بمجرد وقوع تفجيري برج البراجنة في الضاحية اللبنانية، بثت قناة الجديد الحدث مباشرة، في هذا البث هتف أنصار حزب الله ضد الوهابيين، وهتفوا “لبيك يا زينب”، ثم استغرق الأمر ساعة واحدة لإعلان أسماء وتوجهات المتهمين في حادث الانفجار!
فرغم تبني تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” للحادث، إلا أن حزب الله لم يترك الفرصة لاستثمار الحادث من أجل تعزيز وضعه السياسي، في وقت يتدهور وضع الحزب داخل لبنان وخارجه بشكل أساسي بسبب مشاركته في الحرب السورية. هذا التقرير يلقي الضوء على الأوضاع الحالية لحزب الله وأهم انعكاسات المشاركة في الحرب السورية على الحزب.
(1) خسائر تدخل حزب الله في سوريا
“من يفكر أن يتراجع فهو كمن يترك الحسين ليلة العاشر في وسط الليل”، “الحرب في سوريا حرب وجودية”، هذا التصريح الذي قاله الأمين العام لحزب الله اللبناني يمثل حقيقة قوية بأن الحزب ليس باستطاعته التراجع عن المعركة في سوريا لأنها مصيرية بالنسبة له كحليف لإيران والنظام السوري.
يقول المحللون أن الدافع الرئيسي وراء مشاركة الحزب في الصراع السوري، هو السلاح الإيراني الذي يزود به الحزب ويعتبر منبع قوته في الداخل والخارج اللبناني، إذ أن هذا السلاح المار عبر سوريا ويخزّن وتُدرب قواته فيها، سيتأثر في حال سقوط النظام السوري.
مقابل هذا الإصرار لمدة أربع سنوات، خسر حزب الله الكثير على عدة أصعدة، مالية وسياسية وشعبية، فأكثر من 50 في المائة من شيعة لبنان قالوا في استطلاع رأي إنهم يعرفون شخصًا “استشهد” في الحرب، كما دفع تورط الحزب إلى طلبه من الحرس الثوري الإيراني زيادة عدد الخبراء العسكريين والمقاتلين الإيرانيين بعد أن زاد عدد قتلاه، وتراجع عن فكرة استقدام مقاتلين شيعة من العراق نتيجة عدم فعاليتهم في القتال.
تقول لينا الخطيب مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط: “في البداية، ظنّ حزب الله وإيران أنهما سيتمكّنان من التغلّب بسهولة على المعارضة السورية، على أساس تجربة إيران الخاصة في سحق “الحركة الخضراء” في العام 2009 ولكن تكبّد حزب الله أيضًا خسائر مادية كبيرة في سورية. وبسبب عدم قدرة النظام السوري على مواجهة التحدّيات العسكرية المختلفة، بات لزامًا على الحزب زيادة مستوى مشاركته، حيث أرسل المزيد من القوات للقتال في سورية، بما فيها قوات النخبة وكذلك المقاتلين الشباب”. وتضيف: “تكبد حزب الله خسائر في الأرواح تقدّر بالآلاف، ربعهم من قوات النخبة في الحزب”.
وفيما يتعلق بالانفجار الأخير في الضاحية، فقد أكد الناشط السياسي اللبناني ميراز الجندي أن: “هذا التفجير مخطط له سيما وأن الجميع يعرف الانغماس القذر لحزب الله الإيراني في لبنان في الوحول السورية”، وتابع القول: “من الطبيعي استهداف طابور خامس أو جماعات إرهابية تستهدف “الخاصرة الرخوة” للحزب وهي الضاحية الجنوبية لأن من يزرع القتل سوف يحصد الإرهاب، ولكن الخاسر الأكبر لبنان الذي يدفع ثمن تفلت السلاح وغياب هيبة وسلطة الجيش والدولة”.
(2) هل يمكن أن ينعكس التدخل الروسي في سوريا سلبًا على حزب الله؟
كطوق نجاة، اعتبر التدخل الروسي في سوريا لصالح حزب الله، فسارع أمينه العام حسن نصر الله للترحيب بهذا التدخل، متوقعًا بأن ينجح الروس في إنقاذ الأسد وحلفائه من بين براثين المعارضة السورية وتنظيم داعش.
في البداية لم يلتفت الحزب إلى الأصوات القليلة فيه التي تخوفت من هذا التدخل وانعكاسه على مصير الحزب، خاصة أنه جعل سوريا محل تنافس عسكري بين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، الآن تتمركز القوات الروسية في منطقة الساحل السوري، إذ أنشأت هناك غرفة العمليات الرئيسية لها، بينما تتمركز عناصر حزب الله لحماية دمشق وربطها بمنطقة الزبداني وبالطريق الواصل إلى لبنان، لذلك أصبح عناصر حزب الله يواجهون صعوبات لوجستية في القتال والحركة داخل سوريا.
وأخذت الأيام الأخيرة تؤكد أكثر أن “حزب الله” لم يجد بالتدخل الروسي ما أمِل به من خروج من ورطة بسوريا، إذ وسع هذا التدخل الحرب وعقدها، وأصبحت سوريا ساحة عسكرية كبيرة بين دول كبرى لا تبحث سوى عن مصالحها، وأخذ دور إيران وحلفائها يتحول إلى ورقة بيد روسيا، يقول الكاتب حازم عياد في مقاله “أوراق التفاوض الروسية الإيرانية”: “طهران التي دفعت الغالي والنفيس مع حليفها حزب الله للحفاظ على نظام الأسد وإبقائه لاعبًا سياسيًّا وأمنيًّا لتحسين موقعها الإقليمي وقدراتها التفاوضية، تحولت إلى جانب حليفها فاعلين سياسيين وعسكريين إقليمين إلى مجرد جنود وقرابين في المعركة في أعقاب التدخل الروسي، مع احتمالات كبيرة لتدهور مكانة طهران وحزب الله إلى ما هو أسوأ من ذلك”.
وأخذ المحللون يؤكدون أن: “دور حزب الله في الحرب السورية بات هامشيًا، أو بالحد الأدنى خاضعًا للأولويات الروسية في الميدان ومفاوضات الحل السوري”. وزاد من مخاوف الحزب ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن، “روسيا لا تفرق ما بين جماعات شيعية وسنية”، ما يعني أن موسكو لم تتحرك لدعم أجندة حزب الله وإيران في تمكين الطائفة من حكم سوريا، وهذا ما ضأل “فرصة تحقيق أحلام حزب الله بإقامة دولة طائفية تعود بالولاء الكامل للمرجعية في إيران”.
كما يتخوف الحزب – حسب المحللين – من إمكانية إقدام روسيا على عقد اتفاق دولي مع دول غربية وعربية للتوصل إلى حل سياسي لا يريد إعطاء أي نفوذ لإيران في سوريا، وحسب تقرير أعده مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية أن: “ما يثير مخاوف الحزب أن روسيا ربما تقبل بحل سياسي يقوم في أول شروطه على إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، ثم المرور إلى تهيئة أجواء مصالحة وطنية بين مختلف فرقاء الأزمة السورية”.
ولا نستبعد في الحديث عن أثر التدخل الروسي على حزب الله أهمية الإشارة إلى أن هناك تخوفًا إيرانيًّا ومن قبل حزب الله من حدوث تعاون استخباراتي بين دولة الاحتلال وروسيا يؤدي في النهاية إلى إكساب موسكو المزيد من المعلومات حول القدرات العسكرية لحزب الله وخطوط السير الخاصة بقواته، وهو ما تخشى إيران أنه يمكن أن يتم تمريره إلى دولة الاحتلال بشكل أو بآخر، ويزيد هذا التخوف مع الكثير من التحركات المشتركة بين الجانبين التي أكدت فيها كل من روسيا ودولة الاحتلال على الحرص على مصالحهم المشتركة.
(3) في الداخل: هل يواجه الحزب أزمة ثقة؟
لا يُنكر أن حزب الله نجح في زرع ثقافة الاستشهاد في أتباعه من الشيعة بشكل كبير، سواء في معاركه الأولى مع الاحتلال الإسرائيلي، أو خلال مشاركته في الحرب السورية، لكن يبدو أنه مع استمرار الحزب في حربه بسوريا بدون تحقيق أي نصر ملموس مقابل سقوط العديد من المقاتلين أنصاره في سوريا، غيّر درجة الثقة التي أولتها العائلات الداعمة لهذا الحزب، فاتورة الحرب باهظة، لذلك أخذت الكثير من العائلات اللبنانية تمنع أبناءها من الانضمام للقتال مع الحزب.
برز ذلك بشكل واضح بعد مشاركة الحزب في عمليات القلمون التي ورطت الحزب أكثر بسوريا، إذ تشير تقارير لبنانية إلى أن الحزب فقد أكثر من ألف قتيل من ميليشياته في سوريا، وكان أكثر قتلاه في معارك القصير(2014) والزبداني (2015) فهذه الخسائر المتكررة زادت من السخط الشعبي الشيعي اللبناني على وجه التحديد.
كما أن الفساد والمحسوبية التي استشرت بالحزب زادت وتيرتها، إذا تقول مصادر لبنانية إن: “الحزب عمد إلى سحب قيادات ومقاتلي النخبة لديها من سوريا، والإبقاء على بعض المتطوعين والمقاتلين العاديين، ثم أخذ يجند القاصرين، ويزج بهم في ساحات الحرب”، لذلك أخذ أهالي المقاتلين يطردون الوفود الرسمية لحزب الله أثناء حضورهم تشييع المقاتلين، وتذكر مصادر لبنانية إن: “قيادات الحزب باتت تتحرى أوضاع عائلات المقاتلين الذين يسقطون في سوريا٬ قبل الذهاب لتقديم واجب العزاء٬ بعد أن سمع الكثير منهم انتقادات لاذعة من أهالي عدد منهم٬ كانوا رافضين لمشاركة أبنائهم في الحرب السورية”.
لمواجهة ذلك، لم يعد يكتفي الحزب في الآونة الأخيرة بزيارة عائلات المقاتلين٬ وتقديم الدعم المعنوي، وتعبئتهم للانتقام، بل أخذ يقدم المال لمن يُقتل أو يصاب في معاركه، بل بات يشتري بيتًا لذوي من يسقط في سوريا، وليس له بيت، وخصص أكثر من50 ألف دولار كمساعدة لعوائل القتلى٬ وقدم المتاجر التي يمتلكها مؤيدون للحزب تسهيلات وتخفيضات للمقاتلين.
(4) هل ورط حزب الله لبنان كطرف في الصراع السوري؟
الآن، يعتمد تنظيم حزب الله اللبناني على ركيزة مفادها أن مشاركته في الحرب السورية تأتي لحماية لبنان الدولة والشعب من المجموعات المتطرفة، وأولها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” و”جبهة النصرة”، إذ يرى المحللون والعسكريون اللبنانيون أن: “معركة الحزب ضد التنظيم تأتي في إطار بحث “نصر الله” عن مبرر يقنع به حاضنته والأوساط اللبنانية لتدخله في سوريا، خصوصًا مع اتساع رقعة الاحتجاجات الرافضة لتدخل قواته بالحرب السورية”.
ويأخذ الحزب بالتبرير الممنهج بأنه يعمل من أجل وقف تقدم “داعش” في شمال سوريا “ريف حمص” لصد داعش من الوصول إلى حمص ومن ثم الحدود اللبنانية الشمالية٬ وتقول مصادر لبنانية إن: “الحزب يولي أهمية قصوى حاليا لضبط أي حالة استياء في صفوف جماهيره التي يحرص كل الحرص على أن تبقى داعمة لمشاركته بالحرب السورية٬ لذلك يتم التركيز خلال مجالس عاشوراء حاليًا على أهمية استمرار الحزب بحربه هناك والإصرار على الحديث عن إنجازات تتحقق خاصة لجهة حماية لبنان من الخطر الإرهابي”.
ويبدو أن هذا التبرير أتى على عكس ما أراد حزب الله، إذ أن قتال الحزب لداعش جعل لبنان بلدًا مستهدفًا على نحو متزايد للتنظيمات “المتشددة”، وأخذت المواجهات بين الحزب وتنظيم “الدولة الإسلامية” في المناطق الحدودية اللبنانية السورية تتسع رقعتها الجغرافية، وأصبحت هذه التنظيمات تضرب لبنان لسبب رئيسي وهو مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب الأسد، وأدرك اللبنانيون ذلك جيدًا، وهذا ما يؤكده زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن “ديفيد شينكر” حين قال: “بدأ اللبنانيون الشيعة يقرون بشكل متزايد بأن مغامرة الحزب في سوريا شجعت الجهاديين السنة في سوريا على مهاجمة الشيعة في لبنان، بالإضافة إلى أنها أضرت بالعلاقة مع باقي اللبنانيين. ولعل هذا هو السبب الذي دفع بـ60 في المائة من الشيعة إلى القول إنهم يرغبون في أن يكون الجيش اللبناني هو الجهة المسلحة الوحيدة في لبنان بحلول عام 2025”.
أما فيما يتعلق بالجيش اللبناني الذي يعمل على إحباط العشرات من محاولات الهجوم داخل لبنان، فيرى المراقبون أنه: “يدفع ضريبة تورط حزب الله في الحرب السورية وما له من تبعات سلبية في توسيع دائرة الإرهاب في لبنان”، ويقول هؤلاء أن: “الجيش اللبناني مقبل على مرحلة صعبة لضبط الأمن خاصة مع رجوح قيام التنظيمات الإرهابية بعمليات في الداخل اللبناني انتقامًا من دور حزب الله العسكري في سوريا”.
(5) بين حزب الله ودولة الاحتلال الإسرائيلي
خلال سنوات مشاركته في الحرب السورية، وجهت دولة الاحتلال الإسرائيلي ضربات موجعة لحزب الله، ليس بآخرها قتل القيادي فيه جهاد عماد مغنية، خلال غارة جوية إسرائيلية شنت على مدينة القنيطرة السورية (يناير الماضي).
لم يفعل حزب الله إلا المزيد من التوعد والتهديد واستعرض العضلات أمام الكيان الإسرائيلي، ففي مايو الماضي، أخذت صحيفة (السفير) اللبنانية – مقربة من حزب الله – تستعرض قوة الحزب واستعداده لخوض حرب ضروس مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، تحدث تقريرها عن مواصفات المخابئ الجاهزة للقتال والأنفاق التي تم بناؤها، وكيف أصبح مقاتلو الحزب بأعلى المستويات القتالية.
ورغم التهديد المستمر من قبل حزب الله للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الإسرائيليين يعتبرونها “لا تعدو الفرقعات الإعلامية”، ويؤكد تقرير أعدته صحيفة “يديعوت آحرنوت” الإسرائيلية: “بأن حزب الله اللبناني يعاني من حالة ضغط كبيرة، بالتزامن مع مناورات الجيش الإسرائيلي للتدرب على القتال في الجبهة الشمالية”، وتابعت بأن: “الوضع في سوريا يتفكك وأن وضع جيش النظام السوري صعب، وحزب الله هش أكثر من أي وقت مضى”.
ويرى مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” ميتش جينسبرج أنه في الوقت الذي يقوم فيه حزب الله بالاحتفال بمرور 15 عامًا على الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، يتواجد حزب الله الآن في وضعية مختلفة تمامًا، وهنا يمكن الإشارة إلى ما أسلفنا إليه وهو أن إيران وحزب الله يخشيان من أن التعاون الاستخباراتي بين دولة الاحتلال وروسيا قد يؤدي تبعًا للمصالح المشتركة بين الطرفين إلى إكساب روسيا معلومات خطيرة تتعلق بالقدرات العسكرية لحزب الله وخطوط السير الخاصة بقواته، والتي ستقوم روسيا بتمريرها للاحتلال بكل سهولة.
علامات
editorial, أسئلة تشرح لك, أنصار, إيران, الرئيس اللبناني, الشيعة, الوضع الداخلي, حزب الله, دولي, روسيا, سوريا, لبنان, مقاتلي