ما بين الاغتصاب، وطلب الفدية، وتجارة الأعضاء والابتزاز، تنتشر ظاهرة اختطاف الأطفال في الجزائر؛ وباتت جملة «اختفى في ظروف غامضة»، خبر شاع تداوله يوميًّا في وسائل الإعلام الجزائرية، لتبدأ به قصص مئات الأطفال مِمَن يعثر عليهم وقد فارقوا الحياة، أو انقطعت أخبارهم إلى الأبد.
«حسام بلقاسمي» طفلٌ لم يتجاوز الثامنة، لكن نهاية أعوامه المعدودة حملت في نظر الجزائريين بشاعة ناقضت إنسانية البشر، فبعد اختفائه قبل أربعة أيّام في ظروف غامضة، عثر عليه جثة هامدة في بركة ماء على الطريق السريع الرابط بين منطقتي بوسماعيل وخميستي في ولاية تيبازة غرب العاصمة الجزائرية.
لم تكن جريمة الطفل «حسام» استثنائية في الجزائر، بل إن خطف الأطفال وقتلهم يمثّل، ومنذ أكثر من 4 سنوات، كابوسًا يؤرق العائلات الجزائرية.
الإعدام في الجزائر.. عقوبة محصورة على أمن الدولة لا أمن الأطفال
تستمر مآسي اختطاف الأطفال في الجزائر، فبعد بضعة أيام من اختفاء الطفل حسام بلقاسمي، وانتشار حملة واسعة للبحث عنه، عثرت مصالح الدرك الوطني على جثته في بركة ماء على الطريق السريع الرابط بين بوسماعيل و خميستي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية.
واختفى الطفل (حسام)، البالغ من العمر 8 سنوات، من بيته في مدينة بوسماعيل الساحلية بولاية تيبازة ظهر يوم الأربعاء الماضي، بعد خروجه من البيت، قبل أن يعثر عليه يوم السبت الماضي، وحضرت أسرته وبعض وسائل الإعلام عملية انتشال جثته من بركة ماء، إذ أكد أفراد من أسرته أن الجثة تعود فعلًا للصغير حسام.
واكتشف مواطن وجود جثة الطفل غير متعفنة في بركة ماء، ليعمل على إشعار السلطات المحلية، وقام الأمن الجزائري باعتقال ثلاثة أشخاص، يشتبه بمشاركتهم في عملية الاختطاف، وما يزال الرأي العام الجزائري في انتظار نتائج الطب الشرعي لتحديد سبب وفاة الطفل، وخلّفت حادثة الاختطاف هذه، غضبًا واسعًا في الجزائر، وتكرّرت المطالب في الشبكات الاجتماعية بضرورة إعدام مختطفي الأطفال، إذ تحضر الجزائر عقوبة الإعدام في حالات جد خاصة منها الجرائم التي تخصّ أمن الدولة.
تصريح وزير العدل حول قضية خطف الطفل حسام
أرقام مخيفة
ما زالت صور الأطفال «حسام، ونهال، وهارون، وإبراهيم، وأنيس، وياسر» وغيرهم العشرات معلقة في بعض شوارع الجزائر، وهم أطفال اختطفوا في الأربع سنوات الماضية، فلم يكن حسام الأول، ولا يبدو بحسب المراقبين أنه سيكون الأخير، بل هو واحد من سلسلة قصص اختطاف الأطفال واغتصابهم وقتلهم في الجزائر، وقد بلغت حصيلة عام 2016 وحده من هذه الجرائم 6193 حالة، بحسب مديرة المعهد الوطني للشرطة الجنائية التابع للمديرية العامة للأمن الوطني، العميد «خيرة مسعودان».
وأعلنت مسعودان في مؤتمر حول حماية الطفولة، أن مصالح الأمن الوطني رصدت 1695 طفلًا كانوا ضحايا لاعتداءات جنسية، و3740 طفلًا ضحايا اعتداءات جسدية، و642 طفلًا ضحايا سوء المعاملة، و39 طفلًا ضحايا القتل العمد، و14 طفلًا ضحايا الضرب المفضي إلى الوفاة.
وتقر السلطات الجزائرية أنه برغم مجمل التدابير القانونية والأمنية المتخذة للحد من ظاهرة الاعتداءات الجنسية والجسدية على الأطفال، فإن ارتفاعًا بنسبة 2% سُجل في 2016 مقارنة مع السنة السابقة.

بعض ضحايا الاختطاف في الجزائر. المصدر (النهار أون لاين)
وتظهر مقارنة الأرقام الأخيرة بالسنوات السابقة الزيادة الكبيرة في عدد ضحايا الظاهرة، ففي عام 2013 سجلت الجزائر 370 حالة، بينها أربع حالات قتل واغتصاب، و204 حالات اعتداء جسدي، مقابل 200 حالة اعتداء في 2011، و169 اعتداء على الأطفال عام 2010. في حين أنه بين أعوام 2001 و 2009 بلغ العدد 856 حالة اختطاف وفقًا لوزارة الداخلية الجزائرية.
السحر والشعوذة من أسباب اختطاف الأطفال
توصلت التحقيقات الواسعة والتحاليل الجنائية التي قامت بها مصالح الشرطة الجزائرية إلى أن السحر والشعوذة، تعد أحد أهم الأسباب التي تقف وراء عمليات خطف الأطفال، حيث بات همّ بعض الجزائريين بعد أن انقطعت أمامهم سبل النجاح في الظفر بزوج أو مهنة أو حتى أبناء إلى الجري وراء السحرة والمشعوذين، الذين غالبًا ما يطلبوا من زبائنهم إحضار أطراف بشرية لاستعمالها في السحر، وأمام هدف السحرة والمشعوذين، لا يهم إن كانت الطريقة قد تتحول إلى جريمة، المهم هو تنفيذ رغبة الساحر، وأمام غياب الرقابة انتشرت الظاهرة، وباتت من بين الدوافع الرئيسية لظاهرة اختطاف الأطفال، وفي العديد من الحالات كانت هي التي أدت إلى الاعتداء والتنكيل بعدد من الأطفال آخرها قضية الطفل «ياسين» من محافظة تيسمسيلت، وبعده الطفل «محمد ياسين» بمحافظة بشار الذي تعرض للحرق والتقطيع إلى أن ضاعت ملامحه لدرجة عجز فيها والداه عن التعرف عليه.
من يتحمل المسؤولية؟
في نظر الكثير من المحللين فإن أبرز من يتحمّل مسؤولية ازدياد حوادث الخطف في الجزائر هي الجهات الوصيّة، فالحكومة الجزائرية باتت تتحمل جزءًا كبيرًا مما يحصل من وجهة نظرهم، ومع أنها بادرت قبل مدة بتنظيم اجتماع يشمل الفاعلين في المجتمع لتقديم اقتراحات للخروج بحلول تنفيذية للحد من هذه الظاهرة، إلا أن التغييرات الحاصلة على المستوى الحكومي أجّلت تنفيذ توصيات الاجتماع، وبالتالي استمرت ظاهرتا الاختطاف والقتل وتزايدت.

من يتحمل مسؤولية خطف الأطفال؟ مصدر الصورة (الحياة)
ومن بين أبرز المقترحات التي تم تقديمها للحكومة هي «تطبيق برنامج الطوارئ المعتمد في كثير من دول العالم، والذي قد يسمح في نظر البعض بإنقاذ عدد كبير من الضحايا في عمليات البحث عبر تشكيل دائرة بحث مغلقة قطرها خمسة كيلومترات».
وفي السياق يشير رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الطب والبحث العلمي، مصطفى خياطي، إلى أن ظاهرة الاختطاف هي ظاهرة غريبة عن عادات وتقاليد المجتمع الجزائري، مؤكدًا انتشارها خلال العقد الأخير، ويرجع سبب انتشار هذه الظاهرة للأزمة التي مرت بها الجزائر خلال مرحلة التسعينيات في ظل موجة الإرهاب، أو ما بات يسمى بالعشرية السوداء، حيث خلفت هذه الأخيرة أزمات اجتماعية وسيكولوجية عديدة، أهمها الإرهاب والانحلال الأخلاقي والزحف الريفي نحو المدن، من وجهة نظره.
ويضيف بأنه ليس هناك حماية حقيقية للأطفال، وأن هناك تقصيرًا بتطبيق بنود الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، وهذا ما سهل برأيه حدوث حالات الاعتداء والاختطاف.
مطالب شعبية لإعادة تطبيق الإعدام في الجزائر
يتواصل مسلسل خطف الأطفال الدرامي في الجزائر، رغم الإجراءات التي وضعتها السلطات لوضع حد لهذه الظاهرة، مثل نظام الإنذار الوطني ضد خطف الأطفال، من دون أن يحد ذلك من استمرار الظاهرة، التي أضحت تؤرق العائلات، خاصة وأن الكثير من الأطفال اختطفوا من أمام المدارس في وضح النهار، هذا ما جعل المجتمع يدقّ ناقوس الخطر للمطالبة بإعدام الخاطفين.
وعاد مطلب تطبيق عقوبة الإعدام في الجزائر إلى الواجهة بقوة خلال الأيام الأخيرة، بعد اختطاف الطفل حسام بلقاسمي وقتله في محافظة تيبازة، وكان مواطنون وأقارب أطفال اختطفوا وقتلوا في السنوات السابقة، نظموا مسيرات في عدة مدن منها قسنطينة، وعنابة، ووهران، ومستغانم، كما نقلت وسائل إعلام محلية، وطالبوا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بتفعيل عقوبة الإعدام في البلاد، وهي المجمدة منذ سنة 1993، خاصًة ضد من يختطف الأطفال ويقتلهم، وأيدهم في ذلك متعاطفون وفعاليات من المجتمع المدني.
وأطلق روّاد مواقع التواصل الاجتماعي حملة موسومة بـهاشتاغ #الاعدام_لقاتلي_الأطفال_مطلب_شعبي، للمطالبة بتطبيق الإعدام في الجزائر على مختطفي الأطفال ليكونوا عبرة للآخرين بغية وقف تنامي هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع الجزائري، بحسب النشطاء.

جزء من مسيرة للمطالبة بالقصاص من مرتكبي جرائم خطف الأطفال. مصدر الصورة: (الشروق أونلاين)
الإسلاميون يدافعون عن تطبيق الإعدام في الجزائر
طرحت الأحزاب الإسلامية بقوة فكرة إعادة تفعيل عقوبة الإعدام بعد تزايد حالات اختطاف الأطفال وقتلهم، وفي هذا الصدد يقول النائب في البرلمان الجزائري نعمان لعور عن حركة مجتمع السلم (إسلامي) في تصريح لوكالة الأناضول: «نحن نطالب بتطبيق حكم الإعدام من منطلق أنه وسيلة من وسائل حماية المجتمع أولًا، وثانيًا نطبق ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى في هذا الجانب وهو الأعلم بما يفيد ويحمي الناس».
وردًا على من يقولون إن تنفيذ الإعدام لن يقضي على ظاهرة القتل، يضيف النائب عن حركة مجتمع السلم قائلًا: « ظاهرة القتل ستبقى، لكن الله لما أقر الحد فإن العبرة من ذلك هي النسبة، أي تقلص الظاهرة بطريقة كبيرة جدًا».
وتابع: «بالنسبة لقتل الأطفال ربما ستنعدم كلها، لأن القاتل لما يعلم مصيره وأنه سيقتل، سيردع عن ارتكاب الجريمة، لكن لما يعلم مسبقًا أنه حتى لو قتل فإنه لن يقتل فإن ذلك لن يردعه، وبالتالي فإن إقامة الحد ستقضي على التعسف في قتل الأبرياء، وبدلًا من أن نعذب مجتمعًا بأكمله ونتركه يعيش وسط الخوف لنحمي مجرمًا، علينا أن نردع هذا المجرم لحماية مجتمع بأكمله».
وأضاف المتحدث ذاته: «الأصل هو أن تلبي أي سلطة في العالم مطالب المجتمع، وإذا كان هناك من يقول إن الإعدام لن يحل المشكلة عليهم أن يجربوا أولًا ليروا النتائج في الميدان، وإن وقع اختلاف في هذا المجال على السلطة أن تجري استفتاءً حول تطبيق الإعدام أو لا، لا بد أن نجد حلًّا آخر اليوم».
[c5ab_facebook_post c5_helper_title=”” c5_title=”” id=”” url=”https://www.facebook.com/nordine0/posts/1516751771718707″ width=”446″ ]
الليبراليون يرفضون تطبيق حكم الإعدام
عارضت الأمينة العامة لحزب العمال المطلب الشعبي، بتطبيق حكم الإعدام ضد مختطفي الأطفال، وبررت (لويزة حنون) موقفها، بأن الإعدام لن يوقف جرائم الخطف أو القتل، ولو كان كذلك، لتوقفت الجرائم في أمريكا وفي الدّول التي ما زال يطبق فيها القصاص وأضافت: أن الجهات التي تطالب بتنفيذ حكم الإعدام، تحاول توظيف المآسي الاجتماعية واللّعب على العواطف من أجل الزج بالجزائر في خياراتها الإيديولوجية، وتقصد بذلك اليمين والأحزاب الإسلامية.
لويزة حنون ترفض الإعدام
وكانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قد أبدت معارضتها إعادة تفعيل عقوبة الإعدام، ووصفت الداعين إلى ذلك بـ«الدواعش»، وشدّدت الرابطة على أنّها غير مستعدة لـ«مسايرة مجموعة متعطشة للدماء وقطع الرؤوس مثل الدواعش».
منظمة العفو الدولية تطالب بتغيير حكم الإعدام بحكم المؤبد
عبرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) عبر مكتبها في الجزائر عن أسفها لتزايد إصدار القضاء لعقوبة الإعدام خلال العام الماضي، وأعلنت أن المحاكم الجزائرية أصدرت ما لا يقل عن 62 حكمًا بالإعدام العام المنصرم، استنادًا إلى تقارير وردتها عن وسائل الإعلام ومحامين وعائلات محكوم عليهم، وهو ما اعتبره رئيس مكتبها يونس سعدي رقمًا مرتفعًا مقارنًة بعام 2014 حين لم يتجاوز عدد الأحكام 16حكمًا، لكن هذه الأحكام لم تنفذ، وأكثرها كانت أحكامًا غيابية.
وسجل التقرير الدولي لمنظمة العفو الدولية عن الإعدام لسنة 2016 في العالم ، أن نسبة 37% لكل الحالات في العالم (باستثناء الصين) وقعت في إيران وباكستان والمملكة العربية السعودية، وأفادت العفو الدولية أنه خلال سنة 2016 تم إعدام ما لا يقل عن 1253 شخصًا، أي بانخفاض بنسبة 24٪ بالمقارنة مع السنة التي سبقت، وأشارت إلى أن هذا الرقم لا يشمل من أعدموا في الصين، حيث يرجح أن تكون آلاف إضافية ممن ينتظرون الإعدام قد أعدموا، كون البيانات المتعلقة بعقوبة الإعدام تعتبر من أسرار الدولة، حسب المنظمة.
وكان آخر حكم بالإعدام نفذ في الجزائر يعود إلى أكتوبر (تشرين الأول) 1993 ضد إسلاميين اتهموا بالوقوف وراء تفجير مطار هواري بومدين بالعاصمة، ومنذ ذلك الحين لم ينفذ حكم بالإعدام، وإن بقيت العقوبة في القانون، وما تزال تصدرها المحاكم في عدد من الجرائم الكبرى.