بعد عام مليء بالتوترات السياسية وقطع العلاقات في المنطقة المغاربية، تناولنا أبرز أحداثها في تقرير سابق، تتجه الأنظار نحو عام 2022، التي من المتوقع أن تكون حافلة بالأحداث السياسيّة الساخنة في المنطقة المغاربية، فبالإضافة إلى التحدّيات الاقتصاديّة والأمنيّة التي ترافق الدول المغاربية كل سنة؛ ستكون السنة الجديدة «الفيصل» في الكثير من الأزمات التي خلفتها السنون الماضية؛ بدءًا من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، مرورًا بتطورات الأزمة الدستورية في تونس والتي بموجبها تفرّد الرئيس التونسي بصلاحيات الحكم منفردًا؛ ووصولًا إلى أكبر خطر يهدد المنطقة وهو الأزمة بين الجزائر والمغرب، فما هي السيناريوهات المتوقعة لأبرز الأحداث التي تواجهها الدول المغاربية في 2022؟

1- هل تُجرى الانتخابات الليبية في 2022؟

ينتظر الليبيون أن تحمل سنة 2022 تغيّرات سياسيّة كبيرة من الممكن أن تؤدّي إلى إنهاء الانقسام الذي تعيشه البلاد منذ عام 2014، وتضع حدًّا للحرب الأهليّة والعنف المستمرّ منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي سنة 2021؛ إذ من المتوقّع إجراء الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة التي تعطّلت مساعي إجرائها في 24 من ديسمبر (كانون الأوّل) 2021، بسبب ما وصفتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بـ«القوة القاهرة».

واقترحت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا موعدًا جديدًا لإجراء الاقتراع وهو 24 يناير (كانون الثاني) 2022، لكن البرلمان الليبي قد ينظر في تأجيل لمدة أطول، لمعالجة بعض المشاكل التي حالت دون إجراء انتخابات الجمعة الماضية، على حد قول أعضاء في البرلمان.

Embed from Getty Images

ويأمل الليبيون أن تُزال مع السنة الجديدة، «القوة القاهرة» التي تسببت في تأجيل الانتخابات والتهديد برجوع إلى المربع الأوّل؛ فقد كانت الانتخابات الرئاسية الجزء الأكبر من الحل السياسي، للأزمة التي عرفتها ليبيا منذ إطاحة نظام معمر القذافي في 2011.

وتختلف أسباب التأجيل إختلاف الليبيين أنفسهم؛ فمجلس الدولة الليبي وعلى لسان رئيسه خالد المشري وبحسب ما نقله موقع «الجزيرة» الصحافي، أرجع فشل إجراء الانتخابات في موعدها لعدة أسباب، منها عدم وجود قاعدة دستورية وعدم التوافق على القوانين الانتخابية، على حد تعبير المشري.

أمّا المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بليبيا؛ فأوعزت السبب المباشر لتأجيل الانتخابات إلى مرحلة الطعون التي كانت بمثابة المحطة التي توقفت عندها مساعي الجميع لاستمرار العملية الانتخابية، في حين ذهب مجلس النواب الليبي بطبرق إلى الدفاع عن سبب عقد الانتخابات، إلى عدم إيجاد قاعدة دستورية متينة تُجرى استنادًا عليها الانتخابات الرئاسية والتشريعية. 

وفي حال لم تُجر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ فإنّ شبح العودة إلى الحرب يبقى إحدى السيناريوهات المتوقعة؛ فيما يرى موسى الكوني، النائب بالمجلس الرئاسي، أنّ تأجيل الانتخابات بشكل متعمد سيكون سببا لاستباحة الدماء من جديد، على حد تعبيره.

في السياق نفسه، أوصى الهادي الصغير رئيس لجنة متابعة الانتخابات بالبرلمان الليبي، يوم الاثنين الماضي، خلال جلسة مجلس النواب في طبرق، بعدم تحديد تاريخ للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تعذر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021.

وقال الهادي الصغير، خلال تلاوته تقرير متابعة العملية الانتخابية في افتتاح الجلسة: «ننصح بوضع خارطة طريق واقعية، قابلة للتطبيق ومضبوطة بمدد ومراحل، وليس تواريخ ومواقيت في إطار دستوري، حتى لا نكرر الخطوات السابقة نفسها، ومن أجل إنجاح العملية الانتخابية وضمان قبول نتائجها». 

وكانت الأطراف الليبيّة قد اتّفقت في قمّة باريس التي انعقدت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، على إجراء انتخابات تشريعيّة ورئاسية بمشاركة عدّة أطراف ليبيّة، من بينهم المشير خليفة حفتر قائد ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، وفايز السرّاج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، فيما رفض سياسيّون وعسكريّون من غرب ليبيا هذا المؤتمر واعتبروه تدخّلًا خارجيًا في الشؤون الداخلية الليبيّة.

في حديثه مع «ساسة بوست»، يرى عز الدين غميض مستشار وزير الدولة للشؤون الاقتصادية‏ في حكومة الوحدة الوطنية الليبية أنّ 2022 لن تحمل جديدًا بخصوص الانتخابات؛ مشيرًا إلى أن «إن الأزمة الليبية خانقة ولن تكون هناك انتخابات رئاسية نزيهة في ظل سيطرة العسكر على رقعة جغرافية شاسعة وبسط نفوذه عليها، وفي ظل استعمال الأجهزة الأمنية لملاحقة الأصوات التي تنادي بمرشحين مستقلين عن الأطياف العسكرية والأمنية والسياسية المسيطرة على المشهد».

ويتوقع غميض أن تحمل السنة الجديدة حكومة انتقالية أخرى تعتمد على المحاصصة، أما الشعب الليبي، فيرى غميض أنه «قد أصبح فاقدًا للإرادة الحرة في التعبير عن رأيه، وسيرضى بأي حل أو حكومة بعيدًا عن الحروب وقفل الطرقات وارتفاع الأسعار». 

2- القطيعة المغاربية: إلى أين تتجه العلاقات بين الجزائر والمغرب؟

وصلت العلاقات الجزائرية المغربية في سنة 2021؛ إلى مستوى خطير من التصعيد، كاد ينذر بوقوع مواجهة مسلحة بين البلدين الجارين في أكثر من مرّة. فبعد جملة من التصعيدات المتبادلة، قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها الغربية المغرب وأغلقت مجالها الجوي أمام الطيران المدني والعسكري المغربي، وتحولت الحدود بين البلدين إلى شبه مناطق عسكرية.

Embed from Getty Images

أما أخطر تطوّر في علاقات البلدين والذي كان من المحتمل أن يعقّد العلاقات بين البلدين؛ كان استهداف طائرات بدون طيّار مغربية لقافلة من التجار الجزائريين كانت في طريقها إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط؛ وذلك في الفاتح من نوفمبر 2021؛ وأسفر الاستهداف عن مقتل ثلاثة جزائريين، وأعلنت الرئاسة الجزائرية بأنه «لن يمر دون ردّ». 

وفي سياق الحدث وتداعياته نشر موقع «عربي بوست» في 26 ديسمبر 2021، تقريرًا قال فيه أن «المغرب شرع في نشر وحدات من الدرك الحربي على طول الحدود الشرقية مع الجزائر، انطلاقًا من شمال المحبس، وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط»، وأضاف الموقع وفق مصادره الخاصة، أن الخطوة المغربية جاءت «بعد صدور بلاغ الرئاسة الجزائرية، والذي هددت من خلاله بالرد على حادث مقتل ثلاثة مواطنيها داخل الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة البوليساريو الانفصالية». 

على جانب آخر، يرى الخبير الأمني الجزائري الدكتور أحمد ميزاب، خلال حديثه مع «ساسة بوست»، أنّ سيناريو واحدًا لا غيره ستسير وفقه العلاقات المغربية الجزائرية خلال السنة الجديدة، وذلك بحسب مجموعة من الاعتبارات، موضحًا أننا «لا نتحدث عن سيناريو تهدئة، ولا يمكن الحديث على سيناريو تصعيد، بقدر ما نتحدث عن أن هناك سيناريو مفتوح على كل الاحتمالات، والقراءات وعلى كل الأصعدة أيضًا».

 ويضيف ميزاب: «نظرا لأن 2021 شهدت علاقات معقدة و متأزمة كان عنوانها الوصول إلى طريق مسدود بين الجارتين، فلا يمكن إلّا أن نتوقع قراءة واحدة تقول بأنّ سنة 2022 لن تكون مختلفة عن سنة 2021 وأن العلاقات ستظل في نفق مسدود، وأن احتمالات تطور الأزمة هو خيار مفتوح على كل الإحتمالات». 

3- الأزمة السياسية والاقتصادية تخيم على تونس 2022

وصلت الأزمة السياسية التونسية إلى ذروتها؛ ليلة 25 يوليو (تموز) 2021؛ حين أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد؛ اللجوء إلى الفصل 80 من دستور 2014 الذي يخول له اتخاذ «تدابير استثنائية» في حال وجود «خطر داهم » على البلاد، وبمقتضى ذلك أعلن إعفاء رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان. وواصل الرئيس التونسي قرارته وأصدر في 22 سبتمبر (أيلول) 2021، أمرًا رئاسيًا قرر بمقتضاه تجميد العمل بقسم واسع من الدستور ومنح نفسه سلطة التشريع عبر مراسيم، وأعلن تمديد الإجراءات التي اتخذها حتى إشعار آخر.

وفي ديسمبر 2021، قدم سعيّد جدولًا زمنيًا يضم استفتاء يُعقد في 25 يوليو 2022 بشأن تعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022.

الرئيس التونسي قيس سعيد في استقبال رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي

وسيواجه قيس سعيد في سبيل تحقيق مخططه هذا مسارًا عسيرًا؛ فعلاوة على الوضع الاقتصادي والاحتقان الشعبي الذي يرافقه، يواجه الرئيس التونسي معارضة كبيرة من عدة قوى تونسية. فغالبية القوى السياسية والمدنية في تونس ترفض إجراءات سعيد الاستثنائية، وتعتبرها انقلابًا على الدّستور. 

وكان الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي أحد معارضي قيس سعيد البارزين قد هدد قيس سعيد بالقول إن «القوى السياسية الثورية والديمقراطية في تونس ستعزل الرئيس قيس سعيد وربما ستحاكمه جراء مسؤوليته عن الأزمة الشاملة في البلاد»؛ كما أكّد المرزوقي الذي يقيم حاليًا بالعاصمة الفرنسية باريس؛ وحكم عليه الأسبوع الماضي، حكمًا غيابيًا بالسجن مدة أربع سنوات، أنّه ينتظر إشارة قيادات في الميدان قبل العودة إلى تونس لمواجهة الانقلاب الذي يقوده الرئيس قيس سعيّد.

بالإضافة إلى الأزمة السياسية؛ يشكل الوضع الاقتصادي السيئ أحد الهواجس المخيفة للتونسيين خلال سنة 2022؛ فالحكومة التونسية أقرت موازنة السنة الجديدة، بعجز أولي متوقع يقدّر بحوالي 3 مليارات دولار، تشكل نسبته قرابة 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي. وتوقعت وزيرة المالية التونسية سهام البوغديري أن يبلغ عجز الموازنة الجديدة 9.3 مليارات دينار (3.2 مليارات دولار)، مشيرة إلى أن حاجيات البلاد للاقتراض الخارجي قُدّرت بـ12.6 مليار دينار أي ما يعادل حوالي 4.4 مليارات دولار. 

علاوة على ذلك تخطط الحكومة التونسية لرفع أسعار الوقود والكهرباء وفرض ضرائب جديدة العام الحالي، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يزيد من احتقان الشعب الذي سيكون المتضرر الأوّل من الزيادات. ويعقد التونسيون الآمال كثيرًا على سنة 2022؛ لتطوي ما خلفته سنة 2021 من أزمات سياسية واقتصادية أثرت بشكل مباشر على حياتهم؛ فالأزمتان الدستورية والاقتصادية ستكونان التحدي الأكبر للتونسيين خلال سنة 2022.

المصادر

تحميل المزيد