كانت التبريرات واقعية نوعًا ما عندما أعلنت السعودية صباح الخامس من يونيو (حزيران) قطع العلاقات مع قطر؛ بل وإغلاق الحدود البرية مع قطر، ووقف الرحلات الجوية القادمة من وإلى الدوحة، فتصريح الأمير تميم بن حمد – الذي تم نفيه- والذي ينتقد فيه السعودية ويدعوها إلى تحسين العلاقات مع إيران كفيل – لو كان صحيحًا- أن يحدث هذا الضجيج كله؛ لأن السعودية ربما يكون لها دافع منطقي في رفضها لأن يذكي جارًا لها عدوها اللدود. وأما عن الإمارات؛ فالحرب الكلامية بينها وبين قطر لم تهدأ أصلًا بسبب الاتهامات المتبادلة بين البلدين.
والبحرين يمكن فهم كون علاقتها القوية بالسعودية جعلتها تنضم إلى حملتها ضد قطر، فقد تدخلت القوات العسكرية السعودية لحماية النظام البحريني من إحدى موجات الربيع العربي في مارس (آذار) عام 2011، وعندما يأتي سؤال لماذا مصر ضمن الحملة؟ فلا توجد إجابة أكثر إقناعًا من «الإخوان المسلمين»، إذ إن النظام المصري منذ عام 2013 في حالة احتقان كبير مع الدوحة بسبب دعمها للإخوان المسلمين، واستضافة قياداتها الهاربين في قطر.
ولكن يبقى السؤال: ما دخل جزر المالديف؟
المالديف دولة صغيرة، وبعيدة، وليس لها أي علاقة بتجاذبات المنطقة السياسية، ومع ذلك فقد سارعت حكومتها إلى التضامن مع القرارات السعودية بفرض الحصار على قطر، فما السبب؟
1- المالديف.. ابنة السعودية بالتبني
في فبراير (شباط) عام 2014، فوجئ بعض السياح الأجانب برسائل من منتجعات «Paradise»، تفيد بأن حجزهم قد تم إلغاؤه وذلك لأن الملك سلمان قد حجز المنتجع كله، لمدة ثلاثة أشهر، وهذا المنتجع يحتل ثلاث جزر كاملة من المالديف، هذه الزيارة جعلت السعودية تمنح المالديف قرضًا قيمته 300 مليون دولار أمريكي لمدة خمس سنوات، فضلاً عن فتح خطوط جوية مباشرة لأول مرة في التاريخ بين المالديف والسعودية، إذ سمحت المملكة بإقلاع 14 رحلة أسبوعيًّا من وإلى المالديف، وهذا رقم كبير بالنسبة لدولة بحجم المالديف، كما أن هناك نية كبيرة لتدعيم العلاقات بين البلدين تحقيقًا لأهداف مستقبلية مشتركة.
وواحدة من الأمور التي تسهل سعي المالديف ناحية السعودية هي العقيدة السُنية التي يعتنقها رئيس جزر المالديف عبد الله أمين، ففي نفس الزيارة حصلت المالديف على 100 ألف دولار هبةً لا ترد من أجل تدعيم التعليم الإسلامي في البلد، واستضافة باحثين إسلاميين سعوديين لدعم العملية التعليمية الإسلامية، وتقديم ما يقرب من 50 منحة دراسية كاملة للطلاب من جزر المالديف للدراسة في الجامعات السعودية.
2- أسماك المالديف الحلال تُباع في أسواق السعودية
بعد السياحة، تأتي مباشرةً المزارع السمكية وصيد الأسماك من المحيط الهندي كثاني أكبر مساهم في اقتصاد المالديف، ويعمل بها ما يقرب من 20% من القوة العاملة، ولكن في 2014 هدد الاتحاد الأوروبي اقتصاد المالديف عندما منع الأسواق الأوروبية من استيراد الأسماك منها، لأن تلك الأسماك لا تخضع لمعايير السلامة والأمان طبقًا لسياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بسلامة الأشخاص والأفراد، إذ برر الاتحاد الأوروبي أنه من الصعب قياس معايير السلامة الصحية لمياه المحيط الهندي المحيط بجزر المالديف.
ولكن الحكومة في المالديف لم تيأس؛ بل لجأت إلى صديقتها الجديدة السعودية وقامت باستحداث رخصة «حلال»، والتي توضع على الطعام حتى يتمكن المستهلك المسلم من شرائه، ومن ثم أصبحت الأسواق السعودية السوق الجديدة لبيع أسماك المالديف الحلال، وفي عام 2016، أعلن وزير الصناعة السمكية في حكومة المالديف بأن الدولة سوف تنشأ 4 مصانع كبيرة لتعليب الأسماك في المالديف، في خطوة وصفها بأنها سوف تعطي دفعة اقتصادية كبيرة لصناعة الأسماك في البلاد.
اقرأ أيضا : الوجه القبيح: كيف أصبحت المالديف ومصر وجهيْن لعملة واحدة
3- بترول السعودية يضمن الكثير من السياح الصينيين للمالديف
الطبيعة الخلابة ومجموعة من اللمسات المعمارية الخلاقة في بناء المنتجعات والقرى السياحية؛ جعلت من المالديف واحدة من أكبر المقاصد السياحية في العالم، وعلى وجه الخصوص الأزواج الجدد، وفي عام 2014، تم تقدير عدد السياح الصينيين القادمين للجزر بنحو 44% من مجمل عدد السياح.
ومن أجل لعبة ذكية تخرج بها المالديف رابحة بشكل كبير؛ في مارس(آذار) الماضي وافقت الحكومة على طلب الملك سلمان ببناء قاعدة بترولية للسعودية لتتمكن من تصدير ونقل البترول من السعودية إلى الصين على أن تكون المالديف هي المحطة الواصلة بين البلدين، وهذه الخطوة أكسبت مالديف ود الحكومة السعودية، بالإضافة إلى العائد المادي من المشروع، فضلاً عن مساعدة الصين في إيجاد وقودها، وهو ما سيجعل الحكومة الصينية تشجع المواطنين الصينيين وتسهل سفرهم السياحي إلى جزر المالديف.
اقرأ أيضًا: بالصور، السحر والجمال في المالديف
4- 10 مليارات دولار.. المالديف تحت العباءة السعودية
كانت المالديف هي الدولة الأولى في جولة الملك سلمان الآسيوية في مارس (آذار) الماضي، وبعد تلك الزيارة القصيرة؛ أعلنت حكومة المالديف أن السعودية سوف تستثمر 10 مليارات دولار أمريكي في البلاد، وطبقًا للأوضاع الاقتصادية التي تصنف المالديف دولة نامية؛ فإن استثمارات بهذا المبلغ قد تضع المالديف مستقبلًا في ركاب الدول المُتقدمة اقتصاديًّا.
وأوضحت الحكومة فيما بعد أن هذه الأموال سوف يتم استثمارها في قطاع السياحة؛ المصدر الأول للدخل القومي في المالديف، ولكن لم يكن هذا هدف السعودية الأول؛ بل الأساس كان شراء إحدى الجزر المالديفية من أجل مشروع محطة البترول الكبيرة التي سوف تمد الصين بالوقود والزيوت.
لكن هناك أمرًا يجب الإشارة إليه، وهو أن القانون في جزر المالديف يتيح لك فقط الانتفاع بالجزر حتى 99 عامًا دون امتلاكها، وبيع جزيرة للسعودية سوف يتطلب تعديل تلك القوانين، أو تمرير قوانين أخرى تسمح بنجاح هذه الصفقة، وبما أن الحزب الحاكم يملك الأغلبية في البرلمان، فلن يقلق الملك سلمان حيال هذا الأمر، وما يثبت ذلك هو الغموض الذي تتبعه الحكومة في الرد على اتهامها ببيع الجزيرة ومخالفة القوانين، إذ إن الحكومة حتى الآن لم تعلن ملامح تلك الصفقة بشكل كامل، ولكن الإعلان جاء من الجانب السعودي.
استطاعت الحكومة السعودية بناء حليف قوي، فكل ما فعلته من أجل جزر المالديف، يجعل الحكومة تحت توجيه الحكومة السعودية، واتباع المالديف لحملة السعودية المضادة ضد قطر قد يسبب الكثير من الخسائر لقطر، لا سيما وأن شركة الطيران القطرية من أكثر الشركات التي تقل طائرتها السياح من وإلى المالديف.