“ستظل الأقليات في كل إقليم من أقاليم العالم تواجه مخاطر جسيمة، وتمييزًا عنصريًّا، وتستبعد مرارًا من المشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المتاحة للغالبية في البلدان أو المجتمعات التي يعيشون فيها”. كلمة القتها مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تعبيرًا عن وضع المخالفين لدين أو لون أو عرق سائد في كل دولة، ويواجهون اضطهادًا لاختلافهم، ونبذًا من وطنهم والعالم.
الأكراد والتركمان واليزيديون في العراق
“عائلات عراقية نازحة من عنف تنظيم داعش بمدينة تل عفر الشمالية، متجهة لمخيمات اللاجئين”
شهد مسيحيو العراق أول هجوم من “داعش” ليقضي ثلاثمائة منهم ليلتهم في إحدى الكاتدرائيات، في طريقهم لترك وطنهم بعد تهديدات جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية لهم، وسيطرتهم على قراهم وإجبارهم على الفرار, ثم يأتي دور اليزيديين ليفر 700 ألف منهم إلى جبل سنجار، وتحاصرهم داعش من جديد دون طعام ولا ماء، ويعبر بعضهم نهر دجلة إلى سوريا، والبعض لإقليم كردستان، بعد استيلاء داعش على بلدتهم سنجار، تاركين خلفهم مئات الجثث من ذويهم قتلوا أثناء القصف، فيما وصف بإبادة جماعية وتطهير عرقي تشهده العراق، بعد تهديد الأقليات باعتناق الإسلام أو الموت, إذا بمذابح داعش تلقي الضوء على الأقليات العرقية والدينية في العراق، والتي تعود أزمتهم حقًّا لعام 2003، بعد تأسيس مجلس الحكم على أساس محاصصة طائفية وعرقية، تحرم الأقليات من أي تمثيل سياسي أو دور في بناء السلطة.
تعرض زعماء عدة من التركمان لمحاولات اغتيال كان خلفها أسباب عرقية، زادت من شعورهم بالاستهداف؛ ليزيد التمييز ضدهم عند صدور قانون للمرحلة الانتقالية، دون أن يتضمن حقوقهم مثلما تضمن حقوق الأكراد, أربعة ملايين تركماني كانوا أبرز المتضررين كأقلية عراقية محرومة من حقوقها، ومن تمثيلهم حيث يمثل التركمان عضوًا واحدًا في مجلس الحكم, ويتعرض التركمان لاضطهاد من الأكراد؛ فقد وقعت مؤخرًا اشتباكات مسلحة في كركوك بين الأكراد من جانب والتركمان والعرب من جانب آخر، في إطار الصراع على المدينة النفطية؛ مما تسبب في وقوع ضحايا من كلا الجانبين, ليظل الأكراد هم الأقلية الوحيدة التي تحظى بحدود جغرافية في إقليم كردستان، وتسعى لتشكيل دولة وسط انهيار الأمن العراقي مع ظهور تنظيم داعش، كما أنها تملك قوة مسلحة.
هذه الأقليات الصغيرة في العراق كاليزيديين والمسيحيين والصابئة والكلدان والآشوريين المهمشين، تقوم على أساس ديني.
الأقليات العرقية الإيرانية
الأكراد والعرب والتركمان والبلوش يعيشون في إيران مع الفرس، ويعدون من المواطنين الأصليين فيها، إلا أنهم يخضعون لقوانين وممارسات تمييزية تصادر أراضيهم وتحرمهم من حقوقهم في المرافق الأساسية كالسكن والمياه والصرف الصحي، وتحرمهم من الخدمات العامة وحق العمل في القطاع العام والخاص، بالإضافة لسعي الحكومة المركزية لتغيير طبيعة التركيبة الاجتماعية في مناطق الأقليات عن طريق دفع الأموال للفرس للانتقال إليها, هذا مع حرمان الأقلية من بناء دور عبادة لهم؛ كمنع بناء المساجد للسنة، وما تلقاه جماعة عرب الأهواز من أحكام بالإعدام لشبابها من الناشطين، وهو الحكم الذي يواجه كل من يطالب برفع القيود عن الحرية. وفي عام 1989، اغتالت السلطات الإيرانية قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وقتلت ما يزيد عن 120 من أعضائه بالعراق, واليوم رغم مرور عام على انتخاب حسن روحاني رئيسًا للجمهورية في إيران، ما زالت تشهد الأقلية غير الفارسية إعدامات، بل ازدادت في عهده لتصل إلى 687 حالة إعدام بزيادة 20%، وفق تهم منها محاربة الله، والفساد في الأرض، وتهديد الأمن القومي ليكون أغلب ضحايا الإعدام من النشطاء السياسيين والثقافيين من العرب والبلوش والأكراد.
الأقلية التترية المسلمة في القرم الأوكراني
“عائلة تترية هاربة من سيمفيروبول إلى غرب أوكرانيا على أثر الأزمة التي تجتاح شبه جزيرة القرم”
شهدت الاقلية التترية تهجيرًا على يد ستالين إلى سيبيريا في آسيا الوسطى، وفقد الملايين ارواحهم جوعًا ومرضًا ليعودوا إلى موطنهم الأصلي ثمانينات القرن الماضي, ويواجه اليوم التتريون ممارسات روسية عنيفة بوصفهم أقوى الداعمين لاستقلال أوكرانيا، في الوقت الذي بدأت روسيا السيطرة على إقليمهم بعد الاستفتاء الذي أدى لانضمام الإقليم لروسيا، والذي قاطعه المسلمون مع تصريحات فلاديمير بوتين باستحقاقهم الموت، لتمارس الميليشيات الموالية لروسيا اعتداءات على زعماء الأقلية التترية وأعضاء المجلس التمثيلي للمسلمين التتار بالضرب والمحاصرة, ويفر نحو 8 آلاف شخص إلى الأراضي الأوكرانية الرئيسة، على أمل أن تكون هجرة مؤقتة، ثم يعودوا لوطنهم مثلما حدث مع أجدادهم عام 1944.
غجر رومانيا
“امرأة وابنها بخيمتهما التي تأوى سبعة أفراد في رومانيا 2013”
وصفها القانون البريطاني بالقبائل المجرمة، وهي القبائل التي فرت من الهند لأوروبا منذ 1000 عام، ولا تملك الأراضي ولا الأعمال لتجني المال، فاليوم يواجه الغجر اضطهادًا، (عددهم حوالي 12 مليون فرد من كل الدول الأوروبية التي استوطنوها مع دخول رومانيا للاتحاد الأوروبي عام 2007 كإيطاليا وفرنسا، وبريطانيا التي رفضت إقامتهم بالمساكن وأقامت لهم مخيمات هربوا إليها من الفقر والاضطهاد العنصري الذي يمارسه عليهم أهل رومانيا)، وتأتي الشرطة الفرنسية اليوم لتهدم مخيماتهم التي تأوى المئات دون إخطار مسبق، في عملية خطط لها في باريس وليون، مستهدفة 20 ألف غجري، بدعوى من وزير الداخلية بأن الأمر جاء بناء على أسباب أمنية وصحية، وقد ناشد بلغاريا ورومانيا إجلاءهم وإعادة دمجهم مع مواطنيهم مرة أخرى.
مسلمي الروهنجيا
“المسلمون في روهنجيا يخلون بيوتهم بعد أعمال قتل وعنف طائفي 2012”
الروهنجيا هي واحدة من 14 ولاية بميانمار، ويشكل مسلموها نحو 10 مليون من سكان الدولة، ويعانون من التمييز العنصري، وهم محرومون من امتلاك العقارات أو العمل بالتجارة أو تقلد الوظائف الحكومية أو التصويت في الانتخابات، وهو الأمر الذي زاد بعد انتخابات 2010، رغم تغيير نظام الحكم من عسكري إلى ديمقراطي؛ لتبدأ محاولات إخراجهم من مقاطعة أراكان وتحويلها لمستوطنة للبوذيين، مع محاصرتهم المستمرة وحرمانهم من الطعام وتدمير مساجدهم ومدارسهم، وإجبارهم على ترك الإسلام، وسط اشتباكات يشعلها البوذيون معهم، والتي أسفرت عن ضحايا كثر في محاولة لاستكمال مشروع الدولة لإنشاء قرى نموذجية بوذية خالية من المسلمين, وقد أصدرت منظمة حقوق الإنسان تقريرًا وصف ما يحدث للمسلمين في ميانمار بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية، ووجهت اتهامات لدول الجوار بالعمل على تصفية المسلمين بصفة عامة ومساعدة ميانمار في أعمالها.