محاولات كويتية حثيثة لإعادة ترتيب الحياة اليومية على واقع الدخل الجديد المنخفض بسبب هبوط أسعار النفط، إذ بات التقشّف في البلاد أمرًا واقعًا يجب التعامل معه، ولكن يبقى السؤال هو «من يتحمل أعباء هذا التقشف؟» فالمواطن الكويتي قد يكون في حاجة لمزيد من الوقت؛ ليستوعب أنه سيتحمل أعباء الإنفاق، دون كثير من الدعم الذي كانت تتكفل به الحكومة.

وسيخرج الوضع الجديد المواطنين الكويتيين من حالة الاسترخاء التي دامت عقودًا إلى عالم قد يدفعهم إلى التخلي عن الكثير من الرفاهية، في حين يحاول الإعلام الحكومي الترويج للتقشف كنوعٍ من التضامن والشراكة بين الدولة ومواطنيها، في وقت قد تطول فيه أزمة تراجع أسعار النفط.

من جانبه، سعى
أمير الكويت، «صباح الأحمد الجابر الصباح»، إلى التأكيد على نفس المعنى، وذلك في 11 ديسمبر (كانون الأول) 2016، خلال كلمة له خلال افتتاح مجلس الأمة (البرلمان) الجديد، قائلًا «تخفيض الإنفاق أصبح أمرًا حتميًا»، مطالبًا المواطنين بـ«التخلي عن شيء من الوفرة».

وبالرغم من مطالبات الأمير بالتخلي عن شيء من الوفرة والاستعداد أكثر للتقشف، إلا أنه دعا الحكومة إلى «إيجاد وظائف للآلاف الذين يدخلون سوق العمل، وخلق فرص عمل حقيقية للشباب، وتطوير المناهج والتربية والتعليم».

وكغيرها من دول الخليج العربي، تواجه الكويت ظروفًا اقتصادية صعبة، في ضوء تراجع أسعار النفط منذ منتصف 2014، ولكن حكومة البلاد تعتمد في الوقت الحالي على الإصلاح الاقتصادي من خلال سياسات صندوق النقد الدولي، ما يُرجّح مزيدًا من الأعباء التي سيتحملها المواطن الكويتي خلال الفترة المقبلة.

وقدّرت الحكومة الكويتية العجز في موازنة 2017/2016، بنحو 12.2 مليار دينار (40.2 مليار دولار)، وذلك بعد أن أقرت في منتصف مارس (آذار) الماضي، خطة للإصلاح الاقتصادي، تُفرض فيها ضرائب على العديد من القطاعات، مع ترشيد النفقات، وتعظيم الإيرادات، وخصخصة مشاريع حكومية؛ في محاولة لتنويع الاقتصاد، وخفض الاعتماد على النفط والغاز.

وبات مواطنو الكويت يشعرون بوقع الأزمة مؤخرًا، خاصة مع اعتزام الحكومة اعتماد سلسلة رواتب جديدة لموظفي القطاع العام ستشهد انخفاضًا عما كانت عليه، وهو الاتجاه الذي شدد عليه صندوق النقد الدولي في توصياته الأخيرة للكويت.

اقتصاد الكويت بعيون النقد الدولي

وفي السادس من يناير (كانون الثاني) 2017، اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاوراته مع الكويت، مُصدرًا في17 يناير (كانون الثاني) 2017، تقييم وتوصيات خبراء الصندوق.

وأشار الصندوق في تقريره إلى انخفاض النشاط الاقتصادي بالقطاع غير النفطي، من 5% إلى 3.5% في 2015، كما أن المؤشرات تشير إلى تراجع إضافي هذا العام، مُؤكدًا على أن استمرار انخفاض أسعار النفط لفترة أطول، سيفرض اتباع استراتيجية إصلاح ذات المحاور الستة التي وضعتها الحكومة، وهي:

1. تشجيع القطاع الخاص على القيام بدور أكبر في تحقيق النمو، وتوفير فرص عمل للمواطنين.

2. ترشيد الإنفاق الجاري، بما في ذلك الإصلاحات الأخيرة في أسعار البنزين والمرافق.

3. تدابير تسهيل إجراءات ترخيص الأعمال، تمثل خطوات في الاتجاه الصحيح.

4. الحفاظ على توافق الآراء لصالح التحول الاقتصادي والحفاظ على زخم الإصلاح هي أمور هامة لنجاح هذه الاستراتيجية.

5. التقليص التدريجي للدعم المقدم للوقود والكهرباء والسيطرة على فاتورة الأجور من خلال إصلاح مُصَمَّم جيدًا بحيث يتجنب مسبقًا ارتفاع التكاليف.

6. تنويع الإيرادات بعيدًا عن النفط من خلال استحداث ضريبة القيمة المضافة وضريبة على أرباح الأعمال، وكذلك إعادة تسعير الخدمات الحكومية.

وقال الصندوق: إنه على الحكومة الكويتية «ترتيب تسلسل هذه المحاور؛ لتحقيق التوازن بين توليد وفرات مالية، وتحقيق العدالة بين الأجيال وتخفيف الآثار السلبية لضبط أوضاع المالية العامة على النشاط الاقتصادي».

ويرى صندوق النقد الدولي أنه من الضروري التوسع في عمليات الخصخصة وعلاقات الشراكة مع القطاع الخاص لدفع الإنتاجية، وزيادة دور القطاع الخاص في الاستثمار، وتوفير فرص عمل للمواطنين.

وتشكل الإيرادات النفطية نحو 92% من إجمالي الموارد الكويتية، بينما يبلغ الدعم الحكومي لأسعار الوقود والكهرباء والمياه نحو 18 مليار دولار، قبل رفع أسعار البنزين، بعد أن سجلت أول عجز في ميزانيتها منذ 16 عاما بالعام المالي 2015-2016.

عصر الرفاهية انتهى

وتثير الخطوات والمؤشرات الظاهرة في تقديرات «النقد الدولي»، مخاوف المواطن الكويتي، الذي تعوّد على حياة الرفاه؛ إذ يرى عضو غرفة التجارة والصناعة، عبدالله نجيب الملا، أن «الرفاهية التي كان يعيشها المواطن الكويتي بفعل الدعم الحكومي ستنتهي».

«الملا» قال خلال تصريحات صحافية: إن «المواطن سيكون المتضرر الأول من إجراءات التقشف»، فيما أكد المواطن الكويتي فهد المطيري، على أنّ «عصر الرفاهية انتهى في دول الخليج»، موضحًا أن حياة الشباب الكويتي باتت أكثر صعوبة في ظل ارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل.

في المقابل يرى ستيفان رودية، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للكويت، أن البلاد لا تزال قادرة على احتواء أثر انخفاض أسعار النفط، وذلك بفضل احتياطياتها المالية الكبيرة ومستوى مديونيتها المنخفض، لكنه أوصى بمزيد من الخفض في دعم الطاقة والسيطرة على فاتورة الأجور.

وتأتي المطالبات المستمرة لخفض دعم الطاقة، في ظل وصوله إلى نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي في2015/2016.

التضخم الأعلى في الخليج

ويكشف التضخم، على التأثير المباشر الذي حدث جراء سياسة التقشف، إذ تُظهر بيانات الإدارة المركزية للإحصاء في الكويت، ارتفاع التضخم إلى 3.77% خلال سبتمبر (أيلول) 2016، مُسجلًا الرقم القياسي لمجموعة الأغذية والمشروبات، التي ارتفعت في شهر سبتمبر(أيلول) 2016 بنسبة 0.59%.

وكانت مجموعة خدمات المسكن، هي الأولى من حيث الوزن الترجيحي، مُشكّلة 7.12% من إجمالي إنفاق المستهلك، إذ بلغ معدل التضخم بها نحو 1.9 % في سبتمبر (أيلول) 2016، مقارنة بسبتمبر (أيلول) 2015، فيما يعتبر بند الإيجار الفعلي هو السبب الرئيس لهذا التغيّر، فقد ارتفع بنسبة 62.9 % في سبتمبر (أيلول) 2016.

وبحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء في الكويت، فإن البلاد هي صاحبة أعلى معدل تضخم، مقارنة بمعدلات التضخم المسجلة لدول مجلس التعاون الخليجي في سبتمبر (أيلول) 2016.

وكانت الكويت قد بدأت في بداية سبتمبر (أيلول) 2016، في العمل بأسعار البنزين الجديدة التي تمثل زيادة بنسبة 61% لنوع البنزين 95، وهو الأكثر استهلاكًا في البلاد، إذ ارتفع سعره إلى 105 فلوس للتر الواحد «35 سنتًا أمريكًا» بزيادة 61% على السعر السابق، ويبلغ متوسط الاستهلاك اليومي من البنزين في الكويت 11.2 مليون لتر، منها 9.1 ملايين لتر من البنزين 95، وهي الخطوة التي ساهمت في ارتفاع التضخم بالبلاد.

الإصلاح من جيوب المواطنين

في الخامس من يناير (كانون الثاني) الجاري، وصفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، في تقرير نشر على موقعها الإلكتروني، الإجراءات التي ستُنفّذ في الكويت بـ«الصعبة»، مُرجحة أن تجد معارضة شعبية قوية، «فالعمل بوظيفة حكومية لنحو ثلاث ساعات يومية، لم يعد ممكنًا بعد ذلك في ظل الأوضاع الحالية»، بحسب الصحيفة الأمريكية.

واعتبر البرلماني محمد دلّال ل«وول ستريت جورنال»، أن طريقة الإدارة الحالية «عائق أمام تطبيق إصلاحات»، مشيرًا إلى أن الحكومة تنفق مئات الملايين على أمور وصفها بـ«الثانوية»، مثل رواتب المسؤولين الكبار ومكافآتهم، قائلًا «الشباب باتوا عدائيين، ويريدون وظائف؛ ليحصلوا على منازل».

«المواطن الكويتي لا يمانع من دفع الرسوم، ولكن بشرط: أن يرى أولًا انخفاضًا في مستوى الفساد، وارتفاعًا في مستوى الإنجاز»، هكذا قالت النائبة صفا الهاشم للصحيفة، موضحه أنه لا يجب أن تتم إعادة هيكلة الإنفاق، ورفع الناتج المحلي الإجمالي من جيوب المواطنين الكويتيين.

وبعد نحو أربعة أيام على تقرير وول ستريت جورنال، ذكرت مجلة «فوربس»، أن الكويت «تتجه بثبات في الطريق الخاطئ»، وذلك بحسب مؤشر الحرية الاقتصادية، فبعد أن كانت تحتل المرتبة 92 عالميًا في 1980، استطاعت في عام 2000 لترتفع إلى المرتبة 41، لكن سرعان ما عادت للتراجع في عام 2010 لتحل في المركز 52، ثم المرتبة 63، في عام 2013، و71 في عام 2014 وهو العام الذي تتوافر فيه أحدث الأرقام.

ونقلت فوربس عن «كريستيان كوتيس»، من معهد «بيكر»، قوله: إن «سياسة الحكومة لجأت إلى الحذر المفرط، وذلك بالمقارنة بالإصلاحات في دول خليجية أخرى».

وعلى عكس كوتيس، رأت «رويترز» أن الكويت كانت أسرع من نظيراتها، في المنطقة، في تطبيق تخفيضات مؤلمة في الإنفاق، وذلك بالرغم من متانة مركزها المالي مع دين أقل من 20%، من الناتج المحلي الإجمالي، وامتلاك نسبة 6% من إجمالي الاحتياطيات النفطية في العالم، وكذلك امتلاكها أصولًا تبلغ قيمتها أربعة أضعاف حجم اقتصادها.

وفي حديث لوكالة الأنباء الكويتية «كونا»، اعتبر رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب في شركة «أرزان»، جاسم زينل، أن توصيات صندوق النقد الدولي تصب في مصلحة الكويت، مطالبًا الإسراع في تطبيق هذه المعايير، «لتفادي الزيادة في العجز والمساهمة في تخفيض المصروفات».

هذا، ورأى عبد الرحمن الهدلق الرئيس التنفيذي لشركة الفارابي للاستثمار، أن «الكويت لديها ملفات كثيرة بها هدر، والأولى وقف الهدر قبل أن تتجه الحكومة للمواطن من خلال برنامج التقشف».

تحميل المزيد