التقلبات المزاجية التي تعاني منها المرأة الحائض ليست أسطورة، بل رأى البعض فيها أمورًا مثيرة للسخرية، حيث يرى البعض أن المرأة تبدو «مجنونة» في تلك المرحلة الشهرية، وفي المقابل انتشر الكثير من المقاطع المصورة بغرض التوعية تخبر الرجال عما تعانيه المرأة نفسيًا وجسديًا أثناء الحيض. في هذا التقرير نخبرك عن أبرز المجتمعات التي تضطهد المرأة أثناء فترة الدورة الشهرية.
في الهند.. المرأة الحائض «ملوثة»
تدخل تلك الفتاة الهندية لعيادة نائية صغيرة، تتذكر الدماء التي غمرت ملابسها للمرة الأولى، والأهم أنها تتذكر عواقب اكتشاف تلك الزائرة غير المُرحب بها، ولكنها حسمت قرارها، وجاءت إلى هُنا بغرض إجراء عملية جراحية لاستئصال الرحم، ولماذا؟ من أجل ضمان الحصول على فرصة عمل أو قبول المجتمع لها وتجنب العزلة.
في ولاية ماهاراشترا الهندية وخلال الثلاث سنوات الأخيرة لجأت 4560 امرأة بالغة لعمليات جراحية بعرض إزالة الرحم لضمان عدم خوضهن لتجربة الحيض مرة أخرى؛ لأن غياب المرأة من عملها يكلفها غرامة مالية؛ فهي تتخلص من السبب الرئيس وراء الآلام الشهرية التي تنتقص من راتبها الشهري، وفي تلك الولاية يجتمع الأطباء وأصحاب الأعمال التي تشتغل بها النساء على منهج غير قانوني دفع وزارة الصحة لفتح تحقيق كامل بشأنه.
فالطبيب ينصح المرأة التي تعاني من آلام الدورة الشهرية بعملية إزالة الرحم دون إخبارها عن عواقب تلك الجراحة، وأصحاب الأعمال يصرفون مسكنات للآلام تصيب النساء بأمراض خطيرة. وحينما تعلم أن الثقافة الهندية من زمن بعيد وحتى الآن تُطلق على المرأة الحائض لقب «ملوثة» وتُمنعها من حضور المناسبات الاجتماعية، والخروج من المنزل، أو حتى الطبخ، والقيام بالأعمال المنزلية لأسرتها، فلن تندهش من الاضطهاد الذي تتعرض له النساء أثناء فترة الدورة الشهرية.
وبعض أصحاب الأعمال في الهند يتخذون الطريق المختصر، ولا يشغلون النساء لتجنب تلك المعضلة من جذورها، حتى أدى هذا إلى انخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في الهند من 36% بين عامي 2005 و2006 إلى 25.8% بين عامي 2015 و2016.
وإن أرادت الفتاة الهندية الدراسة بدلًا عن خوض سوق العمل مبكرًا، لن يكون طريقها مفروشًا بالورود، ففي تلك الدراسة التي أجرتها الشركة الأمريكية «نيلسون» لأبحاث التسويق وجدت أن 23% من الفتايات يتركن الدراسة بسبب الحرج الذي يتعرضن له أثناء فترة حيضهن.
وفي نفس الدراسة توضح السبب بأن 70% من نساء الهند لا يمكنهن شراء المنتجات الصحية للدورة الشهرية، ويستخدمن بدلًا عنه مواد تصيبهم بالمرض الجلدي، وتلطيخ الملابس، مثل القطن والصحف والأوراق؛ الأمر الذي يجعل الفتاة الحائض عرضة للإذلال والتنمر حينما تلطخ الدماء ملابسها أمام زملائها، بخلفيتهم الثقافية المعتادة والتي تخبرهم أن المرأة الحائض ملوثة لا تصلح أن تطهو لك الطعام حتى وإن كانت والدتك.
معاناة الطالبات الهنديات، حاول الفيلم الوثائقي «Period. End of Sentence» رصدها حينما عرض هذا العام. في هذا الفيلم سُئلت امرأة عن المنتجات الصحية للحيض فلم تفهم معنى السؤال، وسُئل شاب ما هي الدورة الشهرية فأجاب: «مرض»، ووضح الفيلم أن المرأة تُمنع من دخول المعابد منعًا باتًا، وليس وقت الحيض فقط.
ووضح كاهن المعبد وجهة نظرهم بأنه لا يمكنهم التحقق مما إذا كانت المرأة التي تدخل المعبد حائضًا أم لا؛ الأمر الذي حاربه الكثير من المدافعين عن حقوق النساء في الفترة الأخيرة؛ حتى اضطروا المحكمة العليا في الهند إلى السماح للنساء بزيارة المعبد الهندوسي ساباريمالا في ولاية كيرالا، وعلى أثره غضب الرجال غضبًا شديدًا وخرجوا في احتجاجات هائجة بالشوارع رافضين هذا القرار، وتوفي مواطن هندي، وأصيب العشرات أثناء الاحتجاجات على هذا الحكم.
في المقابل هُناك بعض الرجال الذين قرروا اتخاذ الطريق المعاكس لمساندة المرأة الحائض في الهند، ويعتبر ‹أروناتشالام موجانانثام» من أبرز الأمثلة الحديثة على هذا التيار الوليد في الهند، وجاء موقفه بعد اكتشافه أن زوجته تلجأ للملابس المتسخة والملقاة في الطرقات لتمتص دماء الحيض المتسربة منها، وصدمه الأمر حتى قرر العمل على اختراع فوط صحية بتكلفة في متناول يد النساء الفقيرات، وعلى الرغم من أنهن في أمس الحاجة لهذا المنتج، رفضت السيدات في قريته تجربة منتجه ظنًا أنه يسخر منهن.
ولكنه لم ييأس وصنع لنفسه رحمًا صناعيًا مكونًا من كرة قدم بالية ودماء الماعز ورشاش صغير، ووضعه في ملابسه بعد أن ارتدى الفوط الصحية التي صنعها بنفسه، وبدأ الركض في الطرقات مؤكدًا لهم قدرة اختراعه على احتواء تسريب الدماء؛ حتى أطلق عليه أهل القرية «Pad man» أو «الرجل الفوطة» واستلهمت شركة «نيتفلكس» قصة هذا الرجل في فيلم من إنتاجها العام الماضي يحمل نفس الاسم «Pad man».
«أخبرتني أمي أن هذه هي عاداتنا وعلينا الطاعة»، هكذا صرحت الفتاة الهندية سانجيتا كومرا الباغة من العمر 14 عامًا تعليقًا على تجربتها الحديثة مع الـ«Gaokor» أو أكواخ الدورة الشهرية، وهي أماكن منعزلة في قرية سيتاتولا بولاية ماهاراشترا، بُنيت خصيصًا لعزل النساء الحائضات بها؛ لتجنب التعامل معهن، والمرأة المحظوظة هي من تتزامن دورتها الشهرية مع امرأة آخرى، ربما تجد لها ونيسًا في تلك الأكواخ الموجودة على حافة الغابة بالقرية.
«أكواخ الدورة الشهرية» في الهند ونيبال
أكواخ الدورة الشهرية هي ملكية عامة للقرية ويسمح باستخدامها في أي وقت، ولكنها تفتقر للصيانة والنظافة، ولا يتوفر بها الكهرباء أو وسائل للطهي ورعاية النفس، وعلى المرأة الحائض المعزولة أن تنتظر أسرتها لتحضر لها الطعام أو أي لوزام أخرى، بينما تنام الليل على ورقة سميكة تُفرش بها أرضية الكوخ.
تقول ساتيشيلا هاريداس، وهي شابة هندية تبلغ من العمر 23 عامًا: «أشعر بالضيق الشديد طوال مدة الخمسة أيام التي أقضيها بالكوخ؛ فأثناء وجودي في كوخ الدورة الشهرية لا يوجد أي شيء على الإطلاق يمكن للمرأة أن تفعله، ولكن يجب أن نتبع عاداتنا وتقاليدنا».
في محاولة لرصد حالة العزلة والاضطهاد التي تتعرض لها المرأة الحائض في الهند حينما تقضي تلك الأيام في أكواخ الدورة الشهرية أُنتج فيلم «Gaokor-A Period House» في نهاية العام 2018، وجذب إليه العديد من أنظار جمعيات حقوق المرأة والإنسان في أنحاء العالم.
فتاة حائض تجلس في كوخ الدورة الشهرية. مصدر الصورة موقع «theguardian»
الأماكن التي تُبنى فيها تلك الأكواخ يجب أن تكون معزولة، وقد سُجلت بعض حالات الوفاة للحائضات بعد أن لدغتهن الثعابين، ولكنها كانت حالات قليلة. وفي هذا الكوخ ليس على المرأة الخوف سوى من مرور حيوان مفترس، لأنها تكون على يقين بعدم قدرة أي رجل على الاقتراب من تلك الأكواخ، فهم ينظرون إليها على أنها أماكن نجسة تحوي نساء حائضات لا يجب الاقتراب منهن في تلك الفترة.
تلك الممارسة الهندوسية لا تُطبق في الهند فقط، بل يتبعها سكان نيبال أيضًا، ويطلق على تلك الأكواخ هُناك اسم «Chhaupadi»، ويعود هذا الطقس لقناعة المجتمع أن وجود المرأة الحائض في المنزل يجلب عليه غضب الآلهة، والذي قد يتمثل في وفاة أو مرض أحد أفراد الأسرة، ولذلك تظن المرأة الحائض أن عزلتها في تلك الأكواخ غير الآدمية هي تضحية تقوم بها من أجل حماية أسرتها.
وفي العام 2016 ضحت امرأة حائض بالفعل بحياتها، وليس بخمسة أيام من عمرها، حينما وجدها أهلها متوفية بجوار الكوخ بعد أن نزفت من أنفها، ورجح الأطباء أصابتها بأزمة قلبية، بينما تتوفى العديد من النساء الحائضات في نيبال داخل تلك الاكواخ حينما يلجأون إلى إشعال النيران بغرض التدفئة؛ وتد تخرج النيران عن السيطرة وتحرق كوخ الدورة الشهرية والمرأة الحائض بداخله.
وعلى الرغم من حظر المحكمة العاليا لعزل المرأة في تلك الأكواخ، وفرض عقوبة مدتها ثلاثة أشهر وغرامة ثلاث آلاف روبية نيبالية؛ إلا أنه مازال هُناك نسبة كبيرة من الأسر تصر على اتباع العادات والتقاليد.
أوغندا.. تتوقف حياة المرأة بمجرد أن تزورها دورتها الشهرية
في تقرير صدر العام الماضي 2018 عن «صندوق الأمم المتحدة»، شُرح فيه أن الخجل والوصمة المرتبطة في أذهان بعض المجتمعات من الدورة الشهرية تمثل تهديدًا خطيرًا على صحة النساء، وخص بالذكر صحة النساء الحائضات في شرق وجنوب أفريقيا.
وتم التأكيد في هذا التقرير أن العنف والتمييز الذي تتعرض له المرأة الحائض والاستبعاد يدفعاها للشعور بالعار تجاه الدورة الشهرية؛ ما يؤدي إلى إهمالها للنظافة الشخصية في تلك الفترة؛ نظرًا لقلة المعلومات الصحيحة والطبية التي تحصل عليها في هذا الشأن؛ ما يعرض حياة الكثير من النساء للخطر أو الإصابة بالأمراض.
في أوغندا مثلًا؛ تتوقف حياة المرأة بمجرد أن تزورها دورتها الشهرية، وكما يحدث في الهند، تُمنع المرأة الحائض من لمس المياه، أو الطهي، أو الاختلاط في الاحتفالات الاجتماعية والدينية، وتتعمد الفتاة الحائض التغيب عن الدراسة لتجنب سخرية زملائها في حالة اكتشافهم للأمر، وهو أمر مرجح الحدوث نظرًا لغياب الوعي الكافي باستخدام الفوط الصحية في أوغندا؛ ما يترك وصمة عار على ملابس الفتاة متمثلة في دائرة من الدم.
هذا الشعور بالعار والخجل يمنع الفتاة الحائض من حضور ما يقرب من ثمانية أيام دراسية في الشهر، وهو ما يقارب 11% من إجمالي أيام التعلم في السنة؛ ما يصعب على الفتاة تعويضه فيما بعد.
تستخدم الفتاة الحائض في أوغندا قطع القماش والأوراق الجافة بهدف تجفيف الدماء النازفة من أجسادهن، تلم الأقمشة التي تتوارثها نساء الأسرة، ومعظم النساء الحائضات، سواء في الهند، أو أوغندا، أو نيبال، يتعلمن من آبائهن أن دماء دورتهن الشهرية قد تستخدم ضدهن في السحر إذا استخدموا الفوط الصحية وألقوها في القمامة لتكون متاحة لممارسي السحر الأسود الذي يحتاج تلك الدماء.
تقول جوان أنيانجو من أوغندا، والبالغة من العمر 16 عامًا: «اعتدت على استخدام قطع الملابس التي أقطعها من ملابسي القديمة، ولكن لم يكن هذا كافيًا لتجفيف الدماء. واعتاد زملائي الذكور السخرية مني؛ فتركت الدراسة وبقيت في المنزل».