بالرغم من الضغوط العسكرية الشديدة، على «تنظيم الدولة الإسلامية»، في مختلف جبهاته في العراق وسوريا، إلا أنه يحاول توسيع حضوره في شمال إفريقيا، ولا يبدو مرحبًا به حتى من قبل «الجماعات الجهادية» الأخرى، التي تخشى «سلب سطوتها التقليدية» في المنطقة.

ضمن هذا الإطار، غدت الجزائر في الآونة الأخيرة، مسرحًا للتنافس بين «تنظيم الدولة» وتنظيم «القاعدة»، ويحاول كل طرف منهما إثبات وجوده، من خلال الهجمات المسلحة والعمليات الانتحارية، مما حذا بالسلطات الجزائرية إلى رفع حالة التأهب، وتكثيف المراقبة بالمناطق الحدودية.

«تنظيم الدولة» يهدد وجود «القاعدة» في الجزائر

بدأ ظهور «تنظيم الدولة» بشمال إفريقيا منذ بداية عام 2014، عندما تمكنت عناصر مسلحة، تابعة للتنظيم، من السيطرة على مناطق واسعة في ليبيا، ليحاول التنظيم بعد ذلك التمدد بالبلدان المجاورة، وشن هجمات مسلحة في كل من الجزائر وتونس، محاولًا استثمار الأوضاع السياسية غير المستقرة بالمنطقة.

تنظيم الدول تنظيم القاعدة

عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية

لكن الوافد الجديد للمنطقة، كان ضيفًا ثقيلًا على تنظيم القاعدة، مشاطرًا إياه «التوجه الجهادي»، إذ أصبح ينافسه في السيطرة على الأرض و«الجهاديين»، ما أشعل حربًا كلامية إعلامية، بين التنظيمين «الأصوليين».

بدأت أولى الانشقاقات في تنظيم القاعدة، لصالح «تنظيم الدولة»، حينما أعلنت مجموعة تابعة للقاعدة، قبل عامين في المغرب والجزائر، انشقاقها عن التنظيم الأم، وبايعت أبا بكر البغدادي، زعيم «تنظيم الدولة»، وشكلت جماعة جديدة باسم «جند الخلافة»، تتبع أوامر أمير التنظيم.

ثم في بداية العام الماضي 2015، أعلنت جماعة مسلحة أخرى، محسوبة على «القاعدة» وتدعى «المرابطون»، وتنشط بالحدود الجزائرية المالية، انضمامها لـ«تنظيم الدولة»، بعدها تبعتها سرية «الغرباء»، الناشطة في مدينة قسنطينة الجزائرية، ونشرت تسجيلًا صوتيًا بعنوان «بيعة المجاهدين في سرية الغرباء في مدينة قسنطينة لخليفة المسلمين»، تعلن فيه عن «بيعة الخليفة أبوبكر البغدادي، على السمع والطاعة، في المنشط والمكره والعسر واليسر». وسارت في نفس النهج، كتيبة «أنصار الخلافة»، المتواجدة بمنطقة سكيكدة الجزائرية، والتابعة لـ«القاعدة» سابقًا، قبل أن تنضم لـ«تنظيم الدولة».

أمام النزيف الداخلي في صفوف «القاعدة»، بدا وكأن الخيار الوحيد أمام «عبد المالك درودكال»، زعيم «فرع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، هو أن يهاجم «تنظيم الدولة»، في تسجيل صوتي له، ويتهمه بـ«الانحراف عن الطريق، والإساءة للجهاد، وشق صفوف المجاهدين»، على حد تعبيره.

رد «تنظيم الدولة» عبر تسجيل صوتي آخر، دعا فيه مجموعات «القاعدة» إلى الانشقاق وترك التنظيم، ومبايعة أبي بكر البغدادي، قائلًا: «رسالتي للفصائل التي لم تبايع بعد، أقول لماذا التسويف؟، من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية».

هل يتحالف التنظيمان «الجهاديان»؟

وبقدر ما تقلل الصراعات الداخلية، بين «الجهاديين»، من فعاليتهم على أرض الواقع، بقدر ما يحمله اتحادهم من «خطر حقيقي»، يؤثر على مناطق الصراع بأكملها، ولا سيما بعد أن اتجه زعيم «القاعدة»، الطبيب المصري أيمن الظواهري، إلى المهادنة مع «تنظيم الدولة»، عندما أمر جبهة النصرة في سوريا بالكف عن محاربة التنظيم، الأمر الذي تخشاه السلطات الأمنية، بدول شمال إفريقيا، وترى أن الهدنة قد تعني اتحادًا مستقبليًا من نوع ما.

ويبدو إلى الآن أن المواجهة، بين «تنظيم الدولة» والقاعدة، حول النفوذ في شمال إفريقيا، لا تزال على المستوى «الديني الفكري»، تظهر من خلال المنتديات والبيانات والتسجيلات التابعة لهما، ولم تتطور بعد إلى تصفيات متبادلة، كما حدث في سوريا.

 

ويتنافس كلا التنظيمين في استقطاب جهاديي شمال إفريقيا، من خلال الخطاب الديني والسياسي، بحيث يستغل «تنظيم الدولة» في المواجهة ، كما يقول الخبير في «الجماعات الإسلامية»، بن طيب محمد: «فكرة الخلافة الإسلامية وشرعية وجود خليفة، بينما يستغل تنظيم القاعدة فكرة الاعتدال وعدم التكفير، كما يستغل الأخطاء التي يقع فيها تنظيم الدولة في ممارساته اليومية، في المناطق الخاضعة لسيطرته».

ويتواجد «تنظيم الدولة» حاليًا بصفة علانية، على شكل مجموعات جهادية فعالة، في سبع دول إفريقية هي: مصر وليبيا والجزائر وتونس ونيجيريا ومالي والنيجر، وثلاث دول أخرى يتواجد فيها من خلال «خلايا نائمة» هي: المغرب وموريتانيا والسودان.

ويخشى عدد من المراقبين، أن يلجأ التنظيمان إلى نوع من أنواع التسوية بينهما، كتقسيم المناطق مثلًا، ما يهدد استقرار المنطقة. وفي هذا الصدد يقول أستاذ العلوم السياسية، النسيم بهلول: «تزايد الإرهاب في مالي وبوركينا فاسو وليبيا، علاوة على الأزمة التشادية وضعف الحكومة بالنيجر، ويفتح ممرات آمنة لانتقال المجموعات المسلحة، إلى كل من المغرب والجزائر وتونس».

من جهة أخرى، يبدو عالي ضريف، المتخصص المغربي في الجماعات الإسلامية، أكثر تشاؤمًا، ويحذر من أن «المنطقة المغاربية ستغرق قريبًا في أزمات أمنية، بالنظر إلى أنظمة الحكم غير المستقرة، وصعود الإرهاب، خصوصا مع القاعدة وتنظيم الدولة».

ويهدد خطر «الجماعات الأصولية المسلحة» الجزائر بالتحديد، باعتبارها مقبلة على مرحلة سياسية صعبة، يمكننا أن نطلق عليها «ما بعد بوتفليقة»، قد يتخللها عدم استقرار أمني، ما يفتح المجال أمام «المجموعات الجهادية»، على الحدود المالية والليبية والتونسية، للتوغل بالداخل.

وفي هذا السياق، تزايد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بشمال إفريقيا، خلال الآونة الأخيرة، اهتمام وضح في الزيارات العسكرية الدبلوماسية، لكل من الجزائر والمغرب، وكذا تعزيز الوجود العسكري في البحر الأبيض المتوسط، وزيادة أعداد جنود البحرية الأمريكية «المارينز»، في القاعدة الأمريكية في إسبانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن «تنظيم الدولة» نجح في استقطاب أكثر من 3000 مغربي، و5000 تونسي، للقتال في سوريا والعراق، أعداد يمكن أن يستعملها في الشمال الأفريقي، في حين تحافظ القاعدة، حتى الآن، على أنصار «الفكر الجهادي» في الجزائر، وإن بدت تفقد بعض نفوذها لصالح «تنظيم الدولة».

عرض التعليقات
تحميل المزيد