مقال ليوسف العتيبي سفير الإمارات العربية المتحدة بالولايات المتحدة بموقع بوليتيكو

حالة من الرعب والصدمة انتابت الكثيرين في نهاية الأسبوع الماضي تزامنًا مع مقتل 21 من المسيحيين المصريين على يد متطرفين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في ليبيا. وقبل أسبوعين، قامت عناصر التنظيم أيضًا بقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقًا.

وفي الوقت الذي تكشف فيه هذه الأعمال الوحشية عن أيديولوجية داعش المفلسة في القتل والتدمير، فإن الانتهاكات الأخرى التي ارتكبتها، بما في ذلك من اغتصاب وقتل وقمع وحشي للسكان المحليين، وحدت أبناء الأردن وغيرهم من الملايين في أنحاء الشرق الأوسط تحت مظلة الدعوة إلى العمل العسكري ضد المتطرفين الذين يمارسون العنف.

بات علينا الآن أكثر من أي وقت مضى أن نعتقد بأهمية تحقيق الفوز على هذه التنظيمات المتطرفة على الصعيدين العسكري والفكري. لم لا وقد أظهرت الأحداث المتتالية وبشكل صارخ أن العالم أصبح على المحك في ظل التهديدات التي تشكلها سيطرة هؤلاء المتطرفين على حياتنا.

يأتي هذا في الوقت الذي تعقد فيه قمة مكافحة الإرهاب في العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي تجمع العديد من قادة وخبراء العالم لبحث وتقييم المواقف فيما يتعلق بهزيمة داعش وغيرها من الجماعات المتطرفة.

ومن الملاحظ أنه ومنذ الحرب العالمية الثانية لم تمس إحدى الصراعات العديد من الدول كما هو الحال الآن مع فتنة داعش. وإذا ما كانت الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش حاسمة، فإن الواقع على الأرض يبقى أكثر أهمية.

رأينا ذلك بوضوح في كوباني وديالي وسينجار. فالتنسيق الذي تم بين القوات الجوية والقوات البرية ساهم في تحرير المناطق التي خضعت لسيطرة داعش، وهو ما يشي بأن القوات البرية هي أحد العناصر الحاسمة، وهو ما يدفعنا نحو التحرك وبصورة أكثر إصرارًا نحو تدريب ونشر قوات محلية.

كما ينبغي التأكيد على أنه وكما أن داعش هي الخطر الأكثر وضوحًا، فإنها ليست التهديد الوحيد. فالعديد من التنظيمات المتطرفة الأخرى أظهرت نياتها لفرض الأمر الواقع بالمنطقة عبر الإرهاب.

فمن جانب، تواجه الحكومة المصرية تمردًا إسلاميًّا فتاكًا في سيناء بقيادة أنصار بيت المقدس، وهي الجماعة التي أعلنت ولاءها لداعش. ومن جانب آخر، فإن الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في ليبيا تواجه تنظيم داعش وغيره من التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة، والذين يحاولون السيطرة على مليارات الدولارات من عائدات النفط، وتحويل البلاد إلى أرض خصبة للإرهاب.

ولا تختلف الأمور عما يحدث في اليمن التي شهدت سيطرة المتمردين المدعومين من إيران على المقار الحكومية، الأمر الذي أعاق جهود مكافحة الإرهاب هناك، وأطلق العنان لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، أحد التنظيمات التابعة للقاعدة، والتي تستهدف شن هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم.

وبينما تعتبر مشاركة كل من الولايات المتحدة والقوى الغربية أساسية في العمليات، فإن الإمارات العربية المتحدة والشركاء الإقليميين الآخرين على استعداد لتحمل العبء الأكبر في الحرب ضد المتطرفين الإسلاميين.

فالإمارات من جانبها قامت بتكثيف العمليات الجوية، بالإضافة إلى نشر سرب من طائرات F-16S في الأردن حتى يكون قريبًا من مناطق القتال. كما أن القواعد الجوية الإماراتية شهدت انطلاق العديد من الغارات الجوية لقوات التحالف. واستنادًا إلى الخبرة التي اكتسبتها في أفغانستان لمدة اثني عشر عامًا، فقد أظهرت الإمارات نفسها كشريك لديه القدرة على دعم العمليات القتالية ضد المتطرفين.

وفي الوقت الذي تتضح فيه أهمية القوة العسكرية، فإن مفتاح النجاح على المدى البعيد لن يقتصر على ما يحدث في ساحة المعركة. ونعني هنا الأهمية القصوى التي تتعلق بوقف تدفق الأموال والمقاتلين إلى المتطرفين.

وكان مجلس الأمن بالأمم المتحدة قد أصدر قرارًا مؤخرًا بفرض عقوبات على شراء النفط من داعش، وبحظر بيع الآثار المنهوبة. غير أن الشبكات الدولية التي تعمل وفق “الولايات القضائية المتساهلة” تقف حجر عثرة أمام وقف تمويل ودعم المتشددين.

ما تزال عمليات الانضمام إلى داعش تجري في الوقت الراهن. ولعل التحركات الإرهابية لداعش في باريس قد أظهرت سهولة الحركة والتنقل للمتطرفين عبر الحدود. وكما هو الحال مع الإمارات التي أغلقت حسابات بنكية وحظرت سفر المتطرفين عبر حدودها، ينغي على بقية الدول المسئولة في المنطقة أن تحذو حذوها.

وبجانب الدعم العسكري ووقف التمويل، يبقى من الأهمية رصد وتعطيل حسابات التواصل الاجتماعية التابعة لهذه التنظيمات، والتي تعتمد عليها في نشر عقيدتها القائمة على الكراهية وبث الخوف والتهديدات بالقتل.

وحتى يكون واضحًا، فإن هذه الحرب ليست بين المسلمين وغير المسلمين أو بين الماضي والحاضر، وإنما بين رؤى متباينة للعالم الحديث. فالمتطرفون يعتقدون في ماضٍ لم يكن أبدًا موجودًا، وفي مستقبل لن يحدث على الإطلاق.

ما زال بإمكاننا أن نهزم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى ونقضي عليها. وإذا كنا بحاجة لمساعدة الولايات المتحدة والشركاء الآخرين لتحقيق الفوز، فيجب أن ندرك أيضًا أن الأمر يتطلب مشاركة أكبر ممن يتواجدون في المنطقة وغيرهم على الأرض ممن يتعرضون للخطر بدرجة أكبر من غيرهم.


عرض التعليقات
تحميل المزيد