تارة بدت صامتة وأخرى موالية للموقف السعودي الرسمي، لكن ما لم تستطع إخفاءه هو أنها متخوفة وقلقة من تداعيات قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عليها.
تحدث مؤخرًا المحللون والمراقبون في إسرائيل عما يدور في مراكز صنع القرار، ويظهر خشية تل أبيب من أن تفضي أزمة خاشقجي إلى فقدانها العديد من المكاسب الاستراتيجية، كالعلاقات النوعية التي حظيت بها مع قطب الإسلام السني في المنطقة، والاقتراب من تنفيذ صفقة القرن ووجود شريك قوي في عملية تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي أمور قد تفقدها بسبب تداعيات أزمة خاشقجي التي تنال من مكانة السعودية، وتمس بطموح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – المسؤول بشكل مباشر عن مقتل خاشقجي – في الوصول إلى الحكم.
فقدان الحلفاء السعوديين «نكسة» للإسرائيليين
«خبر سيئ للغاية لإسرائيل، هناك عدد من الأشخاص هنا خسروا الليلة شريكًا عالي القدر
هكذا علق محلل الشؤون الدولية في «هيئة البث الإسرائيليّة الرسمية (كان)» موآف فاردي على خبر إقالة نائب مدير الاستخبارات السعودية أحمد عسيري، على خلفية قضية مقتل خاشقجي معتبرًا العسيري أحد أكثر القادة الأمنيين في السعودية ارتباطًا بالتعاون مع الإسرائيليين.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب
سرعان ما برزت المخاوف الإسرائيلية بشكل واضح على مستقبل العلاقة مع السعودية، التي توطدت بعد تولى ابن سلمان زمام الحكم في السعودية، حيث رأي الإسرائيليين في ولي العهد الشاب «الأمير الشاب الإصلاحي، وصديق إسرائيل الذي اعترف بحق اليهود في أرضهم»، كما أنه تعهد بتمرير صفقة القرن والعمل ضد إيران.
ولم يخف الإسرائيليون قلقهم من أن قضية خاشقجي ستلقى بظلالها على وضع السعودية الإقليمي، ومن ثم على العلاقة بتل أبيب التي قد تخسر حليفًا استراتيجيًا «مهمًا ومعتدلًا»؛ فتراجع مكانة السعودية ووضعها في عزلة دبلوماسية قد يفرض على الساحة الإقليمية قوى لا تفضلها تل أبيب على غرار تركيا مثلًا.
تقول المتخصصة في الشؤون العربية، شيمريت مئير: «ابن سلمان كان غارقًا في التطبيع والتآمر مع إسرائيل، لقد تعين على المحور الإسرائيلي – السعودي أن يغير النظام العالمي في المنطقة، إن كان ذلك في سياق الجبهة ضد إيران أو في سياق التطبيع، الاقتصادي على الأقل، بين الدولتين، وفعلًا ابن سلمان أثار انطباعًا هائًلا على الإسرائيليين واليهود الذين التقوه، وينبغي القول لصالحه: إنه خلافًا للعادة الإقليمية التي بموجبها يتفقون مع الإسرائيليين في الغرف المغلقة وينفلتون ضدهم في العلن، فإنه في حالته باتت اللهجة تجاه إسرائيل في الإعلام السعودي والميديا الاجتماعية ناعمة بصورة ملحوظة»، وتضيف مئير في «يديعوت أحرونوت»: «ابن سلمان لن يكون بعد الآن المحرك الذي سيفرض صفقة القرن على الفلسطينيين، وإخفاقاته، وبينها التنفيذ الفاشل في إخفاء خاشقجي، ستبقي إسرائيل فعليًا وحيدة في الحرب ضد الإيرانيين، وفي جميع الأحوال، فإن التعبير العلني عن العلاقات مع الدول العربية، الذي تحدث عنه نتنياهو في الكنيست، سيؤجل – على ما يبدو – حتى يستقر عرش ابن سلمان».
المساس بمكانة ابن سلمان يضر بإسرائيل
تراقب إسرائيل خلفيات أزمة مقتل خاشقجي على السعودية، وتهتم وسائل إعلامها بخطوات عزلة السعودية التي تعكسها قرارات كبرى الشركات العالمية واحدة تلو الأخرى بمقاطعة مؤتمر «دافوس الصحراء»، المتوقع أن يعقد نهاية الشهر الجاري في السعودية.
مشجعة سعودية تحمل وشاحًا يحمل صور الملك سلمان وابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان
لكن أخطر ما يمس مصالحها هو علاقة السعودية بالإدارة الامريكية؛ إذ تدرك إسرائيل أن مكانة السعودية داخل الولايات المتحدة باتت في خطر كبير في أعقاب قضية خاشقجي، وينظر الإسرائيليون بخطر إلى مطالبة مسئولين أمريكيين بتفعيل «قانون ماجنتسكي» ضد المسؤولين السعوديين المسؤولين عن مقتل خاشقجي، ويؤمنون أن المساس بمكانة ابن سلمان في واشنطن يمس بمصالحهم ويهدد التعاون والشراكة بين الطرفين.
ورغم التحرك الإسرائيلي نحو مساعدة ولي العهد السعودي للخروج من ورطته، وذلك عبر توظيف لوبيات يهودية في واشنطن للضغط على أعضاء الكونغرس للتراجع عن تهديداتهم، إلا أن إسرائيل تدرك أن نتائج هذا الاستنفار غير مضمونة، لكون قضية خاشقجي أصبحت قضية رأي عام رئيسة في أمريكا وفي العالم مما يعوق تحقيق المهمة الإسرائيلية، بل من غير المستبعد أن تضطر تل أبيب لإعادة النظر في رهاناتها على ابن سلمان لتداعيات القضية السلبية على مصالحها.
يقول السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن داني شبيرو: «سيتعين على إسرائيل الامتناع عن التحول إلى لوبي لمحمد بن سلمان في واشنطن؛ لأن العلاقة القريبة مع السعودية ستدفع بخطر جديد للإضرار بالسمعة، لن يكون من السهل لإسرائيل السير في مياه كهذه».
ويضيف في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: «الاشمئزاز الذي يشعر به الجمهور الأمريكي والكونغرس سيجبي ثمنًا، يجب على إسرائيل الحذر في تخطيط خطواتها في ظل توقعات برد واشنطن على قتل خاشقجي، حتى لو كانت إدارة ترامب معارضة لذلك، وفي الوقت ذاته قد يؤدي هذا الرد إلى تفكك كامل لتحالف الولايات المتحدة مع السعودية».
الضعف السعودي يقوض قدرة إسرائيل على مواجهة إيران
برغم انكباب الإسرائيليين على تحريض الإدارة الأمريكية ضد إيران علنًا حتى انتهاء الأمر بانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع طهران في مايو (أيار) الماضي، إلا أن الإسرائيليين أنفسهم يقرون أن الغاء الاتفاق كان نتاج التحركات الدبلوماسية الخفية التي قامت بها الرياض، وليس فقط نتاجًا للجهود الإسرائيلية.

ترامب يوقع مذكرة رئاسية للأمن القومي أثناء إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني
فالسعودية التي عملت مع لوبيات داخل الولايات المتحدة هي من دفعت ترامب للانقلاب على الاتفاق والانسحاب منه، لذلك عقب جريمة قتل خاشقجي كُشف عن تخوفات إسرائيلية كبيرة من تأثير إضعاف نظام الحكم في السعودية ومن تراجع مكانة الرياض لدى الإدارة الأمريكية، الأمر الذي قد يفضى إلى تراجع الحماس الأمريكي من فرض عقوبات جديدة على إيران، خاصة أن النفط السعودي يستخدم كوسيلة لتعويض السوق عن النفط الإيراني الذي تعاقب طهران بمنع توريده، ناهيك عن أن تراجع الموقف السعودي إثر مقتل خاشقجي قد يؤدي إلى تقليص قدرة تل أبيب على مواجهة تحديات استراتيجية لها، كتدخلها في سوريا لضرب النفوذ الإيراني الذي ترفضه أيضًا السعودية.
ويؤكد تقرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية على أنه «بالنسبة لإسرائيل القضية ربما تدل على أنه لن يكون بالإمكان الاعتماد على مرساة الواقع الشرق أوسطي الجديد التي أرادت تحقيقه تل أبيب بإنشاء تحالف إسرائيلي سني تحت مظلة أمريكية، لردع إيران والجهاديين السنة».
وتضيف الصحيفة: «توجد لإسرائيل مصلحة واضحة بأن تبقى السعودية حليفة للولايات المتحدة بهدف الاستعداد الأفضل أمام إيران، فالتداعي الأخطر لقتل خاشقجي على إسرائيل، هو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قوض فعليًا محاولة تشكيل إجماع دولي للضغط على إيران»، كذلك حسب «هآرتس» فإن «الضرر كبير، لأن أي عضو كونغرس أو أي زعيم أوروبي لن يوافق على الجلوس مع ابن سلمان لبحث موضوع إيران، وسيواصل الضرر وجوده طالما أن ابن سلمان يسيطر على المملكة».
أزمة خاشقجي تعوق «صفقة القرن»
رفض خاشقجي التقارب والتطبيع السعودي الإسرائيلي، ولم يتردد في القول علنًا إن الرياض أخطأت حين سمحت لوسائل إعلامها الرسمية بدعم الاحتلال ضد الفلسطينيين، بل ذهب الرجل للحديث عن وجود حالة من عدم الرضا داخل السعودية للعلاقات الرسمية مع إسرائيل مشككًا في المقابل لهذه العلاقات، وهو إغراء إسرائيل بتقويض النفوذ الإيراني المتزايد.

جاريد كوشنر، أحد كبار مستشاري الرئيس ترامب مع مسؤولين سعوديين، المصدر: نيويورك تايمز
وفيما يخص «صفقة القرن» التي يسعى ترامب إلى ترويجها، قال خاشقجي: إنها «تسيء لاسم السعودية راعية المعسكر السني المعتدل في المنطقة»، وقد رأت إسرائيل في التقارب مع السعودية فرصة تمكنها من الوصول للأطراف العربية الإقليمية، ومن ثم فرض تسوية للصراع مع الفلسطينيين تراعى بالدرجة الأولى مصالح تل أبيب، وتساهم في دعم أمنها القومي، وقد مارس ولي العهد السعودي ابن سلمان ضغوطًا على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليقبل بصفقة القرن التي تتضمن تنازل الفلسطينيين عن القدس كعاصمة.
ولما سبق يعتقد الإسرائيليون أن من تداعيات أزمة خاشقجي فقدان الاستفادة من الضغط السعودي على الإدارة الفلسطينية من أجل تقديم تنازلات أكثر، وإظهار بعض المرونة في العملية الدبلوماسية، كما أن واحدة من العلاقات التي تعنى بها إسرائيل هي علاقة ابن سلمان بصهر ومستشار ترامب جاريد كوشنير الذي لم يكف عن استثمار علاقته القوية مع ابن سلمان لصالح تل أبيب، والتي من أهمها ضغط نظام الحكم في السعودية على الفلسطينيين لإبداء تنازلات، حيث جاهر نتنياهو برهانه على دور السعودية كراعية للإسلام السني المعتدل في الضغط على الفلسطينيين لإبداء المرونة اللازمة، وكان يؤمل أن يضع الملك المستقبلي ختمًا سعوديًا للموافقة على «صفقة القرن».
علامات
إسرائيل, السعودية, بنيامين نتنياهو, تركيا, تل أبيب, خاشقجي, دولي, دونالد ترامب, سياسة, صفقة القرن, فلسطين