإيجار أو إرسال أطفالهم إلى المدرسة.
اللاجئون السوريون في كردستان العراق
اختار السوريون إقليم كردستان العراق ليكون لهم ملجأ، مع بداية الأزمة السورية، عام 2011، في حادثة لم يشهد لها مثيل من قبل في تاريخ كُرد سوريا على الأخص، إذ لجأ حوالي 226 ألف لاجئ إلى الإقليم، وتسببوا في زيادة عدد السكان بنسبة بلغت 30%؛ وهو ما دفع حكومة الإقليم لإنشاء مخيمات للاجئين السوريين في جميع المدن.
واحد من أكبر مخيمات السوريين في كردستان العراق، هو مخيم «دوميز» الذي استوعب قرابة 35 ألف لاجئ. وبحسب إحصاء لوزارة الهجرة والمُهجّرين العراقية فإن «98% من اللاجئين السوريين في العراق استقروا في إقليم كردستان، سارعوا إلى الاندماج في المجتمع المضيف، وسارعوا للعمل في شتى القطاعات الخدمية والتجارية، حتى وإن تقاضوا أجورًا أزهد من أقرانهم من سكان المدينة الأصليين».
ويتخذ السوريين من الإقليم محطة مؤقتة للهجرة إلى دول أوروبا الغربية، وذلك عبر استخدام طرق التهريب غير الشرعية للانتقال من كردستان إلى الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا، إذ لا يحق لهم المرور من المعبر الحدودي بين الإقليم وتركيا، باستثناء من يملك جواز سفر سوري ساري المفعول.
أزمة الموصل ومليون نازح إلى الإقليم
نزح بعد اجتياح «تنظيم الدولة» لمدينة الموصل العراقية، عام،2014، مئات الآلاف من السكان إلى الشمال، واستقروا في إقليم كردستان. والآن مع بدء المواجهة العسكرية المزمعة بين الجيش العراقي وميلشيات الحشد الشعبي من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى، يُعد الإقليم العدة لما ستنتجه عن معركة الموصل المرتقبة، فنصيبه من النازحين الجدد قد يصل للمليون نازح.
لذلك تعمل سلطات الإقليم على تهيئة مخيمات جديدة استعدادًا لاستقبال الأفواج الغفيرة من الضحايا، فالحملة التي تستهدف طرد «تنظيم الدولة» من الموصل، واضطرار السكان إلى نزوح إلى كردستان العراق، قد يتسبب في انهيار الإقليم المنهك بفعل أزمات.
وناشدت حكومة الإقليم، المجتمع الدولي بمساعدتها لمواجهة تدفق اللاجئين، كما حذرت الأمم المتحدة من أن المعركة سوف تخلق أزمة إنسانية، داعيةً لجمع التبرعات، إذ إن ما حصل عليه الإقليم لم يتجاوز 20٪ من الأموال اللازمة لدعم اللاجئين الموجودين حاليًا على أراضيه، وبدون ضخ المساعدات سريعًا، قد يضطر إلى إيقاف الخدمات الأساسية عن مناطق النازحين واللاجئين.
وحسب تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية، فإنّ «حكومة كردستان الإقليمية لا تكاد تستطيع إعالة 1.5 مليون شخص كانوا قد لجأوا من قبل إلى الإقليم»، مُضيفًا أنه «من المرجح جدًا أن يصبح مئات الآلاف من الناس، إما نازحين، أو محاصرين، أو مصابين، أو قتلى. أما الذين سيتمكنون من الهرب وترك كل ممتلكاتهم وراءهم، فسيعتمدون تمامًا على المساعدات الإنسانية».
على حافة الانهيار
تتهم حكومة إقليم كردستان العراق، الحكومة العراقية السابقة ورئيسها نوري المالكي، بخلق أزمات أدت إلى نزوح أعداد كبيرة إلى الإقليم؛ وذلك لأنها «لم تلتزم بتعهداتها، وهمشّت المكونات العراقية الأخرى غير الشيعية»، كما قال رئيس وزراء إقليم كردستان «نيجيرفان البارزاني».
وتسبب النزوح الذي تحدث عنه البارزاني خلال عام واحد فقط، بزيادة عدد سكان الإقليم زيادة غير طبيعية بلغت مليون وربع المليون من العراقيين، ونحو ربع مليون من اللاجئين السوريين، وهو ما أدى إلى حصول تغيير ديموجرافي في تركيبة السكان، ليقفز عدد سكان الإقليم بمعدل 28%.
وتبع هذا تغيير في الوضع الاقتصادي، فقد ضاعف وجود النازحين واللاجئين نسبة الفقر من 3.5% إلى 8.1%، كما تضخمت الأسعار وتراجعت فرص العمل وتأثر معيشة السكان بشكل عام بهذا الوضع.
وسبق هذه الأزمة تراجع في أسعار النفط وفقدان الدعم من الحكومة المركزية، حيث خفضت بغداد تمويلها للإقليم معاقبة له على إبرام عقود تصدير النفط المستقلة، كما أنه من ضمن التحديات التي تواجه الإقليم التكلفة البشرية والمالية في مقاتلة «تنظيم الدولة»، والتي على إثرها لم يتلقّ مقاتلي البيشمركة رواتبهم لعدة شهور قبل أن توافق الحكومة الأمريكية على التدخل ودفع الرواتب الجنود بهدف دعم قدرتهم على مواجهة التنظيم، ويؤكد تقرير صحيفة «الغارديان» البريطانية على أن «حجم تدفق اللاجئين وتهديد الأمن من قبل داعش يضع إقليم كردستان العراق تحت خطر الانهيار التام، مما يهدد سلامة الملايين من العراقيين».
أما تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادر في يونيو (حزيران) الماضي فيوضح أن «تضاعف عدد السكان في بعض المناطق منذ عام 2011 وتغيّر النسيج المجتمعي بشكل كبير، حيث يمثل النازحون واللاجئون حاليًا ما يقرب من نسبة 50 في المئة من السكان المحليين مما أدى إلى خلق تحديات واضحة بالنسبة للخدمات العامة المقدمة لمعالجة احتياجات السكان في تلك المناطق والتوترات الاجتماعية، في الوقت الذي كانت الحكومة الإقليمية تواجه فيه تحديات اقتصادية شديدة».
من جانبه، يقول السيد «جوزيف ميركس»، منسق المفوضية في إقليم كردستان العراق «أن معظم النازحين يعيشون في المناطق الحضرية إلى جانب السكان المحليين، ومن الأهمية وجود نهج قائم في المنطقة يأخذ في الاعتبار وجهة نظر المجتمعات المضيفة وقدرة الحكومة على الاستجابة؛ من أجل وضع خطط استجابة أكثر شمولًا«.