بسبب ما يمر به العالم من اجتياح لوباء فيروس كورونا، فرضت الكثير من البلدان الحجر الصحي وحظر التجوال على مواطنيها، مطالبة إياهم بالمكوث في المنزل، سواء عن طريق وسائل الإعلام واللين والإقناع، أو عن طريق تنفيذ سلطة القانون لمنع المواطنين من الخروج من المنزل والمخاطرة بالتقاط الفيروس ونقله إلى عدد كبير، فالحالة الواحدة لديها القدرة على نقل الفيروس لما يزيد عن 44 حالة.
ولذلك العديد من الشركات منحت موظفيها إجازة، أو طالبتهم بالعمل من المنزل، وحصلت المدارس والجامعات على إجازات رسمية من الحكومات خلال تلك الفترة الحرجة التي يمر بها كوكب الأرض، تلك الفترة يتحول فيها العالم كله إلى عالم افتراضي، يمارس دراسته، ومشاهدة حفلاته المفضلة، وممارسة عمله؛ كله من داخل المنزل.
في ظل تلك الظروف العالمية، سنجلس في منازلنا وسط عائلتنا، ولكن البعض ليس له عائلة وسيعيش فترة العزل وحيدًا في منزله، تلك الفترة التي قد تستمر إلى شهر أو أكثر. فترة العزل ستحميه جسديًا من التقاط الفيروس، ولكن لن تحميه عقليًا ونفسيًا من فترة العزلة، والشعور بالوحدة والذي قد يكون خطيرًا على أصحاب الأمراض النفسية، خاصة ذوي الميول الانتحارية منهم. في هذا التقرير نقدم للقارئ دليلًا عن كيفية الحفاظ على الصحة النفسية خلال فترات الحجر الصحي.
الحجر الصحي: «وصفة مضمونة للاكتئاب»
«نحن نقلق على ما يكفينا من غذاء وأوراق تواليت وأدوية للبقاء بأمان فترة الحجر الصحي، ولكن التحدي الأكبر من تحديات الحجر الصحي هي المحافظة على صحتنا العقلية»، هكذا صرحت الطبيبة النفسية الأمريكية كلوديا دبليو ألين مدير العلوم السلوكية في قسم طب الأسرة في كلية الطب بجامعة فيرجينيا لجريدة «يو إس توداي».
وهو ما أكد عليه الطبيب النفسي المصري أحمد سعيد الذي تحدث معه «ساسة بوست»، والذي يوضح أن فترة العزلة في المنزل، خاصة بالنسبة للشخص الوحيد قد تؤثر على صحته النفسية بالسلب، في حين أن العمل عن بعد يبدو وكأنه شيء مريح ويمنحك إجازة العمل في المنزل مع الاسترخاء، ولكن العزلة وغياب الجدول الزمني لتنفيذ المهام، والانغلاق على النفس في المنزل، تعتبر وصفة مضمونة للاكتئاب، بحسب سعيد.
وهو ما تحدث عنه أيضًا روبرت نوكس الأستاذ بكلية الصحة العامة ببوسطن، والذي نشر مقالًا في مجلة «علم النفس اليوم» يتحدث فيها عن تجربته مع المعزولين صحيًا أثناء تجربة انتشار فيروس «سارس»، موضحًا أن انتشار أعراض الضيق النفسي، والتي تلتها أعراض الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة كان له ندوب في نفس المرضى والأصحاء من المعزولين، استمرت فترة طويلة بعد احتواء الفيروس، وكان على هؤلاء المواطنين في كندا – مكان الحجر الصحي الذي راقبه روبرت -؛ أن يتابعوا علاجهم النفسي بعد انتهاء الحجر الصحي، مصرحًا أن: « حتى لو تمكنا من وقف الانتشار الجسدي للمرض من خلال الاستخدام السريع للحجر الصحي والتشتيت الاجتماعي، سيكون علينا مواجهة آثاره على الصحة العقلية على المدى الطويل».
«تجنب مشاهدة أفلام نهاية العالم».. كيف تحمي نفسك؟
بمساعدة أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة الطبيب أحمد سعيد تقدم لك «ساسة بوست» دليلك للبقاء في المنزل فترة الحجر الصحي دون أن تصاب بالاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ولقضاء تلك الفترة بأقل خسائر نفسية وعقلية وممكنة. في البداية عليك ألا تستسلم للنوم والبقاء في الفراش حتى وقت متأخر من اليوم، استيقظ من نومك كما اعتدت وقت الذهاب إلى العمل، والأهم أن تستحم في الصباح وترتب السرير وترتدي ملابسك ولا تترك ملابس النوم على جسدك، قد تبدو تلك التفاصيل صغيرة وتافهة لك ولكن تأثيرها النفسي الإيجابي كبير عليك.
إذا كنت تباشر عملك من المنزل، التزم بأوقات العمل المعتادة ولا تعمل في ملابس البيت، وإذا كنت لا تعمل من المنزل، فابتكر لنفسك جدولًا زمنيًا أوقات الواجبات اليومية التي عليك أن تنفذها في المنزل وعلقها أمامك على الحائط في ورقة كبيرة لتذكريك دائمًا، ويجب أن يتضمن هذا الجدول بجوار أعمال المنزل الروتينية؛ وقتًا للتمارين الرياضية، والتي سيكون لها دور كبير في محاربة الاكتئاب.
يفضل أيضًا أن يحتوي جدولك أثناء حظر التجوال على وقت لمحادثة أقاربك وأصدقائك في الهاتف يوميًا حتى تكسر حاجز العزلة الاجتماعية الذي تشعر به، ووقتًا لهوايتك والتي تختلف باختلافات الفروق الفردية بين البشر، سواء كانت رسمًا أو موسيقى أو حتى مشاهدة المسلسلات، ولكن تجنب مشاهدة الأعمال الدرامية التي تدور حول نهاية العالم والحجر الصحي وما يتبعه من حظر التجوال فالبعض – يوضح سعيد- يشاهد تلك الأفلام بدافع المزاح ولكن تأثيرها النفسي سلبي عليه.
امنح نفسك إجازة أسبوعية، هذا الجدول الذي تحدثنا عنه سابقًا، يجب أن يتغير في نهاية الأسبوع حتى لو بأنشطة بسيطة للغاية، مثل طهي وجبة طعام مختلفة عن الطعام الذي تناولته طوال الأسبوع، أو من خلال تغيير لون أحد الغرف في المنزل، أو تغيير تنظيم ديكور الشقة بشكل عام حتى تشعر باختلاف في المكان خلال فترة الحجر وحظر التجوال.
«تجنب السوشيال ميديا».. كيف تدير حوارك مع ذاتك؟
الشخص المعزول في حظر التجوال يفتقد التواصل الاجتماعي والحوار مع الآخرين، وحتى المحادثات الهاتفية لن تستمر على مدار اليوم، ولذلك الحوار الذاتي للشخص مهم للغاية، لأنه الحوار الوحيد المستمر طوال فترة العزل، ولذلك يجب أن يكون هذا الحوار إيجابيًا، لا داع للأفكار السوداوية أو الذكريات السيئة، وجلسات استدعاء الحوادث المريرة في الحياة.
ويمكن السيطرة على العقل في هذا الأمر بتعلم شيء جديد، تلك اللغة الذي كنت تسعى إلى تعلمها منذ فترة، هذا هو وقتها، والآلة الموسيقية المركونة في غرفتك منذ شهور أو سنين، ذلك هو وقت تعملها، تعامل مع تلك الفترة من حظر التجوال باعتبارها فترة نقاهة نفسية، وتواصل مع الذات وفهم النفس، وتعلم الأشياء الجديدة، وليس فترة سجن أو عزلة.
وجود الإنترنت في فترة الحجر الصحي وحظر التجوال يعد سلاحًا ذا حدين، فهو يمنحك الفرصة للتواصل مع أصدقائك وأقاربك من خلال محادثات بالفيديو يوميًا، وربما لو هناك شخص مقرب إليك؛ أن تتواصلوا بالكاميرا طوال اليوم وكأنكم جالسين سويًا بينما يمارس كل منكما حياته اليومية بشكل عادي، وكل هذا مفيد في فترة الحجر الصحي.
ولكن الجانب الآخر السلبي لوجود إنترنت هو متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تنشر الذعر من خلال الكثير من الأكاذيب أو التركيز على الأخبار السلبية فقط، وهذا الأمر يصيب الشخص الوحيد في الحجر الصحي بمزيد من الرعب والقلق والتوتر، الأمر الذي يساهم في تقليل قدرة جهازه المناعي ويجعله أكثر عرضة للإصابة بالمرض، ولذلك عليكم تجنب مواقع التواصل الاجتماعي في تلك الفترة، واللجوء للراديو والموسيقى.
«كُن عالمًا أو كاتبًا»
وفقًا لخلفية الشخص المعزول التعليمية؛ يمكنه تحويل فترة الحجر والعزلة إلى ورشة عمل، إذا كانت ميوله أدبية أكثر، يُقترح عليه أن يبدأ كتابة يومياته في الحجر ووصف مشاعره وحالته النفسية مع تأريخ للوضع الخارجي الاجتماعي كما يصله من اقاربه أو من الأخبار العالمية الموثقة، وإذا كانت ميوله علمية أكثر فيمكن أن يتحول إلى عالم فيروسات هاو من خلال الدراسة والقراءة عن الفيروس وكتابة يومياته أيضًا ولكن بطريقة علمية عن كيفية محاربته لهذا الفيروس، تلك التجربة التي قد تكون صالحة للنشر فيما بعد.
يخبرنا – سعيد – أن التجربة تكون أقسى على الشخص الذي يعيش وحيدًا، ولكنها ليست هينة أيضًا على العائلات والأسر الصغيرة، خاصة المتزوجين حديثًا، فهذا الوقت الطويل الذي سيقضونه سويًا في الحجر دون التواصل مع أفراد آخرين، قد يكون امتحانًا صعبًا لعلاقتهم ومدى قوتها، ومدى التفاهم القائم بينهم، ولذلك على الأشخاص الذين يقضون الحجر مع عائلتهم؛ أن يجدوا العديد من النشاطات المنزلية المسلية التي يفعلونها سويًا حتى لا يتحول الحجر الصحي إلى مجموعة متواصلة من الخلافات والشجارات.