انقضت أربعة أشهر على توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، ليتحقق ما تنبأ به المحللون السياسيون من أن الولايات المتحدة الأمريكية ستفرج عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، كـ”قربان”؛ لترضية دولة الاحتلال الإسرائيلي الرافضة لتوقيع هذا الاتفاق.

 

أمس، عقب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خبر “حرية” اليهودي الأميركي بولارد، بالقول :”شعب إسرائيل يرحب بالإفراج عن جوناثان بولارد … كنت أنتظر هذا اليوم بنفاد صبر، بعد أن بحثت الموضوع مراراً مع الرؤساء الأميركيين على مدى سنوات عدة”، ورغم أن بولارد أصبح حرًا، إلا أن هذه الحرية لن يتغنى بها الإسرائيليون، تماشيًا مع رغبة الاحتلال بعدم استفزاز الولايات المتحدة بشأن بولارد ذي الجنسية الإسرائيلية؛ إذ شدد نتنياهو على وزرائه بـ”الامتناع عن الإسهاب في التعبير عما يوحي بالانتصار بعد الإفراج عن بولارد”، كما أن بولارد ممنوع من الخروج من الولايات المتحدة لمدة خمسة أعوام، وعليه ارتداء “سوار الكتروني” لمعرفة مكانه من قبل الاستخبارات الأمريكية.

من هو الجاسوس الإسرائيلي جوناثان هو بولارد ؟

ولد جوناثان بولارد عام ١٩٥٤بولاية تكساس الأميركية وتحديدًا في “غلفستون “، ولد لعائلة يهودية الديانة أمريكية الجنسية، ووالده هو موريس بولارد الأخصائي في علم الأحياء المجهري (ميكروبيولوجي)، أما أمه فهي “ربة منزل”، ولديها ثلاثة أبناء غيره.

في طفولته، كان بولارد يحلم بزيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وحقق أمنيته تلك عام ١٩٧٠م، عندما شارك وهو في المرحلة الثانوية بمعسكر للطلاب الموهوبين في معهد “رخوبوت” العلمي في دولة الاحتلال، وسجل على بولارد خلال وجوده في هذا المعسكر الكثير من المشاغبات  حتى وصفه “هاري ليبكين” أحد علماء معهد “وايزمن”: بأنه غير متزن ومشاغب، وأنه الأسوأ في تاريخ المعسكر الصيفي.

ثم عاد بولارد إلى الولايات المتحدة، وهو يؤمن بأن مصيره مرتبط بها، ولا يريد مغادرتها، ويرغب في الالتحاق بجيش الاحتلال ليصبح يهودياً مقاتلاً كما قال، وعندما التحق بجامعة “ستانفورد” الشهيرة، لاحظ أساتذة العلاقات الدولية أنه ذو خيالات واسعة، فمرة يزعم أنه “كولونيل” في جيش الاحتلال، ومرة أخرى يقول: إنه برتبة “كابتن” في ذلك الجيش، وزعم بولارد أنه قتل فلسطينيًا خلال نوبة حراسة كان يقوم بها في كيبوتس إسرائيلي، وبعد تخرجه من جامعة ستانفورد، حصل عام ١٩٧٩ على وظيفة محلل أمني في القوات البحرية الأمريكية.

كيف جندته الاستخبارات الإسرائيلية للتجسس على الولايات المتحدة؟

 

كان بولارد يقضي حكما بالسجن مدى الحياة في السجون الأمريكية، اعتقل بالتحديد في عام 1987، وأطلق سراحه بالأمس يعني أنه قضى 30 عامًا بالسجن، حيث ثبت أنه قام بتسريب وثائق سرية أمريكية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذه الوثائق مكنت طائرات إسرائيلية من قصف مفاعل “تموز” النووي العراقي، إذ استخدم الاحتلال صور استطلاع أمريكية سرية للغاية، تم الحصول عليها من البنتاغون، من أجل تنفيذ الهجوم.

وتم تجنيد بولارد لبرنامج التجسس بهدف الحصول على أسرار تخص الأمن القومي الأمريكي؛ لصالح دولة الاحتلال، وعلى مدى ثلاث سنوات على الأقل، أحضر بولارد آلاف الوثائق السرية إلى شقة في واشنطن، حيث كان يتم تصويرها من قبل سكرتير في السفارة الإسرائيلية وترسل إلى تل أبيب بالحقيبة الدبلوماسية .

وبعد27 عاما من اعتقاله، أعلن بولارد أيضًا أنه كان يبحث عن معلومات تتعلق بالبلدان العربية، وبينت وثائق نزعت السرية عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، أن بولارد قال للمحققين: إن مهمته كانت تقضي آنذاك بتقصي المعلومات المتعلقة بالبرامج النووية العربية أو الباكستانية .

ويعتقد أن بولارد قدم أيضًا معلومات عن مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، ساعدت دولة الاحتلال في التخطيط للغارة الجوية في 1985، يقول الكاتب (وولف بليتسر) في كتاب له بعنوان (منطقة الأكاذيب – رواية جوناثان بولارد): إن “بولارد نقل إلى إسرائيل معلومات عن منظومات الأسلحة التي تلقتها الدول العربية من الاتحاد السوفيتي، وعن اعتداءات إرهابية مخططة ضد أهداف مدنية إسرائيلية”.

وبقيت دولة الاحتلال تنكر أن بولارد عميل معتمد من حكومتها، لكنها اضطرت للاعتذار رسميًا للولايات المتحدة، وتعاونت مع وفد من الرسميين الأميركيين زارها للتحقيق مع إسرائيليين كانوا متورطين في حلقة بولارد،  وفي أوائل عام 1996م، وفي أعقاب التماس قدمه بولارد لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، منحته دولة الاحتلال جنسيتها، واعترفت عام 1998 رسميًا بأنه كان عميلًا إسرائيليًا، وتعهدت بتحمل المسئولية عن ذلك.

 

ماذا عن محاولات إطلاق سراحه السابقة؟

 

أدت مهمة “بولارد” التجسسية إلى هز الثقة الولايات المتحدة الأمريكية باليهود من أبنائها؛ لأنهم ظهروا أكثر ولاء لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لذلك باءت محاولات دولة الاحتلال بإصدار عفو عن بولارد من رؤساء أميركا بين الحين والآخر بالفشل، وكان ذلك يثير حرج يهود أمريكا من جديد.

 

فطيلة فترة اعتقاله، كانت دولة الاحتلال تعترض على المدة التي حكم بها بولارد؛ بزعم أن المعلومات الاستخبارية التي نقلها إلى دولة الاحتلال لم تعرض حياة أيا من مواطني الولايات المتحدة للخطر، وكذلك بداعي أن العقوبة التي فرضت على بولارد خطيرة جدًا، علما بأن أخطر عقوبة فرضت على عميل لصالح دولة حليفة للولايات المتحدة، كانت السجن لمدة أربعة عشر عامًا.

 

وعكفت دولة الاحتلال خاصة في السنوات الأخيرة وبجهود من أعلى المستويات فيها من أجل الإفراج عن بولارد، حيث انتزعت من الرئيس الأميركي سابقا: بيل كلينتون، وعدا (عام 1998) بإطلاق سراح بولارد، إلا أنه لم يتمكن من الوفاء بما وعد؛ بسبب ضغوط داخلية كما قال.

 

وعقب تدهور حالة بولارد الصحية في نهاية 2013م، توجه رئيس دولة الاحتلال شمعون بيرس إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بطلب الإفراج عن بولارد؛ لأسباب إنسانية، لكنه فشل، ورد عليه رد البيت الأبيض: “لن تكون هناك إعادة نظر في قضية الجاسوس، سيبقى وراء القضبان”.

ثم طرح نتنياهو على الولايات المتحدة الإفراج عن بولارد، كشرط لتحقيق تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، والإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين، والتوقيع على اتفاق الإطار المرحلي الذي تنوي الولايات المتحدة عرضه على الجانبين.

 

وجاءت محاولة أخرى للإفراج عنه، عندما قيل إن وزير الخارجية جون كيرى وافق على بحث مطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن الإفراج عن بولارد نظير موافقته على إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين.

 

لماذا رفضت الولايات المتحدة إطلاق سراح بولارد؟

 

 

رفضت أمريكيا جميع الطلبات التي قدمتها دولة الاحتلال بالإفراج عن بولارد؛ على أساس اعتبارات أمنية، تقضي بأن بولارد ما زال يشكل خطرًا على أمن الولايات المتحدة، لكن هل هناك أسباب آخرى وراء التعنت الأمريكي السابق؟

يرى المراقبون أن هناك أسباب عدة وراء الإصرار الأمريكي، أهمها: أن “بولارد” خان وطنه حين قام بالتجسس لصالح دولة “أجنبية”، بل إنه أقدم على التجسس لصالح دولة تقيم علاقات ودية مع الولايات المتحدة، وهذا ما أثار استياء شديدًا، ليس فقط لدى المحافل السياسية والأمنية الأمريكية، وإنما لدى شرائح واسعة من الجمهور الأمريكي، وأولها الجالية اليهودية الأمريكية، التي وضعتها قضية بولارد في موقف حرج جدًا.

 

ويشير بعض المسئولين الإسرائيليين إلى سبب آخر وراء، وهو: الشبهات التي ما زالت تحوم حول دور دولة الاحتلال في قضية بولارد، حيث يُشتبه بأن دولة الاحتلال لم تُرجع إلى الولايات المتحدة جميع الوثائق التي نقلها إليها بولارد، كذلك تشتبه بضلوع شخص أو أشخاص آخرين بقضية بولارد، تتكتم دولة الاحتلال عن الإفصاح عن هويتهم.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد