التقاعس الأمريكي عن دعم محافظة الأنبار العراقية بمواجهة تنظيم “داعش” الذي أحرز قبل أيام تقدّمًا في مدينة الرمادي، وما رافقه من هجرة أكثر من 190 ألف مدني نتيجة هذا التقدّم، حفّز سياسيين عراقيين على اللجوء إلى الدول العربية طلبًا للمعونة.. فهل ستكون الأنبار مدخلاً لدور عربي فاعل وكبير في العراق؟
محافظة الأنبار: محافظة عراقية تقع في غرب البلاد، تعد أكبر محافظات العراق مساحة حيث تشكل ما يعادل 1/3 من مساحة العراق، وتبلغ مساحتها 138،500 كم مربع، إجمالي عدد سكانها يبلغ مليونًا و900 ألف نسمة.

خارطة محافظة الأنبار
وفدٌ عراقي رفيع المستوى ضم أبرز القيادات السياسية “السنّية” (رئيس البرلمان سليم الجبوري ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك) زار، أمس الاثنين، العاصمة الأردنية عمان والتقى الملك الأردني الملك عبد الله الثاني، لمناقشة تطورات الوضع في العراق ولاسيما التطورات الأخيرة التي شهدتها محافظة الأنبار التي ترتبط جغرافيًا مع الحدود الأردنية.
وأكد سليم الجبوري خلال اللقاء أن “الشعب العراقي اليوم موحد بجميع أطيافه ومكوناته وهو عازم على تجاوز جميع التحديات”، مشددًا على أهمية “تضافر جميع الجهود لمساعدة العراق في حربه ضد تنظيم داعش وجهود دعم وإغاثة النازحين وإعادة إعمار المناطق المحررة”.
وأشار الجبوري إلى أن “العراق يتطلع لدور أكبر من أشقائه العرب بهذا الخصوص”.
تطورات عسكرية خطيرة
انسحبت قوات الجيش وقوة مكافحة الإرهاب من مناطق (البو فرّاج البو غانم والصوفية) شرقي مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، قبل أيّام، بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، إلى قاعدة الحبانية العسكرية، وتركت قوات الشرطة المحلية ورجال العشائر (ضعيفي التسليح والتجهيز)، في وضع لا يحسدون عليه.
تنظيم “داعش” استغل الفرصة وشنّ هجومًا كبيرًا ومباغتًا، على تلك المناطق وتمكّن من السيطرة عليها بشكل كامل، واقترب مقاتلوه من أهم المقرات الحكومية والعسكرية هناك، فأصبحت المدينة في وضع حرج للغاية، وأكد حينها الشيخ عمر العلواني (أحد شيوخ العشائر التي تقاتل التنظيم في الرمادي) بأن المدينة ستسقط في غضون ساعات إذا لم توفّر الحكومة الدعم اللازم لهم.
هجرة جماعية للسكّان!
“النازحون العراقيون من الرمادي”
تطورات الأحداث عسكريًا ألقت بظلالها على السكّان المحليين، حيث دفعت ضراوة الاشتباكات وعمليات القصف العنيف أكثر من 198 ألف شخص إلى ترك مناطقهم بحثًا عن الأمان، وفق المفوضية العليا لحقوق الإنسان.
وأكدت المفوضية أن النازحين يعانون ظروفًا صعبة نتيجة الإجراءات الأمنية الاحترازية المشددة التي أدت لاكتظاظهم عن مداخل العاصمة بغداد، فيما انتقدت ضعف الاستجابة العربية والدولية لدعوات إغاثتهم، ودعت الحكومة لوضع خطة لمواجهة الأزمات الإنسانية.
أوباما ينكث وعده!
وقوف أمريكا من الأحداث التي عصفت بمحافظة الأنبار مؤخرًا موقف المتفرّج الذي لا يعنيه ما يجري، رغم تعهّد رئيسها باراك أوباما لرئيس الحكومة المحلية في الأنبار صباح كرحوت، بعدم السماح بسقوط محافظته بيد تنظيم داعش “واعتبار أنها (أي محافظة الأنبار) “خط أحمر”، أثار استياء العراقيين من واشنطن، وحفّزهم على التوجّه إلى محيطهم العربي لطلب مدّ يد العون لهم لمواجهة الأزمة التي عصفت مؤخرًا.
حجم هذا الاستياء تفصح عنه التظاهرة التي قادها محافظ الأنبار صهيب الراوي وشارك فيها نواب ووزراء أمام السفارة الأميركية بالمنطقة الخضراء وسط بغداد، قبل أربعة أيام، والتي طالبت بتدخل طيران التحالف الدولي وعدم الاكتفاء بموقف المتفرج على المذابح التي تحصل في المحافظة.
ورفعت خلال المظاهرة لافتات كتب عليها «طيران التحالف الدولي يتفرج» و«الأنبار تذبح» و«الأنبار تتعرض لكارثة إنسانية» و«أغيثوها» و “الأنبار تذبح بدم بارد والعالم يتفرج”.
” المقاتلون السنة في حماية المخيمات”
أزمة مركبة
الأزمة في الأنبار تتفاعل في ظل تعدد القوى الدافعة لها، وتنحسر الحلول إزاءها، وبخاصةً إذا كانت تلك الأزمة وليدة مشكلات سابقة تراكمت لتولد أزمة مركبة، وجانب التعقيد في هذه الأزمة اليوم، هو تعدد آثارها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتعدد نتائجها أيضًا.
الوضع هناك خطير بكل ما تعنيه الكلمة، فلا الحكومة لديها القدرة العسكرية الكافية لحل الأزمة، ولا التحالف الدولي جاد بترجيح كفة قوات الأمن والعشائر على تنظيم “داعش”، بينما يبقى السكان المحليون يدفعون ضريبة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل!
فمن الممكن جدًا أن تكون الأزمة الأخيرة التي عصفت بمحافظة الأنبار، سببًا في دخول دول عربية على خط الأزمة ولعب دور أكبر في العراق بعد سنين عجاف طويلة، كون المحافظة ترتبط جغرافيًا بالأردن والمملكة العربية السعودية فضلًا عن سوريا، وسيطرة تنظيم “داعش” عليها بالكامل، سيشكل تهديدًا حقيقيًا لأمنها القومي، وهذا الدور المرتقب أشار إليه وزير النقل العراقي باقر الزبيدي يوم الخميس الماضي، حين قال “العراق سيشهد (عاصفة حسم جوية) لضرب مواقع التنظيم في العراق، تشارك فيها طائرات عربية ودولية”.