تساهم التغطية الإعلامية الواسعة لعمليات إطلاق النار الجماعي، في انتشارها وصعودها في المجتمعات، وذلك نتيجة لتقديم الشهرة لهؤلاء الذين يرتكبون هذه الجرائم، والذين يرغبون فيها بالفعل. هذا ما أظهرته أحدث دراسات علم النفس.
كيف يحدث هذا؟
ويقول علماء النفس أنه عن طريق نشر أسماء ووجوه منفذي هذه الجرائم، يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية، مرتبطة بالاتجاهات المتزايدة في بعض المجتمعات نحو المزيد من حوادث إطلاق النار في المدارس أو حالات القتل العام الجماعي.
في الولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن عدد حوادث إطلاق النار تحدث الآن بمعدل حادثة واحدة كل 12 يومًا. يمكن لهذا المعدل أن يقل بمقدار الثلث إذا أعلن الصحفيون والمدونون ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي اتفاقًا، يقضي بعدم نشرهم مثل هذه النوعية من الأخبار.
وقال باحثون في جامعة «ويسترن نيومكسيكو» أيضًا، إن المحرك الرئيسي لوسائل الإعلام في تغطيةعمليات القتل الجماعي هو فكرة زيادة عدد المشاهدات، وبالتالي جذب المزيد من الإعلانات والحصول على درجة تقييم مرتفعة، لكن الباحثين حذروا أن هذا الأمر يحتاج إلى وقفة.
ويأتي هذا التحذير، بعد العثورعلى الشاب مطلق النار في مدينة ميونيخ الألمانية، ليجد المحققون أنه شخص مهووس بالنرويجي أندرس بريفيك، وهو قاتل جماعي شهير. وشهدت الولايات المتحدة إطلاق النار الأكثر دموية في تاريخها هذا العام، عندما وقعت مذبحة، قتل خلالها 49 شخصًا في نادي مثليي الجنس في مدينة أورلاندو.
في هذا الشأن، قالت جنيفر جونستون، الباحثة في علم النفس في جامعة ويسترن نيو مكسيكو، إن عمليات إطلاق النار الجماعي آخذة في الارتفاع، وهو ما يترافق أيضًا مع تغطية إعلامية واسعة ومتزايدة في الآونة الأخيرة. وتسائلت «عند هذه النقطة، هل يمكن لنا أن نحدد ما الذي جاء أولًا؟ هل هي مجرد علاقة أحادية الاتجاه: المزيد من إطلاق النار يؤدي إلى المزيد من التغطية الإعلامية؟ أم أنها علاقة تدور في الاتجاهين، فمن الممكن أيضًا أن يؤدي المزيد من التغطية الإعلامية إلى المزيد من عمليات إطلاق النار».
الإعلانات هي السبب
وأكدت جونستون، أن مسؤولية وسائل الإعلام عن ازدياد عمليات القتل الجماعي من خلال التغطية الواسعة، لا يأتي كنتيجة لزيادة المبيعات وزيادة عدد المشاهدات بالطريقة المباشرة التقليدية، وذلك طبقًا للورقة البحثية التي قدمتها في المؤتمر السنوي لجمعية علم النفس الأمريكية.
وتوضح أن الإعلام يتمسك بشدة بفكرة «حق الناس في المعرفة»، وبالتالي فهو يقوم بالتغطية الإعلامية طبقًا لـ«أجندة شرهة وجشعة»، للحفاظ على عيون المشاهدين معلقة على الشاشات دائمًا، وذلك لأن وسائل الإعلام تعلم أن جرائم القتل المخيفة، تصنف في المرتبة الأولى من حيث الأهمية بالنسبة للناس، وهذا ما يجعلهم يتابعونها باهتمام، فيتسبب ذلك في تعزيز الإعلانات.
وقال الباحثون، إنه من خلال إعطاء مطلقي النار الجماعية تغطية كبيرة، فإن وسائل الإعلام تكون قد كافئت بالفعل السمات الشخصية الثلاثة الموجودة في معظم هؤلاء المجرمين. هذه السمات الثلاثة تتمثل في الاكتئاب المستشري، والعزلة الاجتماعية، والنرجسية المرضية. وكان عدد كبير من مطلقي النار بشكل جماعي هم من البشر البيض، ومن الذكور، ومن محبي الجنس الآخر (ليسوا مثليين جنسيًا)، بجانب إحساس بالظلم حول حرمانهم من حقهم في موقع قوي ومميز في المجتمع.
وقالت جونستون إنه لسوء الحظ، فإننا نجد أن السمة الشاملة بين العديد من مطلقي النار الجماعيين هي «الرغبة في الشهرة»، وقالت هي والمؤلف المساعد للدراسة، أندروجوي، إن السعي من أجل الشهرة بين مطلقي النار ارتفع منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وذلك تزامنًا مع اتساع ظهور التغطية الإخبارية واسعة النطاق على مدار 24 ساعة، في قنوات الأخبار المتخصصة، وظهور شبكة الإنترنت خلال نفس الفترة.
وأظهرت أبحاث أخرى ارتفاع معدل إطلاق النار الجماعي، إلى ما متوسطه حالة إطلاق واحدة كل 12.5 يومًا، وإطلاق النار في مدرسة مرة كل 31.6 يومًا، مقارنًة مع مستويات ما قبل عام 2000، التي كانت تتمثل في ثلاث حوادث في السنة فقط. وتوضح جونستون، أن هناك احتمالات كبيرة في انتشار أي خبر يتحدث عن عملية إطلاق النار، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى وسائل الإعلام.
انتحار المشاهير يقل
ولتأكيد هذه الفكرة، أشارت الدراسة إلى أمر هام آخر. إذ لاحظت الدراسة وجود انخفاض واضح في حالات انتحار المشاهير، وقد تزامن هذا الأمر مع خفض وسائل الإعلام لتغطيتها لمثل هذه الأخبار منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، و ذلك بعدما كانت وسائل الإعلام تفرد مساحات تغطية واسعة لعمليات الانتحار هذه. لكن عندما أظهرت الأبحاث أن التغطية الواسعة للانتحار جعلته أمرًا معديًا، بدأت وسائل الإعلام تخفض من تسليطها الأضواء على هذه الحوادث.
وأوضحت الدكتور جونستون أنه: «حان الوقت لوسائل الإعلام كي تعمل مع بعضها البعض من أجل الخير، وأن تركز على التحريض نحو التغيير الاجتماعي»، وأضافت أن وسائل الإعلام قامت بهذا الأمر بالفعل مع الانتحار، وبالتالي فيمكنهم أن يقوموا بهذا الأمر مرة ثانية مع حالات القتل الاجتماعي، من أجل الحفاظ على المجتمع، والتقليل من تفشي مثل هذه الأمراض السلوكية.

رسمت وضيحي1 أندريس بريفيك
السلاح في الولايات المتحدة
تتميز الولايات المتحدة الأمريكية عن باقي الدول الغربية، بسهولة تداول السلاح بين مواطنيها وبشكل قانوني، حتى بات من الطبيعي جدًا أن يكون هناك سلاح شخصي في كل بيت؛ فالمادة الثانية من الدستور الأمريكي تقول بوضوح أنه من حق كل مواطن أمريكي حمل سلاح شخصي.
هذا التداول الواسع للسلاح في الولايات المتحدة، تسبب في انتشار ظواهر العنف والسطو المسلح بصورة واسعة، انعكست بوضوح في الأفلام الأمريكية.
ويبلغ عدد الأسلحة الشخصية المملوكة من قبل مواطنين أمريكيين، سواء مسدسات أو بنادق، 270 مليون قطعة سلاح، وبالتالي أصبحت الولايات المتحدة الدولة رقم واحد في امتلاك مواطنيها للسلاح.
الدراسات الحديثة توضح أن هناك 89 قطعة سلاح مقابل كل 100 مواطن، وبالتالي أيضًا أصبحت الولايات المتحدة، الدولة الأولى في حوادث إطلاق النار حول العالم. عدد سكان الولايات المتحدة يمثل 5% من إجمالي سكان العالم لكن هؤلاء يمتلكون من 30 – 35%، من إجمالي الأسلحة الشخصية في العالم. وبمعرفة أن عدد السيارات في الولايات المتحدة يبلغ 254 مليون سيارة، نجد أن عدد الأسلحة هناك يفوق عدد السيارات.
يقولون في أمريكا أن الحصول على سلاح أسهل من الحصول على كأس من الجعة، فالولايات المتحدة تملك حوالي 130 ألف موزع للسلاح .في الولايات المتحدة يوجد نوعان من الموزعين، الأول هو الموزع المعتمد، والذي يطلب منك عدد من الأوراق، من أجل إتمام عملية البيع، مثل الرقم القومي وصحيفة الحالة الجنائية، بينما النوع الثاني هو الموزع الخاص والذي لا يحتاج إلى أي من هذه الأوراق.
في عام 2012 حوالي 40% من الأسلحة المتداولة، تم شراؤها من موزعين خصوصيين، ومع هذا فإن ما نسبته 1% فقط من هؤلاء الموزعين مسؤولون عن 60% من حوادث القتل، التي تحدث في الولايات المتحدة. في الولايات المتحدة يموت 30 شخصًا يوميًا نتيجة حوادث إطلاق النار. هذا بالطبع بدون حساب 53 حالة انتحار يومية باستخدام الأسلحة النارية.
بحساب جميع أنواع عمليات استخدام السلاح الناري، فإن إجمالي الوفيات يصل إلى 289 قتيلًا يوميًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ولاية كنتاكي الأمريكية هي الأكثر امتلاكًا للسلاح، وولاية ويمينج هي الأكثر امتلاكًا للسلاح بالنسبة لكل مواطن، بنسبة 59,7% من السكان. بينما ولاية ألاسكا هي الولاية الأقل استخدامًا للأسلحة.