في عام 1985، قدمت مجموعتان دوليتان إلى البنك المركزي المغربي أولى الطلبات لإنشاء بنك إسلامي في البلاد، ولكن احتاجت هذه الطلبات نحو 32 عامًا حتى تخرج للنور، إذ وافق البنك على افتتاح خمسة بنوك إسلامية، والترخيص لثلاثة مصارف مغربية بتقديم منتجات بنكية إسلامية لزبائنها، في خطوة وصفت بالتاريخية رغم تأخرها.

وقبل موافقة البنك لم يكن أي بنك عامل في المغرب، يعمل طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، ورغم أن البرلمان المغربي، قد صادق على مشروع قانون البنوك التشاركية «الإسلامية» في نوفمبر(تشرين الثاني) 2014، إلا أنه دخل، حيز التنفيذ، بعد نشره بالجريدة الرسمية، في يناير (كانون الأول) عام 2015، وظلت التراخيص معلقة حتى إعلانها، الاثنين 3 يناير (كانون الأول) 2017.

وقال البنك المركزي المغربي، خلال بيان له إن هذه الخطوة ستتيح استكمال وتعزيز العرض من المنتجات التي يقدمها القطاع المصرفي، وضمان انفتاحه على سبل أخرى للتمويل، إذ يسمح القانون لبعض البنوك العاملة في المغرب أو خارجه، بتقديم خدمات بنكية إسلامية، مثل المرابحة، والمضاربة، والإجارة، والمشاركة، وخلافه من المعاملات الإسلامية.

وبعيدًا عن جدلية التسمية، هل هي بنوك إسلامية أم تشاركية؟ هل تغير الاسم جاء تحايلًا لعدم استخدام لفظ «إسلامي» أم لتفادي الانتقادات الموجهة للبنوك الإسلامية؟ هل وصفها بالبنوك التشاركية بدلًا من الإسلامية سيُجنب إلحاق الأخطاء التي من الممكن أن تقع فيها هذه البنوك بالإسلام ذاته؟ أم هناك هدف آخر؟ كل هذه أسئلة لا تقدم جديدًا إلى التجربة المغربية الوليدة، فالمهم أن المغرب بات بها معاملات مالية جديدة.

مرحلة جديدة

الباحث في مجال الأعمال والاقتصاد، عز الدين أبو العرب، وصف القرار بالتاريخي بجميع المقاييس، موضحًا أنه سيفتح مرحلة جديدة في منحى التطور المالي والاقتصادي والبنكي بالمغرب، إذ إن الترخيص لهذه البنوك كانت مطلبًا منذ مدة، معتبرًا أن هذه البنوك ستشكل دعامة إضافية للجهاز المصرفي، ولقدرته على خلق الاستثمار، والتنمية، والتفكير في مشاريع ضخمة.

أما ضياء الناروز، أستاذ الاقتصاد الإسلامي، ونائب رئيس مركز صالح كامل للاقتصادي الإسلامي بجامعة الأزهر، قال إن التمويل الإسلامي لم يجد الرعاية والاهتمام الكافي في المغرب، مثل باقي الدول العربية والإسلامية؛ بل وبعض الدول الغربية، التي حرصت على وجود مؤسسات تمويلية إسلامية بها.

ويرى الناروز أن المغرب تخوض تجربة التمويل الإسلامي بطريقة مختلفة، ولا بد وأن تواجهها الكثير من العقبات الملازمة لحداثة التجربة من ناحية، والتزامها بأحكام الشريعة الإسلامية من ناحية أخرى، وهذه العقبات إن أمكن تجاوزها وتخطيها، فإن فرص تجربة «البنوك التشاركية» في المغرب ستكون كبيرة، ومفيدة للاقتصاد المغربي بوجه عام.

وتابع الناروز قائلًا: «إن ما يميز التجربة المغربية أنها بدأت متأخرة، وهو ما يُساعد في التعرف على أهم العقبات التي يمكن أن تواجه نجاح البنوك التشاركية، ومحاولة التصدي لها، من خلال استقراء، ودراسة تجارب التمويل الإسلامي المختلفة المنتشرة عبر دول العالم الإسلامية، وغير الإسلامية، والتي منها مؤسسات، ومصارف تجاوزت الأربعين عامًا».

 

عقبات وتحديات

وسرد الناروز خلال حديثه لـ«ساسة بوست» عدد العقبات، والتحديات التي من الممكن أن تواجه البنوك التشاركية في المغرب، وجاء على رأسها:

1- حداثة التجربة، وافتقاد عامل الخبرة، والذي يستلزم من المهتمين والقائمين على هذه التجربة مزيدًا من الاهتمام، والرعاية لها.

2- نقص الكوادر العملية، والعلمية في مجال التمويل الإسلامي بصفة عامة، وفي مجال المصرفية الإسلامية بصفة خاصة، وذلك نتيجة طبيعية بسبب حداثة التجربة من ناحية، وندرة -أو عدم- وجود تخصصات، أو أقسام في مراحل التعليم الجامعي في الاقتصاد، والتمويل الإسلامي من ناحية أخرى.

3- المنافسة الشديدة، وغير المتكافئة مع البنوك التقليدية، والتي تملك رصيدًا كبيرًا من الخبرة، وعددًا كبيرًا من العملاء، ورؤوس أموال طائلة، حيث تسيطر هذه البنوك على السوق المصرفي، وتحقق أرباحًا تصل إلى 1000 مليار درهم، وهو ما يحتم على البنوك الإسلامية «التشاركية» مزيدًا من العمل، ومزيدًا من التكلفة، لتقديم خدمات مصرفية، وتمويلية تلبي حاجة المواطن المغربي، وترضي رغباته، وطموحه.

4- مجموعة من المعوقات التشغيلية المرتبطة بتقديم الخدمات المصرفية، والخدمات التمويلية.

لكن نائب رئيس مركز صالح كامل للاقتصادي الإسلامي بجامعة الأزهر، أكد أن أغلب هذه المعوقات سوف تتلاشى مع مرور الوقت، وبالاستفادة من تجارب المصارف الإسلامية القائمة بالفعل، والتي من المؤكد سوف يكون لها فروع أو استثمارات في هذا المجال في المغرب.

الفوائد والفرص

وعن الفوائد، والفرص التي يمكن أن تحظى بها البنوك الإسلامية «التشاركية» في المغرب، ذكر الناروز أن أهم هذه الفوائد، والفرص هي:

1- اجتذاب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، وخاصة من دول الخليج التي تُفضل الابتعاد عن التعامل بالفائدة، فيما يعتبر أستاذ الاقتصاد الإسلامي أن دول الخليج محط أنظار دول العالم؛ لذا حرصت العديد من الدول على إدماج التمويل الإسلامي ضمن منظوماتها الاقتصادية؛ للاستفادة القصوى من اجتذاب هذه الأموال، وعلى رأس هذه الدول بريطانيا.

2- جذب القطاع المصرفي المغربي لأموال شريحة كبيرة من المواطنين المغاربة المقيمين، وغير المقيمين، والمغتربين المقيمين بالمغرب، والذين يُفضلون التعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، بعيدًا عن التعاملات الربوية، فمن المتوقع أن تزيد الأرصدة لدى النظام المصرفي المغربي بنسبة تتعدى 30%، وهو ما من شأنه إنعاش الادخار، والاستثمار.

3- استيعاب أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي يعاني أكثر من 90% منها من مشكلات في التعامل مع البنوك التقليدية.

4- توفير التمويل لجميع أنواع الاستثمار؛ مما يساعد على تنويع الاستثمارات في الاقتصاد المغربي، وذلك من خلال الصيغ المختلفة التي يملكها التمويل الإسلامي بما يجعلها تناسب مختلف أنواع الاستثمار.

لكن الناروز علق نجاح التجربة على التطبيق الصحيح لقواعد، وشروط التمويل الإسلامي المتوافق مع الشريعة الإسلامية، وحرص أصحاب هذه البنوك على ذلك دون الاستغراق، والجري وراء تحقيق الأرباح السريعة.

 

سوقا واعدة

ويمتلك المغرب إمكانات لاستقطاب تدفقات من البنوك الإسلامية الخليجية، والماليزية بقيمة 7 مليارات دولار بحلول 2018، حسب تقرير لمؤسسة تومسون رويترز، ومؤسسات مالية إسلامية، وذلك وسط توقعات أن يكون المغرب سوقًا واعدة في مجال الصيرفة الإسلامية، التي يقدر حجمها بنحو نسبة نمو سنوية تتراوح بين 15 و20% على المستوى العالمي، ويقدّر حجمه بنحو 1300 مليار دولار.

وقال عبد السلام بلاجي، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة محمد الخامس، والخبير في المالية الإسلامية، إن البنوك الإسلامية قادرة خلال سنتين أو 3 سنوات، على جذب رؤوس أموال ما بين ثمانية إلى تسعة مليارات دولار، ما يشكل نحو 10% من الرواج البنكي في المغرب، مضيفًا أن تحقق هذا الأمر، سيكون رقمًا قياسيًّا في العالم، وسيكون التأثير مباشرًا على التشغيل، وفرص التوظيف الجديدة.

على الجانب الآخر، قد يشرع المغرب في إصدار أول صكوك إسلامية في تاريخه، خلال النصف الأول من العام الجاري؛ لسدّ العجز في ميزانيته العامة، لتجني البلاد أولى الفوائد من الاتجاه الجديد نحو التمويل الإسلامي.

حصر التراخيص

الحدث المغربي لم يخل من بعض الجدل، بسبب حصر تراخيص البنوك الإسلامية «التشاركية» للمصارف التي تزيد فيها أسهم البنوك المغربية على 51%، واستثناء المصارف الأجنبية، وهو الأمر يراه عزيز لحلو، الخبير الاقتصادي المغربي، يهدف إلى المحافظة على التوازنات الاقتصادية للبلاد، إذ إن القطاع البنكي يلعب دورًا حيويًّا.

رئيس المركز المغربي للمالية التشاركيّة «قُدوَة» حميد خلود، اعتبر أن هذا الاتجاه لا يخدم مصلحة المستهلك المحلي، بقدر ما يخدم مصالح المؤسسات المالية المغربية بشكل أو بآخر، ويمس بالتنافسية في هذا القطاع، قائلًا خلال تصريحات صحفية له، إن «ما يجب أن نشير إليه في الوقت ذاته هو أن إدخال المنافسة في هذا القطاع سيكون في مصلحة الجميع، بما فيه البنوك المغربية».

اقتصاد المغرب

وبالنظر إلى الوضع الاقتصادي المغربي، نجد أن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، وضعت المغرب في المرتبة العاشرة ضمن أكثر البلدان العربية دينًا، مقدرة نسبة الدين الخارجي للمملكة من الناتج المحلي الإجمالي بـ 32.2%.

وتوقع تقرير المؤسسة بعنوان «الاقتصاد العربي: مؤشرات الأداء 2000-2018»، أن يرتفع الدين الخارجي للمملكة من 34.6 مليارات دولار خلال العام الماضي إلى 35.7 مليارات دولار العام الجاري، فيما قدر التقرير الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بـ 111.1 مليار دولار في العام الحالي، ليرتفع إلى 117 مليار دولار العام المقبل.

 

 

 

وقال التقرير إن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري يصل إلى 4.8%، ليتراجع إلى 4.2% في العام المقبل، لكن من المنتظر أن يدعم توجه المغرب للتمويل الإسلامي اقتصاد البلاد إلى حد ما، بحسب بعض الخبراء.

وكان مكتب الصرف المغربي، قد أعلن أن عجز الميزان التجاري ارتفع خلال الأشهر الـ9 الأولى من عام 2016 بنسبة 17.2%، بقيمة 20 مليار درهم (مليارا دولار أمريكي)، وسجل ميزان المدفوعات عجزًا في معاملات الحساب الجاري، بقيمة 26.7 مليارات درهم (2.67 مليار دولار).

وقالت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، إن اقتصاد البلاد نما في الربع الأخير من سنة 2016 بنسبة 1.2% على أساس سنوي، فيما تتوقع أن ينمو الناتج الاقتصادي 3.9% في الربع الأول من 2017، مدعومًا بقفزة في الإنتاج الزراعي.

 

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد