“تستهدف الجماعات الإرهابية كالقاعدة وداعش بدعايتهم الوصول لعقول الشباب المسلم ومحاولة غسل أدمغتهم، خاصة المضللين منهم أو من يخوضون صراعًا مع هويتهم”، هذا ما قاله الرئيس أوباما الأسبوع الماضي في تصريحات بختام مؤتمر مواجهة التطرف العنيف بواشنطن. وأضاف: “المقاطع المصورة عالية الجودة والمجلات المنشورة على الإنترنت واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وحسابات الإرهابيين على موقع تويتر، كل هذا تم تصميمه لاستهداف الشباب المسلم في الفضاء الإلكتروني”.

عكست هذه التصريحات ما أصبح كحقيقة بديهية بين الناس بسبب مما يُنشر دوريًا في الإعلام عن أدوات دعاية داعش الماهرة، لدرجة أن المتطوعين الغربيين في مثل هذه الجماعات تم بث الأفكار الأصولية لهم عن طريق الإنترنت، بينما تفشل الحكومة الأمريكية في التصدي لهذا على الإنترنت لتعاملها السيء ولانعدام كفاءتها في محاولات الرد. لدى وزارة الخارجية الأمريكية مركز دراسات إستراتيجية للتواصل المضاد للإرهاب، به فريق عمل مخصص لمقاومة دعاية الجماعات الإرهابية والمعلومات المُضللة التي تُنشر عن الولايات المتحدة في مختلف المواقع ومجالات الإنترنت التي تم فقدانها لصالح المتطرفين من قبل كما تم الاعتراف بهذا على موقع الوزارة. ويتم حاليًا التوسع في حجم ومهام هذا الفريق كما ذكرت صحيفة النيويورك تايمز مؤخرًا. كما تم التركيز على حرب المعلومات على الإنترنت في آخر أسبوع بالمؤتمر.

لكن ماذا إذا كان تأثير داعش بمواقع التواصل الاجتماعي – والذي يتم اتخاذ كل هذه التدابير ضده – ليس بنفس الخطورة كما يتم تصويره؟

 

“نحن نعلم أن لديهم إمكانية التأثير، لكن مدى وحجم هذا التأثير غير معلوم بدقة”، كما قال أنتوني ليمكس أستاذ الاتصالات بجامعة ولاية جورجيا. ويعمل ليمكس حاليًا على بحث إجابة هذا السؤال. لكن يبقى حتى الآن عدد المقاتلين ممن تطوعوا بداعش وتم جذبهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي غير معلوم. كما شكك ماكس إبرام – أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في الإرهاب بجامعة نورث إسترن – في العدد الذي يحسبه الناس عن المقاتلين المنضمين للقتال مع داعش، ورجح أنه أقل بكثير مما يتخيله الناس. وكما أوضح: “فهناك جماعات أُخرى كجماعة بوكو حرام توسعت وضمت العديد من المقاتلين لها بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي”، وأضاف أنه قد يكون الانتصار في المعارك مؤشرًا أفضل على حجم وقدرة هذه الجماعات من مجرد نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي. فإذا توقف تمدد داعش وقلت انتصاراتها – كما يؤكد البعض – فتجنيدها للمقاتلين قد يتأثر بشدة حتى لو ظل نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي ثابتًا.

وبالإضافة لانتصارات داعش العسكرية، فقد استفادت أيضًا من تدفق المقاتلين الأجانب لسوريا في هجومها الخاطف بالعراق في صيف عام 2014. وقد انضم رقم قياسي للعديد من الجماعات الثورية المسلحة المختلفة بسوريا في منتصف عام 2013، أي قبل عام كامل من استيلاء داعش على مدينة الموصل العراقية والبدء في توحيد العديد من المناطق في كل من سوريا والعراق. وقد أقر توماس هيجهامر – الباحث الكبير بمؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية – بدور مواقع التواصل الاجتماعي في “حجم وسرعة الحشد”. لكنه أكمل بأن “هذا لا يعني أن هذه المواقع تؤدي لتجنيد الشباب في حد ذاتها”.  لكن ترك الحدود بحراسة ضعيفة وسهولة السفر لسوريا يسهل ذلك. وكما قال “مخلص هذا كله هو الآتي: إن الرقم القياسي من المقاتلين الذين ذهبوا لسوريا وصل لهذا الحد بسبب سهولة الذهاب إلى هناك”. ولهذا فإن انتصارات داعش بالإضافة لبعض العوامل الأخرى أدت لقلة عدد الذاهبين للجماعات الأخرى مقارنة بها.

وقد شغلت مسألة ذهاب الجهاديين الأمريكيين والأوروبيين إلى داعش بال صناع القرار الغربيين. ورغم هذا فمعظم المقاتلين الأجانب في داعش جاؤوا من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة من تونس والسعودية، رغم تأخر وسائل الاتصالات هناك عن تلك الموجودة بالغرب. ووفقًا لدراسة لمجموعة صوفان عن المقاتلين الأجانب بسوريا، فاحتمالية تطوع من يتابعون الأحداث على الإنترنت من الشام ودول الخليج “تخضع للدائرة الاجتماعية المحيطة بالشخص في المقام الأول ولا تخضع لأي مؤثر خارجها”. وهذا يعني كلا الأمرين: أن مواقع التواصل الاجتماعي تساعد داعش على تضخيم رسالتها الإعلامية في المجموعات المغلقة المؤيدة لها بالفعل، وأيضًا يعني أن هناك حدودًا على مدى ما يمكن أن تصل إليه هذه الرسالة خارج هذه المجموعات.

هل كل من يؤيد داعش على مواقع التواصل الاجتماعي سينضم إليهم؟

 

داعش لديها قاعدة من المؤيدين المتحمسين لها على تويتر باللغة الإنجليزية. لكن هناك فرقًا بالطبع بين إعادة نشر مقاطع قطع الرؤوس والسخرية من وزارة الخارجية وبين الذهاب فعلًا للقتال للدولة الإسلامية. على سبيل المثال، فقد تم الكشف عن أحد الداعين لداعش على الإنترنت في ديسمبر الماضي وكان مدير شركة ويعيش في بنجالور بالهند. ووفقًا لتقدير رسمي نُشر في جريدة نيويورك تايمز فهناك “150 شخص سافروا أو حاولوا السفر للقتال في سوريا من الولايات المتحدة”. وليس من الواضح عدد من استطاع بالفعل النجاح بذلك. لكن من الصعب تخيل أن تكون مواقع التواصل هي العامل الحاسم في قرار كهذا بترك بيتك بضواحي ولاية كولورادو – مثلًا – لأرض معارك في سوريا، حتى وإن ثبت أن هذه المواقع ساعدت في إتمام الرحلة. نفس العلاقة يمكن تصورها في اتجاه معاكس: فمن يؤيد داعش عبر مواقع التواصل الاجتماعي فهم بالفعل أصوليون متشددون، ولكنهم لم يصبحوا متشددين لمتابعتهم أخبار داعش على مواقع التواصل.

ربما بسبب حداثة ما تفعله داعش على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم الاعتياد عليه من قبل، أو بسبب أنها مصدر رئيسي للمعلومات عن عدو مجهول تمامًا؛ يجعل هذه التغريدات تبدو كأنها تهديد كبير وخطير. وأفادت التقارير الحديثة أن داعش تُصدر كمية هائلة من المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي تصل ل 90,000 تغريدة ومشاركة ورد على مواقع مختلفة يوميًا. وهذا تبعًا لتقرير التايمز التقديري – المتحفظ – لكن التقرير لم يخبرنا عما هو الرابط الذي تلعبه هذه المحادثات فتؤدي لتجنيد الإرهابيين.

وكما لاحظ براين جنكسين عضو مؤسسة راند في دراسة بعام 2011 عن المتطرفين أمريكيي النشأة والذين يتعرضون لمحاولات تجنيد على الإنترنت، فإن “هذا لا يعني أنهم أصوليون، وحتى لو كانوا أصوليين هذا لا يعني الذهاب للتطوع للجهاد العنيف”. كما لاحظ أيضًا بالإضافة لكون الإنترنت من الممكن أن يكون مصدرًا للتأثير على المتطوعين، فمن الممكن أيضًا أن يكون تنفيسًا وبديلًا عن الحركة الحقيقية، فيسمح بالمشاركة في انتصارات وهمية بدلًا من المخاطرة والانخراط في أعمال حقيقية”.

تقنيات داعش لتضخيم تأثيرها

وبالمثل قال ج.م. بيرجر – وهو محلل لدى بروكينجز يدرس استخدام المتطرفين لمواقع التوصل الاجتماعي – أنه لاحظ عام 2011 بأن “هناك نشاطًا هائلًا للأصوليين على الإنترنت، وقليل فقط من هذا النشاط من الممكن أن يتحول لتهديد على أرض الواقع”.  وقد أشار أيضًا في جريدة أتلانتيك إلى أن حتى هذا النشاط أقل مما يبدو عليه بسبب استخدام داعش للعديد من التقنيات بما فيها التغريدات الأوتوماتيكية والحملات المنظمة لتصدير هاش تاج معين لينتشر وليعطوا إيحاءً مُعينًا بوجود شبكة واسعة من المؤيدين على الإنترنت. بلا شك داعش قوة هائلة؛ فعلى أرض الواقع يتم تقدير عدد المجموعة بحوالي 300,000 أو أكثر. ولكن جذور هذا التمدد لا ترجع للمعركة في الفضاء الإلكتروني، بل تعود للمعركة على أرض الواقع.

تحميل المزيد