هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2022، ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ إلى وثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع قانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.
ملفاتُ الأردن في سوق اللوبيات قليلة، ومن بينها وجدنا تعاقدًا مثيرًا مع شركة علاقات عامَّة، لن تعمل على ملفات سياسيَّة في واشنطن، ولكن سينصبُّ عملها على الترويج لـ«مغطس المسيح» المقدَّس، الذي يحجُّ إليه المسيحيون من أنحاء العالم ويأتون إلى الأردن لزيارته.
في هذا التقرير، نستعرضُ تفاصيل التعاقد الهادف للتسويق للمغطس: كلفته، والقائمين عليه، وأهمّ نتائجه.
«مغطس المسيح».. بين نفوذ الأردن وألغام إسرائيل
المغطس، موقع تاريخيّ، يُعتقد أن السيَّد المسيح عُمَّد فيه، وهو مكان مقدس للمسيحيين، يقعُ في نهر الأردن، الذي يفصل بين الأردن وفلسطين المحتلة، ويقع الجزء الشرقي للمغطس في الأردن، وتسيطرُ إسرائيل على الجانب الغربي منه، ويسمِّيه الإسرائيليون بـ«قصر اليهود»، ويحجُّ إلى المغطس سنويًّا آلاف الحجاج، للاغتسال بماء النهر والوقوف عليه.
وبعد اتفاقية السلام الأردنية مع إسرائيل في عام 1994، سُمح بزيارة المغطس من جانبي النهر، وافتتح المغطس من الجانب الأردني في عام 2002، في حين افتتحت إسرائيل جزءًا منه في عام 2011.
وقد حصَّلت الحكومة الأردنية اعترافًا بأهميَّة الموقع وتاريخيته، من الفاتيكان، ومن الكنيسة الأرثوذكسية (الشرقية)، ومع ذلك يزور عددٌ كبيرٌ من السياح الموقعَ من الجانب الإسرائيلي، نظرًا إلى أنَّ أمتارًا قصيرة فقط تفصل بين ضفتي النهر. وزيارة الموقع من الطرفين، الأردني والإسرائيلي، حقٌ يُحرم منه المسيحيون الفلسطينيُّون.
ويذهب العدد الأكبر من الحجاج المسيحيين إلى الجانب الأردني من النهر لعدد من الأسباب، من أهمها أنه الأكثر انتشارًا والمعترف به من الكنيسة، إضافةً إلى أن الجانب الإسرائيلى يُعد غير آمن، لأن إسرائيل زرعت عددًا كبيرًا من الألغام حول أبواب الأديرة والكنائس منذ عام 1968، في أعوام عمليات الفدائيين الفلسطينيين ضدَّ الاحتلال عبرَ حدود الأردن.
عقد ترويج للمغطس في الأردن
تبدأ العلاقة بتعاقد مكتب الاستثمارات وتطوير الأعمال، في الديوان الملكي الأردني، مع شركة «فين بارتنرز – Finn Partners, Inc»، بتاريخ 1 يوليو (تموز) 2021، وتنتهي في يوليو منتصف عام 2022، ودفع فيه الديوان الملكي 216 ألف دولار أمريكيٍّ.
يُشرف على العقد من الطرف الأردني بيسان الرمحي، وتعرِّفها الوثائق بأنها مستشارةٌ في الديوان الملكي، أما التوقيع فكان لشخصية أردنية أخرى، اسمها غير واضح تمامًا.
حاولنا تخمين المكتوب بخط اليد، وبعد بحثٍ في منصات مختلفة عن اسم مشابه، وصلنا إلى حساب محمد الخالدي على منصة «لينكدإن»، ويذكر أنه يعمل مسؤول علاقات عامة في الديوان الملكي الهاشمي، والذي قد يكون هو من وقع على العقد. أما من جانب شركة «فين بارتنرز» فقد وقَّع مارتن إتليمير، المدير المالي.
لبيسان الرمحي مسيرةٌ حافلة في الدوائر الحكومية الأردنية، بدءًا من وزارة الاتصالات، إلى أمانة عمَّان الكبرى، وفقًا لحسابها على منصة «لينكدإن» وصولًا إلى مكتب الاستثمارات وتطوير الأعمال في الديوان الملكي.
مقتطفٌ من تعاقد الديوان الملكي الأردني مع شركة فين بارتنرز، ويظهر فيها توقيعٌ لشخص اسمه الأوّل محمد، وقد يكون توقيع محمد الخالدي، مسؤول العلاقات العامة بالديوان. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية
وباختصار، عملت الشركة على تطوير خطة علاقات عامة للترويج للمغطس، تشملُ الترويج، وتطوير موقع إلكتروني يحوي معلومات ومقاطع مصوَّرة، وجولةً افتراضية تعريفية بالمغطس.
ووفقًا للعقد، تبدأ المرحلة الأولى من المشروع في يوليو إلى سبتمبر (أيلول) 2021، والمرحلة الثانية من أكتوبر (تشرين أول) إلى ديسمبر (كانون أول) 2021.
وتأسست شركة «فين بارتنرز – Finn Partners, Inc» في عام 2011، وتضاعف حجمها أكثر من أربعة أضعاف على مدار السنوات العشر الماضية، ووضعتها منصة «أوبزيرفر» في المرتبة السادسة لأفضل 10 شركات علاقات عامة في أمريكا لعام 2022.
موقع إلكتروني وترويج في أمريكا وأوروبا
وقدمت شركة «فين بارتنرز» خطتها للترويج للمغطس، من خلال تطوير الموقع الإلكتروني الخاص بالمغطس على الرابط التالي:«www.baptismsite.com»، ويشرح العقد أن كلفة تطوير الموقع تبدأ بأقل الأحوال من 33 ألف دولار، وتصلُ إلى 90 ألف دولار أمريكي إذا كانت الخدمات المقدمة شاملة.
أُنشئ الموقع الإلكتروني للمغطس منذ عام 2004، في نسخة بسيطة أقرب للمدونة، وحُدِّث نسبيًّا حتى عام 2012، وأصبح شكله أقرب للموقع الحالي، حتى تولت شركة «فين بارتنرز» تطويره في صورته النهائية الحالية في 2021 – 2022.
صورة لموقع المغطس، في عام 2006
إلى جانب تطوير الموقع قدمت الشركة بعض الاستشارات والتواصل مع وسائل إعلام أمريكية وأوروبية، فتمَّ التواصل مع مؤسسات إعلامية بريطانية مثل صحيفة «الجارديان»، و«التايمز»، و«بي بي سي»، و«إندبندنت». ومؤسسات إعلامية أمريكية مثل، صحيفة «نيويورك تايمز»، ومنصة «يو إس توداي»، و«سي إن إن». ومؤسسات مثل «ناشيونال جيوجرافيك». إضافة إلى مؤسسات مسيحية إعلامية ودعوية.
وقد زار الملك تشارلز بصحبة زوجته كاميلا في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 (عندما كان وليًّا للعهد) المغطس في أول جولة خارجية لأفراد العائلة المالكة البريطانية منذ بداية جائحة COVID-19.
ويقدر عدد زوار المغطس بأكثر من 170 ألف زائر في عام 2019، ولكن بسبب جائحة كورونا انخفض العدد. والآن مع تراجع القيود على السفر، نشطت الحركة السياحية على المغطس، وزادت في مطلع 2022 بنسبة 15%، مقارنةً بحالتها في عام 2021. وأما في الربع الأول من عام 2023، زادت نسبة زوار المغطس بـ160% مقارنة بالفترة نفسها العام الماضي.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.
