أعلن جو بايدن، المرشح عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عن ترشيحه كامالا هاريس، عضوة مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، لمنصب نائب الرئيس. ويأتي الإعلان بعد انتظار طويل للإعلان عن مرشحه لهذا المنصب، الذي صرح قبل شهور أنّها ستكون امرأة.

بينما كان بايدن يعد لإعلان مرشحه، دارت أخبار وتحليلات تفيد بأنّ هاريس ستكون الخيار الأمثل له، خاصةً بعد الاحتجاجات ضد العنصرية التي تبعت مقتل جورج فلويد. وبهذا الإعلان، تكون كامالا هاريس أول امرأة من أصول أفريقية آسيوية تترشح لهذا المنصب، وفي حال فوز بايدن، ستكون أول امرأة في منصب نائب الرئيس الأمريكي.

ولكن من هي كامالا هاريس؟ وما هي مسيرتها المهنية والسياسية؟ وما مواقفها تجاه قضايا الشرق الأوسط؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في السطور التالية.

نشأة كامالا هاريس «ابنة المهاجرين»

ولدت كامالا هاريس لأبٍ جامايكي مسيحي معمداني اسمه دونالد هاريس، عمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة ستانفورد. وتأثر والدها كثيرًا بجدته السيدة شيرشي، التي شكلت وعيه على أهمية الانخراط في مجالات الاقتصاد والسياسة، والأهم من ذلك، أهمية الاعتزاز بهويته الجامايكية.

دولي

منذ سنتين
«ذي أتلانتك»: لهذه الأسباب تريد الصين فوز ترامب

أما عن والدتها، ذات الأصول الهندية، فهي شيامالا جوبالان، وكانت باحثة في علم سرطان الثدي، وناشطة مدنية.

وتحكي هاريس عن طفولتها قائلة: «نشأت وأنا أذهب إلى الكنيسة المعمدانية السوداء والمعبد الهندوسي»، ولكن عندما بلغت السابعة قرر والداها الانفصال، وانتقلت بعدها للعيش مع والدتها.

درست هاريس العلوم السياسية والاقتصاد في جامعة هوارد، الجامعة التي تلقب بـ«هارفارد السود»، إذ تخرج فيها أبرز قيادات ومفكري المجتمع الأفريقي؛ شخصيات مثل الروائية توني موريسون، الحائزة على جائزة نوبل في الأدب عام 1993، والنائب الديمقراطي إليجا كامينجز. ولعبت الجامعة، من خلال طلابها وأكاديمييها، دورًا هامًا في حركة الحقوق المدنية.

بعد تخرجها في الجامعة؛ عملت هاريس في مكتب المدعي العام لمقاطعة ألاميدا في ولاية كاليفورنيا، وتدرجت في السلم، إلى أنّ أعلنت ترشحها لمنصب المدعي العام لمقاطعة سان فرانسيسكو، أمام تيرينس هالينان، وهو المحامي الذي كان يترأس المنصب منذ عام 1996.

استطاعت هاريس بمساعدة رجل أعمال يدعى مارك بويل، العمل على حملة لجمع الأموال وهزيمة هالينان عام 2004، وبدأت منذ استلامها للمنصب بحملة إصلاحات في النيابة العامة لمقاطعة سان فرانسيسكو.

والد ووالدة كامالا هاريس – مصدر الصورة: ميركري نيوز.

سيدة القانون في كاليفورنيا تتألق

بدأت كامالا هاريس مشوارها في مكتب النيابة العامة بمعدل إدانات جنائية وصل إلى 50% منذ عهد هالينان، واستمرت النسبة بالصعود أثناء فترتها حتى وصلت إلى 76% عام 2009.

وأثناء فترتها، زادت هاريس من الإجراءات والإدانات الصارمة تجاه حيازة السلاح بشكل غير قانوني، وجرائم القتل، وقامت أيضًا بتأسيس وحدة خاصة لجرائم الكراهية التي يتعرض لها طلاب مجتمع الميم في المدارس.

تعهدت هاريس أثناء حملتها الانتخابية بألا تطالب بعقوبة الإعدام في مرافعاتها، وفي عام 2004، حصلت جريمة قتل لشرطي يدعى إسحاق إسبينوزا أثناء تأدية عمله، وتلقت هاريس ضغطًا كبيرًا من جمعية ضباط شرطة سان فرانسيسكو، وبعض نواب الولاية، للمطالبة بالإعدام، ولكنها رفضت تمامًا، وأدين المجرم بتهمة القتل من الدرجة الثانية، والسجن مدى الحياة.

بعد سطوع اسمها في كاليفورنيا، وتوثيق علاقاتها مع الساسة الكبار، رشحت هاريس نفسها لمنصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا في انتخابات عام 2011. وأثناء هذه الانتخابات، تلقت دعمًا كبيرًا من الديمقراطية نانسي بيلوسي، المتحدثة باسم مجلس النواب، والنائبتين دياني فاينستاين وباربارا بوكسر.

وبفوزها بهذا المنصب، أصبحت أول امرأة أفريقية آسيوية تخدم في هذا المنصب، الذي استمرت فيه حتى عام 2017، قبل ترشحها إلى مجلس الشيوخ.

وأثناء سنواتها في مكتب المدعي العام، تزوجت هاريس، المحامي اليهودي دوجلاس إيمهوف، الذي يعمل في «دي إل إي بيبر DLA Piper»، أحد أشهر شركات المحاماة والضغط السياسي عالميًا.

الوصول إلى واشنطن

انضمت كامالا هاريس لمجلس الشيوخ بعد فوزها بمقعدٍ من ولاية كاليفورنيا، والتحقت بعدة لجان، منها لجنة الاستخبارات، ومن خلال العمل في اللجنة اشتهرت في استجواباتها المكثفة لمسؤولين في إدارة ترامب أو من لديهم صلة معه، مثل قاضي المحكمة العليا، بريت كافانو، الذي رشحه ترامب عام 2018، والمدعي العام، جيف سيشنز، الذي عقدت له جلسة استجواب في سياق جلسات التحقيق عن التدخل الروسي في انتخابات عام 2016.

أعلنت هاريس ترشحها في بداية السباق الانتخابي لعام 2020، ولكنها انسحبت من السباق عندما لم تر حظوظًا كبيرةً للفوز، ولأسباب أخرى لها علاقة بنقص في التمويل. وفي السياسة الأمريكية، لا ينضم جميع المرشحين في السباق الانتخابي بالضرورة بهدف الفوز بمنصب الرئيس، بل أيضًا لوضع اعتبار لهم في المستقبل. وهذا ما حدث في حالة كامالا هاريس.

مع انقلاب الشارع الأمريكي رأسًا على عقب، وزيادة معدل المصابين والموتى جراء انتشار فيروس كورونا، واندلاع مظاهراتٍ غاضبة على مقتل المواطن جورج فلويد، بدا واضحًا أهمية اختيار مرشح يعبر عن هذه الطبقة الغاضبة من سياسات التمييز العنصري.

ومع تبني دونالد ترامب خطاب «النظام والقانون» الذي يستميل به بعض طبقات البيض، تبنى بايدن خطابًا يميل إلى الشرائح الغاضبة والتي خرجت للتظاهر، وتوعد بإجراء إصلاحات في جهاز الشرطة، وإنهاء التمييز العنصري، ويبدو أنّ اختيار نائبة أفريقية مثل هاريس يأتي ضمن جهوده في هذا الاتجاه.

تدعم «حل الدولتين».. كامالا هاريس صديقة اللوبي الإسرائيلي

رغم المعاناة التي عاشتها كامالا هاريس بسبب سياسات الانقسام، والتمييز العنصري في أمريكا؛ السياسات التي اضطرتها للالتحاق بمدارس خاصة بالسود، والتنقل في حافلات خاصة بالسود، لم تستطع هاريس رؤية سياسات الفصل العنصري في إسرائيل بالعين ذاتها، فهي من أشد المؤيدين لدولة إسرائيل، ومن رواد مؤتمر أيباك السنوي، التي تحدثت فيه عام 2017، معلنةً ولاءها وتضامنها مع إسرائيل.

خاطبت هاريس جمهور أيباك قائلة: «لا يجب أن تكون إسرائيل مسألة حزبية، وما دمت في مجلس الشيوخ سأفعل كل ما بوسعي لضمان الدعم الواسع والمتجاوز للأحزاب لأمن وحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».

وأضافت: «ولضمان السلام والاستقرار، فعلينا العمل على حل دولتين يعيشان بأمن وسلام». وغرد نتنياهو أثناء زيارته للولايات المتحدة عام 2017، بصورة له جمعته مع هاريس، حيث ناقشوا الملفات المشتركة، وعبر نتنياهو عن امتنانه وتقديره عن التزام أمريكا بأمن إسرائيل.

دفاع هاريس عن إسرائيل لم يكن فقط من خلال الخطابات والتصريحات الرنانة، إذ شاركت في رعاية قرار مجلس الشيوخ الذي أعرب عن اعتراضه على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334؛ الذي يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي.

رغم ذلك، ولتصبح متسقة أكثر مع سياسات الحزب الديمقراطي، وجهت هاريس في منتصف يونيو (حزيران) السابق، خطابًا للرئيس دونالد ترامب تحثه على وقف عملية ضم الأراضي المستوطنة في الضفة الغربية، لأنّها خطوة خطرة على «عملية السلام» وتضع التفاوض السلمي على المحك.

من داخل الصندوق.. كامالا هاريس والشرق الأوسط

أما ما دون إسرائيل، فيبدو أنّ هاريس تتبنى السياسات التقليدية للحزب الديمقراطي تجاه معظم قضايا الشرق الأوسط. ففي الملف الإيراني، تدعم هاريس الاتفاق النووي، وصرحت بأنّه إذا وصلت للرئاسة فإنّها ستعيد تفعيل الاتفاق النووي، وتوسيعه ليشمل اختبارات للصواريخ الباليستية. وفي سوريا، انتقدت أثناء المناظرة الرئاسية في نوفمبر 2019، قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، ووقف تسليح القوات الكردية شمال سوريا.

دولي

منذ سنتين
كيف سيتعامل جو بايدن مع أبرز حلفاء أمريكا العرب بعدما أصبح رئيسًا؟

أما في حرب اليمن، فقد اتخذت هاريس موقفًا هجوميًا تجاه السياسات السعودية، وصوتت لصالح قرار منع نقل بعض الخدمات الدفاعية والأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات. وغردت هاريس مؤكدة على أهمية محاسبة السعودية على قتل جمال خاشقجي، وعلى الانتهاكات الإنسانية في اليمن.

وصوتت أيضًا لصالح قرار سحب القوات الأمريكية من اليمن، ولكنّها أكدت على أهمية التواصل والتنسيق مع السعودية في المصالح المشتركة ما بين الدولتين، خاصةً في ملف «مكافحة الإرهاب».

نهايةً؛ يبدو أنّ جو بايدن باختياره كامالا هاريس لمنصب نائب الرئيس، يضع في حسبانه الاعتبارات الداخلية بشكل كبير، ويهدف للحصول على أكبر قدر من أصوات المجتمعات «الملونة»، وبعض شرائح التيار التقدمي داخل الولايات المتحدة.

المصادر

تحميل المزيد