تفرض الصين بعض القيود على اقتراض الطلاب للمال من البنوك، كوضع حد أقصى للمبلغ المراد اقتراضه. من أجل ذلك فقد انتشرت المنصات الإلكترونية المخصصة لهذا الغرض، فطرفاها المقترض والمقرض يستطيعان التواصل فيما بينهما والاتفاق على مبلغ القرض والفائدة وكافة الشروط الأخرى، بعيدًا عن أعين الحكومة الصينية.
إلا أن المرابين أو المقرضين بأسعار فائدة مرتفعة جدًا تصل إلى 30% في الأسبوع الواحد، قد وجدوا وسيلة عدوانية لضمان استرداد القروض، وهي مطالبة من يردن القروض بصور عارية لهن أو مقاطع فيديو عارية مصحوبة ببطاقتهن الشخصية، من أجل ابتزازهن بها في حال لم يسددن القروض في موعدها.
ونتيجة لذلك أصبح هناك الآلاف من طالبات الجامعات اللواتي يمررن بضائقة مالية، وقد قمن باقتراض المال نظير تقديم صور ومقاطع فيديو عارية للمقرضين، كضمانة للقرض.
الضمان المدمر
وقد ذكرت صحيفة «ساذرن مترو بوليس ديلي» التي تديرها الدولة في الصين، أن المقرضين من القطاع الخاص يطالبون الشابات بإرسال صور عارية لأنفسهن على أنها شكل من أشكال الضمانات، جنبًا إلى جنب مع بطاقات الهوية الخاصة بهن، ويحذر المقرضون من أن الصور ستكون علنية إذا لم يتم تسديد المدفوعات في الوقت المحدد.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم تسريب مئات من الصور وأشرطة الفيديو لنساء عاريات على شبكة الإنترنت، وخصوصًا على تطبيق التواصل الاجتماعي «ويشات»، وتطبيق الرسائل «كيوكيو». وكان ذلك مُقدمة كضمان للحصول على قروض عن طريق خدمات الإقراض الصينية على بعض المنصات على الإنترنت، حيث تم نشر ملف بعنوان «فتاة غبية» بحجم 10 جيجابايت في شكل ملف مضغوط على شبكة الإنترنت، ويعرض تفاصيل شخصية لأكثر من ألف امرأة شابة، وبمجرد فك الملف المضغوط؛ فإن مستخدمي الإنترنت يصبحون قادرين على رؤية أسماء النساء على ملفات داخلية وبداخل كل منهم الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بهن. ووفقًا لوكالة «فرانس برس»، فإنه قد طُلب من النساء تقديم مواد واضحة وصريحة جنسيًا من أجل ضمان القروض، وتقديمها من خلال منصة الإقراض «جياديابو» الصينية.
وقالت جلوبال تايمز إن النساء المعنيات معظمهمن طالبات جامعيات، وأكبر واحدة فيهن كان عمرها 47 عامًا، وجاء معظمهن من المدن الصغيرة. فالإيصالات المسربة التي كنَّ يقمن بالتصوير بجوارها، تُظهر أن النساء قد اقترضن في الغالب بين ألفين وستة آلاف يوان، وامرأة واحدة فقط هي من اقترضت 23 ألف يوان. وكان يتم إعطاؤهن ما بين خمسة أسابيع وتسعة أشهر لتسديد الأموال، مع فائدة أسبوعية بحوالي 15%
صورة من الصور العارية، بها ايصال كُتب عليه: «أنا اقترضت 15 ألف يوان في 18 يوليو (تموز) عام 2016، والقرض مستحق يوم 18 أغسطس (آب) عام 2016، وهناك سعر فائدة بنسبة 50%. لقد التقطت صورًا لي وسجلت أشرطة فيديو عارية لي رهنًا (ضمانًا). فإذا لم أستطع السداد في الوقت المحدد، فسوف أكون مسؤولة عن ذلك».
منصة الإقراض التي تم إطلاقها عام 2015 من قبل شركة «جي دي كابيتال» على سبيل المثال، تسمح للمقرضين المرابين بالعمل بدون الكشف عن هويتهم، بينما تطلب من المقترضين تقديم أسمائهم الحقيقية عند إجراء المعاملات.
المرابون يصطادون الشابات ذوات الخبرة المالية الضئيلة، اللواتي يحتجن الأموال للجامعة أو للنفقات الأخرى، ويقدمون لهن قروضًا بفائدة مرتفعة مع إغراء الضحايا بوعود تقديم سيولة إضافية. ومن ثم ابتزاز اللواتي يفشلن في الدفع بالتهديد بنشر الصور أو إرسالها إلى أهلهن وأصدقائهن، فالصور يجب أن تظهر كل فتاة وهي تحمل بطاقة هويتها.
الصين لديها حوالي 2600 منصة إلكترونية تعمل في الإقراض بشكل شخصي، وتقدر قيمة معاملاتها العام الماضي بحوالي 150 مليار دولار.
الرأي العام الصيني
وذكرت صحيفة بكين يوث ديلي التي تديرها الدولة، أن هذا النظام القائم على الإنترنت، قد ولد طوفانًا من الإدانة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الصين، وفقًا لما ذكرته صحيفة الجارديان، فقال أحد المعلقين على ويبو – المنصة المهيمنة على وسائل التواصل الاجتماعي في الصين وتناظر موقع الفيسبوك في الوطن العربي – قال: إن القروض «مثل الأفيون»، وهي آفة تاريخية في المجتمع الصيني. وأضاف «لماذا تهمل السلطات التنظيمية تلك الظاهرة؟».
في حين كان آخرون أقل تعاطفًا مع النساء المتورطات في القروض عبر الإنترنت. فكتب واحد «هل هم يستحقون التعاطف؟ لا، ليسوا كذلك»، وأضاف: «يجب أن تنفق المال الذي يمكنك أن تجنيه بيدك، لماذا تنفق المال الذي لم يكن لديك القدرة على كسبه؟». وعلى النسخة الصينية من موقع «تويتر» سينا ويبو قال آخر: «إنه من الغباء إرسال صور عارية»، وأضاف: «الفتاة ساذجة وغبية. أتساءل كيف تكون مثل تلك الفتاة قادرة على دخول الجامعة؟». بينما انتقد آخر انتقادًا لاذعًا لذلك فقال: «انتظر، إنهن قدمن أشرطة الفيديوهات الجنسية الخاصة بهن من أجل تغيير هواتفهن النقالة، وشراء الملابس ومستحضرات التجميل. إنه الجشع والغباء، فليس لديهن الثقة بالنفس أو احترام للذات، سواء كن ذكورًا أم إناثًا، فهم لا يستحقون أي تعاطف».
«جياديابو».. أصل الشرور
وأشارت صحيفة «بكين يوث ديلي» أن منصة جياديابو التي تديرها شركة رأس المال المخاطر جي دي كابيتال؛ هي مصدر وأساس القروض بفوائد فاحشة. فذكرت طالبة تدعى لين شياو – اسم مستعار – من مقاطعة جيانغسو، أنها وافقت على إرسال صور عارية لها مقابل قرض بـ120 ألف يوان لبدء أعمال تجارية صغيرة خاصة بها في فبراير (شباط) الماضي، وبعد أربعة أشهر، كان دينها قد تضاعف، وهددها المقرضون بنشر صورها العارية، ولتجنب الفضيحة على حد تعبيرها، فقد اقترضت المال من والدها.
شركة رأس المال المخاطر جي دي كابيتال، التي تتخذ من بكين مقرًا لها، وتأسست عام 2007؛ أعلنت في أغسطس (آب) الماضي أن منصتها جياديابو قد تلقت ملياري يوان تمويلًا، وهو رقم قياسي في حجم مبالغ التمويل لشركة على الإنترنت.
طالبة أخرى، لم تكشف عن اسمها، قالت إنها اقترضت مبلغًا صغيرًا من مُقرض على الإنترنت بأسعار فائدة عالية، إلا أن ديونها قد تضخمت بنسبة 1000%، وطالبتها الشركة بصور عارية لها كضمان للحصول على قروض جديدة لسداد أصل الدين، وفقًا لصحيفة «ساذرن متروبوليس ديلي» الصينية.
القروض التي تأخذها الشابات، وتقدم صورًا ومقاطع فيديو عارية ضمانًا لها، تعتبر أكبر بضعفين إلى خمسة أضعاف من المبلغ العادي الذي يحق لهن اقتراضه من البنوك العادية.
وتشير وسائل الإعلام الصينية إلى أنه من الصعب على طلاب الجامعات الحصول على الائتمان بسبب القواعد الصارمة والمبالغ المحدودة المتوفرة، وبالتالي فقد انتشرت المنصات الإلكترونية لتلبية هذه المطالب وسد هذه الفجوة، ولكنها في الكثير من الأحيان تفرض أسعار فائدة باهظة على القروض للشباب الذين لا يفهمون في الشؤون المالية. بنوك الظل التي يمكن أن نطلقها على المنصات الإلكترونية للإقراض؛ تتدفق مبالغ التمويل فيها من رجال أعمال محليين أو أفراد لإقراض المحرومين من المشاركة في النظام المصرفي التقليدي.
قانونية الأمر
فو جيان، هو محامٍ في مدينة تشنغتشو، يقول إنه ساعد أكثر من 20 طالبة بخصوص شكاوى القرض، وقال إن استخدام صور عارية ضمانًا للقرض يعتبر أمرًا غير قانوني ما لم يتم نشرها، وأن العديد من منصات الإقراض لها عدد كبير من الوسطاء في المدن المختلفة لإغواء الطلاب لاقتراض المال، وجدير بالذكر أن الصين ليس لديها مؤسسة تشرف على القروض عبر الإنترنت.
ووفقًا للقانون الجنائي الصيني فإن الشخص الذي «ينتج أو ينسخ أو ينشر أو يبيع موادَّ إباحية» يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات. وهي جريمة «خطيرة» في نظر القانون، فمن الممكن أن يُحكم على الشخص بالسجن لمدة عشر سنوات. فإذا كانت الملابسات خطيرة جدًا؛ يجوز الحكم على الشخص بمدة لا تقل عن عشر سنوات أو مدى الحياة.
وقام مراسل من صحيفة ساذرن متروبوليس ديلي بالتظاهر بأنه عميل، واستطاع الحصول على أدلة دامغة على أن المرابين يطلبون صورًا عارية للمقترضات، وذلك عن طريق الانضمام إلى مجموعات للدردشة على الإنترنت يرتادها المقرضون. كما طالب المرابون بمعلومات شخصية عن المقترضين، بما في ذلك أرقام الهواتف وأرقام الهوية، وعناوين المنازل وأسماء الآباء، ومعلومات الاتصال بغرفهم، ومعلومات تسجيل الطلاب، وذلك من أجل إتاحة الصور والفيديوهات للجمهور العام في حالة تقصير المقترضين. وبعد نشر هذه القصة في الصحيفة، توقف المرابون عن ممارسة أنشطتهم إلى حد كبير، كما ذكرت الصحيفة في تقرير لاحق.
استخدام الصور العارية حتى بعد السداد
تزداد خطورة الوضع حينما يلجأ بعض المرابين إلى بيع الصور العارية التي يمتلكونها حتى بعد سداد القرض، فوفقًا لصحيفة «ليجال ديلي» فإن هناك بعض المقرضين يبيعون الصور العارية بـ30 يوانًا في المرة الواحدة، حتى بعد حصولهم على كافة أموالهم. كما أن بعضهم يعرض طرقًا أخرى للسداد مثل ممارسة الجنس أو الدردشة العارية على الإنترنت.
ليس التهديد بنشر الصور العارية هو الوسيلة الوحيدة التي يلجأ إليها المرابون لابتزاز المقترضين، فهناك التهديد بتدمير الممتلكات، والإصابات الجسدية، وقائمة طويلة يستخدمها المرابون في محاولة لجمع القروض غير المسددة. فيقول عن ذلك محامي الإفلاسات هان شوانهاو بمكتب محاماة ببكين: «إذا قاموا بالاقتراض من البنوك؛ فلا يوجد خطر على السلامة الجسدية. ولكن إذا ما اقترضوا من مقرضي القطاع الخاص، خصوصًا المقرضين بفائدة عالية؛ فمن الممكن أن تحدث لهم (إصابات جسدية)».
العمال المهاجرون محليًا هم أيضًا الأكثر عرضة للوقوع في شرك قروض الإنترنت، بسبب عدم استقرار عملهم، كما أنهم يترددون في الإبلاغ عن مشاكلهم مع المرابين، ومن ثم فعند تعثرهم، يقوم المقرضون بمضايقة أسرهم.
ونتيجة لهذا الأمر، ففي أغسطس (آب) الماضي بدأت الصين في تضييق الخناق على نظام القروض من شخص لشخص، من خلال تقديم مليون يوان كحد للاقتراض للأفراد، وطلبت من منصات الإقراض التحقق من معلومات كل من المقرضين والمقترضين، وتقديم تقييمات للائتمان، وخدمات الاستشارات المالية وتسوية النزاعات.