«قل كلمتك وامشِ» *جمال خاشقجي

بعد حوالي 25 سنة من مسيرتها الصحافية والإعلامية مع شبكة «الجزيرة» أسدل الستار صباح اليوم الأربعاء على سجل تغطيات الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وبعد أن كانت الشهيدة مصدرًا للخبر طيلة فترة عملها الميداني أصبحت شرين الخبر الذي هز العالم العربي وذرى التراب في أعين الغرب.

تلك الصورة التي جعلت من مراسلة قناة الجزيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة حديث العالم؛ بعد أن استهدفتها آلة الغدر الإسرائيلي صباح 11 مايو (أيّار) 2022، أثناء آداء مهامها الصحافية في تغطية اقتحام مخيم جنين؛ وذلك بعد أن أصيبت برصاصة مباشرة في الرأس أدت إلى استشهادها. 

لم تكن شيرين الصحافية الأولى التي ذهبت ضحية إيصال صوت الحقيقة للعالم؛ فقد سبقها مئات الصحافيين الذين وهبوا حياتهم ثمنًا للحقيقة التي أرعبت الأنظمة القمعية والمحتلة ولا تزال.

1- غسان كنفاني.. الموساد ينتفض للقضاء على صحافي

في 8 يوليو (تموز) 1972 هزّ انفجار ضخم منطقة الحازمية في بيروت، كان مصدر الانفجار سيارة الصحافي والروائي الفلسطيني غسان كنفاني، الذي تناثرت أشلاؤه على الأشجار المحيطة، بينما عُثر على جثة ابنة أخته التي كانت ترافقه متفحمة على بعد 20 مترًا من السيارة التي زرعت في قلبها عبوة ناسفة؛ لم يكُن غسّان رجلًا عسكريًا كي يأخذ احتياطاته الأمنية، فكان من السهل على – الموساد – أن يصطاد جسده.

كان هو مشهد الختام، أمّا المشاهد التي تسبق هذا المشهد الأخير، فكان فيها غسان كنفاني روائيًا، وصحافيًا، وقاصًا، ومناضلًا سياسيًا،  كرّس حياته من أجل القضية الفلسطينية، وهو ما جعّله في دائرة استهداف جهاز الموساد الإسرائيلي.

Embed from Getty Images

ففي سنة 1969 كان الصحافي والروائي الفلسطيني غسان كنفاني على موعد مع كتابة فصلٍ نضال جديدٍ من أجل القضية الفلسطينية، عندما عيّن عضوًا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثمّ الناطق الرسمي باسمها ورئيس تحرير مجلة «الهدف» التابعة للجبهة.

تزامن ذلك مع تصعيد الجبهة الشعبية لعملياتها ضدّ الإحتلال الإسرائيلي؛ ففي سنة 1970 أجبرت مجموعة من الجبهة الشعبية ثلاثة طائرات على الهبوط في مطار «داوسن فيلد» العسكري الموجود في منطقة صحراوية بالقرب من محافظة الزرقاء في الأردن.

واحتجز أعضاء الجبهة حينها 310 رهائن بينهم 56 إسرائيليًا، مطالبين بإطلاق سراح المناضلة ليلى خالد ومعتقلين آخرين من الجبهة الشعبية، وانتهت العملية بإطلاق سراح أربعة أسرى من أعضاء الجبهة كانت ليلى خالد من ضمنهم؛ وكان غسان في واجهة الحدث باعتباره متحدثًا باسم «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».

زاد الهجوم الذي نفدته مجموعة من الجيش الأحمر الياباني بالتنسيق مع الجبهة الشعبية في 31 مايو عام 1972 على مطار اللد الواقع شمال تل أبيب من استياء الحكومة الإسرائيلية، لتقرّر استهداف مجموعة من قادة الجبهة الشعبية كان أبرزهم الصحافي غسان كنفاني. 

وبالرغم من عدم اعتراف إسرائيل حتى اللحظة بمسؤوليتها عن هذا الاغتيال؛ غير أنّ المحققين عثروا في مسرح الجريمة؛ على قصاصة ورق عليها شعار إسرائيل (نجمة داود السداسية)، وكتب عليها «مع تحيات سفارة إسرائيل في كوبنهاجن».

2- سمير قصير.. عارض التدخل السوري في بلاده فدفع الثمن

صباح الخميس الثاني من يونيو (حزيران) 2005 اغتيل الصحافي اللبناني سمير قصير، وذلك بعد انفجار عبوة ناسفة وضعت أسفل مقعد سيارته؛ لتحوّله إلى جثة متفحمة. وُجهت أصابع الاتهام في اغتيال سمير قصير إلى النظام السوري، الذي كان الصحافي سمير قصير لا يتوانى في توجيه انتقادات لاذعة له؛ وذلك في أعقاب الوجود السوري في لبنان حينها، والذي كان يرى فيه – قصير – عائقًا رئيسيًا أمام تقدم البلاد، وإنشاء نظام ديمقراطي داخلها. 

صور الصحافي اللبناني سمير قصير وأقلام، في أيدي متظاهرين لأجله – المصدر: Agence France-Presse

وتكريمًا لمسيرته الصحافية وتخليدًا لذكراه أنشأ الاتحاد الأوروبي عام 2006 جائزة تحمل اسم «سمير قصير»، تُمنح للصحافيين والكتاب الذي يتبنون مواقف داعمة لحرية التعبير، فيما أسّست مجموعة من المثقفين في فبراير (شباط) من السنة ذاتها مؤسسة «سمير قصير»، وهي جمعية غير ربحية، تعمل لأجل نشر ثقافة الديمقراطية في لبنان والعالم العربي، وتشجع المواهب الصحافية.

3- جمال خاشقجي.. «قال كلمته» فقتلوه بدمٍ بارد

إحدى أبشع الجرائم التي ارتكبت في حق الصحافة وحرية التعبير؛ كانت الجريمة التي ارتكبها النظام السعودي والتي راح ضحيتها الصحافي السعودي جمال خاشقجي؛ ففي الثاني من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2018 تفاجأ العالم بخبر اختفاء الصحافي جمال خاشقجي بعد دخوله إلى سفارة بلاده في مدينة إسطنبول التركية. استمرّ لغز الاختفاء لأيّام؛ قبل أن يهتزّ العالم على خبر مقتل الصحافي السعودي على يد فريق اغتيال قًدِم خصيصًا من الرياض لإنهاء صوت خاشقجي.

وبعد سنوات لا يزال التحقيق في جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي يسير بضبابية شديدة وموائمات سياسية؛ كانت آخر فصولها قرار القضاء التركي في السابع من أبريل (نيسان) 2022؛ إحالة قضية محاكمة المتهمين إلى السلطات القضائية السعودية، مما يعني إغلاق هذا الملف من جانب القضاء التركي.

أمّا الجانب السعودي الذي أقرّ بالجريمة بعد أسبوعين من حدوثها؛ فقال على لسان نائبه العام أنّ أمر القتل صدر من رئيس «فريق المفاوضات»، الذي أرسله نائب رئيس المخابرات السعودية إلى إسطنبول لإعادة خاشقجي إلى المملكة عن «طريق الإقناع» وإذا فشل ذلك فباستعمال «بالقوة»، دون أي إشارة من قريب أو بعيد لتورط ولي العهد السعودي في قتل خاشقجي.

4- ماري كولفين.. بشار الأسد يقتل الصحافيين ولا ينكر ذلك

 في 22 فبراير (شباط) 2012؛ وبينما كانت الصحافية الأمريكية ومراسلة صحيفة «صنداي تايمز»، ماري كولفين، تعمل على تغطية قصف قوات النظام السوري لحي بابا عمرو في مدينة حمص، والذي كان خاضعًا حينها لسيطرة الجيش السوري الحر آنذاك، وتحت نيران قصف عنيف من النظام، فسقط صاروخ أطلقته طائرات النظام السوري على المركز الإعلامي المؤقت الذي كانت به الصحافية الأمريكية ماري كولفين، ليتسبب في مقتلها رفقة المصور الفرنسي ريمي أوشليك.

وفي أوّل ردّ له على الاتهامات الموجّهة له باغتيال الصحافية الأمريكية قال بشار الأسد في مقابلة متلفزة مع قناة «إن بي سي» الأمريكية عام 2016: إن الصحافية ماري كولفين هي المسؤولة عما أصابها لأنها دخلت البلاد بطريقة غير قانونية وكانت تعمل مع من وصفهم بـ«الإرهابيين».

الصحفية الأمريكية ماري كولفين

الصحافية الأمريكية ماري كولفين

جدير بالذكر أنه بنهاية يناير (كانون الثاني) 2019، أصدرت محكمة في مقاطعة كولومبيا يالولايات المتحدة الأمريكية، حكمًا بتغريم نظام بشار الأسد 300 مليون دولار لصالح ورثة الصحافية؛ وذلك بسبب ما لحقهم من أضرار، بعدما أثبتوا أن نظام بشار الأسد اعتاد استهداف الصحافيين بشكل متعمد خلال أحداث الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد.

5- الحسيني أبو ضيف.. الشهيد الذي قتله النظام!

في ديسمبر 2012 وبينما كانت الثورة المصرية تعيش أسوأ أيّامها بعد تصاعد الإنقسام بين مكوّنتها وزيادة معارضي النظام الحاكم آنذاك شهد محيط قصر الإتحادية مظاهرات عنيفة بين أنصار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي ومعارضيه، خلال تلك الليلة المأساوية التي بات يطلق عليها «ليلة الاتحادية»؛ سقط 10 ضحايا أبرزهم الصحافي المصري الشاب الحسيني أبو ضيف الذي أصيب بعيار ناري في راسه خلال تغطيته الأحداث، وأعلنت وفاته رسميًا في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2012.

الحسيني أبو ضيف – مصدر الصورة: Killed in Egypt

تبادل الأمن المصري ومؤيدو الرئيس المصري آنذاك الاتهامات بالمسؤولية عن مقتله؛ غير أنّه في وقت لاحق أعلن الأمن المصري اعتقال شخص يدعى محمود مكاوي – من أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي – ووجهت إليه تهمة قتل الحسيني وحُكم عليه سنة 2020 بالسجن المشدد 20 عامًا، ووضعه تحت المراقبة الشرطية لمدة خمس سنوات.

الصحافي الراحل الحسيني أبو ضيف من أوائل الصحافيين الذين نزلوا ميدان التحرير في ثورة 25 يناير 2011، والتي أطاحت نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، كما أنّه كان عضوًا في «حركة كفاية» المعارضة. 

6- رقية الحسن.. هربت من قمع بشار الأسد فأعدمها «داعش»

لم تقتصر جرائم الاغتيال التي طالت الصحافيين على الأنظمة الحاكمة أو المحتلة فقط؛ فحتى الحركات المسلحة كان لها نصيب من دماء الصحافيين؛ ففي سبتمبر (أيلول) 2015، أعدم «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» الصحافية السورية رقية الحسن التي كانت تكتب عن الحياة اليومية في مدينة الرقة السورية.

الصحفية السورية رقية الحسن

الصحافية السورية رقية الحسن

واتهم تنظيم الدولة الصحافية السورية رقية الحسن، بالتجسس والتعاون مع الجيش السوري، حسب ما أكده نشطاء. وكانت الصحافية السورية رقية الحسن تكتب مقالاتها تحت اسم مستعار، وهو «نيسان إبراهيم»، وكتبت من خلاله مدونات يومية عن الحياة في معقل التنظيم في سوريا، والغارات الجوية المتكررة عليه.

7- أطوار بهجت.. الصحافية التي لا تدري لماذا قُتِلت!

في 22 فبراير 2006 تعرّض ضريحا علي الهادي والحسن العسكري في سامراء شمالي العراق لانفجار المرقدين؛ وعلى أثره هرعت وسائل الإعلام العراقية والأجنبية حينها لتغطية الانفجار، يومها حاولت الصحافية العراقية أطوار بهجت والتي كانت مراسلةً لقناة العربية السعودية في بغداد، الوصول إلى موقع الحدث ونقل الخبر، دون أن تدري أنّها ستكون الخبر التالي في القنوات الإخبارية، بعد أن تعرّضت للاختطاف من قبل مجهولين، ثمّ قتلها بطريقة بشعة. 

فبحسب شهود عيان، وصل رجال مسلحون في شاحنة صغيرة إلى موقع الانفجار، وكانوا يبحثون عن أطوار وطاقمها من قناة العربية الأخبارية، وقد صرخوا وفقًا للشهود «أين المذيعة؟»، ثم قبضوا على أطوار ومصوّرها ومهندس صوتها. في الصباح التالي عثر على جثثهم وقد ثقبها الرصاص، وجرى التخلص منها في مكب للنفايات على أطراف مدينة سامراء، وعليه آثار تعذيب واضحة.

جدير بالذكر أنه في عام 2009 أعلنت قيادة «عمليات بغداد» اعتقال الشخص الذي قتل أطوار بهجت في فبراير 2006 موضحة أنه اعترف باغتصابها قبل قتلها.

8. إسماعيل يفصح.. «الذبيح» الذي راح ضحية العشرية السوداء

لم يسلم الصحافيون من عنف الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر خلال عقد التسعينات من القرن الماضي؛ فكان الصحافي إسماعيل يفصح، والذي كان يعمل آنذاك مذيعًا بالتلفزيون العمومي أحد أبرز ضحايا العنف بالجزائر؛ فقد تعرّض الصحافي الجزائري الشهير إلى الاغتيال في 18 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1993؛ عندما ترصد له أحد المسلحين عند خروجه صباحًا للالتحاق بعمله، فأطلق عليه عدّة رصاصات استقرت بجسده، أمام بيته وعلى مرأى من زوجته.

الاحتلال الإسرائيلي

منذ 10 شهور
«موجودة بالميدان».. 7 فيديوهات فضحت خلالها شيرين أبو عاقلة الاحتلال

 وذهب الصحافي الجزائري إسماعيل يفصح ضحية حملة الاغتيالات الغادرة التي شهدتها الجزائر في تلك الفترة، والتي استهدفت جل الوجوه المثقفة المعروفة من سياسيين وأكاديميين وصحافيين، وقال الإمام الذي وقف على قبره يعزي الجماهير الغفيرة التي اصطفت لتشييعه: «هذا إسماعيل يفصح الذبيح».

المصادر

تحميل المزيد