لا يختلف اثنان حول أنّ سنة 2020 كانت سنةً قاسيةً على العالم أجمعه: طوارئ أُعلنت، وحدودٌ أُغلقت، ومطارات أُقفلت، وموانئ تعطلت، وتلقى الاقتصاد العالمي ضربات قاسية سيحتاج سنوات حتى يتعافى منها، وحملت السنة التاريخية تلك معها الكثير من الأحداث الجسيمة والأليمة، والعديد من القضايا التي حُسمت، أو ما زالت مفتوحة. وبينما يستقبل العالم عامًا جديدًا بأمل مواجهة تبعات سنة 2020؛ تنتظر دول المغرب العربي العديد من الملفات الشائكة التي تنذر بأنّ السنة الجديدة لن تكون أحسن من سابقتها.
في هذا التقرير نستعرض أهم الملفات التي ستملأ سنة حكومات دول المغرب العربي.
1. التطبيع.. الهاجس الذي يؤرق حكومات المغرب العربي
من المتوقع أن يكون ملف التطبيع مع إسرائيل حاضرًا بقوة في أجندة دول المغرب العربي لسنة 2021؛ فبالرغم من أنّ التطبيع المغربي الإسرائيلي، الذي جرى الإعلان عنه نهاية سنة 2020، لم يكن صادمًا للكثيرين بالنظر للمقدمات الكثيرة التي مهّدت لهذا الإعلان، لكنه كان بمثابة جرس إنذار؛ بدأت البرلمانات المغاربية على إثره في الضغط على الحكومات من أجل مواجهته.
ففي الجزائر التي أعلنّ رئيسها عبد المجيد تبون رفضه التطبيع مع إسرائيل وانتقد الدول العربية المهروّلة له؛ سارع نواب البرلمان الجزائري إلى استباق أي خطوة تطبيعية عبر تكثيف الاتصالات من أجل التحضير لمشروع قانون يجرم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، يتوّقع أن يخرج للنقاش قريبًا.
وفي السياق ذاته اقترحت أميرة سليم النائب في البرلمان الجزائري عن الحزب الحاكم، مشروع قانون يمنع «الترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني عبر وسائل الإعلام والإعلام البديل».
وينصّ مشروع القانون على تسليط عقوباتٍ قاسية تصل إلى السجن ما بين ثلاث إلى 15 سنة، وغرامة مالية تصل إلى مليون دينار جزائري على المروّجين للتطبيع عبر وسائل الإعلام، كما نصّ مشروع القانون الذي اقترحته أميرة سليم على اعتبار جريمة التحريض على التطبيع والدعوة إليه بمثاية «جنحة المساس بوحدة الأمة».
وسار البرلمان التونسي على نهجه نظيره الجزائري في محاولات تجريم التطبيع بتونس؛ فقد قدمت الكتلة الديمقراطية بمجلس نواب الشعب التونسي، مقترح قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل ويتضمن مقترح الكتلة الديمقراطية ديباجة وثمانية بنود تعرّف جريمة التطبيع في مختلف المجالات السياسية، والرياضية، والفنية، ويقترح القانون أيضًا عقوبات على المطبعين تتراوح بين سنتين وخمس سنوات سجنًا، وغرامات مالية تصل إلى 100 ألف دينار تونسي.
ويتوقع أن يواجه تجريم التطبيع في تونس معركةً برلمانية؛ وذلك على خلفية محاولات برلمانية سابقة بدأت سنة 2017 لسنّ مشروع قانونٍ يجرّم التطبيع غير أنّ بقيت تراوح مكانها بسبب تأجيل طرح القانون للتصويت بعد الانقسام الشديد حوله.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد رشّحت تونس للانضمام إلى الدول المطبّعة سنة 2021؛ ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أنه بعد انضمام المغرب إلى الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، في إرساء علاقات طبيعية مع إسرائيل؛ هنالك حديث عن إمكانية انخراط تونس، وعمان، في نفس المسار.
وردًا على تسريبات صحيفة «نيويورك تايمز»، أصدرت وزارة الخارجية التونسية بيانًا أكدت فيه أنّها غير معنية بالتطبيع مع إسرائيل؛ وجاء في بيان وزارة الخارجية التونسية أنه «تبعًا للأنباء المتداولة في عدد من وسائل الإعلام حول إمكانية إرساء علاقات دبلوماسية بين تونس والكيان الصهيوني، تؤكّد وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج أن كلّ ما يروج من ادّعاءات في هذا الخصوص لا أساس له من الصحّة، وأنّه يتناقض تمامًا مع الموقف الرسمي المبدئي للجمهورية التونسية المناصر للقضيّة الفلسطينية العادلة والداعم للحقوق الشرعيّة للشعب الفلسطيني».
وبالرغم من التأكيد الرسمي التونسي على رفض التطبيع، إلا أنّ المتابعين لملف التطبيع في تونس لا يستبعدون أنّ تكون سنة 2021 حاسمة في مسألة التطبيع، وذلك لتشابه الحالة التونسية مع نظيرتها المغربية، فقد كانت تونس في التسعينات من القرن الماضي ترتبط بعلاقات مع تل أبيب؛ وقد كان للأخيرة مكتب لرعاية المصالح في تونس، وزار الدبلوماسي التونسي ووزير الخارجية الأسبق خميس جهيناوي إسرائيل لفتح مكتب في تل أبيب في الفترة ذاتها.
التطبيع المغربي يثير جدلًا بين دول المغرب العربي
ويتخوّف الكثير من الموريتانيين من إعادة تطبيع نواكشط علاقاتها مع تل أبيب؛ ورشّحت تقارير إعلامية انضمام نواكشوط للدوّل المطبّعة؛ رغم نفي السلطات الموريتانية تلك التقارير وتأكيدها على لسان وزير خارجيتها إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن موقفها الثابت في مناصرة حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف طبقًا لمقتضى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والمبادرة العربية من أجل السلام.
جدير بالذكر أن موريتانيا سبق وأن أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، قبل أن تقطع تلك العلاقات في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز احتجاجًا على الحرب في غزة سنة 2009، إذ تم لاحقًا طرد السفير الإسرائيلي من نواكشوط، وإغلاق المكتب التمثيلي الموريتاني في تل أبيب.
2. لقاح فيروس كورونا.. الأولوية القصوى لحكومات المغرب العربي
ملفٌ ثاني لن يغيب عن أجندة الحكومات المغاربية سنة 2021، ومن المحتمل أن ينال نصيب الأسد من تركيز تلك الحكومات؛ وهو ملف مجابهة جائحة كورونا والحصول على اللقاح الخاص بها. فإذا كانت 2020 السنة التي حملت إجراءات قاسية للحد من انتشار الفيروس؛ فإنّ السنة الجديدة ستحمل معها أمل السيطرة على الجائحة من خلال وصول معظم المراكز البحثية إلى لقاحٍ مناسبٍ للفيروس المرعب.
المغرب كانت أولى الحكومات المغاربية التي تعلن عن اقتناء لقاحٍ من اللقاحات التي خرجت إلى السوق، فمع نهاية السنة الماضية أعلنت الحكومة المغربية اقتناء 65 مليون جرعة من لقاحي «سينوفارم» الصيني و«أسترازينيكا» البريطاني استعدادًا لحملة تلقيح تستهدف حوالي 25 مليون شخص ضد فيروس كورونا، ويتوقّع أن تبدأ حملة التلقيح مع بداية السنة الجديدة.
وانضمت الجزائر إلى المغرب في إختيار اللقاح المناسب لمواطنيها من أجل الشروع في حملة تلقيح خلال شهر يناير من السنة الجديدة؛ فقبل نهاية السنة؛ وقّعت الحكومة الجزائرية اتفاقًا للحصول على اللقاح الروسي «سبوتنيك-في»؛ ورصدت الحكومة الجزائري مبلغ 150 مليون دولار من أجل اقتناء اللقاح الروسي.
وبلغ إجمالي الإصابات بفيروس كورونا في الجزائر 99 ألفًا و311 حالة، منهم ألفان و751 حالة وفاة، بحسب ما أعلنت وزارة الصحة الجزائرية مساء الأربعاء 30 ديسمبر (كانون الأول) 2020.
معركة الحصول على اللقاح تنتظر حكومات المغرب العربي سنة 2021
من جهتها أعلنت موريتانيا أنها ستحصل على 20% من حاجتها للقاح كورونا مجانًا من منظمة الصحة العالمية وفق آلية «كوفاكس»، في شهر فبراير (شباط) أو مارس (أذار) 2021 كحدٍ أقصى.
أمّا تونس فاختارت تأجيل تلقيح مواطنيها حتى شهر أبريل (نيسان) المقبل؛ وكانت وزارة الصحة التونسية قد أعلنت عن اقتنائها مليوني جرعة من لقاح «فايزر ـ بايونتيك»، سيصلون العاصمة التونسية مع نهاية الربع الأوّل من 2021.
وتطمح وزارة الصحة التونسية، إلى تلقيح 50 % من الشعب البالغ عددهم قرابة 11 مليونًا، وذلك عبر خطّةٍ لاقتناء 6 مليون جرعة من لقاح كورونا .
وأعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا، تعاقد بلاده على شراء 2.8 مليون جرعة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا بقيمة 9.4 ملايين دولار أمريكي دون تحديد نوعه، ومن المتوقّع أن تبدأ حملات التلقيح في الأشهر الأولى من السنة الجديدة.
3. سنة الحسم الانتخابي بالجزائر والمغرب وليبيا أيضًا
يبدو أنّ السنة الجديدة ستكون ساخنةً كسابقتها في الجزائر؛ فسيكون الجزائريون ربيع 2021 على موعدٍ مع انتخابات برلمانيةٍ مسبقة ستحدد بشكلٍ كبير طبيعة النظام الذي ثار الجزائريون في فبراير 2019 لإسقاطه.
وأعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات في الجزائر، بدء استعداداتها المبكرة لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة التي يرتقب الإعلان عن موعدها من قبل الرئيس عبد المجيد تبون في وقت لاحق، تزامنًا مع ترقب الكشف عن مضمون القانون الانتخابي الجديد الذي يعكف على إنجازه خبراء قانونيون على علاقة متينة بالنظام السابق.
وكان إجراء انتخابات برلمانية مبكرة هو أحد الوعود الذي أطلقها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، في حملته الانتخابية، ويُتّهم البرلمان الحالي بأنّه برلمان مزوّر تابع للعصابة الحاكمة السابقة، لكنّه كان الفاعل الأساسي في معظم الأحداث التي عاشتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، فقد مرّر عدّة قوانين مثيرة للجدل؛ وصادق دون نقاش على الدستور الجديد؛ ورفض دعواتٍ لتفعيل المادة 102 لإثبات شغور منصب الرئاسة بسبب مرض الرئيس الذي استمرّ غيابه ثلاثة أشهر.
ويتوّقع أن تفرز الانتخابات المقبلة خريطةً سياسية جديدة للبلاد من خلال بروز قوى سياسية جديدة في البرلمان ممثلةً للحراك الشعبي، بينما يستبعد المراقبون خسارة الحزب الحاكم المتمثل في حزب جبهة التحرير الوطني أغلبيته في البرلمان.
وسيكون المغرب هو الآخر على موعدٍ مع انتخاباتٍ نيابية؛ إذ حسمت وزارة الداخلية المغربية في يوليو (تموز) الماضي الجدل السابق إزاء توقيت الاستحقاقات الانتخابية التي ستعرفها البلاد العام المقبل، واعتبرت وزارة الداخلية في بيان أن عام 2021 سيكون سنة انتخابية بامتياز؛ وأضاف البيان «سيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، من مجالس جماعية، ومجالس إقليمية، ومجالس جهوية، وغرف مهنية، انتخابات ممثلي المأجورين، ثم مجلسي البرلمان».
ويتواصل الجدل بين الأحزاب المغربية حول البيئة التشريعية لتلك الانتخابات، فبينما يطالب أحزاب المعارضة بتعديل طريقة حساب «القاسم الانتخابي» وإلغاء «العتبة الانتخابية» واللائحة الوطنية للشباب، يريد حزب العدالة والتنمية الحاكم استمرار اعتماد الطريقة الراهنة في حساب القاسم الانتخابي، أي استخراجه بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد.
ويتوقّع أن يتراجع الإسلاميون في الانتخابات المقبلة نتيجة ارتفاع الأصوات المناهضة لهم مؤخرًا على خلفية مشاركتهم في التطبيع.
ويبدو أنّ سنة 2021 ستكون حاسمةً للصراع في ليبيا؛ فقد أعلنت مبعوثة الأمم المتحدة بالوكالة إلى ليبيا ستيفاني وليامز في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن الفرقاء الليبيين المجتمعين في تونس في إطار مفاوضات برعاية الأمم المتحدة توصلوا إلى اتفاق ينص على «إجراء انتخابات وطنية» في 24 كانون ديسمبر 2021.
4. أزمة الصحراء الغربية.. الفتيل الذي سيشتعل في منطقة المغرب العربي
من المحتمل أن تشغل قضية الصحراء الغربية اهتمام دول المغرب العربي في عام 2021 أكثر من أي وقتٍ مضى؛ وذلك على خلفيات التطورات التي حملتها نهاية سنة 2020 لمستقبل الأزمة، بعد اعتراف ادارة ترامب بسيادة الرباط على إقليم الصحراء الغربية، واشتعال منطقة الكركرات بعد إعلان جبهة البوليساريو الحرب على المغرب.
ومن المتوقع أن تضاعف الجزائر – بحكم أنّها الداعم الأساسي لجبهة البوليساريو – جهودها في مسألة الصحراء الغربية وممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية الجديدة لثنيها على التراجع على اعترافها بسيادة المغرب، كما لا يستبعد المراقبون أن تصل العلاقة بين الرباط والجزائر إلى مرحلة القطيعة التامة في حالة تواصل التوترات المتسارعة بين البلدين على خلفية قضية الصحراء الغربية والتطبيع بالمقابل مع إسرائيل.
5. الجماعات المسلحة في الساحل الأفريقي.. الخطر المحدق بالجميع!
تبذل كل من تونس، والمغرب، والجزائر، جهودًا حثيثة لحماية أمنها القومي من خطر نشاط الجماعات المسلحة المتنامي في منطقة الساحل الأفريقي؛ فإذا كانت سنة 2020 قد شهدت ضرباتٍ قاسية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أدت إلى اغتيال أبرز قيادات التنظيم هناك، إلّا أنّ الدول المغاربية تخشى من إعادة هيكلة التنظيم لنفسه وشنّه لهجمات انتقامية في أراضيها.
وتخشى الجزائر التي تمتلك أكبر حدودٍ برّية مع دول الساحل الأفريقي من تهديد حدودها الجنوبية من قبل مسلحي التنظيمات الجهادية؛ ويواصل جيشها المرابطة على طول الحدود مع مالي، والنيجر، وليبيا.
وكانت الجزائر قد انتقدت بشدّة عملية التفاوض لتبادل الأسرى التي قامت بها الحكومة الفرنسية مع الجماعات الجهادية التي جرت في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي أسفرت عن إفراج الحكومة المالية عن 200 سجين، معظمهم من المقاتلين، مقابل إطلاق تنظيم القاعدة سراح ثلاث رهائن فرنسيين، وتلقي التنظيم مبالغ كبيرة عن الصفقة.
وحذّر المغرب من أن «الإرهاب» والجريمة المنظمة يجعلان من منطقة الساحل «قنبلة موقوتة» ستنفجر في أي وقتٍ مهددة دول المغرب العربي؛ وكان المغرب قد أعلن نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي عن تفكيك «خلية إرهابية» على ارتباط بتنظيم القاعدة في المملكة.