في صباح يوم الخميس الثامن من يونيو(حزيران)، يتجه البريطانيون إلى صناديق الاقتراع لكي ينتخبوا برلمانًاجديدًا، ويأتي ذلك بعد الكثير من الاضطرابات التي شهدتها بريطانيا مؤخرًا من خروجها، من الاتحاد الأوروبي، مرورًا بالأزمة الاقتصادية وحتى الهجمات الإرهابية التي ضربت أرض المملكة البريطانية مؤخرًا بشكل مُكثف.
ولكل من لا يعرف نظام الحكم في بريطانيا؛ فهو نظام برلماني إذ إن على الشعب اختيار نواب يمثلونهم في مجلس العموم البريطاني «البرلمان»، والحزب الذي يحصد عدد مقاعد أكبر هو من يشكل الحكومة ويختار رئيس الوزراء، وأما عن الأحزاب المشاركة في البرلمان، فهناك حزبان كبيران في بريطانيا يتبادلان مقاليد السلطة، وهما حزب المُحافظين الذي تقود رئيسته «تريزا ماي» رئاسة الحكومة خلفًا لرئيس الوزراء المستقيل ديفيد كاميرون، والحزب الآخر يترأسه السياسي المثير للجدل – بين السياسيين البريطانيين- جيرمي كوربين، وكما توضح استطلاعات الرأي أن رئاسة الحكومة لن تخرج من بين جيرمي كوربين وتريزا ماي، أي من بين الليبرالي اليساري والُمحافظة اليمينية.
من هو جيرمي كوربين؟
ينتمي هذا السياسي إلى عائلة معروفة بنشاطها الحقوقي؛ فقد التقيا والداه أول مرة في واحدة من الفعاليات الداعية للسلام أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، حتى أنه عندما كبر لم يندمج كثيرًا في العمل السياسي قدر اندماجه في العمل الحقوقي، فهو معروف بانتمائه إلى أقصى الأيديولوجية اليسارية التي دفعته لتكريس مسيرته في الدفاع عن الطبقة العاملة، وحقوق الأقليات والمهمشين في المجتمع البريطاني، وعلى الرغم من أنه لا يصنف ماديًّا وإجتماعيًّا من الطبقة العاملة، إلا أن البعض يطلق عليه في بريطانيا أنه «بطل الطبقة العاملة».
ويطلق عليه آخرون «السياسي المثير للجدل»، فمنذ بداية حياته البالغة اعتاد كوربين أن يسير عكس التيار، فبعد تخرجه من المدرسة الثانوية انضم إلى إحدى الصحف المحلية في بريطانيا، ولم يعر انتباهًا للدراسة في الجامعة، لم يتخرج في إحدى الجامعات المرموقة البريطانية مثل أوكسفورد أو كامبريدج، بل إنه ترك الجامعة ليتطوع في جامايكا لمدة عامين، ليعود بعدها ويبدأ مسيرته في العمل الحقوقي حتى تم انتخابه لكي يكون عضوًا في البرلمان البريطاني عام 1984، وقبل حضور جلسته الأولى ظهر في لقاء مع شبكة الـ«BBC» من أمام مجلس العموم البريطاني ليرد على انتقادات النواب الآخرين؛ لأنه لا يرتدي «بدلة أنيقة» أثناء حضوره جلسات البرلمان، وقال إنه يرتدي معطفًا حاكته له أمه بنفسها، ولا يوجد ضرورة أن يبذل الوقت والمال في اختيار ملابسه وبدله الأنيقة، لأن البرلمان البريطاني ليس ناديًا للرجال الأنيقين بل هو مكان يمثل فيه النواب ناخبيهم من عموم الشعب البريطاني، بحسبه.
وقبل ترشحه في البرلمان لم يكن يعرف عن جيرمي كوربين اهتماماته السياسية، فكل ما كان يشغله هو الانضمام وحتى تأسيس الجمعيات التي تدافع عن حقوق الإنسان في داخل بريطانيا وخارجها، مثل «منظمة تحرير نيلسون مانديلا» و«العدالة من أجل ضحايا ديكتاتور تشيلي بينوشيه».

جيرمي كوربين بعد القبض عليه في مظاهرة مناهضة للتمييز العنصري الذي تمارسه بريطانيا في جنوب إفريقيا
يمتلك كوربين تاريخًا طويلًا من دعم القضية الفلسطينية
في نهاية يونيو (حزيران) عام 2016، تم اتهام جيرمي كوربين بأنه مُعادٍ للسامية حينما كان يتحدث في أحد مؤتمرات حزب العمال عن التنظيمات الإرهابية من وجهة نظره، وهي «تنظيم الدولة الإسلامية- داعش» والقاعدة، وقارنهما بإسرائيل، وقال إن اليهود ليسوا مسؤولين عن أفعال الجيش الإسرائيلي وحكومة نتنياهو، وأيضًا المسلمون ليسوا مسؤولين عن أفعال الجماعات الإسلامية المتطرفة، ولم يعجب هذا الكلام المُناصرين لإسرائيل في حزب العمال أو حزب المحافظين، وأشاروا له بأصابع الاتهام أنه يعادي الديانة اليهودية، ويصفها بالإرهابية.

جيرمي كوربين يتقدم إحدى المسيرات المنددة بـحصار إسرائيل لغزة- المصدر الانتفاضة الإلكترونية
«غزة هي مخيم معاناة كبير للاجئين».
«غزة هي مخيم معاناة كبير اللاجئين»، هكذا وصف جيرمي كوربين قطاع غزة في خطابه إلى وزير الشؤون الخارجية البريطاني عام 2013، بعد عودته من فلسطين أثناء تواجده في واحدة من القوافل الطبية التي اتجهت لمد غزة بالمساعدات، بعد الهجوم الذي شنه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، وطلب كوربين من الوزير عدة مطالب:
1- إيقاف قدوم السياسيين الإسرائيليين إلى بريطانيا.
2- وضع حد لعدم حيادية الـ«BBC» في وصفها لما اعتبره المقاومة الفلسطينية.
3- تساءل: هل من الممكن أن تتدخل الحكومة لإنهاء حصار قطاع غزة، ووقف بناء إسرائيل المستوطنات بشكل غير قانوني؟
رحلة جيرمي كوربين في دعم فلسطين والوقوف أمام الاعتداءات الإسرائيلية ذات تاريخ طويل من قيادة المسيرات المناهضة لإسرائيل في شوارع بريطانيا، مرورًا بتواجده على رأس مبادرات تدعم فلسطين وحقوقها، وحتى جمعه تبرعات لقوافل المساعدات الغذائية والطبية من أجل الفلسطينيين وقت حصارهم.
عام 1992 ثم عام 2003.. جيرمي كوربين ضد حرب العراق
في عام 1992 أثناء حرب الخليج، وقف «توني بين» رئيس حزب العمال في البرلمان البريطاني ليناهض ويعترض على حرب العراق، ويدعو الحكومة للعدول عن قرارها بالمشاركة في حرب الخليج حفاظًا على أرواح الآلاف التي قد تُزهق من جراء تلك الحرب، وكان يجلس خلفه مباشرة جيرمي كوربين الذي عاد عام 2003 ليقف في وجه «توني بلير» رئيس الوزراء ورئيس حزب العمال آنذاك، وشن ضد تلك الحرب حملة شرسة من مناظرات وتصريحات إعلامية، وقاد أكبر مظاهرة سياسية في تاريخ بريطانيا في حديقة الـ«Hyde park» ،
ويسير جيرمي كوربين على نهج قدوته «توني بين» رئيس حزب العمال الأسبق، والذي يرى أن الحرب تعتبر فشلًا للدبلوماسية، وليس من الأخلاق أن تشن حرب على بلد يتأذى شعبها ويُقتل أبناؤها بسبب فشلك السياسي والدبلوماسي، أو حتى لمعاقبة حكومة تلك البلد، والمواطنون الأبرياء الذين سقطوا من جراء حروب بريطانيا هم طرف في معارك لم يختاروا أن يخوضوها، ولا يمكن معاقبتهم على ذنوب اقترافتها حكومتهم.
بالنسبة للبعض، ليت توني بلير استمع إلى خطاب جيرمي كوربين ولم يغز العراق مع الولايات المتحدة عام 2003، إذ إنه بعد 13 عامًا من الغزو ظهر توني بلير العام الماضي في أحد المؤتمرات ليعتذر عن حرب العراق، ويعترف أن الغزو أصاب العراق والشرق الأوسط بالعجز، واعتذر أيضًا عن سقوط ما يقرب من 200 ألف شخص راحوا ضحايا تلك الحرب، بالإضافة إلى اعترافه أن حرب العراق هي سبب صعود التنظيمات المتطرفة التي تؤذي العالم، وتقتل الأبرياء في الوقت الحالي.
جيرمي كوربين منح الشباب الأمل في عالم سياسي جديد

مصدر الصورة صحيفة الجارديان البريطانية
غالبية من وضعوا جيرمي كوربين على رأس قيادة حزب العمال، وغالبية من سوف يصوتون له في الانتخابات تتراوح أعمارهم ما بين 18-14 عامًا، وذلك لاهتمامه بزيادة تمويل التعليم في بريطانيا، كما أنه وعد بأنه سوف يسعى إلى إصدار قانون يلزم الجامعات بتوفير فرص تدريب مدفوعة الأجر تساعد الطلاب الجامعيين على اكتساب خبرات عملية، بالإضافة إلى عائد مادي يساعدهم في تحمل نفقاتهم الدراسية والشخصية.
ودائمًا ينادي كوربين بتعديل نظام الخدمات الصحية من أجل أن يناسب احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، وفي أحد استطلاعات الرأي التي قامت بها صحيفة الجارديان البريطانية، صرح أحد الطلاب، ويدعى كايرون، أنه على الرغم من وجود تعارض بينه وبين بعض آراء كوربين السياسية، إلا أنه سوف يصوت له ولحزب العمال في الانتخابات القادمة، لأن له أختين من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويرى أن نظام الخدمات الصحية الذي يدعو له جيرمي كوربين سوف يخدمهما ويقلل من معاناتهما.
وساعد إهمال حزب المحافظين للشباب جيرمي كوربين في التقرب من الشباب وكسب تأييدهم، بالإضافة إلى اهتمامه بمجموعة من القضايا التي تتعلق بسياسة بريطانيا الخارجية، مثل قضية فلسطين، إذ تعتبر الجامعات البريطانية ساحة كبيرة للتنديد بأفعال إسرائيل والمطالبة بحقوق الفلسطينيين، وأبرز ما يدل على ذلك أن رئيس اتحاد طلاب الجامعات البريطانية هي «ميليا بو عطية» التي تُعرف بنشاطها السياسي ضد «الصهيونية».
لماذا يكرهه الكثير من السياسيين وحتى السياسيين في حزب العمال؟
في أغسطس(آب) من العام الماضي، فوجئ الكثير من أعضاء حزب العمال بمنشور صادق خان عمدة لندن المسلم على صفحته الرسمية على فيس بوك؛ ودعمه للمرشح «أون سميث» الذي كان ينافس جيرمي كوربين على رئاسة حزب العمال، وكان موقف خان يعكس آراء الكثير من كبار أعضاء حزب العمال الذين أرادوا إزاحة كوربين من رئاسة الحزب، وتنصيب أون سميث بدلًا منه، وذلك لأن جيرمي كوربين يقود الحزب ناحية اليسار، وهذا يخالف أجندة الحزب التي اتجهت إلى الوسط مع تولي توني بلير رئاسة الحزب في نهاية تسعينات القرن الماضي.