على طريقة رواية عمارة يعقوبيان للأديب المصري علاء الأسواني، تحاول رواية مولانا للكاتب الصحافي المصري إبراهيم عيسى، أن ترصد صراعات القوى الكبرى المهيمنة على المشهد السياسي المصري المضطرب، ومنها الإعلام ومؤسسات الدين الإسلامي والمسيحي، ورجال الأعمال وبيت الرئيس وأجهزة الأمن.

بدأ عيسى كتابة الرواية في عام 2009 قبل اندلاع الثورة المصرية وخلع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وأنهاها في عام 2012 أثناء حكم المجلس العسكري.

تحولت الرواية إلى فيلم يحمل نفس الاسم، استخدم الحوار الأصلي الموجود في نص إبراهيم عيسى، بينما كتب مجدي أحمد علي التصور البصري للمشاهد إلى جانب إخراجه للعمل.

من هو مولانا حاتم الشناوي؟

يتتبع الفيلم أحداث الصعود السريع لواعظ أزهري شاب هو حاتم الشناوي، (يقوم بدوره الممثل عمرو سعد)، من مجرد كونه خطيب مسجد متواضع الحال، إلى أن يصير داعية مشهورًا من نجوم الفضائيات والبرامج المسائية.

يعرض المشهد الافتتاحي للفيلم لقطات واسعة من الأعلى للقاهرة القديمة بمآذنها ومساجدها التي زاحمتها المباني العالية الإسمنتية القبيحة، وحاصرتها العشوائيات وصراخ الباعة وزحام السيارات والمواصلات.

يبدو الجو من أعلى كئيبًا مع كل ذلك الدخان والتلوث. في وسط كل ذلك يبرز الشيخ حاتم الشناوي، وليدًا من رحم هذا الكويكب الملوث المتعب الحزين المسمى القاهرة، يمشي في الشارع متجها إلى أحد المساجد لإلقاء خطبة الجمعة وإمامة الناس في الصلاة، حين يجد أجهزة الأمن تسيطر على المسجد وتقوم بتفتيش المصلين، ويعرف أن وزراء مهمين في الحكومة سيقومون بالصلاة في المسجد، وأن وكيل وزارة الأوقاف هو من سيقوم بإقامة شعائر صلاة الجمعة. إلا أنه وفي مفارقة ستغير حياته، يصاب الشيخ (أحمد راتب) بإعياء مفاجئ، ويقوم حاتم بخطبة الجمعة، فيحظى بقبول علية القوم من الجهاز الحكومي، واطمئنان من جانب الأجهزة الأمنية، ويكون ذلك بمثابة علامة تسمح له بالانطلاق للأعلى.

يعتاد حاتم بعد ذلك على إلقاء الخطب في المساجد الكبرى، ويصبح له مريدون، وتزيد قاعدة متابعيه ومحبيه بشكل سريع، أيضا يتزوج من فتاة جميلة (تؤدي الدور الممثلة درة) وينجبان بعدها طفلًا، يكون قرة عين والده.

من الأزهر إلى الفضائيات

ثم تحدث المفارقة الثانية، عندما تدعوه قناة فضائية ليحل مكان شيخ يتغيب عن الظهور في أحد البرامج، وعلى الرغم من تهيب حاتم الجلوس أمام الكاميرات والظهور أمام الناس في الشاشات، إلا أنه أبلى بلاءً حسنا في البرنامج، مما شجع صاحب المحطة على استضافته لاحقًا بشكل دوري في برنامج حواري له صبغة دينية، يديره المذيع ثقيل الظل ملتوي الأسلوب أنور عثمان (أدى دوره بيومي فؤاد)، وسرعان ما يصير التحكم في البرنامج في يد حاتم نفسه، بينما يتوارى أنور في الظل مراقبًا في مكر ثعلب.

تفتح الدنيا أبوابها على مصارعها للداعية حاتم الشناوي، يصبح ضيفًا دائمًا على موائد الأغنياء وأصحاب الحظوة ليبارك مناسباتهم وأفراحهم، أو يشاركهم أتراحهم ويساعدهم في حل مشاكلهم عبر فتاواه الحاضرة دائما، وتفسيره الخاص للدين الذي يمكنه ببراعة من إرضاء زبائنه الأغنياء، وتهدئة خواطرهم، وإعطائهم شعورًا حقيقيًّا حينا وزائفًا أحيانا أخرى بالرضا عن النفس. ومع كل مرة كان يشعر فيها بالسلطة المطلقة التي منحتتها إياه صفته الدينية، ووجوده وسط أضواء الإعلام، كان يشعر بالانتشاء والقوة المطلقة.

ينتقل أيضًا للسكن مع أسرته الصغيرة في فيلا ضخمة، ويشتري سيارة فارهة، ويتنقل بصحبة سائق ويستأجر مساعدًا، ويفتتح لنفسه مكتبًا يقابل فيه مريديه، ويحميه رجال أشداء أثناء دخوله وخروجه من المساجد والقنوات الفضائية.

فيلم الفرد الواحد

يتمحور فيلم مولانا بشكل أساسي حول شخصية حاتم الشناوي، وتبدو باقي شخصيات الفيلم ضئيلة وذات مساحات محدودة للغاية في مقابل المساحة الواسعة التي أُفردت لعمرو سعد، والذي على الرغم من منحه هذا الميزة وتسليط الضوء عليه بشكل دائم، باعتبارها فرصة لإظهار مواهبه الأدائية، إلا أن أداءه جاء متناقضًا ويفتقر إلى أي تناسق منطقي، فيصاب المشاهد بالحيرة من شخصية حاتم، هل هو شخص متدين؟ أم أفاق؟ هل هو صاحب قيم، أم أنه انتهازي ومتسلق؟ هل هو أزهري فقير قادم من الأرياف، أم هو شخص عاش طول عمره في زهوة الحياة الرغدة؟ هل يتكلم بلهجة ريفية، أم يتحدث بلغة مدنية قاهرية؟ هل لديه رسالة حقيقية، أم أنه يدع الحياة ترفعه وتخفضه كما تشاء دون أن يبالي؟

ولا يبدو أن أداء عمرو سعد على المنبر وداخل المسجد كان مقنعًا، وجاءت محاولاته لتقليد خطباء المساجد التقليديين فقيرة وشكلية بدرجة كبيرة، فيما بدا وكأن هناك نية مبيتة من قبل صناع الفيلم للحكم مبكرًا على شخصية حاتم بالسطحية والتظاهر، وإيصال رسالة مبكرة أيضًا للمتلقي تنفره من الشخصية، قبل أن يحظى المتلقي بفرصة كاملة لمعرفة محركات الشخصية، وملاحظة ما يدور في أعماقها.

(المصدر: instarix.com)

ورغم الإمكانيات الفنية الكبيرة المتاحة للفيلم، والتي ظهرت جلية على الشاشة من حيث جمال الكادرات، واختيارات أماكن التصوير، والاستعانة بمجاميع ضخمة أضفت واقعية على مشاهد محورية في الفيلم؛ إلا أن ركاكة الأداء ظهرت جلية على السطح، مصاحبة أيضا لأحداث غير منطقية تبدو طفولية للغاية وغير واقعية وبها نوع من الاستخفاف بعقلية مرتاد السينما العصري، الذي أصبح من الذكاء وقوة الملاحظة وسعة الاطلاع على أفلام عربية وأجنبية متنوعة، بما يمكنه من فصل الغث عن السمين، وملاحظة هذا النوع من مسارات الأحداث الذي أعد بإهمال على عجل بدون مجهود متمهل في دراسة الشخصيات، ومحركاتها ودوافعها، وتقاطعات مساراتها ومصائرها، وتفاعلها مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة، وطبيعة حوارها وحركة جسدها وتعبيراتها وما إلى ذلك.

انتهاء شهر العسل

تبدأ حوادث ضخمة في التأثير وتعكير صفو حياة حاتم الشناوي، أولها تعرض ابنه الذي كان يحبه أكثر من أي شيء في العالم لحادث أودى به في غيبوبة طويلة، مما وضع حاتمًا في اختبار حقيقي لإيمانه، تجربة هزت روحه وقلبه وربما جعلته لا يلقي بالا لشيء سوى نجاة ابنه. الأمر الثاني هو استدعاؤه من قبل ابن الرئيس للمساعدة في أمر جلل أيضا هز البيت الرئاسي، حيث قام أخو زوجة ابن الرئيس حسن –يقوم بدوره أحمد مجدي- باعتناق المسيحية وغير اسمه لـبطرس، وبين الترغيب والترهيب يطلب ابن الرئيس من حاتم أن يقنع حسن بالرجوع إلى رشده وإلا سيتسبب هذا الأمر في أزمة هائلة في الشارع المصري وبين المسلمين والأقباط، إذا ما تسرب الأمر. الأمر الثالث هو تعرض أستاذه المتصوف الشيخ مختار –قام بدوره رمزي العدل مع عودة للتمثيل بعد 40 عاما من التوقف- لمطاردة قاسية من السلطة ومنع من السفر وتسليط المتشددين دينيًّا على مهاجمته هو وعائلته ورميهم بالزندقة، لسبب يظل غامضًا فترة طويلة ويظهر على عجل في نهاية الفيلم بشكل غير مقنع.

إبراهيم عيسى ومشاكل الرقابة

في ثنايا كل تلك الأحداث الجسام، تبدو جميع الشخصيات ثانوية وضئيلة وبلا تأثير حقيقي، مثل أميمة زوجة حاتم التي كان لها دور أكبر وأعقد في الرواية إلا أنه اختُزل، كذلك ضابط الأمن كارم الذي لم يتجاوز حواره عدة سطور قليلة، حرم الفيلم من خبرات ممثل محنك مثل صبري فواز وحرمه من إلقاء المزيد من الضوء عن علاقة أجهزة الأمن بالدعاة والمؤسسات الدينية. كذلك حسن الذي يتنصر بلا سبب، ويتطرف بلا سبب، ويتخذ ردود أفعال راديكالية غير متوقعة وغير مبررة لا لسبب سوى إضافة إثارة إلى الفيلم كما يبدو.

وأيضا الفتاة الغامضة نشوى (ريهام حجاج) التي تظهر في أحد حلقات برنامج حاتم وتتهمه بحدة بأنه من فرقة المعتزلة وأنه ينكر السنة مما يثير حفيظة صاحب القناة (مجدي فكري) ويطالب بطردها، إلا أن نشوى تظهر مرة أخرى في حياة حاتم وتحاول التقرب إليه بشكل مريب.

وسبب تشوه الكتابة والشخصيات وحبكة الأحداث لا يرجع فقط لركاكة أسلوب إبراهيم عيسى الروائي، المشهور بكتابته التي تخلط العامي والفصيح والجد والهزل، فتجده يكتب مثلا عبارات صادمة مثل: «فإذا بالرئيس يمد قدمه ويضربه حتة دين شلوت» في روايته الشهيرة مقتل الرجل الكبير، وإنما أيضا لتدخلات الرقابة التي وجهت بإجراء تعديلات جذرية على الشخصيات والمشاهد، وسُربت وثيقة بتعديلات الرقابة على موقع «Goodreads.com»، أكد صحتها المخرج مجدي أحمد علي في حوار مطول نشر له مع إحدى وكالات الأنباء.

وكان يمكن لفيلم مولانا أن يصبح نافذة حقيقية للإطلال على علاقة السلطة والإعلام ورجال الدين بشكل موضوعي ودقيق، إلا أنه تحول لمحاولة لفرض سيناريو مشوه معين على الرأي العام، يهدف لزعزعة ثقة المتلقي في كل الأطراف، دون دراية ودون علم ودون تمحيص.

 

عرض التعليقات
تحميل المزيد