يقول المثل الشعبي الدارج في مصر: «الضرب في الميت حرام»، وربما ينطبق تمامًا معنى هذا المثل على الاقتصاد اللبناني مع إقرار الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات جديدة على حزب الله، إذ أقرت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، مؤخرًا، مشروعي قانونين لتشديد العقوبات المفروضة على حزب الله اللبناني، وهذا استكمالًا لسلسلة العقوبات الأمريكية على حزب الله، ولكن في الواقع ربما لن يتضرر حزب الله من هذه العقوبات بل إن الاقتصاد اللبناني سيكون صاحب نصيب الأسد من الخسائر، وذلك في الوقت الذي يرى محللون أن الإدارة الأمريكية تستهدف إيران بهذه العقوبات.
وشمل مشروعا العقوبات إجراءات أوسع، وأشخاصًا ومؤسسات على ارتباط بحزب الله ودول خارجية داعمة له، وشملت رزمة العقوبات الجديدة في الكونجرس تجميد الأصول، وحجب التعاملات المالية، ومنع إصدار تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة، وكذلك مؤسسات تابعة لحزب الله مثل «بيت المال» و«جهاد البناء» و«هيئة الدعم» و«قسم العلاقات الخارجية في الحزب» و«المنظمة الأمنية الخارجية»، إضافة إلى قناة «المنار» وإذاعة «النور» و«المجموعة اللبنانية للإعلام».
ويعد حزب الله المدعوم من إيران عدوًا رئيسيًا للولايات المتحدة، بينما يتمتع بنفوذ كبير في حكومة الوحدة الوطنية في لبنان غير أن واشنطن تعتبره جماعة إرهابية، ويقول مسؤولون أمريكيون إن حزب الله لا تموله إيران فحسب بل شبكات من الأفراد والشركات اللبنانية والدولية، وكان قانون منع التمويل الدولي لحزب الله الصادر في أمريكا عام 2015 استهدف قطع مصادر تمويل الجماعة في مختلف أنحاء العام، وفي يوليو (تموز) اقترح أعضاء في الكونجرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تعديلات لتشديد القانون.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال خلال مؤتمر مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في البيت الأبيض، في يوليو (تموز) الماضي إن حزب الله يشكل «تهديدًا» للشرق الأوسط برمته، مضيفًا أنه «يقوم بتأجيج كارثة إنسانية في سوريا بدعم من إيران»، واتهم ترامب الرئيس السوري بشار الأسد بارتكاب جرائم «فظيعة» ضد الإنسانية، وهو ما يوضح اتجاه الإدارة الأمريكية الحالية صوب حزب الله.
العقوبات.. مأزق جديد أمام اقتصاد مُتداعٍ
وقبل تشديد العقوبات، كان ماتياس أنجونين، المحلل بمؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية، قال إنه «حتى الآن نجحت السلطات اللبنانية في الحد من تداعيات العقوبات الأمريكية على البنوك اللبنانية» وذلك في الوقت الذي يدور مبعث الخوف الرئيسي لدى السلطات اللبنانية من احتمال أن تعتبر بنوك المراسلة الأمريكية أن المعاملات مع البنوك اللبنانية تمثل مجازفة، وذلك في الوقت الذي تواجه فيه البنوك الأمريكية غرامات ضخمة إذا تبين أنها تتعامل مع أشخاص أو شركات مفروض عليها عقوبات.
ولكن مع تشديد العقوبات بات ذلك الأمر يمثل إضعافًا للاقتصاد الذي يعتمد على الودائع الدولارية التي يحولها اللبنانيون في الخارج، بينما لم تفلح الضغوط التي مارستها الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي والبنوك الخاصة على الساسة والبنوك في الولايات المتحدة هذا العام، وما زالت تمارس ضغوطها لإقناع واشنطن بالموازنة بين موقفها المتشدد المناهض لحزب الله وضرورة الحفاظ على الاستقرار في البلاد.
ومن جانبه يرى مصطفى عبد السلام، الكاتب الاقتصادي ورئيس قسم الاقتصاد بصحيفة «العربي الجديد»، أن العقوبات التي فرضتها لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس على حزب الله غير فعالة وليس لها تأثير، إذ إن الحزب والمحسوبين عليه وقياداته ليس لهم ودائع في البنوك الغربية وليس لهم أصول مالية، وبالتالي فإن هذه العقوبات ما هي إلا نوع من الضغط النفسي على حزب الله.
وتابع خلال تصريحات خاصة لـ«ساسة بوست»، أن تأثيرات القرار الأمريكي ستكون على الاقتصاد اللبناني نفسه إذ إن اقتصاد وأصول حزب الله جزء من هذا الاقتصاد فالحزب يملك أصولًا ضخمة وشركات صرافة ومساهمات في بنوك وشركات مالية وعقارات وودائع، وبالتالي فإن تشديد مثل هذه العقوبات سيضر بالاقتصاد اللبناني المتداعي أصلًا حيث يواجه مشاكل عديدة منها ضخامة الدين الخارجي والمحلي وتراجع الاستثمارات الأجنبية والخليجية والركود وتباطؤ قطاع السياحة، وزيادة البطالة، وتراجع الدعم الدولي خاصة من السعودية.
وأضاف عبد السلام أن ضخامة الأعباء المترتبة على استضافة اللاجئين السوريين تعقد الأزمة بالاقتصاد اللبناني، ناهيك عن انتشار عمليات غسل الأموال في لبنان، وهو ما يمكن أن يقلل من فاعلية العقوبات الأمريكية فحزب الله يمكنه نقل أصوله وودائعه حتى في لبنان لأسماء وشخصيات غير محسوبة عليه.
ولم يكن ينقص الاقتصاد اللبناني مثل هذه العقوبات، إذ تعاني البلاد من واحد من أعلى معدلات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، بالإضافة إلى ضعف النمو بسبب أثر الحرب الدائرة منذ ست سنوات في سوريا والصعوبات التي تواجهها الحكومة في الاتفاق على إصلاحات ضرورية.
البروفيسور جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي اللبناني حذر من أن المخاطر الأساسية للقانون الجديد ليست في إضافة أسماء جديدة على لائحة العقوبات فحسب، بل في آلية تطبيق العقوبات، إذ احتوى القانون الأول على ثغرات سمحت لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أن يُطبّق القانون بنعومة كبيرة من دون أن يكون هناك مواجهات داخلية، لكن «المُشكلة اليوم تكمن في آلية تطبيق العقوبات على أشخاص رسميين تابعين للدولة من وزراء ونواب وبلديات».
ويضيف عجاقة حول التزام لبنان بتطبيق العقوبات: «لا يُمكننا حتى التفكير بهذا الأمر لأن عدم الالتزام يعني القضاء على القطاع المصرفي اللبناني، ومعه الاقتصاد المحلي خصوصًا وإنه اقتصاد مُنفتح على الاقتصاد العالمي وأكثر من 90% من استهلاكه مُستورد».
ومع هذا المأزق، تشهد معدلات الفقر في لبنان تزايدًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، تزامنًا مع أوضاع اقتصادية صعبة وتباطؤ معدلات النمو إلى 1% من متوسط بلغ 8% قبل الحرب السورية، وسط الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والمواد الاستهلاكية والإيجارات، مع تزايد الطلب بسبب النزوح السوري، فضلًا عن انخفاض الأجور إذ يبلغ الحد الأدنى 450 دولارًا.
إذ يقول غازي وزني، الخبير الاقتصادي في حديث له مع وكالة «الأناضول» التركية إنه خلال السنوات الخمس الأخيرة ارتفع عدد الفقراء في لبنان ليقارب نحو 32%، منهم 8% يعيشون تحت سقف الفقر والفقر المدقع، بأقل من دولارين ونصف يوميًا، بينما يعيش 24% تحت سقف الفقر الأعلى، بأقل من أربعة دولارات يوميًا، وترجع هذه الزيادة بشكل رئيسي إلى ارتفاع البطالة بشكل ملحوظ بسبب النزوح السوري، إذ إن عدد العاطلين عن العمل زاد من 11% من إجمالي القوى العاملة إلى 25%.
ويأتي تشديد العقوبات بعد أن كانت لبنان تأمل في استقرار اقتصادي ولو بشكل طفيف، بعد أن أقر مجلس الوزراء اللبناني، في نهاية مارس (آذار) الماضي ميزانية الدولة لعام 2017، والتي تعد الأولى في البلاد منذ 12 عامًا، إذ لم يوافق لبنان على ميزانية للدولة منذ عام 2005 بسبب الخلافات السياسية بين الأطراف المتنافسة، وكانت نفقات لبنان في ذلك الحين بلغت 10 تريليونات ليرة لبنانية (6.6 مليار دولار)، أما اليوم فتصل النفقات الجارية للدولة 24 تريليون ليرة لبنانية (15.9 مليار دولار)، مقابل إيرادات نحو 16.500 تريليون ليرة (10.9 مليار دولار سنويًا) ما يعني أن العجز يقترب من 8 تريليونات ليرة (5.2 مليار دولار).
للتفاصيل أكثر اقرأ أيضًا:
يشار إلى أنه في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، بلغ الدين العام الإجمالي 112.375 تريليون ليرة (74.5 مليار دولار)، بحسب تقرير صادر عن جمعية المصارف في لبنان (خاصة)، وهو ما حذر صندوق النقد الدولي منه منتصف الشهر الماضي، مطالبًا لبنان السيطرة على ديونه السيادية، موضحًا أن «الأوضاع الاقتصادية تبقى صعبة» والنمو الاقتصادي سيتراجع هذا العام مع عجز في الميزانية يترك البلاد في وضع ضعيف ويرفع الدين إلى 148% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016، وهو ما يمثل ثالث أعلى مستوى للدين من حيث معدله إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، بينما توقعت وكالة «موديز» أن تصل الديون إلى 140% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل 2018.
ما هي علاقة إيران بالعقوبات على حزب الله؟
خلافًا لإدارة باراك أوباما السابقة، اعتمدت إدارة دونالد ترامب موقفًا عدائيًا تجاه إيران وانتقدت الاتفاق النووي بشدة، وذلك من قبل وصول ترامب إلى رئاسة أمريكا، ولكن ما هي علاقة إيران بحزب الله؟
في الواقع وكما يقول محلل فرنسي مطلع على الملف اللبناني إن الكونجرس الأمريكي يريد ضرب إيران عبر «حزب الله»، ولهذا السبب قررت لجنة الشوؤن الخارجية الأمريكية العقوبات على الحزب، لافتًا إلى أن باريس قالت للجانب الأمريكي على مستوى الإدارة «إن العقوبات لن تؤثر في حزب الله، ولكنها ستقضي على الاقتصاد اللبناني».
نفس الأمر كان قد تحدث فيه الكاتب جوناثان شانزر، منتصف العام الماضي، قائلًا إن الحزب يعتمد بشكل كبير على المصارف اللبنانية، لكنه يبقى منظمة تابعة إلى إيران بشكل كامل، وإن طهران لن تعجز عن دعمه ماليًا، خاصة بعد حصولها على ما يقرب من 100 مليار دولار نظير اتفاق النووي مع القوى الكبرى.
ووسط هذه العلاقة المتشابكة تأتي الخسائر، وهذا التشابك الاقتصادي الكبير ظهر عندما أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن لائحة الشركات والأشخاص المشمولين بالعقوبات الأمريكية ضد إيران، في فبراير (شباط) الماضي، إذ طالت العقوباتُ شخصين لبنانيّين، هما يحیى الحاج، ومحمد عبد الأمیر فرحات، إضافة إلى مجموعة من الشركات القائمة في لبنان.
كما كشفت اللائحة أن حسن دهقان إبراهيمي، المرتبط بالحرس الثوري الإيراني والموجود في بيروت، هو على علاقات مباشرة مع كبار المسؤولين في الحرس الثوري في طهران، كما أن فرحات والحاج هما موظفان لدى إبراهيمي، يعملان نيابة عنه، استخدموا شبكة من الشركات التي تتخذ من لبنان مقرًا، مثل شركة «ماهر» للتجارة وصناعة البناء، والتي كانت تستخدم لغسل الأموال وتهريب البضائع لحزب الله وتشترك مع شركة «وعد» في بيروت، بالإضافة إلى شركة «الريم» للدواء، و«ميراج» للهندسة والتجارة، و«ميراج» لإدارة النفايات والخدمات البيئية.
ويتضح من هذه العلاقة أن الاقتصاد اللبناني متضرر من الجانبين سواء من العقوبات الأمريكية على إيران أو حزب الله، وهو ما يضيق الخناق على اقتصاد البلاد الذي أصبح في وضع يرثى له.