انتهت مرحلة تأجيل المعركة بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والأردن، وأصبح الطرفان في «عين العاصفة»، بل وتشير قراءات المحللين السياسيين بأن العام 2017 سيشهد المزيد من هجمات التنظيم ضد الأردن، وضد مراكزه الأمنية والعسكرية، ومرافقه السياحة، وقد تصل الهجمات إلى مواقع اقتصادية كما يحدث في تركيا.

التنظيم الماضي الآن في اختراق الساحة الأردنية يزيد من تحقيق أهداف انخراط الآلاف من الأردنيين للقتال في صفوفه، خاصةً أن أولئك من السهل تنفيذهم لعمليات فردية، تستهدف المخزون البشري للمؤسستين الأمنية والعسكرية الأردنية.

 

من الطمأنينة إلى المواجهة الخطرة

 

كثيرًا ما أبدت السلطات الأردنية اطمئنانها من عدم وجود خطورة على دولتها من قبل «تنظيم الدولة»، وذلك رغم تهديد التنظيم بنقل المعركة نحو الدول التي تشارك في التحالف الدولي والتي من ضمنها الأردن.

 

وبينما كان على المملكة أخذ تهديدات التنظيم على محمل الجدية، باغتتها الخلايا النائمة للتنظيم بسلسلة من الهجمات الإرهابية في الداخل الأردني، وقد سجل هجوم الكرك باعتباره مرحلة جديدة شديدة الخطورة على الأردن، إذ أنها أعلنت بدء ارتفاعًا في مستوى المواجهة بين الأردن والتنظيم.

شهدت الأردن في 21 ديسمبر (كانون الثاني) 2016 «عملية الكرك» التي وقعت في جنوب الأردن، وخلّفت عشرة ضحايا و30 إصابة على يد أربعة مسلحين، وقد شهد العام الماضي ثلاث هجمات أخرى، الأولى في مارس (آذار) وقد أدت لمقتل ضابط أردني وسبعة مسلحين في مدينة إربد، أما الهجوم الثاني في شهر يونيو (حزيران) في مخيم الرقبان للاجئين السوريين، وأسفر عن مقتل ستة جنود أردنيين، والثالث في نفس الشهر في مخيم البقعة شمال العاصمة، وأسفر عن وقوع خمسة قتلى من عناصر المخابرات الأردنية.

يوضح الخبير الأمني عيد أبو وندي أن: «الصراع بين الطرفين فيما يبدو دخل في مرحلة متقدمة ونوعية وحادة، متمثلة بهجوم خلايا داعش النائمة أو ما يطلق عليه الذئاب المنفردة ضد المصالح الأردنية وأفراد الأجهزة الأمنية»، أما المحلل السياسي والكاتب الأردني فهد الخيطان فـيؤكد أن: «الأردن بات في عين العاصفة، بعد أن نفذ تنظيم داعش تهديداته بنقل عملياته إلى الأراضي الأردنية بشكل جدي، عقب تنفيذ السلطات حكم الإعدام بحق السجينة العراقية ساجدة الريشاوي، وذلك بعد إحراق التنظيم للطيار الأردني معاذ الكساسبة في شباط (فبراير) من العام 2015«.

الشباب الأردني وأيديولوجيا حمل السلاح

 

عاد اسم عبد المجيد إبراهيم المجالي أو «أبو قتيبة الأردني» كما يلقب، إلى الواجهة بعد هجوم الكرك، فقد نشرت معلومات تفيد بأن الرجل الذي قاتل في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي على صلة بالخلية التي نفذت الهجوم، وتذكر شبكة «CNN» بالعربية أن: «هناك احتمال بأن الرجل قام بتجنيد شبان من محافظة الكرك للقتال في سوريا والعراق ونشر الفكر (الداعشي)».

 

ورغم أن أبو قتيبة يعالج نفسيًا، ولم ينه محكوميته إلا أن هذا الربط جاء بحجة اتصال الرجل مع اثنين من أعضاء الخلية، وهما النسيبين محمد القراونة ومحمد الخطيب في وقت سابق من سجنه.

يشار إلى أن قتيبة الابن الأكبر لعبد المجيد، يقاتل في صفوف «تنظيم الدولة» في سوريا، وهو واحد من آلاف الأردنيين الذين يقاتلون بصفوف تنظيم الدولة، كما أن المناصرين الذين يحملون الفكر السلفي الجهادي متواجدون في مدن ومناطق عدة داخل الأردن، وقد أدركت السلطات الأردنية خطورة الخلايا التي يجندها تنظيم الدولة، خاصة مع دخول هذه الخلايا مرحلة العمل الفردي الذين يعتمد على عامل المفاجئة لإلحاق أكبر ضرر.

وفي تحركاتها لمواجهة الأمر اتخذت السلطات الأردنية سلسلة من الإجراءات، فاستخدمت مؤخرًا القوانين لمعاقبة من يبدي تعاطفه مع «تنظيم الدولة»، بينما أعلن وزير الأوقاف الأردني أن: «عقوبة الفصل من الوظيفة ستطال كل إمام مسجد في الأردن رفض قبل ثلاثة أسابيع إقامة صلاة الغائب على أرواح شهداء عملية قلعة الكرك من المواطنين، وعددهم 13 أردنيًّا».

وتؤكد صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية أن: «تنظيم الدولة حاول شنّ هجمات على مقر المخابرات الأردنية، واستقطاب شبّان أردنيين للقيام بهجمات داخل البلاد، حيث اعتقلت السلطات الأمنية عددًا منهم في الأول من شهر مارس (آذار) المنصرم في أثناء محاولتهم استهداف مدينة إربد، شمال الأردن».

من جانبه يوضح الخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية محمد أبو رمان: «دخول مرحلة جديدة من الحرب المفتوحة والاستهداف المباشر للأردن، ليس فقط خارجيًا كما حدث في مخيم الركبان، بل داخليًا عبر تحريك داعش مؤيديه، ومن يستطيع تجنيدهم للقيام بمثل هذه العمليات».

ويضيف في مقال له بصحيفة الغد الأردنية: «المطلوب تقييم استراتيجيات وأدوات التعامل مع من سقطوا في حبائل التنظيم، كما هي حال بعض أقرباء خلية الكرك أو من اتّهموا بتأييد التنظيم عبر شبكة الإنترنت، أو المحبوسين على خلفية قضايا شبيهة».

 

لماذا يستهدف «تنظيم الدولة» الأردن؟

 

تشكل الحدود بين الأردن وسوريا والتي تزيد على 375 كليومترًا نقطة خطر أساسية على «تنظيم الدولة» الذي يسيطر على أجزاء من مدينة تدمر السورية، وقد نجحت «كتائب شهداء اليرموك» الكتيبة الأردنية التابعة للتنظيم بوضع موطئ قدم لها في محافظة درعا على حدود الأردن شمالًا وسوريا (الجولان) جنوبًا.

 

وتعد مشاركة الأردن قبل نحو العامين في التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد «تنظيم الدولة» دافعًا قويًا لتحريض التنظيم على شن هجمات ضد السلطات الأردنية التي لعبت دورًا بارزًا في اغتيال مؤسس التنظيم «أبو مصعب الزرقاوي».

وفي قراءة للأسباب المستجدة التي تدفع التنظيم لتركيز ضرباته أكثر ضد الأردن، فقد أدت الضغوط التي ولدت نتيجة القصف من قوات التحالف، والضربات من العراق، لانتقال مقاتلي التنظيم من تلك الجبهات باتجاه جبهات أخرى، ولذلك يرى المحلل السياسي مروان شحادة أن: «قادة تنظيم الدولة أصبحوا يوجّهون أنظارهم نحو الأردن، ويعتبرونها أرضًا للقتال يسعون فيها إلى استقطاب المجنّدين».

ويضيف شحادة: «ينبغي ألا ننسى أن الأردن يمثّل بالنسبة لهم جزءًا من دولة الخلافة، وأنهم سيفعلون ما بوسعهم لنشر أيديولوجيتهم التي من الممكن أن يناصرها العديد من سكّان البلاد».

من جانبه يقول الكاتب السياسي عامر السبايلة أن: «انحسار تواجد تنظيم داعش على الأرض السورية و العراقية يدفع –بلاشك- بالتنظيم لانتهاج استراتيجية جديدة تعمل على تعويض الخسائر وتعطي الانطباع بأن التنظيم يحتفظ بقوته وما زال قادرًا على الضرب في كل مكان. بالتزامن مع ذلك، لا بد أن يسعى التنظيم لخلق مناخات جديدة تشكل نقطة جذب لعناصره الخارجة من سوريا والعراق».

ويستغل التنظيم حاجة الأردن للاستقرار من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية والسياح، إذ اختيرت الكرك في الهجوم الأخير لتخريب قطاع صناعة السياحة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية للأردن، وتشير المصادر الأردنية إلى هناك عجز في حدود مليار ومئة مليون دولار، بينما الدين العام يمثل حوالي 93 بالمئة من إجمالي الناتج القومي العام، وهي أعلى نسبة في الشرق الأوسط، وحسب ما كشفته مجلة «الإيكونومست» في آخر تقاريرها «العاصمة الأردنية عمان هي الأغلى من بين نظيراتها في المنطقة العربية من حيث تكاليف المعيشة، بينما يحتل الدخل الفردي للمواطن الأردني النسبة الأدنى عربيًا، بعد اليمن والصومال».

الاتفاق الروسي التركي: خطر على الأردن

بعد انتهاء معركة حلب الشرقية، اتخذت المعركة بين السلطات الأردنية وتنظيم الدولة وجهة جديدة، إذ أصبحت البوصلة تشير إلى الجبهة الجنوبية لسوريا عند الحدود مع الأردن بالتحديد، لتشكل هذه المنطقة بؤرة ضغط وخطر باستهداف الأراضي الأردنية منها، وذلك إلى جانب استمرار الهجمات الداخلية التي تحقق مصالح التنظيم في الأردن.

وقد ظهر تخوف الأردن عقب توقيع الاتفاق التركي الروسي، إذ يتوقع أن يمنح الاتفاق التنظيم مجالًا لتوجيه ضرباته للدول المستهدفة على قائمة التنظيم حيث يتربع الأردن على رأسها، ويقول الفريق المتقاعد أسعد العدوان أن: «الأردن وبعيدًا عن اتفاق يبرم بخصوص الأزمة السورية، قادر على ضبط حدوده بصورةٍ كاملة، وما الانتشار العسكري المكثف على الحدود الشرقية والشمالية للمملكة إلا دليل على ذلك، بالإضافة لوجود خطة طوارئ مستعدة لجميع الاحتمالات».

وتابع القول لـ«الخليج أونلاين»: «تنظيم الدولة خارج اللعبة السياسية في سوريا، وهو غير معني بالاتفاق الروسي – التركي، ما يعني -ونتيجة سيطرته مجددًا على أجزاء من مدينة تدمر السورية- أنه يفكر جديًا في البحث عن مناطق توتر جديدة، وقد تكون الحدود الأردنية السورية مسرحًا لها».

عرض التعليقات
تحميل المزيد