لا تنحصر مشكلة صفقة الغاز الإسرائيلية الأردنية فيما هوجمت عليه من «التطبيع»، فقد أضفت الأردن الكثير من الأجواء الإيجابية المُحفِّزة للاستثمار في مشروع «ليفياتان»، الذي تسبب في صراعات داخلية في «إسرائيل» ومع المحيط العربي، ولعلّ الصفقة كلها لم تكن خيارًا أردنيًا بحتًا، بل أمريكيًا أو حتى خيارًا من خيارات «جون كيري» الذي كان يملك أسهمًا في أهم شركة تنقيب في حقل «ليفياتان» وهي شركة «نوبل إنرجي»، وفي لفتة مثيرة للتساؤل يخرج وزير الطاقة الأردني ليهدد بخيار قطع الكهرباء عن المواطنين باعتباره بديلًا عن خيار الصفقة مع إسرائيل، علمًا بأن الغاز لن يصل الأردن قبل نهاية 2019. ومن العجيب أن يُروَّج لمشروع «ليفياتان» وكأنه أمل الأردنيين الوحيد في الطاقة، علمًا بأنه ليس أكبر ولا أوَّل حقل للغاز في المنطقة.

ليفياتان.. ليس الأول!

الحديث عن البترول والغاز في أرض فلسطين ليس حديثًا، فحتى قبل نكبة 1948 كانت شركة النفط العراقية Iraq Petroleum Company قد قامت بعمليّات تنقيب عن النفط في قرية «حليقات» التي تبعد عن غزّة حوالي 15 كم، وبحسب صحيفة «همشكيف» العبرية في عددها الصادر بتاريخ 28 سبتمبر (أيلول) 1947، أن أكثر من 300 عامل عربي كانوا يعملون في المكان تحت إشراف مهندسين أجانب وكان يتوقّع العثور على النفط على عمق 12 ألف قدم.

هذه الحفريّات لم تستمرّ في حينها، فقد اندلعت الحرب ولكن ما إن انتهت الحرب حتى عادت عمليات التنقيب، وبحسب خُبراء من معهد «التخنيون» فقد سُجِّلت أكثر من 60 عمليّة تنقيب في البحر منذ عام 1970، وكانت النتيجة العثور على 930 متر مكعَّب من الغاز الطبيعي، وأغلبها يتركز مقابل شواطئ مدينة حيفا، وبكلمةٍ أدقّ في حقلي «تمار» وحقل «ليفياثان» ذي الشُهرة الأوسع والذي اكتُشف عام 2010 فقط!

Huleikat_village

قرية حليقات: أول قرية عُثر فيها على النفط في فلسطين

ليفياتان.. ليس الأكبر!

مع اكتشاف حقل «ليفياتان»، أُعلن عنه بأنه أكبر حقل بحري للغاز الطبيعي يُكتشف في القرن الحالي، حتى بدأت تنتشر أساطير مثل تحوّل إسرائيل إلى إمبراطورية غاز وهو مُجرد وهم؛ فالكميات التي عُثر عليها لا يُمكن مقارنتها بتاتًا بإمكانيّات روسيا المتربعة على عرش الغاز الطبيعي في العالم، أو حتى إيران أوقطر، وهو ما يؤكده د. مهند مصطفى، الباحث في مركز «مدار للدراسات الإسرائيلية» كما يشير إلى أن هناك 17 دولة حول العالم يُمكنها أن تستخرج من الغاز الطبيعي ما تستخرجه «إسرائيل» وأكثر، وعمومًا فإن كل الغاز المكتشف شرقي البحر المتوسط لا يبلغ إلا 1% من اجمالي الاحتياطات العالمية.

الأطرف، أنه لم يمر 5 أعوام على اكتشاف حقل «ليفياتان» حتى اكتشف أكبر حقل للغاز في البحر الأبيض المتوسط وهو حقل «زُهر» المصري والذي يتوقع أن يكون من أكبر 20 حقل نفط في العالم وسيجعل مصر في المركز الـ15 من بين الدول التي تمتلك أكبر احتياطات النفط في العالم وللمقارنة فقط، فإن كميّة الغاز القابل للاستخراج في حقل زُهر هي 850 متر مكعب وهي أكبر بمرتين من الكمية المتاحة في حقل «ليفياتان».

Leviathan-partners-sign-1.3B-deal

حقول الغاز التي تسيطر عليها إسرائيل

ليفياتان.. لن يبدأ الإنتاج غدًا!

تمامًا كما قد يتخيّل البعض أن صفقة النفط الإسرائيلية الأردنية ليست جديدة، بل تعود إلى ما قبل عام 2014 حيث طُرحت في البرلمان الأردني وأحدثت موجه من الانتقادات لم تلبث كثيرًا حتى خمدت، وعادت اليوم لتطرح من جديد مع توقيع الاتفاق الرسمي، إلا أن المثير في القضية أن وزير الطاقة الأردني في حينها هدَّدَ بأن الخيار والبديل عن شراء الغاز من «إسرائيل» يكمن في قطع الكهرباء بشكلٍ مُبرمج ولفتراتٍ تصل إلى 8 ساعات يوميًا، كما ستُرفع أسعار الكهرباء، وكأن هذه الصفقة هي الحل لأزمة الكهرباء والطاقة الحالية في الأردن.

ردًّا على كلام الوزير، كتب المهندس عبد الله الشامي في مقالته « الغاز من إسرائيل: كذبة بمليار دينار أردني»: قد يتعجب الخبراء في الاقتصاد والطاقة من هذا الخطاب؛ فكما صار معلومًا لدى الأردنيين أن الغاز من حقل ليفياثان، وإن نجح المطورون باستخراجه لن يخرج قبل عام 2018 على أحسن تقدير، وفي الغالب سيتأخر حتّى عام 2019 في حال وجود تأخيرات وصعوبات في تأمين التمويل.

فيديو: الوزير يهدد بقطع الكهرباء في 2014

وبالفعل فبحسب تقرير لصحيفة «جلوبوس» الاقتصادية الإسرائيلية فإن موعد بدء تصدير غاز «ليفياتان» الإسرائيلي سيكون في أواخر عام 2019 فقط، أي بعد حوالي 5 أعوام من تصريح الوزير، ما يجعلنا نطرح تساؤلًا، وهو: أين كانت الانقطاعات كل تلك الفترة؟

ليفياتان.. ليس الخيار الوحيد!

يبدو أن خيار شراء غاز «ليفياتان» الإسرائيلي لم يكن خيارًا أردنيًا بحتًا، فبحسب معهد واشنطن للدراسات، فإن عمان تستورد بالفعل الغاز الطبيعي المُسال عن طريق ميناء العقبة كما يُمكنها استيراد النفط عبر أنابيب العراق، هذا غير العروض الروسية لها لإقامة مفاعل طاقة نووية.

فحتى لو قيل إن الأردن تفضّل الغاز الإسرائيلي، إلا أن هذا قد لا يكون بالضرورة فما إن تم اكتشاف الحقل عام 2010 حتى بدء البحث عن سوق لهذا الغاز، وبالفعل بحلول عام 2011 كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كيلنتون قد عرضت على ملك الأردن عبدالله الثاني إمكانية شراء الغاز الإسرائيلي.

لم تكن المفاوضات سهلة دائمًا، ففي عام 2014 توقع خبراء بأن تتعرقل المفاوضات حول الاتفاقية بسبب شن إسرائيل حرب على غزّة، إلا أن ذلك لم يحصل وقد استمرت المفاوضات حتى قبل إعلان التهدئة!

John_Kerry_official_Secretary_of_State_portrait

ولكن من الذي كان يقف وراء هذا الاتفاقية؟ بحسب صحيفة «ذا ماركر» الاقتصادية الإسرائيلية فإن الولايات المتحدة الامريكية لعبت دورًا أساسيًا، وبالأخص وزير خارجيتها جون كيري وذلك من مُنطلق ترسيخ محور الاعتدال في الشرق الأوسط، ولكن هل هذه هي الحقيقة؟

الصحيفة الإسرائيلية نفسها عادت وكشفت لجمهورها أن «جون كيري» كان يملك أسهمًا تترواح قيمتها بين 550 ألف ومليون دولار في شركة «نوبل إنرجي» التي تملك أكثر من 36% من حقل «ليفياتان»!

ليفياتان.. لا يخلو من المشاكل!

الأمور لم تقف عند «جون كيري» بالطبع، فالمشاكل الحقيقية ظهرت في داخل إسرائيل نفسها، وذلك حين حاولت الحكومة الإسرائيلية تنظيم إنتاج الغاز الطبيعي في ما عُرف بـ«متفيه هـ جاز» أو «مخطط الغاز» الذي وُقِّع عليه بالفعل، ولكن المحكمة العليا اضطرت لإلغاء أهم بنوده وذلك استجابةً لأصوات الآلاف ممن خرجوا في شوارع تل أبيب ضد احتكار الشركات الكبرى للـغاز!

وليست مُشكلة الاحتكار التي تشغل الشارع الإسرائيلي هي الوحيدة، فبحسب منظمة «آدم طيفاع ودين» البيئية فلا بُد أن تُقنن وتُنظم إمكانية وقوع أعطال تقنية كالتسرب النفطي، وهذا أمر غير مستعبد وقد وقعت 30 حادثة تسرب نفطي بين عامي 1984 و 1997 وأما أبرزها فقد شهده خليج المكسيك، حتى أن الرئيس الأمريكي وصفها في ذلك الوقت بأنها أكبر حادثة بيئية وقعت في تاريخ الولاية المتحدة الأمريكية، فماذا لو وقعت كارثة مثل تلك في حقول الغاز التي تسيطر عليها إسرائيل؟

FPSO_diagram

تقنيّة FLNG للغاز الطبيعي المسال الحديثة التي سيُعمل بها في ليفياتان

بحسب المنظمة المذكورة فإن احتمالية وقوع حادثة مثلها هو مرّة كل 60 عامًا، وإن وقعت فإن تكاليفها قد تصل إلى أكثر من 20 مليون دولار!

صفقة «ليفياتان».. ليست مُجرد صفقة!

في مطلع صيف 2015، كان وزير الطاقة والمياه الإسرائيلي السابق قد هدد بوقوع كارثة اقتصادية إذا ما تراجعت الحكومة عن اتفاقياتها مع الشركات التي تحتكر الغاز الإسرائيلي، كما يُطالب المتظاهرين والمعارضين؛ وذلك لأن المستثمرين الأجانب سيهربون من «إسرائيل» كما يقول!

في الواقع فإن بيئة «ليفياتان» لا تبدو مثيرة لعقد صفقات وذلك يعود إلى اكتشاف حقل «زُهر» المصري عام 2015، هذا غير الصراعات الجيوسياسية المُحتملة حول الغاز بسبب وقوع بعض الحقول في مناطق حدودية متنازع عليها بين «إسرائيل» ولبنان بشكل خاص، وهذا طبعًا غير حق الشعب الفلسطيني في هذه الثروات الطبيعية، وبالفعل فقد قامت إسرائيل نفسها بتطوير ما يُسمى «مقلاع داود الصاروخي» لحماية حقول الغاز البحرية ضد أي صواريخ محتلة مضادة للسفن أو قوارب حاملة للمتفجرات.

ورغم كل هذا فقد عُقدت الصفقة مع الأردن بشكلٍ رسمي، وفي هذا يرى المحلل الإسرائيلي «يونتان شوحات» أن الصفقة ستضفي أجواءً إيجابية على المشروع وعلى السوق الإسرائيلي؛ حيث سترتفع قيمة الحقل حتى 20%، ويقول إن التقديرات لقيمة الحقل بلغت قبل الاتفاق حوالي 5.5 مليار دولار وقد أصبحت قيمة الحقل الان 6.5 دولار!

800px-South_Cyprus_bathymetric_features

تقع حقول الغاز المكتشفة ضمن ما يُسمى جبل إراتوسثينس البحري

 

تحميل المزيد