خرجت المملكة الأردنية الهاشمية قبل عدة أيام من قائمة الدول العالمية التي لا تتبنى نظام الخدمة العسكرية الإلزامية، والتي كان عددها 94 دولة قبل خروج الأردن، إثر قرار اتخذته الحكومة بإعادة التجنيد الإجباري تحت مسمى «خدمة علم» بدعوى مكافحة البطالة.

بدا مشروع الحكومة الأردنية متماشيًا مع إعلان منظمة العمل الدولية وصول معدل البطالة لدى الشباب إلى 13.6% عالميًّا من الحصيلة الكلية البالغة 22.4% لعام 2020م؛ إذ يواجه الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، والبالغ عددهم 1.3 مليار شاب على مستوى العالم، خطرًا أعظم، بفقدان وظائفهم، محذرةً من عجز المنطقة العربية عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030م.

أصل الحكاية: كيف نشأ الجيش الأردني؟

تعود نشأة الجيش الأردني إبان تشكيل أول حكومة محلية في شرق الأردن عام 1921م على يد الأمير عبد الله بن الحسين. وفي عام 1923م أطلق الحسين على القوات المسلحة الأردنية اسم «الجيش العربي». ووقعت الأردن مع بريطانيا عقب استقلالها عام 1946م اتفاقية تقضي بسيطرة الإنجليز على المناصب العليا في الجيش؛ لكنها ألغيت في مارس (آذار) 1956م بقرار من الملك الأردني، الحسين بن طلال، وبذلك انتهت مرحلة «الانتداب البريطاني» على الأردن الذي استمر 35 عامًا.

Embed from Getty Images

يحتل الجيش الأردني المرتبة رقم 72 على قائمة أقوى جيوش العالم التي تضم 133 دولة، بتعداد 170 ألف شخص، منهم 65 ألفًا في قوات الاحتياط، وذلك وفقًا لموقع «جلوبال فير بور» الأمريكي لهذا العام. ولفت الموقع إلى أن قوة الجيوش لا تعتمد فقط على حجم العتاد العسكري وعدد الجنود، بل إن عدد السكان يعد أحد معايير تقييم الجيوش في العالم. ويتجاوز عدد سكان الأردن ما يقارب 10 ملايين نسمة، بينهم 3.3 ملايين قوة بشرية متاحة للعمل، ويصلح للخدمة العسكرية 2.8 ملايين شخص، بينما يصل إلى سن التجنيد سنويًّا، حوالي 143 ألف شخص.

ويشير موقع القوات المسلحة الأردنية إلى أن أول مشاركة دولية للجيش الأردني منذ انضمام الأردن لمنظمة «الأمم المتحدة» عام 1955م، كانت ضمن قوات «حفظ السلام الدولية» على الحدود العراقية عام 1961م، وذلك من أجل وقف نزيف الدم بين دولتي العراق والكويت، وأن عدد الدول التي شارك فيها الجيش الأردني، ضمن مهام دولية أو خاصة أكثر من 38 دولة، فيما بلغ حجم المشاركة حتى نهاية 2010م في مختلف مهام الأمم المتحدة، 7 آلاف ضابط، قتل منهم 37 عنصرًا.

ويتشكل الجيش الأردني من ثلاث قوى؛ أسست القوات البرية بداية للجيش العربي في «إمارة شرق الأردن» وكان نواتها 25 ضابطًا و250 جنديًّا، تلتها القوة البحرية والتي تتمركز في ساحل العقبة، حيث اختير أفرادها من قوات الأمن العام في عام 1951م، وفي عام 2003م بدأ العمل ببناء القاعدة البحرية الجديدة، والتي اكتمل بناؤها عام 2006م.

أما القوة الثالثة، والتي يعتمد عليها الجيش الأردني اعتمادًا كبيرًا؛ فهي القوات الجوية التي أسست عام 1948م وعملت وزارة الدفاع على تعزيزها بأحدث أنواع الطائرات، مثل إف-16 والرادارات ثلاثية الأبعاد ومنظومتي الدفاع الجوي. وعلى المستوى الدولي يحتل الأردن المركز الرابع في حجم المشاركة بمهام حفظ السلام الدولية؛ إذ شكل الأردن بناء على طلب الأمم المتحدة قوة الانتشار السريع (UNSAS)، واللواء عالي الجاهزية (SHIRBRIG).

«خدمة علم».. الانتساب للجيش  صار إلزاميًّا

أصدرت الحكومة الأردنية في التاسع من سبتمبر (أيلول) الجاري قرارًا بإعادة فرض الخدمة العسكرية الإلزامية تحت مسمى «خدمة علم»، على الذكور في الفئة العمرية بين 25 و29 سنة ممن لا يعملون، وليسوا على مقاعد الدراسة، أو خارج البلاد، أو أرباب أسر، بعد إيقافها في عام 1991م منذ صدور «قانون خدمة العلم الأردني».

وستكون مدة الخدمة 12 شهرًا، باستدعاء 5 آلاف شاب من مواليد 1995م، على أن يُستدعى 15 ألف شاب العام القادم للالتحاق بالخدمة، يُمنح خلالها المكلف مبلغًا شهريًّا مقداره 100 دينار (140 دولارًا)، ويتلقى تدريبًا عسكريًّا مدته ثلاثة أشهر.

دولي

منذ 3 سنوات
يوسف العتيبة.. عرَّاب التطبيع ومهندس علاقات الإمارات مع إسرائيل

و«خدمة علم» ليست الخدمة الأولى التي تطلقها الحكومة الأردنية؛ ففي عام 2018م أطلقت «خدمة وطن» بهدف تدريب الشباب وتشغيلهم، وأوضح وزير العمل، نضال البطاينة، آنذاك، أن: «الحكومة ما تزال معنية ببرنامج خدمة وطن الذي كان الالتحاق به اختياريًّا، وبلغ عدد الذين استفادوا من المرحلتين الأولى والثانية في هذا البرنامج 6471 شخصًا، إلا أن الدفعة الثانية، ونتيجة تعرض المملكة لجائحة كورونا، تأثر مسارها تأثرًا كبيرًا».

يقول منذر الزيود عضو هيئة التدريس في مديرية التعليم بلواء ماركا بالعاصمة الأردنية، لـ«ساسة بوست»: «إن (خدمة وطن) التي بدأ الحديث عنها في أروقة الحكومة في الشهر الثامن من عام 2005م، أُعلنت في الشهر الأخير من عام 2018م، وهي عبارة عن تشارك وزارة العمل والقوات المسلحة على تدريب الشباب وتأهيلهم ثم إلزامهم بالعمل لدى القطاع الخاص»، فيما أوضح أن (خدمة علم) خصصت الانتساب لها للعاطلين عن العمل، «ضمن مدة زمنية قصيرة ومبلغ مالي 100 دينار بفارق 25 دينار عن الأولى، دون توضيح مصير من ينتظرون دورهم في التعيينات الحكومية، والتي تصدر عن الديوان الملكي».

وكان الانضمام إلى الجيش الأردني والأجهزة الأمنية المختلفة سابقًا يتبع خيار التجنيد الاختياري؛ لتلبية احتياجاتها من الأفراد والضباط، لمن بلغ سن الثامنة عشرة ولم يتجاوز السابعة والعشرين، عبر شروط خاصة، فيما يخدم الذكور (خدمة العلم) عند وصولهم سن 18 سنة في الجيش لمدة سنتين متتاليتين بدون انقطاع.

«خدمة علم».. مكافحة للبطالة أم  عبء على موازنة الدولة؟

في حديثه لـ «ساسة بوست»، يوضح زيود «بالرغم من أن الترويج الحكومي للبرنامجين كان هدفه مكافحة البطالة التي تغرق بها الأردن؛ فإن معدلات البطالة ترتفع سنة تلو أخرى». لكن التبرير الجديد لرئيس الوزراء، عمر الرزاز، هو مطالبات مستمرة لم يسمها، من أجل «صقل الهوية الوطنية للشباب، وتعزيز ثقافة الانضباط والالتزام بما يخدم مستقبلهم، مع حسر موجة البطالة، وأن معدل التغير في النشاط الاقتصادي للفئة المستهدفة في برنامج «خدمة علم» أكبر منه في الفئات العمرية الأخرى».

ووفقًا لدائرة الإحصاءات العامة ارتفعت نسبة البطالة في الأردن إلى 23% في الربع الأول من هذا العام مقارنة بنحو 19% للفترة ذاتها من العام الماضي. فيما بلغ معدل البطالة للذكور خلال الربع الثاني من هذا العام حوالي 21.5% مقابل 28.6% للإناث، ويتضح أنَّ معدل البطالة قد ارتفع للذكور بمقدار 4.4 نقطة مئوية، وارتفع للإناث بمقدار 1.4 نقطة مئوية مقارنة بالربع الثاني من عام 2019م.

جدير بالذكر، أن الأردن يحتل المركز السابع عالميًّا في الإنفاق العسكري بنسبة 8.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن موازنة وزارة الدفاع بلغت لهذا العام ما يقارب مليار و250 مليون دينار أردني، صرفت خلال النفقات الرأسمالية المقدرة للسنة المالية، حسب موقع وزارة المالية الأردنية، وبحسب الزيود «فإن البرنامج الجديد بحاجة لنصف مليون دينار شهريًّا، رواتب دون حساب التكاليف المترتبة على البرنامج».

وأشارت الوزارة إلى أن العجز في ميزانية الأردن الذي جاء نتيجة التراجع في الإيرادات المحلية خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري، نتيجة للإغلاق الذي حدث للاقتصاد المحلي منذ منتصف مارس (آذار) الماضي بسبب أزمة فيروس كورونا.

وكان قد صعد قبل المنح بنسبة 63.8%، أي حوالي 800.6 ملايين دينار (1.128 مليار دولار) على أساس سنوي، خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الجاري المنتهية في أبريل (نيسان) الماضي، وسجلت الميزانية عجزًا بعد المنح الخارجية بقيمة 694.9 ملايين دينار (980 مليون دولار)؛ إذ بلغت المنح الخارجية حتى نهاية أبريل الماضي 105.8 ملايين دينار (149.2 ملايين دولار)، في ظل دين عام تجاوز 40 مليار دولار وتخطى 100% من الناتج المحلي الإجمالي.

برامج دعائية لمكافحة البطالة.. ولكن

انتهاج السياسات نفسها في مكافحة ظاهرة البطالة هي سمة طاغية على الحكومات المتعاقبة في الأردن، وبالذات خلال العشر سنوات الأخيرة، لا سيما أن فكرة خدمة العلم كانت متداولة لضم العدد الأكبر من الخريجين والعاطلين عن العمل لمكافحة وتخفيف نسبة البطالة في المملكة، حسب ما أشار فاروق محمد، عضو كتلة التجديد العربية في حديثه لـ«ساسة بوست».

وأضاف محمد «أن مشروع (خدمة وطن) لم يحقق النتائج المرجوة ولم يعالج البطالة، على العكس زادت النسبة في الأشهر الأخيرة من هذا العام، وإقرار الحكومة لمشروع (خدمة علم) يشي بأنها ما زالت تفكر بالعقلية نفسها، التي بلورت لدى الشعب فكرة عدم نجاح مخططات الحكومة، وأن مشروعاتها تندرج تحت الترويج الإعلاني والدعاية».

ويفيد محمد في حديثه لـ«ساسة بوست»: بـ«أن توقعات نتائج البرنامج الجديد تبدو متشابهة مع برنامج (خدمة وطن) لأن التكلفة المالية مرتفعة والعجز في الموازنة العامة لا يبشر بقدرة الحكومة على سداد تكاليف البرنامج الجديد، وخاصة أن الأردن والمجتمع الدولي يمر بأزمة اقتصادية سببها وباء كورونا، وهنا تُطرح عدة تساؤلات: هل أخذتها الحكومة في حسبانها قبل إعلان البرنامج بعد إكمال الخدمة الإلزامية ما مصيره؟ وهل هو كسب لسنة جديدة لخفض نسبة البطالة؟ وما مصير الخريجين الجدد؟ هل ستتوفر فرص عمل جديدة أم سينتظرون دورهم في الالتحاق بالخدمة؟».

وبحسب حديث النائب الأردني، منصور مراد، لموقع «الأردن اليوم»، فيبدو أن الحكومة الأردنية تسعى إلى حلول تكتيكية لحل مشكلة البطالة، و«خدمة علم» ليست حلًّا، وبعيدة كل البعد عن طرح حلول استراتيجية تتمثل في نتاج وإقامة مشروعات وطنية طويلة الأجل، إضافة لذلك فإن المشروعات التنموية تعتمد على عمال وكوادر وطنية والعمل بالاستثمار بالثروات، والحل يكمن بتحول الدولة بموجب قوانين وإرادة سياسية، من أن تكون دولة مستهلكة إلى دولة منتجة وحتى تقوي الناتج الوطني والقومي، بحسب النائب الأردني.

الأردن ليست الأولى.. تجارب عربية سابقة

قبل اتخاذ الأردن إقرار مشروع «خدمة علم»، كانت لدول عربية تجارب سابقة أُقرت ولم تحقق نتائجها، ومنها ما قوبل برفض شعبي للفكرة، ففي أغسطس 2018م أقر مشروع التجنيد الإلزامي لخدمة العلم في المغرب بعد مرور أكثر من 10 سنوات على إلغائه، واستهدف الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و25 عامًا لمعالجة مشكلة البطالة التي كانت تشكل حينها 10.5% من إجمالي معدلات البطالة الذي بلغ نحو 25.7%.

Embed from Getty Images

وفي شهر مايو (أيار) من العام الحالي قالت المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (الهيئة الرسمية المكلفة بالإحصاء) إن معدل البطالة سجل 26.8% لدى الفئة المستهدفة نفسها بعملية التجنيد، وهي إشارة بفشل برامج الحكومة المغربية في الحد من ارتفاع مستوى البطالة.

أما في العراق فإن رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، أبدى استعداده لدراسة موضوع تفعيل التجنيد الإلزامي الذي توقف تطبيقه مع سقوط نظام صدام حسين عام 2003م، بعد أن طرحته اللجنة البرلمانية للمناقشة لعزمها على تطبيقه للقضاء على البطالة.

في المقابل ذكر النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، بشار الكيكي، لمركز «بيت العراق للدراسات الاستراتيجية» أن: «حكومة إقليم كردستان لن تطبق مشروع الخدمة الإلزامية، في حال شُرع»، ويبدو ذلك لتصريح اللجنة المالية النيابية عدم وجود تخصيصات مالية ضمن مشروع قانون الموازنة الاتحادية.

وفي السعودية، وحسب ما أفاد ماجد النعيمي، الذي يعمل كبير المدققين في شركة السراميك الوطنية لـ«ساسة بوست»، بأنه: «في فبراير (شباط) 2018م، استبعد نائب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس الشورى السعودي اللواء عبد الهادي العمري، إمكانية فرض التجنيد الإلزامي للذكور السعوديين، وذلك بعد توظيف عدد من الصحافيين في المواقع الإلكترونية، للمطالبة بإعادة التجنيد الإجباري لفئة الشباب لما يعانيه المجتمع السعودي من انتشار البطالة، إذ ربطوه بتفشي الجرائم والفساد في المملكة، وواجه الاقتراح حركة رفض واسعة بين الشباب وخاصة الخريجين حديثًا» بحسب النعيمي.

وعانت المملكة العربية السعودية من ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 12.9% في 2018م عقب تراجع أسعار النفط من منتصف 2014م، وانكماش الاقتصاد في 2017م، وانخفض معدل البطالة بين السعوديين لاحقًا خلال الربع الأول من 2020، إلى 11.8% مقارنة مع 12% في الربع الرابع من 2019م.

هل التطبيع العربي الأخير وراء قرار الأردن؟

يتبادل الشارع الأردني الحديث حول قرار الخدمة الإلزامية الجديد، وارتباطه بتناول وسائل الاعلام العربية والعالمية لقرار التطبيع الإسرائيلي الاماراتي، وأن التعجيل في اتخاذ قرار «خدمة علم» سببه نشر صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية مقالًا، أشارت فيه إلى «أن التغريدة المفاجئة للأمير علي، شقيق الملك الأردني عبد الله الثاني، والتي عبَّر فيها عن رفضه لما فعله ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، من تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وترت العلاقات بين البلدين»، وزعمت الصحيفة أن ابن زايد هاتف بنفسه قصر الملك الأردني في عمَّان، وحذَّر من أن ربع مليون أردني في الإمارات قد يُطردون فورًا.

دولي

منذ 3 سنوات
«أكسيوس»: هذا ما جرى في كواليس اتفاق التطبيع البحريني مع إسرائيل

يعرب وليد الزعبي، المتخرج حديثًا من جامعة مؤتة الأردنية، في حديثه لـ «ساسة بوست» عن قلقه من قرار التجنيد الإلزامي الذي ربما يحول بينه وبين تلقيه فرصة للعمل، وأن «تزامن قرار التجنيد مع انتشار الأخبار حول استمرار دول عربية في التطبيع يوحي بأن القرار لتعبئة الجيش الأردني، وربما تتخلى الدول الخليجية عن الأردن مقابل فتح العلاقات مع إسرائيل، لا سيما وأن الأردن عارض وبشدة صفقة القرن».

وتعجب عمر الرفاعي، خريج جامعة اليرموك الأردنية، من تطبيق قرار التجنيد في هذا الوقت، الذي يضج بأخبار إمكانية دول عربية وإسلامية من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأشار في حديثه لـ«ساسة بوست»: إلى «أن الحكومة غير موفقة باتخاذ مشروع أقرته سابقًا إلا إذا كان لديها مآرب أخرى، وأنه كان الأولى إنشاء مشروعات تنموية وتوظيف الشباب فيها، لا سيما أن عدد الخريجين من كلية الاقتصاد في جامعة اليرموك من دفعتي تجاوز 200 طالب، إذا كان فعلًا الهدف هو خفض مستوى البطالة».

المصادر

تحميل المزيد