في 21 يوليو (تموز) عام 2011، دخل حساب المغرد السعودي «مجتهد» الذي يقول إنه قريب من صناع القرار في المملكة العربية السعودية، حيز التنفيذ، وبعد ما يزيد على ستة أعوام من تواجده على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ومتابعة ما يقرب من 2 مليون مغرد له، لم يستطع أحد الكشف عن هوية «مجتهد» الحقيقية أو معرفة من هو، بالرغم من كم التخمينات التي طرحت خلال السنوات الفائتة، بشكل تحليلي وغير رسمي، عبر مدونات ومقالات إلكترونية وتغريدات.

معظم هذه التخمينات تدور حول شخصيتين رئيسيتين هما: المعارض السعودي البارز سعد الفقيه، المقيم في لندن، بعد أن خرج من المملكة العربية السعودية في العام 1994، مع زوجته وأبنائه الأربعة، هربًا من بطش نظام الملك فهد بن عبد العزيز الذي لم يتقبل دعوته للإصلاح، خاصة وأن الفقيه قام بنشر مقال في صحيفة الجارديان البريطانية، يتحدث فيه عن مجتهد وتسريباته، مما عده البعض تلميعًا لنفسه من أجل كسب متابعين أكثر، لو كان هو صاحب الحساب.

أما الشخصية الثانية التي حامت حولها الشبهات؛ فكان الأمير «سلطان بن تركي بن عبد العزيز» الذي وصل إلى أوروبا في عام 2002 من أجل العلاج، ثم بدأ يجري مقابلات ينتقد فيها الحكومة السعودية، مُدينًا سجل بلاده في مجال حقوق الإنسان، وتفشي الفساد بين الأمراء والمسؤولين بحسبه، ودعا إلى ضرورة تبني سلسلة من الإصلاحات، وأُعيد قسرًا إلى المملكة في عام 2003.

اقرأ أيضًا:  مجتهد: خزينة أسرار العائلة الحاكمة في السعودية على تويتر

«مجتهد» وما وراء الكواليس

من أكثر الأسباب التي سمحت بانتشار «مجتهد» وكثرة عدد متابعيه -تم إيقاف حسابه لفترة في عام 2015 وكان يتابعه وقتها 1.7 مليون مغرد، ثم عاد الحساب دون متابعيه والتغريدات السابقة- الذين وصلوا إلى ما يقرب من 2 مليون متابع الآن؛ هو استباقه الإفصاح عن أحداث هامة قبل وقوعها، مثل: طلب الأميرة سارة بنت طلال بن عبد العزيز اللجوء إلى بريطانيا قبل تداول الأمر بوسائل الإعلام العالمية، وزيارة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي للسعودية، وكشفه لوثائق ومعلومات دقيقة عن الفساد المالي والإداري، ومعلومات شخصية لا يعرفها إلا شخص يجلس في الكواليس، ويعرف تفاصيل إدارة الدولة من قبل القيادات المتنفذة فيها.

أحاول كشف الفساد، والظلم، والنفاق. يستخدم النشطاء المعلومات التي أقدمها لإقناع الناس بالتحرك من أجل الإصلاح. كما أستخدم مصداقيتي وعدد المتابعين لإعادة نشر أية أنشطة إيجابية يقوم بها هؤلاء المجددون. -مجتهد في حواره الإلكتروني  مع البي بي سي

لا يطالب بالإصلاح بل يسعى لنشر الفضائح الملكية

بالرغم من صحة العديد من التسريبات التي كشف عنها «مجتهد» قبل  وقوعها، إلا أن مجمل تسريباته لم يكن صحيحًا بنسبة 100%، ووقع في فخ نقل معلومات خاطئة، أكثر من مرة، أشهرها قضية المحامي المصري المحبوس في السعودية أحمد الجيزاوي.

هذا الأمر الخاص بالأخطاء يفسره أحد النشطاء الإصلاحيين في المملكة -والذي رفض ذكر اسمه في التقرير- بأنّ: «مجتهد» يتعمد  تضخيم الأقاويل و«الهوشات» التي تحدث داخل العائلة المالكة، وأنه كثيرًا ما تصله شائعة ما، فيبادر بنشرها على الفور دون التريث أو التحقق من مدى صحتها.

وبحسب المصدر الذي صرح لـ«ساسة بوست»، فإن «مجتهد» لا يحظى بقبول عريض في الداخل السعودي وخاصة فئة الشباب، الذين لا يرون فيما ينقله دعوة للإصلاح بقدر ما هو نشر للفضائح والغسيل المتسخ.

وبسؤاله عن هوية مجتهد، أكد المصدر بصورة قاطعة، أن «مجتهد» ليس أحد أفراد العائلة المالكة، وأنه يعيش خارج المملكة العربية السعودية، أما طريقة حصوله على المعلومات والتسريبات فهي «لغز» لم يستطع أحد فك طلاسمه، بحسب المصدر.

تسريبات مجتهد الأخيرة.. تتحرى الدقة ولا تهتم بالسبق

«مجتهد» رمز لمعركة شرسة ضد دائرة الفساد، والمعركة تبدأ من التعرض للفاسدين وتنتهي بإزالتهم، فـ«مجتهد» ليس بحاجة للإعلان عن هويته من أجل تحقيق هذا الهدف. -مجتهد في حواره الإلكتروني مع موقع «أوزي»

في الآونة الأخيرة وبعد التطورات الدرامية في الداخل السعودي، بدأت الأنظار تتجه مرة أخرى نحو «مجتهد» بسبب صحة تسريباته الأخيرة، التي لم تعد تتسم بالكثرة ومحاولة الفوز بالسبْق، بقدر ما صارت تتسم بالدقة.

منذ إعلانه عن تنحية الأمير مقرن عن ولاية العهد في أبريل (نيسان) عام 2015، وتنصيب الأمير «محمد بن نايف» واستحداث منصب ولي ولي العهد ليشغله الأمير «محمد بن سلمان»، بدأت تغريدات مجتهد تأخذ منحى آخر، يتسم بتحري الدقة قبل النشر، رغم الهجوم الذي شنه عليه الإعلام السعودي المحسوب على الحكومة، واتهامه باستغلال أزمة قطر للترويج لشائعات وأخبار مضللة لا أساس لها من الصحة.

في الفترة الأخيرة تمكن مجتهد من تسريب بعض الأخبار -التي ثبتت صحتها لاحقًا- وخاصة إبان حملة الاعتقالات الأخيرة التي بدأت في سبتمبر (أيلول) من العام الجاري، وما تلاها من قبضة أمنية موسعة، وحملة اعتقال الأمراء والوزراء بتهم الفساد والكسب غير المشروع الأخيرة.

هذا بالإضافة لما نشره حساب (العهد الجديد)، الذي يعرف نفسه بأنه «راصد ومحلل لمظاهر التغيير في العهد الجديد، قريب من غرف صناعة القرار حيث أحاول أن أهمس من هناك»، ذلك التعريف الذي سبق وأن عرف به مجتهد نفسه في بداية إنشاء حسابه -ويظن البعض أن هذا الحساب يتبع مجتهد بطريقة ما- نشر الحساب في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن استقدام المملكة لوزير الداخلية المصري في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، حبيب العادلي، للإشراف على «جهاز أمن الدولة السعودي»، الذي استُحدث في 20 يوليو (تموز) الماضي، بأمر ملكي، قضى بتعديل الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، وفصل قطاع الشؤون الأمنية المتعلق بأمن الدولة في جهاز جديد تحت اسم «رئاسة أمن الدولة»، يعنى بكل ما يتعلق بأمن الدولة، ويرتبط برئيس مجلس الوزراء.

وقام مجتهد حينئذ بإعادة نشره على حسابه،  للتأكيد على الخبر، الذي اتضحت صحته بعد شهرين من تسريبه، حيث أكدت صحيفة النيويورك تايمز قبل يومين، أن حبيب العادلي، الذي كان آخر وزير داخلية مصري خلال عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، قد أصبح مستشارًا لولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، فيما يخص الشؤون الأمنية.

وفي الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وبعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عن استقالته من العاصمة السعودية الرياض، أكد مجتهد على حسابه الخاص على تويتر، أن الحريري محتجز رغمًا عنه، ومرغم على إلقاء بيان الاستقالة الذي كُتب له.

وهو الأمر الذي أكدته وكالة الأنباء رويترز بعد أسبوع من تغريدة «مجتهد».

كما أعلنته المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي.

اقرأ أيضًا: «ليلة بلا قمر».. ابن سلمان يطيح بباقي المعارضة في العائلة!

وتعقيبًا على حملة اعتقال الأمراء والوزراء بدعوى الفساد، والتي جرت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، كتب مجتهد عبر حسابه الشخصي مؤكدًا أن الغرض من هذه الحملة تحقيق هدفين، هما:

مضيفًا أن الهدف الأول من الحملة -والمقصود به مصادرة أموال المعتقلين- كان كثيرًا ما يصرح به ابن سلمان في المجالس الخاصة..

الأمر الذي أكدته صحيفة «فاينانشيال تايمز» في خبرها بالأمس، عن وجود صفقات معروضة على المعتقلين تعرض الحرية مقابل التخلي عن ثرواتهم. وقالت فاينانشيال تايمز نقلا عن مصادرها الخاصة، إن الصفقات المعروضة على الأمير الوليد بن طلال والملياردير وليد الإبراهيم، وصلت لطلب التنازل عن 70% من ثرواتهم من أجل توجيهها لخزانة البلاد المستنزفة.

الأمر الذي يُعيدنا للسؤال، هل أصبح حساب مجهول الهوية، مصدرًا موثوقًا للحصول على المعلومات وما يجري خلف الكواليس في المملكة العربية السعودية؟ ومن هو مجتهد؟ ومن أين يستقي كل هذه التسريبات والأخبار؟، لكن المؤكد أن حساب مجتهد في الفترة الأخيرة صار يتحرى الدقة بدرجة كبيرة في التسريبات التي ينشرها بخلاف فترات سابقة له، وباتت الأيام تثبت كل مرة أن تسريبات مجتهد تكون على حق.

 

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد