حصان طروادة، أسطورة قديمة تقول إن الإغريق دام حصارهم لطروادة 10 سنوات، فلما يئس الإغريق لجأوا إلى حيلة جديدة. بنى الإغريق في ثلاثة أيام حصانًا يبلغ 108 مترًا ووزنه ثلاثة أطنان، وتكدس الجنود في داخله، بينما تظاهر باقي الجيش بالرحيل. خرج أهل طروادة فرحين بانقضاء الحصار واختلفت أراؤهم بشأن الحصان، إلا الغلبة، التي كانت للفريق القائل بإدخال الحصان إلى المدينة. في الليل خرج المحاربون من الحصان، وفتحوا البوابات لباقي جيش الإغريق، وهُزمت طراودة.

يمكن القول إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان بمثابة حصان طروادة الذي دخل عبره رجل أشد شراسةً منه إلى البيت الأبيض. فنائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، المؤمن بتفوق الجنس الأبيض لم يكن ليكون ثاني أهم رجل في الولايات المتحدة لولا وجود ترامب في الصورة. كذلك فإن إجبار الحزب الجمهوري ترامب على قبول بنس نائبًا له، لا لأنّ له غاية سوف تكشفها الأيام لاحقًا، لكن على قدر المتاح من الإحصاءات حاليًا فإن بنس أعطى ترامب مصداقية للجمهوريين والناخبين الإنجليين.

دولي

منذ 3 سنوات
أخطر 4 قرارات اتخذها ترامب قد تغير مستقبل الشرق الأوسط لعقود قادمة

بالتأكيد لم يكن ترامب يخطط لعزل نفسه كي يصبح مايك بنس رئيسًا، لكن الرياح أحيانًا تأتي بما تشتهي سفن نوّاب الروؤساء. كما أن لا يمكن التكهن إذا ما كان بنس قد سار على خطى فرانك آندروود بطل مسلسل بيت من ورق (هاوس أوف كاردز) أم لا. فآندروود استغل وجوده في ظل الرئيس لتنفيذ خطة محكمة تدفع الرئيس للاستقالة فيتولى هو مقاليد الحكم.

ووفق التعديل رقم 25 من الدستور الأمريكي الذي تمت الموافقة عليه عام 1967 سوف يتولى مايك بنس الرئاسة حال عزل ترامب. ويجب على بنس تعيين نائب جديد له، وهذا النائب سيخضع لشرط أن يوافق عليه مجلسا الشيوخ والنواب. أما إذا كان بنس مشتركًا في القضايا التي تمس الرئيس فإنه سوف يُعزل معه ليتولى مكانه، وفقًا للدستور، رئيس مجلس النواب. وفي الحالة الراهنة هو الديموقراطية نانسي بيلوسي، التي تتزعم الحملة المناهضة لترامب.

نائب الرئيس ضد المثليين والإجهاض

 لم يُذكر حتى الآن اسم مايك بنس في أي تقرير، يتهمه بمشاركة ترامب في التهم الموجهة إليه، أو حتى تقارير تتحدث عن خطةٍ رتبها مايك بنس للإطاحة بترامب. التقارير الوحيدة التي ورد فيها اسم مايك بنس هي أحاديث الديمقراطيون أنفسهم.

فمنذ اللحظات الأولى التي أُعلن فيها مايك بنس نائب للرئيس، همس الديمقراطيون بأنه في حالة تولي بنس مقاليد السلطة فإنه سوف يجعلهم ويجعل الشعب كاملًا يتمنى عودة ترامب. لكن ربما لا يدرك الديمقراطيون أن شعبية مايك بنس أعلى من ترامب، فرصيد ترامب تآكل بسبب القضايا التي أثيرت حوله والفضائح المتتابعة التي لحقته، لكن اسم مايك بنس لا يزال يلمع بسبب بُعده عن تلك الفضائح والقضايا.

ثقة الجمهور في بنس يأتي من وضوح مواقفه وثباتها طوال مسيرته المهنية، بينما مواقف ترامب متغيرة ولا يمكن التنبؤ بها. مايك بنس لم يتردد يومًا في إعلان رأيه عن ضرورة الجهاد المسيحي، ولا حق أمريكا في التدخل عسكريًا في أي بقعة من الأرض لحماية مصالحها. كذلك فإن بنس يُعلن صراحة كراهيته لمثليّ الجنس، ويرى ضرورة إخضاعهم إلى برامج لتغيير سلوكياتهم الجنسية، وعرض أن تتحمل الدولة نفقة تلك البرامج. كما أنه يقف حجر عثرة أمام محاولات توسيع قوانين جرائم الكراهية لتشمل مثليّ الجنس، بنس يريدهم خارج إطار هذا القانون.

كذلك يرى أن وجود المثليين داخل الجيش يُضعف من وحدته وتماسكه، لهذا يؤمن بضرورة حرمانهم من الالتحاق بالجيش أو المناصب العسكرية المرتبطة به. أيضًا أصدر قانونًا يمنح أصحاب الأماكن العامة والتجارية حق رفض المشاركة في ترتيبات زواج المثليين بأي صورة.

ويرى ضرورة تجريم الإجهاض نهائيًا. وفي فترة عمله عمدة إنديانا أصدر مرسومًا يلزم بدفن أو حرق أنسجة الجنين المُجهض كأنها شخص بالغ بدلًا عن إلقائها في المخلفات الطبيّة كما يحدث حاليًا. كذلك كانت إنديانا في عهده هي ثاني ولاية أمريكية تمنع الإجهاض في حالة ثبوت إصابة الجنين بإعاقة ما.

التعذيب ضرورة والتجسس واجب

عقائد بنس السياسية تتماشى مع عقائده الدينية، فالرجل يصف نفسه بأنّه مسيحي قبل كل شيء، ثم يزيد عليها أنه محافظ في توجهاته وأفكاره، ويغلف الصفتين بالتأكيد على أنه جمهوري. بيئة إنديانا التي وُلد وتربى فيها بنس تدعم تلك الصفات بقوة. أنهى بنس رحلته التعليمية بالحصول على شهادةٍ في التاريخ عام 1981، ثم الدكتوراه في القانون بعدها بخمس سنوات. وفي عام 1988 ترشح للكونجرس نائبًا عن إنديانا لكنّه لم يفز. ترشح مرةً أخرى لكن لم ينجح.

الخسارة الثانية هزّت ثقة الرجل في نفسه، فاتجه للعمل مذيع في برنامج إذاعي حتى عام 1999. الألفية الثانية حملت له النجاح الذي تمناه فدخل للكونجرس نائبًا عن إنديانا. وقضى في الكونجرس 12 عامًا متنقلًا بين المناصب الداخلية، حتى وصل إلى رئيس مؤتمر الحزب الجمهوري داخل الكونجرس. أخيرًا خرج من الكونجرس بمنصب جديد: نائب للرئيس، لكن بالعقائد والأفكار القديمة نفسها.

يدعم بنس التطبيق الدائم لقانون باتريوت، أو ما يقابل في دول أخرى بقانون مكافحة الإرهاب. ويريد كذلك فرض قوانين تحظر حرق العلم الأمريكي. يحترم بنس العلم بصورة شديدة ففي إحدى مباريات كرة القدم الأمريكية التي يخوضها فريق إنديانا انحنى لاعبان من الفريق الخصم أثناء عزف النشيد الوطني، فانسحب الرجل فورًا مرددًا أنه لا يسمح لأي أحد أن يقلل من احترام العلم أو النشيد الأمريكييّن.

وعند ظهور تسريبات إدوارد سنودن التي كشفت قيام الولايات المتحدة بالتنصت على عدد هائل من مواطنيها، دعم بنس منح الحصانة بأثر رجعي لشركات الاتصالات المتورطة في التجسس على المواطنيين بدون إنذار أو إذن مسبق. كان ذلك القرار أثناء توليه منصب عمدة ولاية إنديانا، كما أعلن وقتها رفضه لقيام الكونجرس بفرض رقابة على الاستجوابات التي تجريها وكالة الاستخبارات المركزية.

بنس لا يؤمن بقانونية التعذيب أثناء الاستجواب، لكنّه أيضًا يقول إن الاستجوابات العنيفة أنقذت حياة آلاف الأشخاص في العديد من الأوقات. وفيما يتعلق بتلك النقطة فبنس يرى ضرورة التوسع في إنشاء المزيد من المحاكم العسكرية، وصرّح سابقًا أنه لا يمانع وضع المزيد من المعتقلين في معتقلات جوانتاموا سيئة السمعة.

في السياسة الخارجية.. بنس أكثر صرامة من ترامب

أما في سياسته الخارجية مع أعداء الولايات المتحدة فبنس يتخذ موقفًا مركبًا من معظم القضايا. على سبيل المثال يؤمن أن الحل العسكري لن يجدي مع إيران وأن الأفضل هو عزلها اقتصاديًا بصورة قاسية، ليكون ذلك حلًا بديلًا عن الحرب. لكن في الوقت ذاته صرّح عام 2010 أنه سيدعم إسرائيل تمامًا إذا قامت بشن هجمات ضد إيران.

حتى لو كانت تلك الهجمات استباقية من جانب إسرائيل، وتستهدف المنشآت النووية عالية الخطورة على  المدنيين وعلى جيران إيران، فإن بنس لن يتردد في دعم إسرائيل بأي صورة. يتماشى ذلك مع دعم بنس لإصدار تشريعات تبيح استخدام جميع الوسائل المتاحة والضرورية للقضاء على التهديد النووي الذي تمثله إيران.

أما مع جارتهم المكسيك فبنس يتمسك بإنشاء الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك أكثر من تمسك ترامب به. كذلك بخصوص نقل السفارة الأمريكية للقدس، فقد هدد بنس أورجواي أنّه سيتأكد من إغلاق سفارة الولايات المتحدة في أورجواي إذا لم تقم الأخيرة بنقل سفارتها للقدس.

أما العراق فبعد 90 يومًا من قيام عناصر شركة «بلاك ووتر» الأمنية بقتل 17 عراقيًا داخل الأراضي العراقية، رتب بنس استقبالًا حاشدًا لإيريك برينس مؤسس الشركة التي تعتبر أقوى منظمة مرتزقة في العالم. علاقة بنس بإيريك تبدو أعمق إذا علمنا أن إيريك ووالدته من كبار الداعمين لبنس، وكانا الممولين الرئيسين للعديد من الحملات التي تطالب بحظر زواج المثليين، وفي تمويل مبادرات تجريم الإجهاض.

الخامس عشر.. هل يصبح بنس رئيسًا بعزل ترامب؟

يختلف بنس عن ترامب في الإعلان عن كل ما يفكر به. فترامب أثناء حملته الانتخابية، ولاحقًا أثناء توليه الرئاسة أعلن أنه سيشن حربًا على الصحافة والصحافيين الذين تناولوه بشكل سيئ في الإعلام. لكن على النقيض يؤمن بنس بضرورة إصدار قانون فيدرالي لحماية الصحافيين ويمنحهم حق الحفاظ على سرية مصادرهم. يتجلى ذلك في دعمه مراسلة جريدة «نيويورك تايمز» جودي ميلر التي سُجنب لرفضها الكشف عن مصدرها في إحدى القضايا.

لكن لا يلبث بنس أن يعود لموافقة ترامب فيما يتعلق أشياء كثيرة أخرى، منها قانون الرعاية الصحية المُيسّر، والمعروف باسم «أوباما كير». والذي كان قد أشاد به حين كان عمدة إنديانا، لكنّه عاد لمهاجمته حين صار نائبًا للرئيس. أيضًا يوافق ترامب فيما يتعلق بأن التغيير المناخي خرافة وأن اتفاق باريس الذي انسحب منه ترامب كان كارثيًا. وفي الأوقات القليلة التي يقول فيها أنه يؤمن بأن التغيير المناخي موجود فعلًا، فإنه يرفض في اللحظة ذاتها تخلي الولايات المتحدة عن أي نشاط صناعي.

بهذه الأفكار يوشك بنس أن يصبح نائب الرئيس رقم 15 الذي يصل إلى السلطة بعد رئيسه. لكنّه سيكون الأول الذي يتولى الحكم بعد عزل رئيسه، فخمسة من الأربعة عشر السابقين تولوا عن طريق الانتخابات بعد انتهاء مدة رؤسائهم، وثمانية تولوا بعد وفاة أسلافهم، وجيرالد فورد هو الوحيد الذي تولى بعد استقالة سلفه طواعيةً.

سياسة

منذ 3 سنوات
أخطر محاولة لعزل ترامب.. 4 أسئلة تشرح لك أسبابها واحتمالية نجاحها

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد