لا يختلف اثنان على أن العلاقة بين الأردن وفلسطين علاقة وطيدة، بأبعادها السياسية والديمغرافية، وحتى الجغرافية، كيف لا وهي الدولة العربية التي لها “نصيب الأسد” في احتضان اللاجئين الفلسطينيين بعدما هجروا من أراضيهم عام 1967، و1948.

علاقات تاريخية عدة جمعت البلدين، تمحورت عبر توقيع اتفاقات لتوطيد العلاقات، ودفع عملية السلام للأمام، فضلا عن الزيارات المتكررة منذ عهد الملك عبد الله الأول، وحتى الثاني في الوقت الراهن، لكن ثمة متغيرات تعصف بالمنطقة العربية والإقليمية، جعلت العلاقات تأخذ منحنى آخر بين البلدين.

قبل الدخول في طبيعة المشهد الأردني الفلسطيني اليوم، لابد من الإشارة إلى أن مصطلح “العلاقات الأردنية الفلسطينية”، ظهر لأول مرة منذ توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، التي نتج عنها ظهور كيانات سياسية في عدة دول عربية، بات الانقسام السياسي والفلتان الأمني، وغياب القانون أبرز سماتها.

متغيرات عديدة، جرت في تلك المرحلة على البلدين، بعدما اعتبرتهما بريطانيا كيانًا واحدًا منذ توقيع وعد بلفور المشؤوم عام 1917 م، تم شرخ العلاقة، وانفصلتا عن بعضهما البعض، لكنها عادت بعد أن توقفت رسميًا منذ انفصالهما الذي فرضته بريطانيا إلى الظهور من جديد بعد قيام إسرائيل بالاستيلاء على أكثر من نصف الأراضي الفلسطينية عام 1948، في حين تم ضم ما تبقى من فلسطين في الضفة الغربية إلى الأردن عام 1950 بما يعرف بوحدة الضفتين.

مد قومي

ومع بروز هذه الحالة أصبح الأردن يضم ضفتي نهر الأردن في دولة واحدة هي المملكة الأردنية الهاشمية، وذابت الهوية الوطنية الفلسطينية في الهوية الأردنية بعد أن بات الأردن يتحدث باسم القضية الفلسطينية طيلة سنوات الخمسينيات حتى قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964.

لكن تلك الفترة شهدت اندفاع الشارع السياسي الأردني والفلسطيني تجاه المد القومي العربي الموحد، واعتبرت وحدة الضفتين بمثابة خطوة أمام وحدة عربية أشمل وأوسع ستساهم في تحرير الجزء المحتل من فلسطين.

ويلاحظ وجود أزمة ثقة في العلاقات الأردنية الفلسطينية، مبنية على الشكوك في موقفي الطرفين التي تعتبر السمة الرئيسية التي طغت على واقع تلك العلاقات، وأمام هذه الأجواء وبسبب ما يعتري العلاقات من اختلاف في المواقف، تثار قضية بين الحين والآخر عن مستقبل العلاقات الأردنية الفلسطينية، والمخرج كما يراه البعض هو الدعوة لقيام اتحاد كونفدرالي.

ولكن، لم يصدر بشكل رسمي عن أي من المسؤولين في الجانبين دعوة لقيام اتحاد كونفدرالي، فإن هناك بعض التلميحات إلى هذا الحل بشرط قيام دولة فلسطينية مستقلة ولو ليوم واحد تطلب الوحدة الكونفدرالية مع الدولة الأردنية على أساس أن الاتحاد الكونفدرالي يكون عادة بين دولتين مستقلتين.

مساندة دولية

أيا كانت الظروف في المنطقة العربية ومحيطها، فإن الأردن حسب محللين يؤكدون أنها حافظت على نسيج العلاقة مع الفلسطينيين، فمعارك السلاح التي خاضتها ضد اسرائيل في حروبها مع العرب ماثلتها بالأهمية جهود سياسية ودبلوماسية، لاسيما أنها أبقت القدس وعروبة فلسطين واقعًا لا يمكن تجاوزه مهما كان التعنت والإقصاء الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية .

ويمثل خطاب الملك عبدالله الثاني أمام الكونغرس الأمريكي عام 2007 وفقا لهم أهم الجهود السياسية التي أكدت على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة القابلة للحياة وآزرت القضية الفلسطينية منذ تعثر ثم جمود عملية السلام في الشرق الأوسط.

النزاع الأطول

الملك عبد الله الأول أمام كنيسة القيامة في القدس المحتلة عام 1948م

وبالعودة إلى تاريخ النكبة، فمن المعروف أن من أهم القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية والتي كان للأردن دور حاسم في اتخاذها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 / 1948 الذي نص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم وقرار 242 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، لكن هذه القرارات لم تلقَ آذانا صاغية، وبقيت حبرًا على ورق حتى الآن.

ولم يختلف موقف الأردن كثيرًا في الوضع الراهن، فحديث الملك عبد الله الثاني، في كل مناسبة تخص الفلسطينيين، وتجمع اللاجئين في بلده، يؤكد، أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي يشكل النزاع الأطول عمرًا في المنطقة، بما يجسده من غياب للعدالة والظلم المستمر، وسيكون حله مدخلًا لمعالجة العديد من تحديات الإقليم.

وهم مزيف

توقيع اتفاقية وادي عربة بين الأردن وفلسطين وإسرائيل بحضور الولايات المتحدة الأمريكية عام 1994م

ويعتبر أيضا الملك الثاني أن فكرة الوطن البديل أوهامًا: “إذا كان المقصود بالوطن البديل الأوهام التي يروج لها متشددون إسرائيليون يتوهمون إمكانية إفراغ الأراضي الفلسطينية من أهلها وإقصائهم إلى الأردن، فهذه فعلا أوهام. الظرف الدولي، والموضوعي، والوطنية الأردنية، والدولة الأردنية بمؤسساتها الراسخة، والوطنية الفلسطينية؛ جميعها ستكون الصخرة التي ستتحطم عليها هذه الأوهام”. 

ويرى أنه إذا كان الحديث عن الوطن البديل هو مدخل لبث سموم المحاصرة السياسية في الأردن وفرز الناس وشحنهم على أساس الأصول والمناطق، فالهوية الوطنية الأردنية جامعة؛ والشعب الأردني بكل مكوناته كفيل بردع مثل هذا الخطاب الهدّام. وعلى مدار سنوات النزاع العربي الإسرائيلي، وبعد إقرار معاهدة السلام مع إسرائيل، التزم الأردن بمواقف وسياسات داعمة للشعب الفلسطيني ولاستمراره في وجوده على أرضه بحرية وكرامة ولحقه في إقامة دولته المستقلة”.
وبالتالي فإن مستقبل العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، هو أمر ينتظر إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة على التراب الوطني الفلسطيني، ليقرر الشعبان والدولتان شكل العلاقة التي تحقق مصالحهما المشتركة. ومن يعرف مدى عروبة الشعبين الأردني والفلسطيني يطمئن إلى أن العلاقة بينهما ستضرب مثالًا متقدمًا في التعاون والتكامل، حسب رؤية الملك عبد الله الثاني.

خطوة جديدة

خلال زيارة الرئيس الفلسطيني للأردن لتوثيق العلاقات بين البلدين

ومن الجدير ذكره أن العلاقة بين الأردن وحركة حماس، قد عادت أدراجها مؤخرًا، بعد انقطاع دام ثلاثة عشر عامًا، تمكن الطرفان من إنجاحها بوساطة من ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وبعد فوز حماس بالانتخابات الفلسطينية عام 2006 وتشكيلها للحكومة أظهر الأردن رفضًا للتعامل مع هذه الحكومة، فرفض استقبال وزير خارجيتها محمود الزهار في أبريل/ نيسان من ذلك العام بعد أن أعلن عن ضبطه لشحنة أسلحة قال إن حماس خزنتها في الأردن، لكن الحركة اتهمت عمان بافتعال القضية لغرض تبرير رفض التعامل مع حكومتها.

وظهرت أول انفراجة في علاقات الطرفين عام 2007 عندما اتصل مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي بمشعل مباشرة، وظهرت بوادر لعلاقة جديدة بين الطرفين سرعان ما تبددت مع إقالة الذهبي نهاية ذلك العام في أوج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وأظهر الأردن حرصًا على الاتصال مع قيادات حماس في الداخل الفلسطيني، خاصة وأن عمان باتت تتولى مسؤولية الإغاثة الرئيسية في قطاع غزة منذ عام 2008، حيث أنشأت المستشفى الميداني العسكري الأردني هناك، ومن خلاله اتصلت قيادات سياسية وحتى عسكرية بقيادات حماس في القطاع والتي كررت إشادتها بالأردن ودورها الإنساني في القطاع طوال السنوات الأربعة الماضية.

ومنذ مطلع عام 2011 وتحسن العلاقات الأردنية القطرية ظهر ملف إبعاد قادة حماس من عمان للدوحة كأحد الملفات التي تحتاج للإغلاق كونها أحد أسباب التوتر في علاقات البلدين. ووافق الأردن على إنجاح وساطة قطرية يقودها ولي العهد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تنهي خلافه مع الحركة الإسلامية الفلسطينية.

لكن العلاقة اليوم، قد تأخذ أبعادًا أخرى في التعامل مع القضية الفلسطينية، وسط الظروف الراهنة، خاصة بعد مطالبة الأردن الجهات المعنية بملف التفاوض على الجندي الإسرائيلي الأسير لدى كتائب القسام إبان الحرب الأخيرة أرون شاؤول، بإدراج الأسرى الأردنيين لدى إسرائيل في قائمة المفرج عنهم.

المصادر

تحميل المزيد