الإخوان والسلطة، صراع بدأ مع نشأة الجماعة، واستمرّ حتى الآن. بدءًا من الملك فاروق وصولًا للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بدءًا من مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا وصولًا لآخر مرشد عام الدكتور محمد بديع. ماذا تعرف عن هذا الصراع؟ وماذا تعرف عن مرشدي الإخوان الثمانية وعلاقتهم بالسلطة؟ في هذا التقرير محاولة لتَتَبُّع هذه العلاقة.

حسن البنا
الاغتيال..مصير المؤسس
المرشد الأول والمؤسس والأب الروحي للحركة الإسلامية في الوطن العربي كافة، بدأ تدشين جماعة الإخوان المسلمين من مصر ومن ثم إلى باقي الدول العربية، عُرف عنه أنه كان معلمًا ولم يترك مهنته قط حتى اغتياله في 1949، تم اغتياله بسبع رصاصات نافذة استقرت في جسده.
الفترة التي بدأ فيها البنا المؤسس كانت فترة حرجة، الخروج من تحت عباءة “الخلافة الإسلامية”، التي لطالما حَلُم هو بإعادتها بتكوين الجماعة “خلافة على منهاج النبوة”، وضياع فلسطين وبدء الاستيطان، بدأ “البنَّا” في تأسيس تنظيمه الذي كان في بداياته يهدف إلى توعية دينية وتقديم خدمات عجزت الدولة آنذاك عن تقديمها، وسرعان ما بدأ الانخراط في العمل السياسي لقناعته أن الإسلام دين و”دولة”. كان ذلك كله في عهد الملك فاروق، يقول “أحمد مرتضى المراغي” وزير الداخلية في عهد “الملك فاروق” في مذكراته غرائب من عهد الملك فاروق وبداية الثورة أنه عند لقائه بالبنا طلب منه إبلاغ الملك بضرورة عدم حل جماعة الإخوان المسلمين وأن وتيرة الأحداث قد تتصاعد إلى ما لا يحمد عقباه، إذ أن أعضاء الجماعة أصبحوا كثيرين وفي كل ربوع الوطن، وأنه على “النقراشي باشا” ألا يصعد الأمر للملك ويقوم بحل الجماعة، لكنه فعل، ويذكر أيضًا المراغي أن النقراشي قال له مسبقًا أنه يعلم أن مصيره الاغتيال إذا قام بحل الجماعة وهو ما حدث في 28 ديسمبر 1948 أي قبل أشهر قليلة من اغتيال البنا هو الآخر.
مر التنظيم في حقبة البنا وفاروق بتحولات عديدة؛ فحاول البنا كسب الملك بكل الطرق، فمرة تظهر صورة الملك على غلاف جريدة الإخوان وهو يحمل السبحة، ومقالات تتحدث عن إيمان وورع فاروق وأنه امتداد للخلفاء الراشدين، صورة للملك وهو ملتح في عيد ميلاده على الغلاف، ولكن سرعان ما تبدل الحال بعد وجود حكومة الوفد – الذي كان منافسًا شرسًا للجماعة آنذاك – فانعطفت الجماعة نحو الملك كليًا كي تكسب رضاه ويتم حل حكومة الوفد وهو ما حدث. وأثناء وجود حكومة الوفد كانت الانتخابات البرلمانية في فبراير 1942 ورشّح مرشد الجماعة نفسه عن دائرة الإسماعيلية، وتراجع عن ترشحه بعد مفاوضات رئيس الوزراء الوفدي النحاس باشا على العدول عن الترشح وإلا حُلت الجماعة.
فاروق وعبد الناصر والسادات في مقابل حسن الهضيبي والتلمساني
روايات عدة ظهرت بعد اغتيال البنا، لكن المؤكد منها وصية الأخير بأن يحل محله “حسن الهضيبي” حال حدوث أي مكروه له. حاول الهضيبي، وهو قاض مصري ويعد المرشد الثاني للجماعة؛ عدة مرات التصالح وتحسين العلاقة بين الجماعة والملك من أجل أن يتركهم الملك يجهزون أنفسهم للتعبئة وقتال الإنجليز على حد زعم الجماعة، عاصر الهضيبي الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وأيد “ثورة يوليو 52” قبل أن تشتد الخلافات بينه وبين عبد الناصر والتي أدت أخيرًا إلى سجن القاضي.
سُجن القاضي ثم خرج واعتذرت منه قيادات الضباط الأحرار على أمل إصلاح الموقف، ولكن سرعان ما آلت الأمور إلى الأسوأ وتم سجنه والحكم عليه بالإعدام ومن ثم التخفيف للمؤبد، ثم عفو صحي لكبر سنه، مشروط بإقامة جبرية ثم تم رفع الإقامة الجبرية، وتم سجنه للمرة الأخيرة بتهمة “إعادة إحياء التنظيم” ولكنه خرج فيما بعد ومن ثم وافته المنية بعد حرب أكتوبر بشهر تقريبًا.

عمر التلمساني، المرشد الثالث للجماعة
عمل عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين؛ على لمّ شمل الجماعة بعد موجة الاعتقالات في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات وبعد خروجهم، – في خروجهم المشروط الذي ارتأى البعض أنه كان لضرب الشيوعيين والاشتراكيين – ولكن تم اعتقاله عدة مرات، ووافته المنية على فراش المرض.
دخل التلمساني في مواجهات عديدة مع السادات وكتب كتابا بعنوان “أيام مع السادات” وكان أشهرها في لقاء ثقافي للسادات والجملة الأشهر منه “مش كده يا عمر؟ ومن قتل حسن البنا؟” كانت هذه كلمات كفيلة بأن تجعل اللقاء يشتد، وتبادل الاثنان الاتهامات، بين رئيس يلقي بالاتهامات كافة على مرشد الجماعة ويرد الآخر أن الجماعة تنأى بنفسها عن كل هذه الاتهامات وأنه يشكوه إلى “أحكم الحاكمين” ويقول التلمساني أن السادات بعث إليه بوزير إعلامه آنذاك منصور حسن بأن الرئيس لم يقصد ما بدر منه آنذاك وأنه سوف يلتقي به، وفقًا لما ذكره التلمساني في كتابه “أيام مع السادات”.
وللتلمساني حديث مطول في جريدة المجلة قال فيه “البدء الذي بدأ به الرئيس الجديد يبشر بالخير ويعطي إشارة إلى أنه في طريق إطلاق الحرية، كل حرية الشعب المصري. وقد عرفت الرئيس حسني مبارك منذ كان نائبا للرئيس الراحل والتقيت به مرات. إنسان غاية في الوضوح والطيبة. ذكي ويعرف ما يريد ولا يأخذ الناس بما يسمع عنهم وإنما بما يفعلونه ويبدونه فعلا”. كان وقتها الرئيس الأسبق مبارك في بدايات حكمه وكان التلمساني يستبشر خيرًا لمستقبل الجماعة في عهد جديد.
الإخوان تُثبت أقدامها وصراع 30 عامًا مع مبارك

مأمون الهضيبي، المرشد السادس للجماعة
محمد حامد أبو النصر، المرشد الرابع للإخوان المسلمين، شغل منصب المرشد لمدة عشرة أعوام وكان قبلها في السجن حيث حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في الأزمة التي عصفت بالجماعة في 1954 ولكنه خرج في عهد السادات.
ولأبي النصر صورة نادرة في منزل عبد الناصر، روى أبو النصر قصتها أنه قد تمت دعوته هو والشيخ محمد فرغلي إلى منزل عبد الناصر بالمنشية وكان اللقاء يدور حول ثلاث نقاط : إصلاح الأزهر، وإرسال بعثات منه لجنوب أفريقيا لتعليم المسلمين هناك تعاليم دينهم، وإزالة الخلاف بين جماعة الإخوان وقيادة حركة الضباط الأحرار، وذكر أبو النصر أن عبد الناصر كان يريد استقطاب إخوان أسيوط – محافظة الاثنين – حوله.
خاضت الجماعة في عهده الانتخابات البرلمانية في 1987 وفازت بـ36 مقعدا وكانت أول مرة يدخل هذا العدد من النواب الإخوان مجلس الشعب، وخاضت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى في 1989، وفي 1992 خاضت انتخابات المجالس المحلية.
في 1994 أصدرت نيابة حي إمبابة أمرًا بضبط وإحضار أبي النصر لسماع أقواله في شأن ضبط كمية من المنشورات المحظورة تحمل توقيعه وتحرض على العنف، وهو ما نفاه “سيف الإسلام حسن البنا” في تصريحات صحفية وقال أن الجماعة تلتزم بالقانون، وأن هذه المنشورات ليس لها أساس من الصحة.
وله مؤلفات عديدة منها حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وجمال عبد الناصر
توفي في يناير من العام 1996 ودُفن إلى جوار عمر التلمساني.
مصطفى مشهور، المرشد الخامس للجماعة، قضى 18 سنة – متفرقة – من عمره في السجون، تم اعتقاله عدة مرات ومحاكمته محاكمة عسكرية قضى فيها 10 سنوات بالسجن الحربي على خلفية حادث المنشية، ولم يفرج عنه إلا في عهد السادات، كانت علاقته بالسلطة علاقة غير مضطربة وسعى للهدوء وبناء الجماعة من الداخل ودخول كوادر الجماعة إلى النقابات والانتخابات البرلمانية.
كان التلمساني – المرشد الثالث للجماعة – قبل وفاته أوصى أن يتولى مشهور إرشاد التنظيم حيث أنه كان ملازمًا له، لكنه رفض ورشح أبا النصر لهذا المنصب.
وعاد مشهور من الكويت عقب وفاة أبي النصر وتمت مبايعته أثناء دفن أبي النصر ولهذا سميت ببيعة المقابر. دخل مشهور في غيبوبة لمدة أسبوعين وافته المنية على إثرها في 2002.
محمد مأمون الهضيبي، المرشد السادس للجماعة والرابع في عهد مبارك ونجل المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، اشتغل بالسلك القضائي ووصل لمنصب رئيس محكمة غزة، وبعد معرفة صلته الوثيقة بالجماعة تم إقالته من منصبه ومن ثم تبرئته وإعادته إلى منصبه، تم اعتقاله عدة مرات ومن السجن إلى قبة البرلمان حيث نجح في الانتخابات عن دائرة الدقي. وتوفي بعد أزمة صحية في 2004.
أول مرشد سابق على قيد الحياة ومن تلاه يواجه حكم الإعدام:
محمد مهدي عاكف، أول مرشد سابق على قيد الحياة، وهو المرشد السابع للجماعة، حُكم عليه بالإعدام في قضية “تهريب اللواء عبد المنعم رؤوف” في عهد الملك فاروق ولكن تم تخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. تم سجنه مرة وانتُخب نائبًا بمجلس الشعب في 1978 واكتسب صيتًا كبيرًا لمعارضته المستمرة للنظام ولحديثه عمَّا يشغل الناس آنذاك، وبعد 7 سنوات من كونه نائبًا ساد التوتر العلاقة بين النظام الحاكم وبين الجماعة فقُدم عاكف للمحكمة العسكرية وحُكم عليه بثلاث سنوات في القضية المعروفة بـ”قضية سلسبيل”، وخرج من السجن في 1999. من أشهر تصريحاته التي أثارت جدلًا واسعًا جملة “طظ في مصر وأبو مصر واللي في مصر” والتي تصدرت غلاف جريدة روزا اليوسف، حيث أجرى حوارًا لجريدة الكرامة وقال فيه هذه الجملة ورفضت الجريدة نشره كاملًا وتبرأت الجماعة منه وقالت أنه مفبرك، مما دفع عبد الله كمال رئيس تحرير روزا اليوسف آنذاك إلى بث تسجيل الحوار في برنامج البيت بيتك كاملًا في أبريل 2010، وكانت الجملة بالأساس ردًا على سؤال عاكف بأنه لا مانع لديه أن يحكم مصر غير مصري عندما تكون هناك خلافة إسلامية طالما كان مسلمًا.
ويقبع الآن عاكف في السجن بعد تبرئته من تهمة إهانة القضاء لكنه مايزال محبوسًا لتهم تتعلق بقتل المتظاهرين في اشتباكات مكتب الإرشاد بالمقطم.
محمد بديع، المرشد الثامن للجماعة، وأول مرشد يصل في عهده أحد أعضاء الجماعة لأعلى منصب تنفيذي في الدولة ومن ثم الإطاحة به وبالجماعة كلها، ويُحكم عليه هو بأحكام تتراوح بين الإعدام والمؤبد وغرامات مالية، تم سجن محمد بديع 9 أعوام من أصل 15 في محاكمة عسكرية في عهد عبد الناصر، وتم سجنه مرة أخرى في محاكمة عسكرية أيضًا.
ويمكث الآن بديع في السجن، بعد أن كان من أصغر 3 أشخاص يصلون إلى منصب المرشد العام للجماعة، وأول مرشد تصل في عهده الجماعة إلى سدة الحكم ويواجه العديد من الأحكام القضائية وهناك قضايا مازالت في حيز التحقيقات.
ثمانية مرشدين على مدار 87 عامًا تعاقبت عليهم ثمانية أنظمة، وتتكرر المعركة بين نظام وآخر. مستقبل الجماعة ما زال يكتنفه الغموض، حديث بين الآن والآخر عن المصالحة وآخر عن رفضها أو استكمال الصراع بين طرفي المعركة. بين هذا وذاك يبقى المستقبل غير واضح.